حكاية مستثمر ربوي

لنتخيّل أننا الآن على جزيرة تقع في عرض البحر يعيش أهلها في سكينة ووئام وراحة ورغد عيش، حتى جاء ذلك اليوم الذي وفد فيه على أهل الجزيرة مستثمر أجنبي يرغب في استثمار أمواله وتنميتها ليستفيد ويفيد أهل الجزيرة وليعم عليهم الخير والرخاء. فجاءه أحد كبار تجار الجزيرة يعمل في مجال الزراعة فشرح له عن تجارته وأرباحه التي يحققها من نشاطه التجاري وطلب من المستثمر أن يشاركه في مزرعته ليكوّنا شركة زراعية عالمية، وبعد أن اطلع المستثمر على أنشطة المزرعة والأرباح التي تحققها أعجب بها، غير أنه رفض المشاركة في المزرعة ووافق على إقراض التاجر قرضاً بفائدة حيث سيعطيه مبلغ 500 على أن يردها له 700 بعد سنة وذلك بضمان المزرعة في حال التعثر عن السداد، ونظراً إلى أن التاجر واثق من مزرعته ومن أدائها السنوي قرر الموافقة على أخذ القرض بفائدة ليتوسع في نشاطه وتزيد أرباحه في وقت قصير. سمع تاجر يعمل في مجال المواشي بالقرض الذي حصل عليه صاحب المزرعة ومن باب المنافسة خشي أن يتفوق عليه في مجال التجارة وزيادة الأموال فقرر الذهاب إلى المستثمر والحصول على قرض مالي، وبعد اطلاع المستثمر على نشاط الماشية والأرباح السنوية التي تحققها قرر الموافقة على منح تاجر الماشية قرضاً بقيمة 500 على أن يردها له بعد سنة 700 وذلك بضمان الماشية، فرح صاحب الماشية بالقرض وبدأ في تطوير تجارته. بعد هذا توقف المستثمر مؤقتاً عن الإقراض حيث هو لا يملك إلا ألف دينار وقد أقرضها بفائدة قدرها 40 في المائة إلى سنة وجلس ينتظر مرور السنة دون أي عمل يفيد الجزيرة، خاصة أنه أخذ الضمانات الكافية التي تجعله مطمئناً على مستقبل أمواله وأنه سيربح ومستحيل أن يخسر، ولو افترضنا أن الجزيرة ليس فيها إلا هذه الألف فإن قيمة العملة سوف تنخفض إلى 40 في المائة خلال السنة وسوف ترتفع الأسعار في الجزيرة أيضاً 40 في المائة لتعويض نزول العملة بسبب سعر الفائدة، وهذا ما يسمى بالتضخم الذي يؤدي إلى تآكل العملة مع الزمن.
وبعد مرور السنة سوف يحضر أحدهم المبلغ كاملاً والآخر لن يستطيع أو كلاهما لن يستطيعا ومن المستحيل أن يحضرا المبلغ المطلوب وهو 1400 جميعاً لعدم توافره في الجزيرة، فالنقود لا تتوالد ولا تزيد مع الوقت بعكس السلع والخدمات التي من الممكن أن تزيد مع الوقت. وعند حضور صاحبي المزرعة والماشية إلى المستثمر قدما له الألف ووعداه أنه في السنة المقبلة سوف يحضران له بقية الديّن وهو 400؛ مما أثار غضب المستثمر وطلب منهما أن يحضرا له في العام المقبل 600 وليس 400 زيادة عليهم وإلا سوف يأخذ الضمانات، وبعد انصرافهما قام المستثمر بإقراض الألف إلى تجار آخرين وإدخالهم في مصيدته.
وعندما عاد صاحبا المزرعة والماشية إلى مقر عمليهما اتخذا عدة قرارات؛ منها زيادة ساعات العمل على الموظفين دون أجر إضافي أو زيادة في الرواتب مع وجود الغلاء الذي تعيشه الجزيرة، كما قررا تسريح نصف العمال لتقليل التكاليف مما أدى إلى بطالة سببت الفقر لسكان الجزيرة وأدى الفقر إلى انتشار الجريمة وسلوك طرق منحرفة للكسب، حيث انتشرت تجارة الرقيق الأبيض وبدأت زراعة المخدرات وترويجها؛ وفي ظل هذه الأوضاع المتردية بدأت حالات الانتحار وبدأت الجزيرة تظهر عليها علامات الانهيار بدل الرخاء والازدهار الذي كانت تعيشه، ومع هذا كله قام المستثمر بأخذ الضمانات على كل من لم يستطع أن يسدد، فبعد أن رجعت له أمواله أصبح أيضاً يملك أغلبية الأصول في الجزيرة، وليس هذا فقط بل طالبهم بمزيد من الفوائد فأصبح تجار الجزيرة عبيداً عند هذا التاجر وفقدوا جميع أملاكهم ويعملون فقط ليوفروا طعامهم، وبعد أن استنفد المستثمر خيرات الجزيرة رأى أن البيئة الاستثمارية في الجزيرة أصبحت غير ملائمة فقرر استثمار الألف التي معه في جزر أخرى ليحقق مزيداً من الأرباح!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي