بناء المعرفة حول المسؤولية الاجتماعية للشركات أمر ملح
تتناول دراسة الحالة التي أجريناها عن شركة هايليس الثغرة في المؤلفات الأدبية عن المسؤولية الاجتماعية للشركات، وأهمها أنه من الصعب تحديد التكاليف والفوائد الحقيقية للمسؤولية الاجتماعية للشركات لشركة ما. وكنا نريد أن نعرف ما إذا كانت شركة هايليس أكبر شركة متعددة الجنسيات في سريلانكا- جادة بشأن المسؤولية الاجتماعية للشركات، وأيضاً كيف تحاول فعل ذلك بنجاح؟
وبالنسبة لإنسياد، فإن بناء المعرفة حول المسؤولية الاجتماعية للشركات على أرض الواقع أمر ملح. والسؤال المهم الذي أصبح أكثر أهمية في ظل الأزمة الحالية، هو: ما إذا كان يجب على الشركة أن توجد مجتمعاً مزدهراً أم لا، بالإضافة إلى شركات مزدهرة. (بعبارة أخرى، هل يتعلق نجاح الشركة بأكثر من مجرد قيمة المساهمين؟ لا يزال باب النقاش مفتوحا على مصراعيه بعد أن نفى ذلك ميلتون فريدمان قبل 40 عاماً). وفي مركز إنسياد للابتكار الاجتماعي، نعتقد أن هناك طلبا متزايداً بين حملة الماجستير في الأعمال والمديرين التنفيذيين على الاستراتيجيات التي قد تحقق هذا الهدف.
وتقدم مشاريع، مثل حالة هايليس، أدلة أولية للمديرين الذين عليهم إقناع مجالس إداراتهم ومساهميهم بأن المسؤولية الاجتماعية للشركات تجعل الشركة أكثر قوة وثراء. وفي الوقت الحالي، ليس هناك سوى بعض الشركات التي أظهرت فوائد الاستراتيجية القائمة على المسؤولية الاجتماعية للشركات. وهناك شركات أقل فعلت ذلك في آسيا، كما تظهر السجلات. ولا يعني هذا عدم وجود مثل هذه الشركات، بل ليس هناك عدد كاف ٍ منها معروف، بطريقة أو بأخرى.
لهذا السبب، كنا ندرك أن تناول هذا الموضوع إذا كانت «هايليس» قادرة على إنجاح المسؤولية الاجتماعية للشركات في سياق الأعمال سيكون قصة مهمة. أما إذا لم تكن قادرة على إنجاح ذلك، فسيكون من المهم أيضاً معرفة الأسباب.
عرضت علينا «هايليس» وصولاً استثنائيا إلى المديرين ومواقع العمليات، بالإضافة إلى المسؤولين الحكوميين والعمال وممثلي النقابات. واستخدمنا ذلك لنعرف، أولا، ما إذا كان ما يقولونه لنا منطقيا ــ إذا كان متماسكا، اذا كانوا قد أجابوا عن أسئلتنا دون مراوغة، وإذا كان بالإمكان التحقق من الإجابات من مصادر أخرى. ثم بدأنا التنقيب عن المواد، حيث درسنا العقبات والفرص في ممارسات الشركة. وقررنا إنشاء مجموعة من حالة الدراسة «أ» تصف ثقافة الإدارة وقيم الشركة، وأربع حالات «ب» متعمقة تفحص قطاعات التشغيل المختلفة بالتفصيل.
إن شركة هايليس هي شركة قابضة لها العديد من الأنشطة. وقد اخترنا القطاعات التي تغطي مجالات كبيرة من التنوع الجغرافي والعرقي في سريلانكا- السلع المطاطية، الأنسجة، السياحة، مزارع الشاي. وقضينا بعض الوقت في مصنع لصنع قفازات مطاطية، وفي مزارع الشاي والمطاط، ومصنع للنسيج، وموقع سياحي بيئي. واكتشفنا أن هايليس تتناول المسؤولية الاجتماعية للشركات على أساس مجموعة راسخة من الأخلاقيات داخل الشركة. إلا أن هذه القيم وحدها لم تكن كافية لمنح أي ميزة تنافسية. وكان سر جني الفوائد من هذه السياسة هو العلاقات مع المساهمين.
فعلى سبيل المثال، سيتوقف أكبر مجال عمل لشركة هايليس إذا لم تكن هناك إمدادات آمنة من المطاط. لذا فإن ضمان أن يعتبر مزارعو المطاط الشركة متعاونة نزيهة طويلة الأجل، يصب مباشرة في مصلحة الشركة. وفي قطاع الأنسجة، لا يمكن أن تتنافس هايليس مع المشغلين «الذين يقدمون عروضاً منخفضة بشكل غير عادل». ولكن يمكنها البيع للمستهلكين العالميين مثل Decathlon و Marks & Spencer الذين يصرون على التأكد بأنفسهم من أنه لا يتم استغلال العمال بلا رحمة. ولم يكن بالإمكان أن تكون عمليات السياحة لشركة هايليس ناجحة في دولة كانت تحاول في وقت زيارتنا إنهاء حرب أهلية طويلة إلا إذا ساعدت مجتمعات بأكملها على جعل الإقامة في منتجعات Jetwing ممتعة. ولم يكن أيضاً بالإمكان أن تدخل مزارع الشاي لشركة هايليس إلى الأسواق الغربية دون وجود علامة تجارية قوية قائمة على ممارسات عمل وتنمية أخلاقية ذات صدقية عالمية.
وكانت البرامج التي نفذتها «هايليس» تنطوي بالفعل على تكاليف أعلى على الشركة- كانت في بعض الحالات عالية جداً، بحيث إن المديرين اضطروا للبحث عن شركاء خارجيين بين المنظمات غير الحكومية، أو الحكومات. وكانت تنطوي أيضاً على مواجهة مع المنافسين الذين تعرضت مصالحهم للخطر بسبب العلاقات الجديدة لشركة هايليس مع المساهمين. (على سبيل المثال، يهيمن على تجارة المطاط في سريلانكا «وسطاء» يدفعون أسعاراً أقل من «هايليس»، ولكنهم يملكون سلطة كبيرة على المزارعين بسبب القروض.) ولكن في بعض الأسواق، مكّنت هذه الممارسات شركة هايليس من الحصول على أسعار أعلى لمنتجاتها وخدماتها، مقارنة بالمنافسين. ومكنت الشركة أيضاً من إدارة أعمالها بمستويات صراع أقل مع نقابات العمال القوية في سريلانكا مما كان عليه الحال في السابق.
لا يمكننا التنبؤ، استناداً إلى هذه الدراسة، بما إذا كانت استراتيجية «هايليس» لتحقيق النجاح، ستظل ناجحة. ولكن يمكننا القول إن هذه السياسة مكنت، حتى الآن، شركة هايليس من حماية بعض أعمالها الأساسية وأسواقها الرئيسية في مواجهة المنافسة المتزايدة. وبدأت مصفوفة جديدة بالظهور، حيث تتعاون فيها الشركات والمستهلكون والشبكات الاجتماعية مع بعضها بعضا، وتراقب بعضها بعضا، وإن المسؤولية الاجتماعية للشركات هي طريقة للانضمام إلى مثل هذه النوادي والبقاء فيها. ونحن نسعى الآن لإجراء تحليل أكثر تعمقاً حول الكيفية التي أصبح فيها المساهمون شركاءً أو خصوماً للشركات التي تحاول «تقديم أداء جيد عن طريق فعل الخير».
وخلاصة القول هي أن المسؤولية الاجتماعية للشركات تعني المزيد من العمل، وتعني عملاً مختلفا عن ممارسة الأعمال كالمعتاد. ولكن في هذه الحالة على الأقل، يظهر أيضاً أن المسؤولية الاجتماعية للشركات عمل مزدهر. ونأمل أن يلهم هذا المزيد من المديرين للتفكير في طرق إنجاح المسؤولية الاجتماعية للشركات بالنسبة لهم. ونحن متشوقون لدراسة جهودهم أيضا.
مارك هنتر أستاذ مساعد في «انسياد». أما لوك فان فهو أستاذ التصنيع في «هنري فورد» والمدير الأكاديمي لمركز إنسياد للابتكار الاجتماعي.