قاضٍ أمريكي ينتصر لحملة صكوك خليجيين ويصدر حكما ضدّ شركة أمريكية
تنفس حملة الصكوك الخليجيون مع غيرهم من الغربيين الصعداء عندما حكم قاضٍ أمريكي لمصلحة هؤلاء المستثمرين في المرافعة القانونية التي امتدت لأكثر من عام والمتعلقة بشركة الطاقة المفلسة إيست كاميرون.
وعد مراقبون الحكم القضائي، الذي صدر الأسبوع الماضي واطلعت ''الاقتصادية'' عليه، مفاجأة للصكوك المتعثرة التي تبلغ قيمتها 165.67 مليون دولار، بالنظر إلى أن فريق المحامين كان يخشى من عدم اعتراف المحكمة بأحقية ملكية الأصول لحملة السندات الإسلامية. إلا أن ما حصل هو قرار المحكمة بتحويل ملكية هذه الموجودات إلى حاملي الصكوك.
ويرى مراقبون أن الحكم القضائي قد ترتكز عليه الصناعة الإسلامية في قضاياها القانونية لفترة طويلة، وعلق روبرت مايكل، مؤسس شركة Robert E. Michael & Associates للمحاماة على الحكم قائلاً: ''هذا الحكم، الذي لا يزال بالإمكان استئنافه خلال بضعة أيام، يبرئ هيكل الصكوك التي أصدرتها شركة إيست كاميرون. وبالنسبة للشركة، يبدو أن الصكوك كانت مهيكلة بصورة سليمة لحماية مصالح المستثمرين استناداً إلى نتيجة القضية''.
وتابع: ''حاولت الشركة المصدرة للصكوك أن تجمع الأمر كله باختصار من خلال المجادلة بأنه لم تكن هناك عملية بيع حقيقية، لكن المحكمة رفضت هذا الادعاء، وأصبح حاملو الصكوك يمتلكون الآن الموجودات التي تدعم الصكوك''.
وكانت تقارير إعلامية قد ذكرت إبان المراحل الأولى من القضية أن هناك بوادر أولية بفقدان حملة الصكوك المتعثرة حقوقهم، وذلك عبر توجه القاضي نحو تفضيل حصول الدائنين أولا على حقوقهم قبل حملة الصكوك، وكذلك بسبب ظهور فجوات قانونية في هيكل السند الذي هيكلته شركات المحاماة، الأمر الذي أسهم في إضعاف موقف حملة الصكوك أمام القضاء ''العلماني'' الذي تكون له رؤية مختلفة عن الجوانب الشرعية لهذه الأدوات الإسلامية.
ونقلت ''الاقتصادية'' في ذلك الوقت تصريحاً لأحد القريبين من المحامين الذين حضروا وقائع جلسات الاستماع في لويزيانا عن تحسره لفشلهم في الإثبات للمحاكم وبشكل لا يقبل الشك ملكية حملة الصكوك للموجودات.
وعندما حاولت ''الاقتصادية'' الاتصال بالمصدر القضائي ذاته للتعليق على الحكم الجديد، فضل المصدر الاعتذار وشدد على أنه ينوي كتابة بحث قانوني يتناول فيه حيثيات هذه القضية و الدروس المستفادة منها.
وتابع: ''لكن لن يكون بالإمكان إعداد البحث إلا بعد إقفال ملف القضية، وبعد أن يصبح زملائي المشاركون في البحث (وهم المحامون العاملون في القضية) أحراراً في الحديث عنها. في هذه المرحلة كل ما أستطيع أن أقوله لك هو أن صكوك ''إيست كاميرون'' ستعطي الصناعة مادة جديرة بالدراسة. هذه الدروس المستفادة ستسهم في جيل جديد من الصكوك يمتاز بقدر كبير من الحماية للمستثمرين''.
وقال لـ ''الاقتصادية'' بليك جود، كبير الإداريين في مؤسسة (Marquam (Capital: ''ينبغي أن يُنظَر إلى هذا الحكم على أنه نجاح لمحاكم الإفلاس الأمريكية في الاعتراف بالهيكل القانوني الذي وُضِع حين أُصدِرت الصكوك. هناك عدد من الصكوك في حالة إعسار وتعثر في أنحاء مختلفة من العالم، حيث نرى فيها أن حقوق الدائنين أصبحت غير مضمونة مقارنة بصكوك ''إيست كاميرون''، وينبغي لذلك أن يعزز إمكانية أن تصبح الولايات المتحدة مصدراً لإصدارات الصكوك في المستقبل، وذلك بالنظر إلى نظامها القانوني الذي يتمتع بالاستقرار وقابلية التوقع، والذي تم اختباره الآن لمصلحة المستثمرين في الصكوك.
الانقلاب على حملة الصكوك
المفارقة في قضية ''ايست كاميرون'' أنها في البداية كانت تتملق للمستثمرين من أجل أن يشتروا صكوكها وتستفيد من السيولة لدعم أنشطتها التمويلية، إلا أنها وبعد أن تسلمت ما يزيد على 165 مليون دولار، قررت الانقلاب على حملة الصكوك عندما أصاب التعثر مفاصلها. وزعمت في مرافعتها القضائية أن الأصول التي ترتكز عليها عملية الإصدار تتبع لها وليست داخل ملكية حملة الصكوك. إلا أن الحكم القضائي الأخير يعني أنها فشلت في الاستحواذ على هذه الأصول وذلك بسبب متانة الهيكل القانوني للصكوك.
في الـ 27 من آب (أغسطس)، وبالتحديد قبل خمسة أعوام من الآن، ضرب واحد من أقوى الأعاصير خلال نصف قرن ساحل الخليج الشمالي، محدثاً أضرارا بليغة لمنصات حقول النفط والغاز في منطقة خليج المكسيك، وهي المنطقة التي تحتضن ربع إنتاج النفط والغاز الأمريكي. وكانت شركة East Cameron من بين أكثر شركات النفط العالمية تضرراً بعد أن انفكت منصات الحفر النفطية عن مراسيها، فضلا عن المؤشرات التي أفادت لاحقا بهبوط حاد في احتياطياتها من النفط والغاز.
إلا أن شركة النفط الأمريكية تجادل بأنه لم يكن هناك نقل ''فعلي'' لملكية إيرادات الإنتاج، التي تعرف باسم ''الريع''، إلى شركة الأغراض الخاصة SPV التي شُكِّلت لإصدار الصكوك. لكن الشركة تدعي أن التعامل المذكور كان في واقع الأمر قرضاً تم ضمانه بموجب مبالغ الريع المشار إليها. وهذا يعني أن حاملي الصكوك يتعين عليهم اقتسام الريع مع الدائنين الآخرين في حال تصفية الشركة.
ولكن كي نفهم تلك الحجة بشكل أفضل، علينا أن نعود إلى تلك الفترة التي أصدرت فيها شركة كاميرون صكوكا بقيمة 165.67 مليون دولار. وهو أول إصدار من نوعه من قبل شركة أمريكية، وكانت محاولة صادقة للدخول في المشاركة المدعومة بالموجودات. وقد تم ضمان الصكوك من خلال حصول المستثمرين على مصلحة في حقوق الريع المتحصلة عن النفط والغاز من حقلين للغاز في خليج المكسيك. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2008، تقدمت الشركة الأصلية المنشئة للصكوك East Cameron Partners بطلب إلى المحاكم الأمريكية لإشهار إفلاسها بموجب الفصل الحادي عشر من القانون التجاري الأمريكي. وجاء طلب الحماية من دائنيها بعد أن أخفقت حقول النفط والغاز التابعة لها في ولاية لويزيانا في إعطاء العائدات المتوقعة، ويعود بعض السبب في ذلك إلى الدمار الذي أحدثه الإعصار.
وحيث إن صكوك ''كاميرون'' مدعومة بالموجودات فإن المستثمرين يمتلكون في الأصل حقاً قانونياً في موجودات النفط والغاز، ولكن شركة إيست كاميرون طلبت من المحكمة أن تحكم بأن التعامل المذكور لم يكن ''بيعاً فعلياً'' وإنما كان ''قرضاً مؤَمَّناً''. وهنا تقول ''موديز'' ''في الحالة الأولى (أي البيع الفعلي) يتمتع المستثمرون وحدهم بالحقوق التامة على الموجودات، أما في الحالة الثانية (أي القرض المُؤَمن) فإن من الممكن أن يخسروا حقوقهم ويقتسموا الموجودات مع الدائنين الآخرين إذا دخلت ''ايست كاميرون'' في أحكام الفصل السابع من القانون التجاري الأمريكي، الذي يقضي بتصفية الشركات المفلسة''.
يقول بليك: ''القضية الأولى التي وجدت محكمة الإفلاس أنه لا بد لها من النظر فيها كانت أن تقرر إن كان نقل الملكية يشكل عملية ''بيع حقيقي'' في هيكل الصكوك من خلال ما يعرف بترتيب ORRI (أي إعطاء حاملي الصكوك مصلحة في الريع لها الأولوية على غيرها من قبيل الضمان الزائد)، حيث كانت نية الطرفين هي نقل الملكية الفعلية إلى الشركة الوسيطة ذات الأغراض الخاصة. اشتملت مستندات الصكوك على رأي قانوني عد أن عملية البيع تعد من باب ''البيع الحقيقي''، وأقرت المحاكم هذا الرأي''.
من غير الواضح ما إذا كان بالإمكان اعتبار أن تجربة صكوك ''ايست كاميرون'' قادرة على إعطاء درس ملموس لشركات إصدار الصكوك حين تختار هيكلة الصكوك على أساس أنها قائمة على الموجودات asset based في مقابل هيكلتها على أساس أنها مدعومة بالموجودات asset backed. من جانب آخر، من الممكن أن يكون بمقدور جهة الإصدار في الولايات المتحدة تخفيض تكاليف الصكوك من خلال استخدام هيكل مدعوم بالموجودات بعد أن استطاع هيكل من هذا القبيل الصمود في قضية إفلاس وأن يظل هيكل الشركة الوسيطة للأغراض الخاصة وعملية ''البيع الحقيقي'' على حالهما. لكن هناك كذلك تكلفة على جهة الإصدار في حالة تعرضها لصعوبة مالية، فإن الموجودات التي تدعم الصكوك في هيكل مدعوم بالموجودات يمكن نقل ملكيتها (وعلى الأرجح سيتم ذلك فعلاً) إلى حاملي شهادات الصكوك.
الصكوك غير المؤمنة
هذه النتيجة تنسجم مع الاتجاهات العامة الحالية في المصرفية الإسلامية، حين تتم هيكلة إصدارات الصكوك الجديدة على أساس أن تكون صكوكاً (غير مؤمنة) قائمة على الموجودات. من غير الواضح إن كان هذا النهج مفيداً لصناعة المصرفية الإسلامية بصورة عامة. فهو يوسع آفاق عالم الشركات الداخلة في إصدار الصكوك، لكنه في الوقت نفسه يجعلها تدخل في منافسة مع السندات التقليدية غير المؤمنة دون إعطاء هذه الشركات قدراً كبيراً من التمايز مع التمويل التقليدي بفضل الهيكل التمويلي المستخدم.
وبالعودة إلى المحامي روبرت مايكل المتخصص في قضايا الإفلاس، هناك بعض المنافع القانونية المهمة للغاية بموجب القانون الأمريكي فيما يخص الطريقة التي تمت بها هيكلة الصفقة، وهي منافع لا علاقة لها بالمخاوف حول الأحكام الشرعية.
وأقرت المحكمة عنصر البيع الحقيقي من خلال السماح لشركة الأغراض الخاصة المدينة بأن تكون هي البائع، وهذا يعني أنها كانت بالفعل تمتلك الموجودات، وأن اقتناءها لم يكن مجرد رهان مقابل قروض مؤمنة. هذا الحكم هو نصر للهيكل، من حيث إن حاملي شهادات الصكوك قادرون على الحصول على الملكية التامة وحيازة الموجودات دون الحاجة إلى تسديد أموال أقل للجميع.
ويواصل: ''لكن المحامين في الولايات المتحدة وبريطانيا يعملون وفق السوابق القانونية وليس وفق النتائج العملية. السابقة القانونية هي أن حاملي شهادات الصكوك عوملوا كما لو أنهم كانوا مشترين (كطرف ثالث) وليسوا كمالكين أو حتى أو أصحاب قروض مؤمنة. لذلك أنا لا أختلف إطلاقاً مع التحليل الاقتصادي للعملية، وإنما فقط مع الطريقة التي تم بها تكييفها من الناحية القانونية. من وجهة نظر حاملي شهادات الصكوك كان من المؤكد أنهم لن ينفقوا أتعاباً قانونية أو يتحملوا مزيدا من المخاطر لمصلحة مجتمع الصيرفة الإسلامية. لقد حصلوا على صفقة معقولة من الناحية الاقتصادية، ولم يكترثوا أبداً حول السابقة القانونية، وكان كل ما يهمهم هو أنهم حصلوا على الموجودات بصورة تامة دون أي عقبات أو تكاليف إضافية''.
العزل عن الإفلاس
وفي قضية ''ايست كاميرون''، التي ينتظر أن تتحول كمادة للدراسة بأيدي الباحثين، برزت أهمية شركات الأغراض الخاصة (SPV) التي توصف بأنها ''معزولة عن الإفلاس''.
فضلاً عن ذلك فإنها تستخدَم في سياق التعاملات التي بموجبها يتم عزل الأصول التي تقوم عليها الصكوك لمصلحة حاملي الصكوك (على سبيل المثال يتم ''بيع'' الأصول إلى شركة الأغراض الخاصة المعزولة عن الإفلاس). بالتالي فإن شركة الأغراض الخاصة المنشأة حديثاً ليست لديها التزامات أو انكشافات أمام مطلوبات الشركة المصدرة للصكوك، بخلاف المطلوبات المتعلقة بالأصول التي تقوم عليها الصكوك. هناك بعض الدول تكون فيها تشريعات لمصلحة العزل عن الإفلاس. على سبيل المثال، من الممكن في جزر كايمان أن تتلقى شهادة من الحكومة تؤكد فيها أن شركة الأغراض الخاصة المنشأة حديثاً ليست بحاجة أبداً إلى أن تدفع ضرائب لمدة 20 عاماً.
في ضوء ذلك، يستطيع حاملو الصكوك المدعومة بالأصول الاستفادة من كامل المنافع المترتبة على العزل عن الإفلاس. بعد تحديد الأصول التي سيتم توريقها مالياً، فإن الشركة المصدرة للأصول المورَّقة ينقل ملكية هذه الأصول إلى شركة الأغراض الخاصة. ثم تحتفظ شركة الأغراض الخاصة بالأصول لمصلحة حملة الصكوك وتصدر الصكوك إليهم. الهدف من عملية نقل ملكية الأصول هو الفصل بين الأصول وبين المخاطر المتعلقة بشركة الإصدار. ويتم هذا على وجه الخصوص بهدف تقليص المخاطر المرتبطة بحالة إفلاس محتملة أو تعثر شركة الإصدار وافتقارها إلى الملاءة، ويضعها في أداة وسيطة (مثل شركة الأغراض الخاصة) لديها احتمال قليل بأن تصاب بالإفلاس أو انعدام الملاءة.
فعلى سبيل المثال تعاني شركة تمويل الإماراتية ضغوطا حادة على سيولتها. إلا أن ذلك لم يؤثر في صكوكها المدعومة بأصول. وعليه فإن حاملي الصكوك يضمنون أن الأصول التي تقوم عليها الصكوك أبعدت من موجودات الشركة المصدرة. وبسبب هذا العزل عن الإفلاس تستمر الأصول في إنتاج دفعات الإيجار حتى لو قدمت الشركة المصدرة طلباً للإفلاس.
مع ذلك فإن وظيفة العزل عن الإفلاس لا تستطيع العمل بصورة سليمة مع الإصدار المرتكز على الأصول asset based حيث يتم في العادة بيع حق الانتفاع بالأصول إلى شركة الأغراض الخاصة. من وجهة النظر القانونية فإن الأصول التي تقوم عليها الصكوك تكون مملوكة من قبل الشركة المصدرة وليس من قبل حاملي الصكوك، الذين تكون لهم أحقية ضعيفة في تلك الأصول. هذا يعني أنه إذا قدمت الشركة المصدرة طلباً لإشهار الإفلاس، فإن هيكل الصكوك يمكن أن ينهار، على اعتبار أنه ستتم تسويته مع المطلوبات الأخرى في حالة إفلاس الشركة المصدرة. وبالتالي سينضم حاملو الصكوك إلى الدائنين الآخرين لتقديم مطالبات بالأصول، والتي يمكن أن تكون لها منفعة من حيث الملكية أو أن تكون مملوكة تماماً لشركة الأغراض الخاصة.