حجة «تمويل الإرهاب» تؤجل إصدار تشريعات الصكوك في كوريا!
لي يول هي، رئيس قسم المصرفية الإسلامية في شركة « كوريا للاستثمار والأوراق المالية «يضطرب في محاولة للعثور على الكلمات المناسبة عند كل مرة يسأل فيها المستثمرون المسلمون عن الوقت الذي يكون فيه باستطاعتهم شراء سندات إسلامية صادرة عن الشركات الكورية حيث لا يتوانون عن سؤاله في إذا ما أدخلت الحكومة الكورية التغيرات التنظيمية التي وعدت بها.
الأسئلة التي يطرحها المستثمرون المسلمون تضع لي بول في موقف محرج، ولا سيما أنه في السنة الماضية وعدت الحكومة الكورية بتخفيف القيود على نحو يجعل من الممكن تمهيد الطريق لإصدار الصكوك في كوريا .
ويقول في مقابلة له مع صحيفة جوونقانق ديلي: «أخشى أنهم سيكتشفون يوماً حقيقة ما يجري في سيئول. منذ أشهر وأنا أحدثهم بالحكاية نفسها، وأقول لهم إن التغييرات ستتم قريباً. لكنني لا أستطيع أن أعطيهم الجواب نفسه لفترة طويلة تزيد على الحد».
السبب في الإحراج الذي يقع فيه لي بول هو أن التغيرات الموعودة تم تعطيلها بفعل الناشطين المسيحيين الذين يدَّعون أن الصكوك تستخدَم لتمويل الإرهاب.
وهنا قال نا سيونج لين، وهو نائب عن الحزب القومي الكبير وعضو في اللجنة الفرعية للضرائب في الجمعية الوطنية، وهي اللجنة التي تنظر في اقتراح إجازة الصكوك: «عدد من الكنائس البروتستانتية تضغط الآن ضد مشروع القانون، وتدعي أن نحو 5 في المائة من الأموال التي يتم التعامل بها في مبيعات الصكوك تستخدَم لتمويل نشاطات على صلة بالإرهاب.»
قال نا لين وعدد من المساعدين في الجمعية العمومية فضلوا عدم ذكر أسمائهم إنهم وجدوا أن هذه المزاعم «مضحكة تماماً» وأنه «لا يوجد أي دليل على صحتها». لكن الاعتبارات السياسية قبيل الانتخابات المحلية في حزيران (يونيو) تجعل من الصعب على النواب، خصوصاً الذين يتلقون دعماً قوياً من الكنائس البروتستانتية، التعامل مع القانون الخاص بالصكوك.
اللجنة الفرعية للضرائب، التي يرأسها النائب لي هاي هون، العضو في الحزب القومي الكبير، عطلت بصورة متكررة اختتام المراجعة الرسمية لمشروع قانون الصكوك، وذكرت في مذكرة بهذا الخصوص في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أن بعض الجمل في مشروع القانون ربما «تعطي الانطباع بأن الشركات المحلية يتعين عليها أن تلتزم بأحكام وتعاليم ديانة معينة».
مشروع القانون الذي يدور عليه الخلاف، قُدِّم من قبل وزارة المالية في أيلول (سبتمبر)، ولم يظهر في الأجندة التشريعية لهذا الشهر، وهي الأجندة التي تجري مراجعتها من قبل تسعة نواب في اللجنة الفرعية للضرائب، والتي هي مسؤولة أمام لجنة الإستراتيجية والتمويل.
المستثمرون يشعرون بالإحباط
هذا المأزق التشريعي يسبب الإحباط للشركات الكورية التي تريد الاستفادة من سوق الصكوك المتنامية في سبيل الحصول على مصادر جديدة من رأس المال، وشركات التمويل الكورية التي تريد تحصيل الأتعاب والرسوم مقابل ضمان إصدارات الصكوك.
بخصوص الاعتراضات التي تثار على مشروع القانون، الذي من شأنه إحداث تغييرات في القانون الضريبي تهدف إلى السماح للشركات الكورية بإصدار الصكوك، قال مسؤول كبير في وزارة المالية فضل عدم ذكر اسمه: «هذا الأمر يبعث على الإحراج.»
وتابع هذا المسؤول في تصريحه للصحيفة الكورية:» إن وزارة المالية أعطت حتى الآن وقتاً كبيراً لإزالة «جوانب سوء الفهم حول الصكوك والإرهاب» بين أعضاء الجمعية العمومية.
وقال: «أخبرناهم مراراً وتكراراً أن مبيعات الصكوك لا علاقة لها بتمويل الإرهاب، ونحن بحاجة إلى إصدار تشريعات الصكوك في سبيل تحقيق تعاون أوثق مع العالم الإسلامي».
الرد الكوري
ساهم الجدل حول هذا الموضوع في جعل خبراء المصرفية الإسلامية يشعرون بذهول كبير. حيث قال هونج سيونج مين، رئيس معهد كوريا لاقتصادات الشرق الأوسط: «لم يسبق لي قط أن سمعت بمثل هذه المزاعم المثيرة للسخرية في أي بلد آخر». وأضاف: «الصكوك لا تزيد على كونها أحد أشكال الأوراق المالية المستخدمة في العالم. إنني أخشى مما يمكن أن يقوله عنا المستثمرون في الدول الإسلامية إذا علموا أن بعض صناع القانون في كوريا يفترضون أن هذه الأداة الاستثمارية القياسية لها علاقة على نحو ما بالإرهاب».
يذكر أن عدداً متزايداً من الدول، بما في ذلك بريطانيا وتايلاند، أدخلت تغييرات في قوانينها للسماح بإصدار الصكوك ولاجتذاب المستثمرين الأثرياء من الشرق الأوسط ومن أماكن أخرى في العالم الإسلامي.
وقال كيم هان سو، وهو زميل للأبحاث في معهد السوق الرأسمالية الكوري: «عدد متزايد من الدول والشركات الغربية تحاول الاستفادة من الموارد غير المستغّلة سابقاً لدى المستثمرين الإسلاميين، من خلال الالتزام بالأحكام الشرعية الإسلامية».
وقد تزايد اهتمام الشركات الكورية بالصكوك بعد تعاظم الصعوبة في ظروف الاقتراض التي عانت منها تلك الشركات أثناء الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
وقال ممثل لإحدى شركات الوساطة المالية الكورية -فضل عدم ذكر اسمه-: «بدأت الشركات الآن في إدراك أن العالم الإسلامي يمكن أن يكون بديلاً جيداً في أسواق التمويل. وقد أخذت في النظر جدياً في خيار الصكوك منذ عام 2008، وهي تسألنا بصورة متواصلة عن الفرص الموجودة في ذلك».
لي بول، من كوريا للاستثمار والأوراق المالية أضاف قائلاً: «المستثمرون المسلمون الذين تعافوا من أزمة السندات الصادرة عن دبي العالمية يبحثون الآن من جديد عن فرص استثمارية جديدة، وفي الفترة الأخيرة ازداد اهتمامهم بصورة عجيبة في الشركات الآسيوية، خصوصاً من كوريا والصين. العام الحالي هو فرصة ممتازة لافتتاح الإصدارات في السوق».
هذا الشهر أشارت وكالة ستاندارد أند بورز إلى أن سوق الصكوك يمكن أن تصل إلى 30 مليار دولار عام 2010. ويمكن خلال فترة قريبة أن يتفوق العرض على الطلب في سوق الصكوك، وهذا من شأنه أن يرفع أسعار الصكوك أكثر من ذي قبل، وبالتالي تشعر الشركات الكورية بعدم القدرة على الاستفادة من السوق الإسلامية.
ولفت مسؤول في أحد معامل التكرير المحلية قائلاً: «خطة مبيعات الصكوك كانت تبدو معقولة تماماً في عام 2008. لكن ظروف التمويل بالدولار تحسنت، وأصبحت تكاليف الصكوك الإسلامية على الأرجح أعلى من السندات التقليدية. بالتالي من غير المجدي الآن الدخول في المتاعب».
مع ذلك يقول المحللون إنه يتعين على الشركات الكورية توسيع قاعدة مستثمريها لتحسين قدرتها على الوصول إلى مجموعة متنوعة واسعة من الأسواق المالية.
من شأن التشريعات الخاصة بالصكوك أن تحدِث تغييرات صغيرة في القانون الضريبي، من خلال إعفاء بعض التعاملات المرتبطة بالإصدار من التزامات ضريبة معينة.
وبموجب التشريعات الحالية، ستكون الصكوك خاضعة لعدد من الضرائب، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة، وضريبة التملك، وتكون مفروضة على ما يعتبر تعاملاً في الموجودات الملموسة. هذه الضرائب الإضافية يمكن أن تزيد من التكلفة المالية للصكوك بنسبة تتراوح ما بين 1.5 في المائة إلى 3.4 في المائة زيادة على السندات التقليدية، وهذا بالتالي يجعلها غير جذابة في أعين المستثمرين الأجانب.
يقول كيم، من معهد السوق الرأسمالية الكوري، إن الجدل السياسي حول الصكوك مخالف تماماً للهدف الذي أعلنته كوريا عن رغبتها في أن تصبح مركزاً مالياً نشطاً.
وتابع: «سوق المصرفية الإسلامية ستصبح من الأركان الرئيسية ليس فقط في الاقتصاد الآسيوي، وإنما كذلك في الاقتصاد العالمي. مع ذلك فإننا نعاني الآن من هذا الخلاف التافه والمثير للسخرية والذي يعيق حتى اتخاذ الخطوة الأساسية الأولى في الاستفادة من السوق. هذا شيء سيجعلنا أضحوكة في أعين المستثمرين المسلمين، ولديهم أسباب قوية تماماً تدفعهم لذلك».