دروس تم تعلمها من الأزمة المصرفية الإسكندنافية في تسعينيات القرن الماضي
الشخص الذي لدغته الأفعى يخاف من جرة الحبل . هذا درس ساعد الكثير من الشركات السويدية والفنلندية على تفادي كارثة كبرى خلال الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي واجهها العالم.
والسبب في ذلك هو أن البلدين مرا في أزمة مصرفية خطيرة في أوائل تسعينيات القرن الماضي. ورغم أن تلك الأزمة كانت أقل شدة من الانهيار المالي العالمي الأخير، إلا أن الأزمة الإسكندنافية كانت لها مع ذلك آثار دائمة، وهي تجربة ليس من السهل نسيانها.
بدأت الأزمة في السويد في ثمانينيات القرن الماضي مع تهلهل الأنظمة التي تحكم الشأن المالي. وقد تمخض ذلك بدوره عن حدوث موجة محمومة من الاقتراض في السوق العقارية وأدى إلى ارتفاع الأسعار بصورة غير واقعية. وانتهت تلك الأزمة في أوائل تسعينيات القرن الماضي بانفجار فقاعة الإسكان وارتفاع معدلات البطالة وبشبه انهيار في النظام المصرفي. فقد تجاوزت أسعار الفائدة في أسواق المال نسبة 30 في المائة، وفي مرحلة معينة قام البنك المركزي في السويد ولفترة وجيزة برفع سعر الفائدة الهامشية على القروض التي يقدمها ( بما يساوي أسعار الفائدة على أموال بنك الاحتياطي الفدرالي) إلى 500 في المائة في محاول منه لإنقاذ عملته المتهاوية.
إن أقل ما يقال عن تلك التجربة إنها كانت باعثة على اليقظة. ولذلك، عندما رأى السويدي ميكائيل أهلستروم (ماجستير إدارة أعمال 1986) وهو شريك مؤسس لشركة بروكيوريتاس للأسهم الخاصة، إشارات تحذيرية مشابهة في عام 2009، كان لديه إحساس غريب بأن تلك الإشارات مألوفة لديه.'' لقد شعرنا بأنه إما أن العالم مجنون أو أننا نحن مجنونون.'' مضيفاً:'' بعد أن قمنا بتحليل سوق الرهن الأمريكية ، والأسواق المالية الأمريكية، رأينا سلوك بعض البنوك في أوروبا التي توجد بصورة رئيسية في جزيرة قريبة من جرينلاند، قررنا أن العالم كان مجنوناً ونحن عقلاء''.
لم يخمن أهلستروم مرة ثانية بشأن الإشارات الدالة على قرب وقوع كارثة. فكان رد فعله سريعاً وحاسماً: البيع.'' إن أحد الأسباب التي جعلتنا نبدأ بالبيع هو أننا وجدنا عندما حاولنا أن نشتري الشركات أن بعض البنوك كانت على استعداد لإقراضها مبالغ تزيد على المبالغ التي كنا على استعداد لدفعها ثمنا للشركة''. لكنه أضاف بسرعة:'' إنه الحظ كما هي الحال دائماً. لقد كان التوقيت مناسباً أيضاً لبيع المحفظة''.
لقد كانت خطوة ذكية ومربحة. فقد ولد بيع صندوق بروكيوريتاس، وهو محفظة كانت تضم شركة لصناعة آلات الخراطة، وشركة لصنع الدهان، وشركة للورق والعجائن وغير ذلك كثير عوائد تقدر بأربعة أضعاف رأس المال المستثمر.
لقد بنى أهلستروم على حظه الجيد، حيث استغل هذه الفرصة لإنشاء صندوق آخر قبل أن تغلق السوق أبوابها تماماً. كانت النتائج جيدة، وقال إن شركته لم تتأثر تقريباً جراء الأزمة.
وقد مرت فنلندا بأزمة مصرفية مشابهة لأزمة السويد. وقال جوسي باجومين (ماجستير إدارة أعمال 1980) عمدة مدينة هلسنكي، إن التجربة السلبية ساعدت فنلندا على مواجهة الأزمة العالمية الأخيرة.'' أستطيع أن أقول إن السبب في تغلبنا على الأزمة الأخيرة في فنلندا أننا مررنا بأزمة في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وكانت أزمة مصرفية، ولذلك فإن البنوك لم تقدم على مجازفات كبيرة كما فعلت البنوك في البلدان الأخرى''.
ورغم أن فنلندا كانت في وضع أفضل من معظم البلدان، لم يستطع ذلك البلد الصغير الذي يبلغ عدد سكانه خمسة ملايين نسمة أن يعزل نفسه تماماً عن المحنة الاقتصادية. ذلك أن البلد عانى انخفاضا مدمرا في صادراته في عام 2009.
ومع ذلك، فإن باجومين متفائل بشأن تلك الهزة:'' إذا أخذنا شدة الأزمة بعين الاعتبار، أستطيع أن أقول إن فنلندا، ومدينة هلسنكي أيضاً تقومان بعمل ممتاز''، مضيفاً أن الأمور في تحسن.'' إننا ننمو، والسبب في سلامة وضعنا هو أن نظامنا المصرفي لم يواجه المشاكل الموجودة على الجانب الآخر، كما أن مديونية بلدنا متدنية نسبياً''.
لقد كان السويدي لارس فوربيرج، الشريك المؤسس لشركة سيفيان كابيتال، خارجاً للتو من كلية الأعمال في أوائل تسعينيات القرن الماضي ليجد نفسه في دائرة اقتصاد مجنون.
ولم ينس الدروس التي تعلمها أبداً. ولكن بقدر ما هو مهم أن تعرف كيف تتجنب الكارثة، يقول فوربيرغ إن من المهم بالقدر نفسه أن تعرف كيف تقتنص الفرص في فترة التحسن التي لا بد أن تعقب الأزمة.'' إننا لا نعرف ما إذا كانت ستأتي خلال ستة أشهر أو خلال سنتين، لكنها ستأتي''.
لكن استراتيجية فوربيرغ في شركة سيفيان كابيتال تذهب إلى أبعد من معالجة الأزمات التي عايش العديد منها. فقد تمسك باستراتيجية تقوم على وضع أهداف بعيدة المدى سائراً على الدرب كما هو دأبه دائماً، كعداء في الماراثون أكثر منه كعداء في السباقات القصيرة.
''هناك كثير من الأشخاص الذين تتمثل استراتيجيتهم الاستثمارية في طرح سؤال: أين كان سعر سهم هذه الشركة قبل ستة أشهر من الآن؟ إن الإجابة عن هذا السؤال صعبة للغاية. إن الأمر نفسي بنسبة 90 في المائة وفي أحسن الأحوال حقيقي بنسبة 10 في المائة.'' وبدلاً من ذلك، يقول فوربيرغ إن شركة سيفيان تنظر خمس سنوات إلى الأمام لترى القيمة التي يمكن أن تضيفها للشركة في ذلك الوقت، متجاهلة حالات المد والجزر التي يتعرض لها الاقتصاد خلال هذه الفترة. إنها استراتيجية أكثر فاعلية حسب فوربيرغ الذي يقول:''سنجد أجوبة لا يراها الآخرون، وعندها نستطيع أن ندير شركتنا على هذا النحو. إنه توجد قيمة كبيرة''.
وقال أهلستروم إن شركته تجنبت الاستثمار دائماً في الشركات ذات التقنية العالية أو في الشركات التي تزاول أنشطة تتأثر بالدورات الاقتصادية مثل شركات إنتاج الصلب، أو في الشركات التي تعتمد على المواد الخام كشركات الورق والعجائن.
ولكن أهلستروم كيف استراتيجيته لتلائم السوق الراهنة'' إننا نحاول أن نركز الآن على الشركات التي لديها منتجات ما زالت قابلة للبيع أو خدمات نعتقد أنه يمكن بيعها، رغم أنه قد ينتهي بنا المطاف بمناخ اقتصادي صعب''. إن تلك المشتريات تشتمل على شركة لتصنيع المواد الغذائية وعلى شركة لصنع ماكينات الآيس كريم.
لكن هل يوجد شيء في النفسية الوطنية أعطى هؤلاء الإسكندنافيين مستوى من العقلانية والبصيرة لا يوجد في الأجزاء الأخرى من هذا الكوكب؟ من الغريب أن أهلستروم قال إنه تعلم هذه الدروس مباشرة من الكساد العظيم الذي حدث في الولايات المتحدة، عندما كسب عم أبيه وخسر ثروة طائلة في صناعة السيارات الأمريكية. وقال أهلستروم:'' إن كثيراً من الناس الذين كانوا جزءاً من الكساد العظيم في الولايات المتحدة كانوا يشاهدون الناس يموتون من الجوع''. وهو يعتقد أن صناع القرار الذين عاشوا في الأوقات العصيبة لن يتخذوا نفس الخيارات التي يتخذها الأشخاص الموجودون على رأس السلطة هذه الأيام .'' إن كثيراً من الأشخاص الذين لم يمروا في حياتهم بأية مصاعب كانوا مسؤولين واتخذوا قرارات فيما يتعلق بالمديونية الحالية تختلف تمام الاختلاف فيما أعتقد عن القرارات التي اتخذها آباؤهم أو أمهاتهم وأجدادهم''.