ظلم «ساهر» إن وجد.. خير من مقتل 6 آلاف عزيز!
أحد أهم مؤشرات التحضر من عدمه أن تجد من يحارب الإصلاح بمفهومه العام لخدمة الصالح العام. لا أريد التحدث عن أمور فلسفية حتى لا أفهم خطأ لأن موضوع الإصلاح نسبي، بدليل أن شر الرضاعة للكبير يبدو في نظر البعض أهون من أمر قيادة المرأة للسيارة مثلا! فكل واحد يمكن أن يدعي أنه يسعى للإصلاح من منطلقاته هو! لكنني أتحدث هنا عن تطبيق النظام الذي لا يختلف عليه اثنين، فلا يوجد مجتمع مدني بلا نظام يحميه ويحقق له العدالة والحماية المطلوبة لهذا المجتمع. لا أعتقد أننا في مقام ما إذا كان ذاك صحيحا أم خطأ! مع أنه مع الأسف ثمة من يبرر أو يحاول أن يجد مبررا وإن لم يكن يقصد ذلك في عدم تطبيق الأنظمة!
لا يوجد في تاريخ العالم كله المكتوب منه على الأقل أي تجربة تقول إن هنالك حضارة رسخت دون نظام عملت من خلاله تلك الحضارة. ولم تسقط حضارة إلا بعد أن تجاوزت النظام وأصبح التجاوز هو القاعدة والقاعدة استثناء. لا أريد الخوض في تفكيك التاريخ ومعرفة المراجعات العلمية لتلك النتيجة، فلا هو فني ولا المساحة تسمح بذلك! لكن هناك أمورا يجب أن تؤخذ كمسلمات، إذا ما أردنا العمل لبناء مستقبل واعد لوطن يسعى للعالم الأول دون قلق من إدارته! وأقصد بالنظام هنا الالتزام من قبل أفراد المجتمع بكل ما هو في مصلحة المجتمع ككل. ابتداءً من الالتزام بالطابور (بما في ذلك طوابير محال الفول في رمضان) وانتهاء بالالتزام بحقوق الآخرين. من هنا جاءت كلمة نظام لتعني أيضا الدولة أو الحكومة التي من أبرز مسؤولياتها فرض النظام بعدالة على المجتمع الذي تراضى فيما بينه بهذا النظام لأنه يحقق له العدالة المنشودة والحماية المطلوبة.
كانت المقدمة حول النظام مدخلا للتحدث عن نظام ''ساهر''. فقد سبق أن انتقدت عرضاً نوم نظام ''ساهر'' وعدم تفعيله منذ فترة قبل إعلان تطبيقه أخيرا، حيث اعتقدنا لوهلة أنه أصبح جزءاً من التاريخ! وفرحنا كثيراً عندما بدأ العمل به، فهو على الأقل السد الأول بعد الله لتجاوز تصنيفنا كأسوأ بيئة لقيادة السيارات وأخطر طرق عالمياً!
فعلى المستوى الشخصي، شأني شأن كل بيت تقريباً في المملكة لديه قريب أو عزيز ذهبت روحه نتيجة حادث قد لا يكون له فيه ناقة ولا جمل، خسرت ابن عم لي قبل أقل من عام في حادث ليس له يد فيه، وترك أماً وأباً يبكيانه حرضاًَ إلى يوم الدين! كما خسرت قبل سنوات أيضا ابن خال لي كان له مستقبل واعد كأحد رجال الدولة المخلصين في القطاع العسكري، أيضا في حادث ليس له يد فيه. وكل ذلك مؤكد في تقرير الحادثين. فكلهم ذهبت أرواحهم نتيجة خطأ أو استهتار! وكل منا لابد أنه تعرض (تقديراً) لحادث اصطدام من شاب متهور أو سائق لم ير سيارة في حياته، ليجد نفسه فجأة يقود أفضل أنواع السيارات! وقد ساءت الأمور أكثر بعد تطبيق نظام تأمين المركبات وبالذات من شريحتي السائقين الأجانب سواءً كانوا سائقي العائلات أو الشركات والمؤسسات التجارية وهم الأسوأ، حيث يسيرون في شوارعنا بسيارات تقل قيمتها عن قيمة الخردة وشريحة الشباب بسيارات قد تكون بحجم علبة الصلصة (والصلصة لمن لا يعرفها هي معجون الطماطم في علبة صغيرة)! أصبح الكثير منهم لا يهتم أن يصطدم بسيارة قيمتها ربع مليون ريال لأنه مغطى من قبل شركة تأمين بمبلغ قد لا يتجاوز 300 ريال مقابل أن يدمر سيارة قيمتها ربع مليون أو أكثر أو أقل من ذلك. معتقدين أن هذه نهاية الحكاية، ولا يعلمون أن ذلك سوف يؤثر في سجلهم لدى شركات التأمين وسوف يرفع عليهم السعر عندما يرغبون في التجديد وبالذات عند الشركات التي تتمتع بمهنية عالية. وهذا موضوع آخر قد نناقشه في مقال مستقل مستقبلاً!
وعودة إلى نظام ''ساهر'' الذي جاء كحل لوضع لا يمكن أن يقبله عاقل لقيادة السيارات في المملكة. وكانت المفاجأة الكبرى أن تبدأ حملة شرسة على النظام من جهات متعددة، وكان الإعلام قائدا جيدا لتلك الحملة ضد النظام بدلاً من أن يكون عونا للجهات التي تعمل على تطبيق نظام ''ساهر''، بما في ذلك تعليقات مصورة ساخرة! لا أقول انتقادا لأن الانتقاد أمر مشروع وهو إضافة لنظام ''ساهر'' أو أي نظام آخر، وحق مشروع للجميع. لكن التفاعل الإعلامي سار في نمطية غريبة حتى بدا كما لو كان يقود حملة (شبه منظمة) ضد النظام. قرأت مقالات تقول إن المواطن المسكين الذي دخله كذا وكذا، كيف بإمكانه سداد مخالفة بقيمة كذا. وينسى أو يتناسى أنه بالإمكان تلافيها، فهي ليست مصروفا حتميا ولم يجبر على مخالفة النظام! قيل إن القوانين ليست واضحة! كيف يتصور أن يقود أحد سيارة دون أن تكون لديه رخصة! ومن لديه لأنه عندما تتعلق الأمور بالأرواح يصبح أي حديث عن الجوانب الأخرى مجرد هوامش! رخصة يعني أنه أصبح أو يفترض أنه ملم بالقوانين، إلا إذا كان نظام الرخص لدينا أي كلام! وكذلك اتهم النظام بأنه نظام جباية للأموال من جيوب المواطنين! المسألة ببساطة نظام ''ساهر'' هو لحمايتك، فلا تخالف ولن يستطيعوا أخذ أموالك! وهناك من قال إن هناك نقصا في الإرشادات للسرعة وما شابه! ومع ذلك حق الاعتراض أيضا موجود.
مع كل أسف، أكثر ما أثار فضولي، أن أشاهد أحد الأدباء الكبار المرموقين، يطالب بإيقاف نظام ''ساهر'' نتيجة عدم القيام بما يجب قبل تطبيقه من توعية للمواطن! ألا يعلم أديبنا الكبير أن هناك حملة ولمدة ستة أشهر قامت بها إدارة المرور في الرياض قبل إطلاق المشروع! ألا يعلم أن هناك اختبار قيادة لكل من يطلب الحصول على رخصة، وعليه يعتبر من مسؤولية المواطن والمقيم الذي يقود سيارة في شوارعنا أن يعرف أنظمه السير المرورية ويجب أن يلتزم بها. السؤال، إلى متى ونحن نوعي ولا نطبق الأنظمة؟ أترك للأديب الذي أحبه والله يعلم ذلك حب هو لا يعلمه، فهو رقيق المشاعر، ذو أخلاق عالية، وتواضع جم وأديب راق! ونقدي من (عشمي) كما يقولون! دعونا نسأل بطريقة مختلفة بعض الشيء وقد تكون صادمة: أيهما تفضلون يا أديبنا الكبير وإخوتي المواطنين، أن يموت سنوياً أكثر من ستة آلاف عزيز ما بين مواطن ومقيم وأكثر من 250 ألف مصاب سنوياً بعضها إصابات تؤدي إلى الإعاقة الدائمة، قد نكون أنا وأنت أو عزيز علينا منهم يوما ما أم أن يكون لدينا نظام جيد وإن كان هناك بعض أوجه القصور فيه أو حتى ''ظلم'' في بعض الحالات التي يمكن أن يتم تداركها من خلال الاعتراض؟! أطرح السؤال وأنا أعرف الإجابة! لو كل عاقل فكر أنه قد يكون هو من بين ستة آلاف متوفى أو أحد 250 ألف مصاب سنوياً فسوف يقبل بـ ''ساهر'' بكل عيوبه على أن يموت بحادث لا سمح الله. سؤال للأديب الكبير وللإخوة القراء لأنه عندما تتعلق الأمور بالأرواح يصبح أي حديث عن الجوانب الأخرى مجرد هوامش!، لماذا يلتزم الأغلب بالنظام خارج المملكة كمن نزل عليهم الوعي فجأة ليختفي هذا الوعي ما إن يعودوا للديار! المسألة تطبيق النظام على الجميع ومن يريد أن يعرف عليه مسؤولية أن يقرأ ويسأل! كل ما سبق ولم نتحدث عن الهدر الاقتصادي الذي يسببه هذا الوضع في عدم تطبيق الأنظمة المرورية بالذات لأنه عندما تتعلق الأمور بالأرواح يصبح أي حديث عن الجوانب الأخرى مجرد هوامش! رغم أننا مدركون أن نظام ''ساهر'' لن يكون الحل السحري لمشاكل النقل والمواصلات في المملكة، لكنه بداية على أقل تقدير. والله من وراء القصد.