هل تنقذ القيم الإسلامية المالية الغربية؟
أكد إدوارد جيبون في كتابه الشهير اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها، أن انتشار الفساد كان وراء سقوط الإمبراطورية الرومانية، والفساد تتعدد أنواعه وأشكاله، والجشع يأتي على قمة الفساد، وكانت ممارسات البنوك في الولايات المتحدة وأوروبا التي كانت تلهث وراء الربح وجمع المال وراء الأزمة المالية، حتى أن صحيفة الفاتيكان اعترفت في مقال لها على صدر صفحتها الأولى بضرورة تبني القيم المصرفية الإسلامية لإنقاذ العباد من تدهور الأوضاع الاقتصادية والأزمة المالية! وإن الأزمة اليونانية التي تعصف بالبلد حاليا، والتي تسعى مجموعة اليورو الأوروبية (16 دولة) لإنقاذها وإنقاذ اليورو أيضا بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، كان الفساد له دور في هذه الأزمة المالية التي تهدد دول جنوب المتوسط الأوروبية مثل البرتغال وإسبانيا؟
كشف تقرير جديد لمنظمة الشفافية الدولية بشأن اليونان أن الاقتصاد والمجتمع اليوناني لا يزالان في قبضة الفساد على الرغم من الأزمة المالية. وجاء في تقرير عام 2009 أن متوسط مبالغ الرشوة التي دفعها اليونانيون العام الماضي لتسريع إصدار رخصة قيادة أو سيارة أو لشراء تصريح بناء أو للدخول في أحد المستشفيات العامة بشكل أسرع أو لتعديل نتائج اختبار القيادة بلغ 1355 يورو مقابل 1374 يورو عام 2008. وأظهرت الدراسة أن متوسط مبالغ الرشوة التي دفعت في القطاع الخاص، للمحامين أو الأطباء أو البنوك على سبيل المثال، ارتفع بشكل ملحوظ العام الماضي، حيث بلغ متوسط مبالغ الرشوة التي دفعها يونانيون في ظرف تحت الطاولة 1671 يورو، مقابل 1575 عام 2008. واستندت المنظمة في بياناتها إلى استطلاع كلفت معهد "بابليك إشو" لقياس مؤشرات إجرائه. وشمل الاستطلاع 6122 يونانياً بالغاً. وذكر 13.4 في المئة ممن شملهم الاستطلاع أنه طلب منهم دفع رشوة. وقدرت المنظمة إجمالي أموال الرشوة التي دفعها اليونانيون العام الماضي بنحو 787 مليون يورو (462 مليون يورو في القطاع العام و325 مليوناً في القطاع الخاص). وذكرت المنظمة أنه وفقاً لتلك التقديرات ارتفعت نسبة أموال الرشوة التي دفعت خلال عامين بنحو 23 في المئة. وكانت المنظمة قد قدرت إجمالي أموال الرشوة التي دفعها اليونانيون عام 2007 بنحو 639 مليون يورو. ونعرف أن النظام المالي الإسلامي ضد الرشوة والفساد ويحاربها، لكن الفساد والرشوة حين ينخران في المجتمع يؤديان إلى تدهور اقتصاد الدولة كما حدث في اليونان وتنهار الدولة!
دراسة الإيمان في الأجندة الدولية
ذكرت الدراسة الصادرة بعنوان "الإيمان في الأجندة الدولية"، التي شارك فيها 130 ألفا، أن ثلثي المشاركين في استطلاع للرأي من هؤلاء يرون أن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية تعود إلى أزمة أخلاقيات. وقد أشير لهذه الدراسة في مؤتمر دافوس الأخير الذي عقد في جنيف.وقد أكد الاستطلاع أن الأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد العالمي خلال عام 2009 وتسببت في مشكلات مالية وتعثرات للشركات والأفراد على حد السواء، ترجع في المقام الأول إلى أزمة أخلاقيات وقيم ومبادئ ذلك ما أكدته دراسة صادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس".
وفي المقابل يعتقد 50 في المئة من المشاركين في استطلاع الرأي، الذين يتحدرون من دول مجموعة العشرين في وجود قيم عالمية مشتركة. ويرى معدو تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن تلك النتائج تعكس عدم ثقة بالقيم السارية في عالم المال والأعمال، حيث يعتقد 25 في المئة فقط من المشاركين في استطلاع الرأي أن هناك شركات تعتمد مبادئ وقيم في أعمالها، في حين يرى 40 في المئة منهم أن الشركات الصغرى والمتوسطة فقط هي التي تعتمد القيم والمبادئ في أعمالها. في حين أعرب ثلثا المشاركين في الدراسة عن ثقتهم بأن الناس لا يطبقون قيم الحياة الخاصة في الحياة العملية.
وكانت الإجابة عن سؤال حول أفضل القيم التي يمكن تطبيقها في النظم السياسية والاقتصادية، وجد 40 في المئة من المشاركين أن الجدية والشفافية في التعامل هي الأهم، بينما رأى 24 في المئة أن الحقوق والعدالة وحرية التعبير عن الرأي هي الأجدر بالاحترام.
ويرى مدير مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب في مقدمة التقرير" أن الدراسة تشرح بوضوح لماذا يحتاج العالم إلى نظام من القيم لتقوم عليها مؤسسات الاقتصاد العالمية ويكون هذا النظام أيضا محور التعاون الدولي.
وذكرت أيضا دراسة اقتصادية حديثة أن الأزمة المالية العالمية شجعت على ارتكاب الجرائم الاقتصادية حيث إن متوسط الخسائر التي تمنى بها الشركة الواحدة من النصب أو التحايل يصل إلى مليون ونصف المليون دولار في العملية الواحدة.
بيت الخبرة العالمي
ووجدت الدراسة التي أعدها بيت الخبرة العالمي "برايس ووتر هاوس" أن 30 في المئة من الشركات التي شاركت في الدراسة تعرضت للجريمة الاقتصادية بصورة متزايدة خلال الاثني عشر شهرا الماضية، وأن معظمها تحرص عادة على سمعتها ولكن هذا الحرص يزداد أثناء الأزمات فيتغاضى عديد منها عن الإبلاغ عن الجرائم التي يتم اكتشافها وتكتفي بمعالجة الأمر داخليا بعيدا عن ساحات المحاكم أو وسائل الإعلام لتجنب أي عواقب سلبية فيما بعد.
ويشير رولف شاتسمان المدير المشارك في مؤسسة "برايس ووتر هاوس" في تقديم الدراسة إلى أن الأرقام غير المعلن عنها لخسائر المؤسسات من جراء الجريمة الاقتصادية مرتفعة للغاية، وما لدينا الآن من بيانات ما هو إلا قمة جبل الجليد.
ووفق البيانات التي نشرتها الدراسة فإن قرابة 50 في المئة من المتورطين في تلك الجرائم يكونون من داخل الشركات، بل إن 70 في المئة منهم في مناصب إدارية وقيادية عليا، في حين أن تلك النسبة كانت في دراسة سابقة صدرت هنا قبل عامين في حدود 54 في المئة.
أما العقوبات التي يتعرض لها المتورطون فتختلف حسب الدراسة، حيث يتم الاستغناء عن 55 في المئة من المتورطين فيما يتم التحقيق مع 23 في المئة، في حين تؤكد الدراسة أنه كلما كان المتورط في الجرم ذا منصب رفيع فلا يتعرض لشيء.
وإذا كان العالم يمر بأزمة قيم وخاصة في الممارسات الاقتصادية وبسبب نجاح المصارف الإسلامية التي تتمتع بالمصداقية، هل تتقدم المؤسسات الاقتصادية الإسلامية والمنظمات الاجتماعية بديلها المستوحى من قيم الإسلام النبيلة التي تحرم الفساد وتعاقب المفسدين في الأرض ؟.