«تباين التشريع» معضلة تواجه تسويق منتجات المصارف الإسلامية العالمية

«تباين التشريع» معضلة تواجه تسويق منتجات المصارف الإسلامية العالمية

سيطرت قضايا المصاعب التي تواجهها البنوك في تسويق منتجاتها المصرفية على فعاليات القمة الآسيوية الخاصة بالمؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية الذي عقد أخيراً في سنغافورة.
وأكد رشيد المعراج محافظ مصرف البحرين المركزي، أن اختلافات فقهاء المصارف حول العقود الإسلامية، وذلك ما بين إجازتها وتحريمها، التي أوجدت ما يعرف بـ «عدم اليقين القانوني» حول هذه العقود، وأن هذه الأمور لم «تثبط» نمو صناعة المالية الإسلامية بعد.
وبحسب المصرفيين الذين تحدثوا في المؤتمر، فإن المصارف العالمية تواجه معضلة تسويق منتجات معقدة لعملائها من قطاع التجزئة الذين يتناثرون في مناطق مختلفة في العالم، الأمر الذي يصعب من عملية ترحيبهم ببعض هذه المنتجات وفقا لتفسيراتهم الشرعية.
وهنا يعلق حارث عرفان، رئيس المنتجات الإسلامية، في بنك باركليز كابيتال، قائلاً: «إن البنوك دائما ما تكون في العادة تحت ضغوط تجارية، فقد يطلب منا إيجاد منتجات معقدة، وفي الوقت نفسه تحقيق الأرباح للمساهمين، لكني أتمنى لو أن المصرفيين الآخرين حصلوا على المرونة نفسها التي حصلت أنا عليها. وليكونوا قادرين على قول «كلا» بقدر قولهم «نعم»، وفي الحقيقة فانا أقول «كلا» أكثر من قولي «نعم».
وعما يقصده بذلك، يقول: «عندما يطلب مني أن أصمم وأبيع منتجا، فإنني أرغب في التأكد هنا أننا اتبعنا متطلبات الشريعة. وأتمنى من الفقهاء أن يدركوا الجوانب التجارية لبعض المعاملات. فإذا أغلق باب واحد، فسينفتح باب آخر. وعليه لا يوجد أي سبب يمنع الفقهاء من إيجاد مخرج. والفقيه الجيد يمكن له أن يقول إن هذه المعاملة التجارية ربما لا تكون متوافقة مع الشريعة لكنني أعرف طريقة تجعلها متطابقة مع الشريعة».
وقال المعراج خلال كلمته التي ألقاها إن هناك بُعدا لليقين في عقود المصرفية الإسلامية, وهو عبارة عن حقيقة مفادها أننا لا نزال بعيدين إلى حد ما عن تطوير مستندات موحدة من الناحية المعيارية، وتكون مقبولة باعتبارها جائزة شرعاً ويقبل بها الفقهاء الشرعيون من مناطق الاختصاص القضائي المختلفة ومن المذاهب الفقهية المختلفة, طالما كانت هناك مخاطر بأن نوعاً معيناً من العقود يعترف به بعض الفقهاء على أنه جائز شرعاً ويرفضه بعض الفقهاء لأنه مخالف للأحكام الشرعية (في رأيهم)، فإن التعاقدات ستفتقر إلى اليقين الشرعي والقانوني في الصناعة».
وواصل: «قد يجادل البعض بأن حالة عدم اليقين الذي من هذا القبيل لم يثبط النمو في الصناعة حتى الآن. مع ذلك فإن غياب اليقين يجعل من الصعب تماماً على المؤسسات المالية الإسلامية أن تعمل في عدد من الدول المختلفة. وكانت نتيجة ذلك أن تركيز المؤسسات المالية الإسلامية كان في معظمه في أسواقها المحلية، ولم تتمكن من تحقيق النطاق الواسع من الأعمال الذي يساعد على خفض التكاليف بسبب الحجم الكبير، وهو أمر من شأنه أن يجعل هذه المؤسسات قادرة عملياً على منافسة المؤسسات المصرفية التقليدية، التي تتمتع بمنافع الاستقرار واليقين. كذلك فإن غياب الحجم الكبير في أعداد التعاملات يزيد من تكاليف المنتجات المالية الإسلامية، وبالتالي يزيد من التكاليف على المستهلك في نهاية الأمر».

مخاطر فسخ العقد الشرعي

عن قضية المخاطر الناجمة من الأحكام الشرعية التي تمثلت في قضية «دار الاستثمار» مع أحد البنوك اللبنانية, وكيف أن محامي الشركة الكويتية زعموا أن العقد ليس متوافقا مع الشريعة وبعد ذلك صادقت المحكمة على حجتهم، قبل أن ينتفض فقهاء «دار» ويعترضوا على هذا الحكم، يقول أحد المصادر المصرفية في المؤتمر, الذي فضل عدم ذكر هويته: «من المؤسف أن ترضى شركة بأن تقوم بتشويه سمعة الصناعة ككل بسبب مبلغ صغير».
وعندما سألت «الاقتصادية» حارث عن إمكانية قيام شركات أخرى متعثرة باتباع خطوات «دار» قال: «لا أحد سيقوم بذلك لأن المجلس الشرعي (الخاص بالمؤسسة ذاتها) سيتصدى لذلك. لكن كان من المخزي استخدام هذه الحجة للخروج من الالتزام المادي. ومع هذا فقد تعلمت الصناعة بعض الدروس من ذلك، التي منها إذا كانت بعض المؤسسات تخطط للاستفادة من حجة (مخالفة) الشريعة كحجة دفاع، فإنهم عليها أولا أن تطلع مجلس الشريعة الخاص بها بذلك.
وهنا يقول الفقيه الماليزي أزنان حسن: «لقد اجتمعت مع بعض الفقهاء في دبي حول هذه القضية، واتفقنا على ضرورة قيام الطرفين في العقد بوضع بند يذكرون فيه أنه لن يسمح لأحد بأن يحتج على هذا العقد، وذلك وفقا لـ «تاج» الشريعة الذي تم الاتفاق عليه. حيث قد تتغير آراؤك (الشرعية) بين فتره وأخرى».
وأجمع بعض المتحدثين في المؤتمر على أنه رغم أنه كانت هناك زيادة قوية وعظيمة في الاهتمام بالمصرفية الإسلامية منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية قبل أكثر من سنتين، فإنه لا مكان للتهاون والاغترار في الصناعة حتى تضمن صناعة المال الإسلامية أن يكون بمقدورها الاستمرار في النمو بقوة في المستقبل، وأن يكون بمقدورها أن تتجنب الأضرار الكبيرة التي لحقت بسمعة صناعة المصرفية التقليدية نتيجة للأزمة، فإن صناعة المصرفية الإسلامية في حاجة إلى أن تتفحص أسسها بمنتهى العناية. ولا بد أن تكون الأسس والدعائم قوية على نحو يضمن أنها تستطيع تحمُّل الصناعة الكبيرة للغاية التي تقوم على هذه الدعائم».
ويعد اختيار سنغافورة لتكون البلد الذي يستضيف القمة الآسيوية السنوية الأولى»للمؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية» خطوة أخرى في عولمة المصرفية الإسلامية. ويرى خبراء أن دور سنغافورة التاريخي، كجسر في الخطوط التجارية التي تربط العالم العربي وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، يجعلها المكان المناسب لقمة من هذا القبيل. فضلا عن ذلك فإن سنغافورة، بما تتمتع به من بنية تحتية وسمعة عطرة بخصوص القوانين التنظيمية السليمة والشفافة، فإنها من المرجح أنها ستلعب دورا تزداد أهميته باستمرار في مستقبل تطور المصرفية الإسلامية. 

توحيد المعايير

كان في طليعة المحاولات الرامية إلى تطوير عقود معيارية موحدة في المصرفية الإسلامية، المؤسسة المعروفة باسم السوق المالية الإسلامية الدولية، ومقرها في البحرين. وأعلنت في الفترة الأخيرة عن أنها وضعت، بالتعاون مع جمعية عقود التأمين والمشتقات، اتفاقية عامة للتحوط، وهي تعطي التوثيق المعياري الموحد للمشتقات الإسلامية. واعتُمِدت الاتفاقية العامة من قبل مجلس الفقهاء الشرعيين في منظمة السوق المالية الإسلامية الدولية، وهو مجلس يضم عدداً من أبرز الفقهاء في الصناعة من الذين يتمتعون باحترام على نطاق واسع.
وفي حين أن التوثيق المعتمد من منظمة السوق المالية الإسلامية يعطي هيكلاً معمارياً أكثر متانة ونشاطاً في تطوير المشتقات الإسلامية، إلا أنه يجب النظر إليه على أنه لا يزيد على كونه مجرد بداية العملية. سيكون من اللازم القيام بقدر كبير من العمل المتواصل لضمان أنه يمكن تطوير عقود معيارية موحدة للمنتجات الأخرى في المصرفية الإسلامية، على نحو يحظى بموافقة الغالبية العظمى من الفقهاء الشرعيين.
وعن قضايا إدارة المخاطر، قال المعراج إن القضية الأولى تتعلق بمخاطر السيولة، فصناعة المصرفية التقليدية تلقت هزة أيقظتها من غفلتها أثناء الأزمة فيما يخص أهمية فهم مخاطر السيولة ومتابعتها وضبطها. لا بد لصناعة المصرفية الإسلامية أن تدرك أنها هي الأخرى في حاجة إلى إدارة جيدة للمخاطر».
وزاد: «إن الكيفية التي تستطيع المؤسسات المالية الإسلامية من خلالها إدارةَ مخاطر السيولة في أعمالها (بالنظر إلى الغياب النسبي للأدوات قصيرة الأجل في سوق المال) تعتبر مشكلة للصناعة منذ فترة من الزمن, لكن أحداث السنوات الأخيرة ينبغي أن تغرس فيها إحساساً قوياً بالاستعجال في سبيل حل هذه المشكلات، ونحن في حاجة إلى مضاعفة جهودنا في سبيل العثور على حل».
وشدد المعراج على ضرورة تنويع محفظة الأصول ومع تقليل اعتماد المؤسسات المالية على القطاع العقاري, الذي أسهم ـ بحسب المعراج - على تركز نسبة المخاطر على قطاع العقار.
يقول المعراج: «هناك مجال آخر من إدارة المخاطر تحتاج المؤسسات المالية الإسلامية إلى إعطائه بعض الاهتمام، وهو مشكلة تركيز المخاطر في قطاعات اقتصادية أو فئات موجودات معينة. تفضيل الصناعة الموجودات الفعلية الداعمة للتعاملات المالية أدى ـ مع الأسف ـ إلى التركيز العالي نسبياً للمخاطر في قطاع العقارات».
وواصل: «نتيجة لذلك فإن كثيرا من المؤسسات المالية الإسلامية لديها محافظ موجودات مركزة على قطاع العقارات، الذي هو بطبيعته قطاع يتسم بالتقلبات الكبيرة. وكان من شأن أداء أسواق العقارات في أمريكا الشمالية وأوروبا وبعض الأجزاء في الشرق الأوسط أن أبرز مخاطر التركيز المكثف للقروض في هذا القطاع. من المهم أن تعْثُر صناعة المصرفية الإسلامية في المستقبل على سبل لتنويع مخاطرها وتقليص اعتمادها على الموجودات المدعومة بالعقارات».

الأكثر قراءة