الاقتصاد العالمي .. «قطار على سكتين»
لأول مرة منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية قبل نحو عامين، يشعر العالم والأسواق المالية أن الاقتصاد العالمي منقسم ويسير في اتجاهين مختلفين، وذلك بعد أن أخفق الجناحان الرئيسان داخل مجموعة العشرين(الدول المتقدمة من جانب والدول الصاعدة من جانب آخر)، في التوصل إلى حل واحد وسط في بيانهم الذي أصدروه عن قمتهم التي اختتمت في تورنتو الأحد الماضي.
لقد حمل البيان عموميات أحدثت انقساما حتى في أداء الأسواق المالية العالمية، إذ صعدت الآسيوية مع أسعار النفط والذهب، فيما هبطت الأسواق الأوروبية وأسواق العملات، فمن جهة طالب البيان بالاستمرار في دعم الانتعاش العالمي، ومن جهة أخرى دعا الدول المتقدمة وعلى رأسها منطقة اليورو إلى خفض العجوزات في ميزانياتها العمومية إلى النصف بحلول عام 2013.
لم يكتف بيان تورنتو بهذا الانقسام بشأن تحديد خيار واحد بين النمو أو التقشف، بل تجاوز ذلك إلى الانقسام بشأن أهمية ضبط القطاع المالي العالمي، إذ أصرت أوروبا على معاقبة البنوك والمؤسسات المالية العالمية وتحميلها تبعات الأزمة بفرض ضريبة مصرفية، فيما رفضت الدول الناشئة وكندا تمريره كنشاط لكل بنوك المجموعة، فخرج النص على النحو التالي (يحث قادة العشرين على فرض رسوم مصرفية على البنوك والتعاملات البنيكة، ولكن وفق أسلوب كل بلد).
سياسة أسعار الصرف هي الأخرى كانت محل انقسام داخل أكبر 20 اقتصادا في العالم، إذ تمت الإشارة إليها دون تحديد اسم العملة والبلد محل الخلاف ''اليوان الصيني''، حيث اكتفى البيان بمطالبة الدول التي لديها فوائض ضخمة بإحداث مرونة على أسعار صرف عملاتها، وهو ما يعني أن الصين نجحت في عدم جعل قمة العشرين مكانا للحديث عن عملتها فيما نجح الآخرون في الإشارة إلى الموضوع باعتباره مشكلة اقتصادية يجب بحثها.
ما أود قوله إنه إذ كان الاقتصاد العالمي قطارا تعثر بسكة حديد رديئة في أيلول (سبتمبر) 2008 واستطاعت قمة واشنطن الأولى ومن ثم قمتا لندن وبيتسبيرج وضعه على المسار الصحيح، وإنقاذه من ركود عميق، فإن قمة تورنتو الكندية الأخيرة وضعته على سكتين مختلفتين وذلك حتى القمة اللاحقة التي ستعقد في تشرين الثاني (نوفمبر ) المقبل في سيئول الكورية، وهذا يعني بلغة الأرقام الاقتصادية أن 45 من الناتج الإجمالي للعالم سيتراجع على اعتبار أن المجموعة تشكل 90 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي، وهذا يعني أيضا أن 40 في المائة من التجارة العالمية ستتراجع، إذ إن 80 في المائة من التجارة العالمية هي من نصيب (G20)، كما أن واحدا من كل ثلاثة من سكان العالم سيفقد وظيفته أو سيتأثر بالانكماش إذا سلمنا بأن ثلثي سكان العالم هم أعضاء في مجموعة العشرين.