الاقتصاد الإسلامي أثبت مبدأ الحوار الحضاري وأعطانا الدليل على أن الغرب قابل للشراكة
يمكن القيام بأكثر المهمات صعوبة حين تتوافر العناصر الشخصية مع البنية الثقافية، وحين توجد الرغبة المتجددة بجانب واقعية التفكير والتصرف، هكذا يمكن للانطباع المبدئي أن يصور شخصية الدكتور عبد الله الخطيب عندما اختار «الاقتصادية» منبرا لأول حديث صحافي له منذ ثلاث سنوات ونصف هي عمر تسلمه لمكتب الملحقية الثقافية السعودية في فرنسا، الذي يضم كذلك إسبانيا وبلجيكا وسويسرا.
في حديث لم يكن له خيار آخر غير أن يكون شفافاً، كان ضيفنا يؤكد مبدأ «تقييم التجارب» ولا يرى حرجا في تحمل أي مسؤولية توافر كامل عوامل نجاحها، كما لم يكن يتحدث عن العلم بمعزل عن الثقافة ولم يطرح موضوعا دون أن يربطه بمقتضياته الوطنية أو الحضارية، وأثناء ذلك، ناقش قضايا المبتعثين في فرنسا، وكشف عن طموح الملحقية في توفير دعم نوعي للقطاع الصحي، وعن مشروع الترجمة الذي سينقل عددا من أهم كتب العصر الحديث، دون أن يغفل الإلماح إلى أهمية الاهتمام بالقضايا العربية الأساسية على مستوى التنمية الثقافية، واستشهد بالاقتصاد الإسلامي كأحد أهم تجليات الحوار مع الغرب، تناول دور قضية المال والأخلاق في الأزمة المالية، وأبدى اعتزازه بمبادرة الملك لتحالف الثقافات، مشددا على أهمية تولي قضايا الثقافية بأنفسنا، كما تعرض للكراسي العلمية وأهمية الآثار والسياحة كمصدر اقتصادي مهم للمملكة قبل أن يكشف عن مقر الملحقية الجديد الكائن في أهم أحياء باريس، الذي سوف يكون له دور محوري في فتح فضاء ثقافي وفكري جديد بين المملكة وفرنسا .. وليس كل ذلك سوى إلماحة فقط لما تضمنه حواري مع الملحق الثقافي السعودي في باريس، إلى التفاصيل:
بداية.. ما الجوانب التي يجب معرفتها الآن عن تجربة الملحقية الثقافية في فرنسا بالتواكب مع المسيرة العلمية الكبرى التي تعيشها المملكة؟
تجربة الملحقية الثقافية في باريس امتداد للحراك الثقافي الذي تعيشه وزارة التعليم العالي، لا يستطيع أي متابع للحركة التنموية في المملكة إلا أن يتوقف عند تجربة هذه الوزارة وما تقوم به بدعم مباشر من خادم الحرمين الشريفين وبجانب تنفيذي متمثل بالوزير ونائبه ، وهي تحاول أن تعمل على عدة اتجاهات بالوتيرة والقوة نفسيهما داخل المملكة وخارجها، هناك مشاريع ضخمة على المستوى المحلي نلمسه اينما توجهنا في مدن المملكة، وما يميز هذه التجربة خلال الخمس سنوات الماضية الموضوعية في الطرح وعدم التفرقة بين المناطق، بدأت الجامعات تغير وجه التنمية في هذه المدن وتؤثر وتتأثر من داخل المجتمعات، أحدثت حراكا قويا على المستوى الاقتصادي واستقطاب الشباب للعمل، وقد تأثرت الكليات والجامعات الخاصة إيجاباً بهذا الواقع فاتخذت خطوات موازية، ما أراه شخصيا بحكم علاقتي المباشرة بالزملاء في الوزراء أن هذه التجارب قابلة للتقييم، وقد كان معرض التعليم العالي تتويجا للسنوات الماضية بما حدث من تقييم للتجربة وملاحظة الأخطاء وتداركها والانطلاق وتصحيح المسار.
التوجه الآخر هو الابتعاث الخارجي ، الوزارة تتحدث عن 82 ألف طالب حول العالم، تجربة تميزت بالتركيز وأخذت بعين الاعتبار التنوع الثقافي واللغوي والعلمي، المملكة مقبلة على عودة هؤلاء وهم يحملون ثقافات متنوعة ستثري حتما كل مكامن التنمية، هي تجربة رائدة طبقتها الوزارة على الوتيرة نفسها في مختلف الأصعدة. وأعتقد شخصيا أن وزارة التعليم العالي حلقت وأحرجت كثيرا من القطاعات الأخرى، كما أن المملكة نجحت في أن تكون من الدول القليلة في العالم، التي تجاوزت كل ما يحدث من أزمات اقتصادية عالمية وأبت إلا أن تخصص جزءا مهما من ميزانيتها العامة للتعليم والبحث العلمي وهذا يجعلنا ننطلق من رغبة قوية في الملحقيات لتطبيق هذه الرؤية الاستراتيجية لخادم الحرمين الشريفين.
الابتعاث وحراك التعليم العالي من أجزاء منظومة توجه استراتيجي يتبناه خادم الحرمين الشريفين، هذا يضاعف المسؤوليات على الملحقيات الثقافية سواء من ناحية تبني هذه الإستراتيجية وتطبيقها أو عكس صورة جيدة للمملكة، كيف ترون ذلك؟
إن حاول الملحق الثقافي أن يركز على الجوانب التعليمية فقط فهو لا يعكس الدور الذي أوفد من أجله. الجانبان العلمي والثقافي هما مساران متلازمان بالكامل والتقصير في أحدهما سيؤثر في الآخر بلا شك، المملكة تتمتع بصورة مشرقة في الأوساط العلمية والأكاديمية، ومن خلال ثلاث سنوات ونصف، لم نجد إلا أبوابا مفتوحة أينما توجهنا بين الدول التي تدخل ضمن إشراف ملحقيتنا، هناك تطورات نوعية في الجانب العلمي تعززت من خلال زيارة الوزير قبل ثلاث سنوات حيث تم توقيع عدد من الشراكات بين جامعات المملكة وفرنسا. الآن نرى في كل سنة تفعيلا متجددا لهذه الشراكات في مختلف التخصصات والمجالات الطبية والعلمية والتقنية ومراكز الأبحاث والسياحة والآثار والقانون، كما أننا في كل عام نحاول تقييم هذه التجربة من خلال ما تم تفعيله وتطبيقه من أجندتها.
في الملحقية الثقافية في فرنسا، هناك تجارب اجتهدنا فيها سواء على مستوى العمل الثقافي أو تجارب الشراكات العلمية وتفعيل الروابط العلمية بين البلدين، وهي مطروحة دائما للنقاش.
ما الخصوصية التي يمكن لمسها في الناحية العلمية بالنسبة لفرنسا، وكيف تعاملتم للاستفادة منها؟
الملف الأول للجانب العلمي في فرنسا هو ملف التعاون الطبي وآن الأوان أن نتحدث عن هذه التجربة كمشروع للوطن وكأمل كبير فيما يتعلق بالدراسات الطبية، هذه التجربة لها ثلاث مسارات، الأول مسار يعتبر متعثرا ولو أننا نقول إننا خرجنا بأقل الخسائر وأعني هنا دراسة الطب في مرحلة البكالوريوس، هذه الدراسة يجب التوقف عندها، فأبناؤنا من خلال الدعم اللا محدود من الوزارة وبجانب دور مراكز الاعداد الخاصة والدروس الخصوصية، استطاعوا تحقيق نسبة نجاح نحو 24 في المائة في هذا المسار، وتمت إعادة توجيه مجموعة من التخصصات الأخرى. الإشكالية تكمن في هذا المسار وهي مفاجئة لنا جميعا، ذهبت للملحقية ووجدت هذه المجموعة موجودة، ولو كنت على رأس العمل قبل أن تأتي فلن أغامر في هذا الجانب، تجربة الطب مغلقة في كثير من دول العالم بالنسبة للبكالوريوس، كما أن نسبة الرسوب في فرنسا تراوح فيها بين 84 في المائة -87 في المائة بين الفرنسيين أنفسهم والمشكلة فرنسية - فرنسية ومحل النقاش الدائم في فرنسا، ما بالك بشباب من المملكة يواجهون صعوبات لغوية وأخرى علمية متعلقة بالنظام الدراسي، هذا المسار تمت الاستفادة من هذه التجربة فيه، نجح مجموعة من الطلبة وهم الآن في السنة الثانية طب وهذا أمل رائع بالنسبة لنا، فيما يتصل بالمسار الثاني وهو الذي نرى فيه الوطن، يوجد الآن ما يقارب 220 طبيبا لشهادة الاختصاص، وهذا نتيجة توقيع مذكرة التفاهم التي تمت بين وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة ووزارة التعليم العالي في فرنسا، التي أنتجت أهم نقطة وهي أن الطبيب السعودي يحصل على التدريب نفسه الذي يحصل عليه الفرنسي وكذلك على الشهادة نفسها. الآن تخرج مجموعة من الأطباء بالشهادة التكميلية وننتظر مجموعة خلال سنتين من أصحاب شهادة الاختصاص الفرنسية التي تمنح لأول مرة، وقد وقعت من بعدنا دولتان خليجيتان على المذكرة نفسها على أثر تجربة المملكة الناجحة.
#2#
إن تقييم التجارب ومواجهتها بشجاعة مهم جدا بمعنى أنه اذا كانت التجربة تستحق الدعم والاستمرار فيجب أن يوضع لها كامل الإمكانيات خصوصا في التخصصات التي يحتاج إليها الوطن، في آخر لقاء اتفقنا مع الجانب الفرنسي أن تقيّم الملحقية الثقافية هذا المسار وأن يقيمها الفرنسيون من جانبهم، تقريبا كان الفارق بيننا وبينهم 2 في المائة، بمعنى أن تجربتنا في حدود 80 في المائة من الأطباء يحصلون على تقارير بين جيد جدا وممتاز في مستشفيات فرنسا. هذه التجربة ليست بمعزل عن النقد والتقييم، وفي كل فترة نحصل على حقوق أكثر ونحاول أن نصاحب الأطباء في المستشفيات عبر تنظيم زيارات لهم للوقوف على احتياجاتهم، ما يهمنا بالكامل هي جودة التدريب، يجب أن يعود الطبيب قادرا على التعامل مع المريض بأفضل المعايير الممكنة، آخر حلقة تطويرية للبرنامج تمت قبل عشرة أيام وهي اللجنة السعودية الفرنسية لاختيار 50 طالبا، والإضافة النوعية لهذه اللجنة أن الطبيب في السابق لم يكن يعرف المستشفى الا قبل أسبوعين، الطبيب الآن يعرف المدينة والمستشفى قبل عام، الجانب الفرنسي تعاون معنا من حيث تكثيف مرحلة الإعداد اللغوي وكذلك يعطى الطبيب المصطلحات الطبية العلمية وفقا للتخصص الذي سيمارسه بالاتفاق مع مراكز اللغة، المسار الثالث وأنا ممتن لفرنسا أن أوقفته، وهي تجربة التخصص الدقيق حيث أيقنت فرنسا أنه يجب ألا تستمر لأنها تؤثر في سمعتها في التدريب، وهي تتعلق بالأطباء الذين يأتون لمدة سنة او سنتين من أجل الاختصاص الدقيق، وقد كنت من أشد المؤيدين لهذه الخطوة بإيقافها نظرا لمردودها المحدود، وتم إحلال شهادة متميزة بديلا عنها تعتمد على إجادة اللغة الفرنسية، ما يهمنا ليس شهادة التدريب فقط، ولكن العمق والجودة أيضا.
تطمح الملحقية حتى عام 2015 أن يتم تدريب ألف طبيب سعودي وأنا متأكد أن عودة هؤلاء الأطباء بشهادة الاختصاص ستسهم في التأثير في الخارطة الطبية للمملكة، وهناك معلومة غاية في الأهمية هي أن الملحقية الثقافية في اختيارها الأطباء مع اللجنة الفرنسية راعت وأخذت في عين الاعتبار التوزيع الجغرافي للأطباء بمعنى أنه تم اختيار أطباء من مختلف مناطق المملكة كي يتم توفير الكفاءات المتخصصة الحاصلة على تدريب عال في أوسع نطاق، تمهيدا لأن يصبح هؤلاء الأطباء الذين تدربوا على أيدي أمهر البروفيسورات في فرنسا، مدربين لأبنائنا من طلبة الطب وهكذا تدور العجلة. في الجانب العلمي هناك مجموعة من المسارات ومنها القانون والترجمة، هناك مسارات في العلاقات الدولية والعلوم السياسية، لحسن الحظ ومما يبهج الملحقية أن هناك ما يقارب ألف طالب نموذج وهم سفراء وأمل لهذا البلد في عطائهم وإبداعهم.
دار الحديث عن السنة الأولى وحصول كثير من حالات الرسوب، نريد توضيح الصورة في هذا الجانب خصوصا أن البعض تحدث عن عدم وجود حالات نجاح.
سؤالك يتعلق بالمسار الطبي شهادة البكالوريوس، أود القول إن ما تردد ليس صحيحا على الإطلاق لأنه في أيلول (سبتمبر) القادم سيكون لدينا 22 طالبا طب في السنة الثانية، ولكن ينطبق القول نفسه هنا، يجب ألا نجامل على حساب مصلحة الوطن، وزارة التعليم العالي تدور حول قضية تقييم التجربة، فالاستمرارية للمسارات الصحيحة والإيقاف للخاطئة، هذه المجموعة أنتجت 20 أو 22 طبيبا يتخرجوا في مسار كامل من الألف للياء فهذا إنجاز جيد ولكننا بلا شك نطمح إلى المزيد.
هل تتابعون مساواة فرص التدريب الطبي بين الأطباء الفرنسيين والأطباء السعوديين؟
السنوات الأولى تتضمن دراسات نظرية ودورات مختلفة، بالنسبة للمساواة في تدريب الطبي، فهي متعلقة بالتجربة التي تعد مشروع الوطن وطموحاتنا كبيرة في مجال الطب، دائما أقول يجب ألا نجعل قانون الصمت يسيطر على أي طبيب سعودي، عندما طالبنا بجميع الحقوق التزمنا بأن علينا جميع الواجبات، التجربة في بدايتها، وفي بعض الأقسام العلمية عملية التدريب هي غاية في الأهمية وتعتمد على ما يقدمه رؤساء تلك الأقسام إلى المتدربين، نؤمن بأن الحقوق تنتزع والملحقة الثقافية تقف وراء ذلك، أهم التخصصات المطروحة للتدريب هو المتعلق بالجراحة وأنا أتابع شخصيا أي موضوع في هذا الشأن، عندما يقصر طبيب في واجباته فالملحقية تحاول الوقوف معه لكن علينا أن نحصل في المقابل على كامل الحقوق وأوصي زملائي الأطباء بالصبر وأنا على يقين بأن النتيجة إيجابية إن شاء الله.
هناك من يتحدث عن صعوبة في اللغة الفرنسية خصوصا في وجود درجة أخرى منها تتمثل في اللغة العلمية، هل واجهتم مشكلات في هذا الجانب؟
يجب التعاطي مع اللغة وفقا للهدف، بمعنى أن تخصص طالب القانون مثلا يحتاج إلى قدر أكبر، أعجبني أحد المبتعثين في مدينة تور حين طلب مني تمديد فترة اللغة إلى عامين وحين سألته عن السبب أجابني بأنه طالب قانون ويحتاج إلى أن «يلعب باللغة»، وقد احترمت هذه الرؤية، الطبيب لا يحتاج مثلا إلى أن يجيد لغة فولتير كما يجيدها هو، على حسب التخصص يكون عمق اللغة، هناك من يحتاجون إلى سنة ومن يحتاجون إلى سنتين لإجادة التخصص،وفي كل الأحوال هذا قطار الجدارة والاستحقاق ونريد أن يستقله جميع المميزين.
#3#
قامت الملحقية أخيرا بتبني مشروع ثقافي مهم يعنى بالترجمة. وهي الخطوة التي وجدت صدى كبيرا في المستوى الفكري والإعلامي، بماذا يمكن أن تخبرنا في هذا الشأن؟
هو مشروع يعتبر من أهم مشاريع الملحقية، وآن أن نتحدث عنه، فبتوجيه مباشر من وزير التعليم العالي وبحكم وجود الملحقية في مركز من مراكز الإشعاع الثقافي العالمي انطلق المشروع الذي صدر عنه حتى الآن ستة كتب وتوجد أربعة كتب في طريقها لأن ترى النور خلال الأيام المقبلة، اختيار الكتب يتم وفقا للجنة مشكلة من زملاء في جامعة السوربون ومراكز الأبحاث الأخرى، يجتمعون للنقاش حول أهمية الكتاب للمملكة والعالم العربي الذي سيستفيد بشكل عام من ترجمته، درجة الأهمية تتوقف على ارتباطه مباشرة بالتنمية والثقافة، بجانب مقدار النجاح الذي يحققه الكتاب في بلده سواءا كان في فرنسا أو في أي من الدول الفرنكفونية، نترجم الكتب من الفرنسية إلى العربية والعكس، والهدف نتمنى أن نصل إلى ترجمة 50 كتابا في المسارين، ويسعدني كثيرا التنسيق مع صحيفة «الاقتصادية» لتقديم قراءات للكتب التي تتم ترجمتها، تم إعداد تقرير كامل عن كل كتاب، وهي كتب فرضت نفسها على مجموعة من الصحف والمواقع الإلكترونية العربية، أحد أهم هذه الكتب هو كتاب تحت إشراف الفيلسوف والمفكر جاك أتالي الذي يقرأ من خلاله «مستقبل العمل» الى عام 2050 ، وأتالي منظر معروف من خلال قراءاته المستقبلية، الكتاب الآخر الذي حقق ردة فعل مهمة هو لأحد كبار فلاسفة فرنسا والعالم في القرن العشرين وهو كتاب «إلى أين يسير العالم» ويحاول فيه إدغار موران أن يدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بكثير من القضايا ويصل في نهاية المطاف إلى مبدأ احترام الإنسان أينما كان، وأرى أن هذا الكتاب يفيد كثيراً من صناع القرار في العالم العربي لا سيما فيما يتصل ببناء التربية.
هل يمكن أن نرى كذلك ترجمات لفولتير وهو أحد أهم رواد عصر النهضة والتنوير؟
تركيزنا حاليا على الكتب الحديثة، والحديث عن الترجمة ذو شجون، كان لي ورقة أسعدني أن ألقيها في جامعة منوبة قبل ثلاثة أسابيع حاولت أن أطرح إشكالية أنه يجب أن نعالج قضيتين أساسيتين في العالم العربي قبل أن نذهب بعيدا في الحديث عن الترجمة هما الأمية، والقراءة، آخر الإحصاءات تقول إن الأمية في العالم العربي بين 47 -60 في المائة، وأن العربي يقرأ في العام بمعدل ربع صفحة، أعتقد أن علينا معالجة قضايا أساسية تعتبر عوامل مركزية وتصب في عمق المشاريع الثقافية.
حدثنا عن الاتجاه الذي يتولاه المشروع في سبيل طباعة أعمال أدبية سعودية لتكون بين يدي القارئ الغربي عموما والفرنسي تحديدا؟
انتهينا من ترجمة عمل فلسفي كبير متمثل في رواية خاتم لرجاء عالم، ترجمت إلى اللغة الفرنسية وستنشر في إحدى دور النشر الفرنسية المهمة التي نشرت لأهم كتاب نوبل. «خاتم» تحكي ذاكرة المكان أو إنثربولوجيا الحرم، العوالم الثقافية لمنطقة ما حول الحرم، المكان الذي يحتاج الغرب إلى أن يتعرف عليه أكثر بطريقة مختلفة، مترجم الرواية عندما انتهى منها قال لي «إنني ارتويت من ماء زمزم وشممت رائحة العود في جبل هندي».
أتقدم بالشكر والتقدير إلى وزارة التعليم العالي، عدم المركزية مهم في العمل الثقافي، كل يخدم هذا الوطن من موقعه، الوزارات والسفارات والهيئات المختلفة، كلنا نصب في مصلحة الوطن.
بين يدي اللجنة الآن عدد من الكتب السعودية، لترجمة ما يتسق مع الذوق الغربي، نريد ترجمة روايات تحاكي القارئ الغربي.
#4#
والمملكة تتبنى عالميا فكرة حوار الحضارات ضمن نطاقات فكرية وثقافية واسعة وفي اتجاهات رسمية وشعبية.. كيف نستطيع النظر إلى النموذج السعودي الفرنسي كواجهة لهذا المشروع؟
عندما نتحدث عن حوار الحضارات نتحدث عن خادم الحرمين الشريفين، المبادرة تحقق نجاحا في ظل هذا العمق الذي يحمله الملك عبدالله حيث قام بخطوات مهمة تم استعراضها في فرنسا بشكل كبير منذ بداية المبادرة ودعوة 500 عالم مسلم لإطلاق نداء مكة من أجل تشييد القيم المشتركة، ومن ثم ينطلق إلى مدريد ونيويورك وفيينا وجنيف، هي مبادرة بدأت تأخذ مكانها في الفضاء العالمي، المملكة بدأت تشكل بيت خبرة فيما يتعلق بحوار الحضارات، ما يميز هذه التجربة أن الكل يحمل هذا الهم، وزارة التعليم العالي تمارس دورا تكامليا لهذه التجربة من خلال تفعيل الشراكة والاتفاقيات التي توقعها الوزارة في أوروبا والصين واليابان وأمريكا وغيرها، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، هذا الدور التكاملي لم يحصر على هيئة أو جهة بعينها ولكن شمل المجتمع بكامله، وهذا ما أعطاها العمق وأكسبها كثيراً من الاحترام العالمي.
بالنسبة للنموذج السعودي الفرنسي، من خلال تجربتنا وجدنا في فرنسا قابلية للتعاون واستقبال الآراء، فالمعرفة هي شرط الفهم والتواصل، والخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول «الناس أعداء ماجهلوا»، آن الأوان أن نتبنى قضايانا وأن لا يتبناها غيرنا بالوكالة، وما لم نسجل حضورنا الثقافي في أنفسنا فلن يكون هناك تعامل ثقافي حقيقي أو ما يعرف بالمثاقفة وهو مصطلح يقوم على الأخذ والعطاء بالتساوي واحترام الجانبين لبعضهما، وهذا ما لمسناه في ندوة حوار الحضارات التي أقيمت في باريس بحضور أكثر من أربعين أستاذا وذلك في سياق مبادرة خادم الحرمين الشريفين.
وزارة التعليم العالي تقوم بدورها، كما أن المؤسسات الأخرى أيضا كالرياضة ممثلة في الرئاسة العامة لرعاية الشباب يمكنها القيام بتطبيق مثاقفة حوار الحضارات في فعالياتها المختلفة ، في كل المجالات تستطيع أن توجه العمل ليكون عملا ثقافيا بين المملكة والدول الأخرى، أود التركيز هنا على نقطة توضيحية مهمة، ندوة حوار الحضارات كانت الأولى بين جامعة الملك سعود ومجموعة من الأساتذة في حوار مغلق، في جامعة السوربون تم التوسع بنسبة أكثر حضرها مجموعة مثقفين وأساتذة عرب وفرنسيين، نطمح في اللقاء الثالث أن تتوسع المشاركة لتشمل طلاب الجامعات الفرنسية ورؤساء الأقسام العلمية فيها، لكي تكون توسيع المشاركة للجميع بعد نجاح المستوى الثاني بشهادة الأساتذة الفرنسيين الذين أشادوا بعمق التجربة والطرح.
#5#
يتميز الشعب الفرنسي بقابلية التنوع وانفتاح الحس الثقافي. هل تمت الاستفادة من هذا الجانب كما يجب من قبلنا؟
الفرنسي المنفتح هو من مارس الحراك سواء كان ذلك حراكا فعليا بأن سافر وناقش واجتمع وحاول أن يفهم، أو الحراك الافتراضي بحيث توجد لديه الرغبة والقراءة عن الآخر والاستماع، هؤلاء ليس لدينا مشكلة معهم، المشكلة في الشعب الفرنسي والسعودي وفي أي شعب في العالم تتمثل في الفئة المتقوقعة التي لا ترغب في التفهم وهي التي لم تسمع غالبا بمقولة تودروف «معرفة الآخر ليست إحدى السبل لمعرفة الذات، بل هي السبيل الوحيد لذلك».
في هذا السياق ، حدثنا عن فعالية الاكتشافات الأثرية الحديثة في المملكة التي أقيمت بالتعاون مع جامعة السوربون.
كان ذلك في كانون الثاني (نوفمبر) 2007 كانت فعالية وأياما علمية أو ما يعرف بالطاولة المستديرة بين جامعة الملك سعود كلية الآثار وجامعة السوربون وتم استعراض الاكتشافات الأثرية الحديثة في المملكة، صاحبها كذلك كتيب من 100 صفحة تعريفي بهذه الفعالية وقد طلبته أكثر من جهة في فرنسا ، هناك دعوات كثيرة في الاستمرار تمخض عنها الاستمرار في التعاون بين الجامعتين ، وامتد كذلك مع جامعة حائل عبر زيارة حديثة قبل نحو شهر على إثر افتتاح قسم السياحة والآثار .
المملكة تملك من الكنوز الأثرية الكثير وأنا أتمنى أن يتم الإسراع نحو ثاني أكبر مصدر فيها وهو الجانب السياحي، والسعي وراء استكمال البنية الأساسية والتحتية لكي نبني مستقبل الأجيال من خلال السياحة، وكثير من مدننا توجد فيها كنوز تجعلها أشبه بالمتاحف المفتوحة .
في هذا الإطار أيضا..تبنيت مقولة إن المملكة منتجة للثقافة وليست متلقية فقط. كيف يمكن تعزيز هذا المفهوم؟
بمزيد من التعاون بين القطاعات الثقافية والعلمية ، ومنذ بداية تجربتي في الملحقية، لم يخذلنا مثقف سعودي واحد، آن الأوان أن نسجل حضورنا بقوة وأن ندخل في معترك الأفكار العالمية.
لكم تجربة جيدة فيما يتعلق بالكراسي العلمية في جامعات فرنسا. ما الذي يمكن معرفته بهذا الشأن؟
الندوة السعودية الفرنسية لحوار الحضارات كان من توصياتها إنشاء كرسي لحوار الحضارات بين جامعة السوربون وجامعة الإمام ،وكذلك كرسي الاقتصاد الإسلامي وهو ثاني أهم الملفات التي تتبناها الملحقية الثقافية في باريس نظرا لقناعتنا أن قضية المال والأخلاق هي أحد مسببات الأزمة المالية لعالمية بمعنى أن التعاطي مع المال سابقا ركز على الفوائد دون أن يلتفت إلى الجانب الاجتماعي، ما تم استعراضه لمجموعة كبيرة من المثقفين الفرنسيين من ضمنهم من شارك في ندوة حوار الحضارات أنهم جميعا تحولوا في دراساتهم نحو نموذج الاقتصاد الإسلامي، من منطلق أن هذه الاجراءات الاقتصادية هي كونية وهذا أحد أجمل وأهم نماذج الحوار الحضاري الذي يقرب بين الطرفين ويعطينا الدليل على أن الغرب قابل للشراكة فهو عندما احتاج إلى نموذج اقتصادي ذهب إليه ووجد ضالته في هذا النموذج الذي كان الكثيرون يحاولون تشويهه.
البعض يتحدث عن صعوبة التواصل في الخدمات الإلكترونية في الملحقية. هل من توضيح لهذه الصورة ؟
على عاتق الملحقيات الثقافية أن تجاري التقنية، الهاتف ليس كافيا ،فمثلا إذا وجد ألف طالب في فرنسا واتصل منهم اثنان على المشرف الدراسي فسيكون الخط مشغولا على البقية، نشر ثقافة التواصل بالبريد الإلكتروني هي أفضل الحلول وهذا هو المستوى الأول للتواصل، المستوى الثاني هو البوابة لإلكترونية والوزارة مقبلة على تحقيق قفزة نوعية في هذا الجانب وستحفظ كثيرا من الحقوق وستختصر الكثير من الجهود والإجراءات عبر تقنيات حديثة توثق كامل الخطوات وتقتفي أثر العمليات في كافة مساراتها، سيكون لهذا أثر اقتصادي كبير في اختصار جهود عدة سواء فيما يتعلق بعدد الموظفين أو سرعة إنجاز الأعمال. الملحقية حصلت على جائزة التميز الثانية على مستوى الملحقيات الثقافية.
منطلق سؤالي هو قلة عدد المبتعثين في فرنسا قياسا بدول أخرى، وهو أمر يفترض أن يجعل مجهود خدمتهم أكثر سهولة.
هذه فكرة صحيحة، وأنا من المطالبين بأن يتم تقييم الملحقيات الثقافية من قبل الطلاب سواء باستبيانات أو بغيرها، رضا الناس غاية لا تدرك لكن هناك نسبة وتناسب ، يجب أن يكون مجموعة من هؤلاء المبتعثين راضون عن هذه المؤسسات التي وجدت من أجلهم.
ما الصعوبات التي أخرت إنشاء أندية طلابية في فرنسا لتنسيق التواصل مع المبتعثين؟
حسب توجيه وزارة التعليم العالي يجب أن تكون هذه الأندية تحت مظلة الجامعات الفرنسية وبحكم اختلاف فرنسا عن أمريكا فالعمل جار مع الجانب الفرنسي لوضع الآليات اللازمة لذلك تمهيدا لرفعها للوزارة.
وما رأيكم في الملتقيات الإلكترونية التي تجمع طلاب المملكة عبر دول العالم ، وهل هناك متابعة للقضايا المطورحة فيها ؟
وجود هذه المتصفحات والمدونات ظاهرة صحية بالكامل ويجب ألا يكون للملحقية أي طرف في توجيهها أو التأثير فيها، هذا مجال مفتوح للنقاش ، نحن نؤمن بالطرح البناء وندرك أن الملحقية كبقية التجارب ليست بمعزل عن النقد، من لا يعمل لا يخطئ، والناس يجب أن يواجهوا التقييم المنصف سواء أحسنوا أو أساؤوا.
من واقع عملكم ، هل ثمة عوائق سواء في النواحي الإجرائية أو التنظيمية تحول دون القيام بعمل يوازي الطموح في ملحقية المملكة الثقافية في فرنسا؟
أنا تعودت أن أسمي الأشياء بمسمياتها ، إن كان هناك تقصير فيما يتعلق بباريس فهو من الملحق الثقافي ، وزارة التعليم العالي أحرجتنا بالدعم ، وإذا كان هناك تقصير على كل المستويات فهو من الملحقية الثقافية. لنا أولويات، ففي الجانب العلمي لنا دور متكامل مع الوزارة ، شراكات، زيادة عدد مبتعثين، نطمح إلى الوصول إلى ألف طبيب كما قلت لك. في الجانب الثقافي لا نريد أن يتمركز العمل الثقافي. الملحقية تقوم بدورها في الترجمة وهي الآن بصدد إعداد برنامج ثقافي لكل ثلاثة أشهر من الندوات والمؤتمرات، كما سيتم تدشين مقر الملحقية الجديد في أهم أحياء باريس. ولأول مرة تتملك المملكة مبنى يوجد فيه متحف وقاعة مؤتمرات سيخصص لها محاضرة كل أسبوعين تسمى لقاء الملحقية الثقافية السعودية في باريس، يدعى له كبار مثقفي فرنسا في الأدب والاقتصاد والعلوم الإنسانية ، إضافة إلى المثقفين السعوديين الذين سيتناولون القضايا الثقافية والعلمية والنقاش مع نظرائهم الفرنسيين. وأعود إلى مبدأ أن نأخذ مبادراتنا وقضايانا بأنفسنا بدلا من تركها ليقوم بها غيرنا بالوكالة، يجب أن يسجل المثقف السعودي حضوره وأتمنى أن يكون لهذا المركز بداية قوية، بدأت مؤشراتها من خلال إعداد برنامجه لمدة أشهر، والآن استجاب مجموعة كبير من المثقفين الفرنسيين، حيث سيبدا العمل به في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
أخيرا ..أخبرنا بما لم تخبر به أحدا عن تجربتكم في الملحقية الثقافية السعودية في فرنسا .
معظم ما أخبرتكم به لم أخبر به أحدا ، لي ثلاث سنوات ونصف لم أتحدث بإسهاب إلا هذه المرة، ولكني عموما أتمنى أن تنجح الملحقية الثقافية في باريس من خلال جهودها المتواصعة في أن تجعل من العمل الثقافي نقطة مركز اهتماماتها .