تعامل الاتحاد الأوروبي مع الأزمة اليونانية!!

منذ تأسيسه ككيان سياسي واقتصادي كبير، أخذ الاتحاد الأوروبي على عاتقه لعب دور بارز على الساحة الدولية من خلال دوره الفاعل، المتمثل بمجموعة من الدول كفرنسا وألمانيا ذات الثقل الاقتصادي والديناميكية السياسية، ما أكسبه الكثير من الاحترام والتقدير على الساحة الدولية. يضم الاتحاد الأوروبي 27 دولة، وقد تأسس هذا الاتحاد بناءً على اتفاقية ماستريخت الموقعة عام 1992، وقد وصل أعلى درجات التكامل الاقتصادي من خلال الاتحاد النقدي وعملته الموحدة، اليورو.
ومن المعلوم أن الدول التي تستخدم هذه العملة 13 دولة من أصل 27، ويتميز هذا الاتحاد بتوحيد سياساته في المجالات الزراعية والصيد البحري. لقد مكَّنت العملة الموحدة اليورو، عام 1998 الاتحاد الأوروبي من القيام بواجباته الدولية، لكن دورة هلسنكي التي عُقدت عام 1999 تركت الباب مفتوحاً لانضمام جميع الدول الأوروبية للاتحاد. بيد أن شرخ الأزمة اليونانية في جدار الاتحاد الأوروبي كان عميقاً، لذلك سارعت دول الاتحاد إلى إتخاذ مجموعة من التدابير الكفيلة بعلاج هذه الأزمة خشية انتقالها إلى بقية البلدان الأوروبية، فوظفت نحو 500 مليار يورو لضمان تجديد القروض تساهم بها الدول الأوروبية مجتمعة من داخل منطقة اليورو ومن خارجها، بالإضافة إلى 25 مليار يورو مساهمة من صندوق النقد الدولي للحيلولة دون انتقال العدوى عالمياً. ما حصل يعتبر هزة ارتدادية لزلزال الأزمة المالية العالمية، فالديون السيادية لليونان بلغت ما يقارب الـ300 مليار يورو، فهي تحتاج إلى 54 مليار يورو لتسديد ديونها المستحقة، على الرغم من أن الإنفاق الحكومي قد تجاوز الناتج الإجمالي بمعدل 30 في المائة، ما يعكس الصورة الحقيقية التي وصل إليها الفساد الإداري، المالي، والبطالة في دولة أقل ما توصف به أنها من الدول الأوروبية المتقدمة. لم يسلم الاتحاد الأوروبي من النقد اللاذع من قبل المختصين ووسائل الإعلام بسبب البطء في اتخاذ الإجراءات الضرورية لمعالجة المشكلة في بداياتها بسبب اختلاف وجهات النظر السياسية للأزمة وكيفية مواجهتها. بيد أنه وبالرغم من أهمية الاتحاد النقدي ودوره في إبراز حجم التكتل الأوروبي ومكانته الاقتصادية الدولية، إلا أنه لا يخلو من النقد، فمع وجود سياسات عامة وسياسات داخلية خاصة لكل دولة من دوله سيتبعه بالتأكيد نوع من تضارب المصالح، ما سيؤدي في النهاية إلى عدم النجاح الكافي للكثير من السياسات الاقتصادية ويجلب المشاكل الداخلية المستقبلية، التي تتطلب جهداً كبيراً لعلاجها. ويرى بعض المحللين أن الوحدة الأوروبية لم تكن بالمستوى المطلوب من ناحية الفعالية والديناميكية ويشوبها بعض النقائص بسبب عدم توفير الظروف الكافية لحرية انتقال عناصر الإنتاج وعلى رأسها العمالة، وتفاوت البطالة من بلد إلى آخر والانفتاح المالي وحركة رؤوس الأموال، على الرغم من وجود تشريعات وقوانين تحث على سهولة الحركة الذي انعكس سلباً على التعامل الفوري مع الأزمة اليونانية، وبالأخص النواحي السياسية، ما أسهم في دخول مؤسسات مالية دولية كصندوق النقد الدولي للمساعدة في التخفيف من ضراوتها، بالرغم من توافر الإمكانات الأوروبية المادية والفنية الكفيلة بعلاجها. مجلس التعاون الخليجي وضع نُصب عينيه اقتفاء خطوات الاتحاد الأوروبي الناجحة، حيث تم تفعيل اتفاقية التعاون بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، التي تم التوقيع عليها عام 1988، حيث تضمنت الاتفاقية مجالات التعاون بين الجانبين والتي تشمل التعاون الفني والتقني، البحث العلمي والتعليم، التعاون الاقتصادي في مجالات الطاقة والصناعة والزراعة والتجارة والاستثمار، تعزيز العلاقات بين مؤسسات الجانب الأوروبي والخليجي، والاستفادة من التجربة الأوروبية في تعزيز التكامل بين الطرفين.
ومرت دول مجلس التعاون الخليجية بطفرات اقتصادية ضخمة بسبب ارتفاع إيرادات النفط، ما ساعد على زيادة النمو الاقتصادي وارتفاع الاحتياطيات النقدية، التي صاحبها التضخم، وعليه فقيام الاتحاد النقدي الخليجي مع عملة موحدة سيساعد في تثبيت التوقعات التضخمية، ما يجعل البيئة الاقتصادية أكثر مرونة وجذباً للاستثمار الداخلي والخارجي، كما أن وجود عملة خليجية يسهم في حركة رؤوس الأموال بين دول المجلس وسهولة التعامل مع الأسواق المالية العالمية. يرى بعض الاقتصاديين أن وجود عملة موحدة من الممكن أن يساعد الدول المستوردة للنفط على تكوين احتياطيات من هذه العملة لتغطية وارداتها والتي قد تكون على شكل أسهم وسندات وليس على شكل أرصدة نقدية. وجود عملة خليجية موحدة مدعومة بأكثر من 40 في المائة من احتياطيات النفط العالمية سيجعل دول المجلس قوة تفاوضية أكثر فعالية على الساحة الدولية، وأكثر واقعية في المشاركة في القرارات الدولية. دول مجلس التعاون لها فرصة الاستفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي في معالجة أزمة اليونان، من خلال الحرص الشديد على تفعيل قرارات المجلس وجعلها أكثر مرونة، والتدخل السريع في حال تعرض أي من دوله إلى عقبات مالية أو سياسية دون إبطاء بحيث تتكاتف وبالتنسيق مع المؤسسات المالية الدولية في علاجها. الوحدة النقدية الخليجية ستترك الباب مفتوحاً لحرية السياسات النقدية الداخلية من علاج لعجز موازين المدفوعات ومقاومة التضخم وهذا يتطلب وقفة تنسيقية جادة، بحيث تستطيع دول المجلس الوصول إلى أعلى درجة من التنسيق الداخلي للسياسات المالية والنقدية. الوصول إلى هذه الأهداف سهلة متى ما أدركنا تماماً أن دول المجلس متنافسة وليست متكاملة، ما يجعل وصولنا إلى الأهداف سهل المنال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي