فقهاء «دار الاستثمار» يتبرأون من حجة «المخالفة شرعاً».. والقضاء البريطاني يحكم لمصلحة البنك

فقهاء «دار الاستثمار» يتبرأون من حجة «المخالفة شرعاً»..  والقضاء البريطاني يحكم لمصلحة البنك

انتفض أربعة من بين خمسة فقهاء تابعين للمجلس الشرعي الخاص بشركة دار الاستثمار وأصدروا بياناً الأسبوع الماضي «تبرأوا» فيه من «ادعاء» محامين الشركة الكويتية في لندن بأن عقد «الوكالة» مخالف للشريعة على الرغم من أنه قد تم «إجازته» من قبل المجلس الشرعي قبل بضعة أعوام.
وأكد الفقهاء في بيانهم صحة العقد من الناحية الشرعية مع مطالبة مجلس «دار الاستثمار» بعدم استخدام فكرة مخالفة الأحكام الشرعية كحجة «دفاع» في أية قضية حالية أو مستقبلية ضد أية جهة دون الرجوع أولاً إلى المجلس الشرعي ليقرر مدى شرعية أي عقد إسلامي.
وكانت محكمة بريطانية قد أسهمت في جعل شركة دار الاستثمار المشاركة في ملكية شركة إنتاج السيارات البريطانية «آستون مارتن» تسجل «سابقة تاريخية» على صناعة الصيرفة الإسلامية، وذلك عندما منحتها حكما قضائيا يكشف عن انقلاب الشركة الكويتية على مجلسها الشرعي قبل أكثر من شهرين.
تعود تفاصيل القضية، إلى قيام الفقهاء الخمسة قبل أعوام بسيطة بالتوقيع على فتوى إجازة معاملة شرعية تعرف باسم «الوكالة» مع بنك لبناني، إلا أن محامي الشركة الكويتية أنكروا شرعية هذه الصفقة وقالوا في حجتهم الدفاعية إن هذه الصفقة كانت مخالفة للأحكام الشرعية.
وأصدرت إحدى المحاكم الإنجليزية حكما قضائيا يشير إلى أن اتفاقية «الوكالة»، التي تعد عملياً نوعاً من القروض بقيمة 10.7 مليون دولار، التي أبرمتها مع بنك لبنان والمهجر، كانت مخالفة للأحكام الشرعية. ونتيجة لذلك يتعين على دار الاستثمار سداد رأس المال فقط، وليس الربح، الذي يدفع إلى البنك بدلاً من الفائدة بموجب الأحكام الشرعية. حيث يصر البنك اللبناني على أن يحصل على نسبة 5 في المائة ربحاً من هذا الاستثمار.
وقال لـ «الاقتصادية» برناردو فيزكاينو المدير التنفيذي لشركة AMSAR للاستشارات الشرعية للمنتجات المصرفية إن رد فعل المجلس الشرعي جاء كما كان متوقعاً، حيث إنه سيكون من الصعب تماماً على المجلس إصدار حكم يدين به نفسه (بمعنى أن يقر بأن الفتوى التي أصدرها كانت خاطئة)، أو أن يصدر فتوى معاكسة للفتوى الأصلية.
قبل أن تربح القضية، رفضت «دار الاستثمار» الكويتية في البداية أن تدفع مبلغ 10.7 مليون دولار إلى بنك لبنان والمهجر. محامي الشركة الكويتية، وبالتحديد قبل أربعة أشهر، نجحوا في إقناع القاضي البريطاني بعدم صحة العقد من الناحية الشرعية، لتربح بعدها شركة «دار الاستثمار « القضية، ولتشعل بذلك جدلا ربما لا ينتهي في نسيج الصيرفة الإسلامية.
وخلال فترة الشهرين، وجد المجلس الشرعي للشركة الكويتية المتعثرة نفسه في دائرة الأضواء العالمية، حيث تم نشر صورهم في المجلات والصحف، وأصبحوا حديث الصناعة نفسها. بل إن وكالة موديز أصدرت مذكرة بحثية خاصة حول هذه القضية.
عند ذلك تحرك أربعة فقهاء من بين خمسة لإصدار بيان ينكرون فيه ما نسب باسم الشركة التي يتبعون لها وكون المنتج الذي أقروا بشرعيته لم يكن متوافقا مع الشريعة. ولم ينته الأمر على ذلك، بل تطور بالضغط على الشركة بسحب الدعوى القضائية وجعل المحكمة البريطانية تصدر حكما لصالح البنك اللبناني. يقول بيان الفقهاء الذي حصلت «الاقتصادية» على نسخة منه: «طلبت الهيئة الشرعية من الشركة سحب جميع الدفوع المتعلقة بالمسائل الشرعية الخاصة بقضية بنك بلوم، وقد استجابت الشركة لمطالب الهيئة وصدر فعلا حكم لصالح بنك لبنان والمهجر من قبل المحكمة في لندن بناء على ذلك».
وقال الشيح مدثر صديقي، وهو فقيه شرعي وشريك لدى شركة المحاماة دينتون وايلد سابت Denton Wilde Sapte: «هذا البيان يُظهِر فعلاً مدى الإرباك الذي نشأ بسبب الدفاع المذكور».
وأضاف: «حجة دار الاستثمار كان يُفهم منها ضمناً أن المجلس الشرعي لم يقم بالعمل على الوجه السليم. وأستطيع أن أتفهم السبب الذي جعل المجلس الشرعي يشعر بالاستياء الشديد بخصوص هذا الأمر».

انتفاضة الفقهاء
وقبل أن ينتفض فقهاء دار الاستثمار، ظهرت مطالبات من الصناعة بإقالتهم. حيث صرح نيكن فيروزي، رئيس شركة IFR Advisors للاستشارات الشرعية، في وقت سابق : بأنه»إذا كان العقد فعلاً مخالفاً للأحكام الشرعية، لا بد في هذه الحالة أن تبرهن دار الاستثمار على صدق نيتها وتقيل كامل أعضاء مجلسها الشرعي، وأن تدينهم علناً أو تفعل شيئاً من هذا القبيل».
وكان اللافت في نظر «بيان الفقهاء» غياب توقيع الفقيه الخامس وهو محمد فوزي فيض الله عن الانضمام لزملائه الفقهاء وهو يبرئون موقفهم الشرعي. والفقهاء الذين وقعوا على البيان هم : رئيس هيئة الفتوى والرقابة الشرعية الشيخ أحمد بزيع الياسين والأعضاء: الدكتور خالد مذكور المذكور والدكتور.عجيل جاسم النشمي والدكتور عصام خلف العنزي. وقال «بيان الفقهاء إن هيئة الفتوى والرقابة الشرعية للشركة قد اطلعت على تفاصيل القضية المرفوعة من بنك بلوم ضد الشركة، وما قيل من أن شركة دار الاستثمار دفعت بعدم شرعية العقد، فقد قامت الهيئة الشرعية لشركة دار الاستثمار بمراجعة العقد المبرم بين الطرفين والملاحق وتبين لها صحة العقد من الناحية الشرعية، إذ إن طبيعة العقد عبارة عن عقد وكالة في الاستثمار يقوم الوكيل (شركة دار الاستثمار) بمقتضاه بشراء سلع لصالح الموكل (بنك بلوم) ثم تقوم شركة دار الاستثمار بشراء هذه السلع لصالحها مما يرتب دينا لصالح بنك بلوم على شركة دار الاستثمار، وهذا موافق لما أقرته الهيئة سابقا من عقود».
وخلافا لما تجري عليه العادة من «التكتيم» على انتقادات الفقهاء لمديريهم التنفيذيين، طالب المجلس الشرعي من الشركة بعدم «استخدام المسائل الشرعية في التقاضي إلا بعد الرجوع إلى هيئة الفتوى والرقابة الشرعية الخاصة بالشركة».
وتابع برناردو : «أصبح من الواضح الآن أن الفريق القانوني في دار الاستثمار تقدم بحجة عدم شرعية عقد «الوكالة» دون استشارة المجلس الشرعي. القضية محور الخلاف هنا هي إذا ما كان دور المجلس الشرعي محدداً بالشكل السليم (بمعنى أنه هل كانت دار الاستثمار ملزَمة بالرجوع إلى المجلس الشرعي قبل إصدار أي دفاع قانوني، خصوصاً إذا كان دفاعاً قائماً على عدم جواز التعامل من الناحية الشرعية). وأضاف في مقابلته الهاتفية مع الاقتصادية:» لو أن المجلس الشرعي أصدر فتوى ضد اتفاقية الوكالة، فإن من شأن ذلك أن تكون له تداعيات كبيرة (وحتى التسبب في مزيد من الاضطراب) عبر صناعة المصرفية الإسلامية، على اعتبار أن هذا النوع من العقود مستخدم على نطاق واسع في التعاملات».

التوقيت سيئ
أضاف الخبراء أن حجة الدفاع المذكورة من «دار الاستثمار» من شأنها زيادة المخاوف بين المستثمرين المحتملين بخصوص المخاطر طويلة الأجل المرتبطة بالدخول في تعامل قائم على الأحكام الشرعية. إلا أن الخبراء القانونيين يقولون إن سمعة الصناعة تضررت بالفعل بسبب موقف دار الاستثمار في القضية.
وقال أحد المحامين ـ طلب عدم الإفصاح عن اسمه: «التوقيت سيئ. من الواضح أن الشركة تعاني صعوبات ومشكلات مالية، وأنها تحاول أي حجة للتهرب من الدفع، لكنها يمكن أن تسبب المخاوف بالنسبة للمستثمرين المؤسسيين الذين ينظرون في إمكانية الدخول في تعاملات مالية إسلامية».
وفي الشهر الماضي أصدرت وكالة التقييم الائتماني موديز مذكرة بحثية تقول فيها إن المعركة بين دار الاستثمار وبنك لبنان والمهجر أثارت مخاوف شرعية في صناعة المصرفية الإسلامية، ويمكن للآراء القانونية المحيطة بالقضية أن تُشَكِّل جزءاً من تحليلها التقييمي للمؤسسات والأدوات الاستثمارية الإسلامية.
وكانت «الاقتصادية» قد نشرت، قبل أربعة أشهر، وفي سياق تغطية خاصة لها، «تحذيرا» ساقه عاملون في صناعة الصيرفة الإسلامية يتمحور حول استخدام الشركات المتعثرة «حجة المخافة الشرعية» للتهرب من اتفاقياتها التعاقدية. وتفاعل الخبراء القانونيون مع الحكم الصادر، وقالوا إن السماح للشركات بالتراجع والمجادلة بأن الصفقة لم تكن أصلاً ملتزمة بالأحكام الشرعية من شأنه في نهاية الأمر أن تضر بسمعة المصرفية الإسلامية. وقال مايكل ريني، شريك في شركة كينج أن سبولدينج: «إذا كانت إحدى المؤسسات المالية الإسلامية ترغب في المجادلة بعدم الجواز الشرعي لتعامل معين في سبيل تجنب التزاماتها التي دخلت فيها بعلمها، فما الذي يمنع إحدى المؤسسات المالية الإسلامية أن تستخدم حجة مخالفة الأحكام الشرعية كأسلوب تكتيكي تفاوضي وقت دخول التمويل لتحقيق أحكام أفضل لصالحها في العقد؟».

حجة المتعثرين
في مقابلة له مع صحيفة «ذا ناشونال»، قال خالد هولدار من قسم الاستثمار في وكالة موديز للتصنيف الائتماني «في هذه القضية استُخدِم عدم الالتزام بالأحكام الشرعية كوسيلة للتهرب من التزام تم الاتفاق عليه بين الطرفين في بداية العقد». وتابع: «ينبغي أن يشعر المستثمرون بالقلق لأن هناك احتمالاً جوهرياً أن تقوم الشركات الإسلامية باستخدام هذه الحجة الدفاعية حين تمر بأوقات عصيبة، وهو أمر من شأنه إضافة خطر آخر إلى الخطر التشغيلي للصكوك أو لأي استثمار آخر في المصرفية الإسلامية. وهذه قضية خطيرة، وتابع: «فعلى خلاف تعليقات الشيخ تقي عثماني، التي كانت رأياً صادراً عن شخص واحد. نحن الآن أمام حكم محكمة».
وقال صديقي في حينها : «استراتيجية الدفاع المذكورة خطرة للغاية. بالنسبة للناس الذين يتعاملون مع مؤسسات الصيرفة الإسلامية، من شأن ذلك أن يضيف مخاطر شرعية أخرى تنضم إلى المخاطر الأخرى الموجودة في السوق».
يقول ريني: «المستثمرون الذين يقررون مسألة الدخول أو عدم الدخول في أحد التعاملات الجائزة شرعاً ربما يشعرون بالتردد والتخوف الآن إذا كانوا يعتقدون أن الطرف المقابل في التعاقد ربما يحاول في المستقبل أن يتجنب الوفاء بالتزاماته بالادعاء بأن اتفاقية الاستثمار مخالفة للأحكام الشرعية، وربما يشعرون بقدر كبير من التشكك حين تجادل إحدى المؤسسات المالية الإسلامية بأن أحكاماً معينة في العقد لا بد منها بسبب الاعتبارات الشرعية».

الحماية من الدائنين
يذكر أن دار الاستثمار قد دخلت مرحلة «الوضع المالي المتعثر» وهي ما تعرف لدى الاقتصاديين بـFinancial distress . وللمرة الأولى منذ تأسيسها، تكبدت الشركة الكويتية خسائر بلغت 80.3 مليون دينار عن عام 2008. وتعثرت الشركة في السنة الماضية في تسديد الدفعات الدورية لحملة سندات إسلامية تبلغ قيمتها 100 مليون دولار.
وتحاول «دار الاستثمار» حالياً وضع بنود مع المصارف لإعادة تمويل مبلغ بقيمة مليار دينار كويتي تقريباً. وأعلنت قبل أشهر أنها قدمت طلب حماية قانونية بعد أن استمرت أقلية صغيرة من المستثمرين في التصدي لمشاريع إعادة هيكلة الدين التي أقدمت عليها الشركة.

ليست المرة الأولى
الأمر المثير للاهتمام أن هذا الحكم الخاص بمنتج بنكي إسلامي يختلف عن آخر حكم قضائي صدر من المحاكم البريطانية. في عام 2005، ضِمن قضية بين بنك شامل البحريني وشركة بيكسيمكو (من بنجلادش)، قرر قاض في إحدى المحاكم العليا الإنجليزية أن المحكمة غير مخولة بإصدار أحكام استناداً إلى الأحكام الشرعية الإسلامية، على اعتبار أنه لا يجوز أن يكون هناك نظامان متنازعان من القوانين يحكمان العقد نفسه. وقال الحكم إنه حتى لو كان التعاقد مخالفاً للأحكام الشرعية في الإسلام، فليس من صلاحية المحكمة إصدار رأي بهذا الخصوص. وأمر القاضي شركة بيكسيمكو أن تسدد ما عليها من دين.
وقال ناطق باسم الحكومة البريطانية في السنة الماضية إنه لا يمكن استخدام الأحكام الإسلامية كمبرر لارتكاب مخالفات بالقانون الإنجليزي، كما لا يجوز إدراج الأحكام الشرعية الإسلامية في محكمة مدنية في سبيل حل النزاعات.

ضربة مزدوجة
كانت المصرفية الإسلامية تعد في الماضي ملاذاً آمناً، وذلك بالنظر إلى تحريم التعاملات القائمة على المضاربة في الشريعة الإسلامية. وكان هذا الجانب يعد جذاباً بصورة خاصة، على اعتبار أن الشركات المالية كانت تعاني من الأزمة الاقتصادية.
لكن حين صرح فقيه بارز، هو الشيخ تقي عثماني، بأنه يشكك في شرعية معظم السندات الإسلامية، وما تبع ذلك بعد فترة من العدد المتزايد من حالات التعثر والإعسار من بعض الشركات البارزة في المنطقة، فإن كل ذلك أدى إلى تشويه صورة صناعة المصرفية الإسلامية. ويقول الخبراء إن حجة الدفاع التي استخدمتها «دار الاستثمار» ليس من شأنها إلا أن تزيد من المتاعب التي تعانيها الصناعة.
ففي الوقت الذي جفت فيه أموال التمويل من البنوك، وأسهمت متاعب دبي العالمية في إضفاء مزيد من التعقيد والكآبة على المزاج العام للمستثمرين، تبحث الشركات الآن عن المصرفية الإسلامية لمساعدتها في الوفاء باحتياجاتها التمويلية.

الأكثر قراءة