هيمنة الغذاء والإسكان على التضخم في السعودية تعرقل احتواءه
كشف تقرير مصرفي سعودي أن سيطرة أسعار الغذاء والمساكن على مؤشر التضخم في المملكة جعلت من السيطرة عليه واحتوائه عملية معقدة، إلى جانب أن تجاوز المملكة للتأثيرات العقارية والاقتصادية كالتي حدثت لجيرانها في دول الخليج جراء الأزمة العالمية جعل عملية التصحيح في مسار التضخم أقل، وبالتالي جعل من التضخم في المملكة مع نهاية النصف الأول من 2010 الأعلى خليجيا عند 5.5 في المائة.
وأبرز التقرير مدى صعوبة التحكم في مسار تكلفة المعيشة في المملكة نتيجة لطبيعة هيكلة المؤشر، مشيرا إلى أن أكثر من 26 في المائة من سلة مؤشر التضخم هي للغذاء، فيما يشكل الإسكان نحو 18 في المائة من حجم السلة، وفي المجموع 44 في المائة.
وقال التقرير الصادر عن شركة الأهلي كابيتال ''في ظل هذه الظروف، هناك احتمال ضئيل جداً لاحتواء أرقام التضخم العام. وفي السعودية، مع المعدل السنوي للارتفاع 9.2 في المائة في حزيران (يونيو) يقومون بدفع هذه النسبة إلى الأعلى بشكل أسرع من الـ6.2 في المائة المسجلة في قطاع الأغذية.
ومن المحتمل أن يبقى الوضع في سوق الإسكان متأزماً، وأي احتمال للاطمئنان على المدى القريب أصبح صعباً بسبب المزيد من التأجيل في تطبيق قانون الرهن العقاري''.
## التضخم الخليجي
كانت الأشهر الأخيرة مصدر خيبة أمل كبيرة لأولئك الذين يتوقعون أن تذكر الموجة غير الاعتيادية من التضخم في دول الخليج لعام 2007-2008م في التاريخ على أنها انحراف مؤقت عن المسار. ومع أن المعدلات المرتفعة سرعان ما اعتدلت بعد تصحيح أسعار النفط في النصف الثاني من 2008م، إلا أن الأسعار فشلت في الاستقرار عند المستوى المنخفض الجديد.
وزاد التقرير ''بعد الهبوط في نهاية العام الماضي، استأنف التضخم مرة أخرى ارتفاعاً متسقاً ملحوظاً في دول الخليج بالرغم من الاضطرابات الاقتصادية العالمية المتجددة. كما أن معدل ارتفاع الأسعار يتفاوت من بلد إلى آخر، وتشهد بعض الأسواق الساحلية الأكثر تضرراً من تصحيحات السوق العقارية انخفاضاً شديداً في معدلات التضخم، بينما تجاوز المعدل السنوي في السعودية 5 في المائة. ومع أنه من غير المرجح أن يتسارع التضخم بشكل كبير، إلا أن الجهود على احتوائه معقدة بسبب الطبيعة الهيكلية لدعائمه، بما فيها الضغوط المتجددة على سوق السلع الزراعية''.
## نمط ثابت
نوه التقرير إلى أن التقلب الكبير في أرقام التضخم لدول الخليج خلال الأعوام الماضية تتناقض بشدة مع التاريخ الممتد من الانخفاض الثابت للتضخم.
وأضاف ''بدأت الأسعار في المنطقة بالتصاعد السريع في النصف الثاني من 2007، مدعومة بالارتفاع الحاد لأسعار النفط، إلا أنها تضخمت أكثر بسبب ضعف الدولار، مضاربات سوق الإسكان، وصدمات العرض العالمي على المنتجات الزراعية. وقد بلغ التضخم السعودي ذروته عند 11.1 في المائة على أساس سنوي في تموز (يوليو) 2008. فالانقلاب المفاجئ في أسعار النفط سرعان ما غير الصورة وانخفض التضخم السعودي إلى أدنى مستوياته خلال 30 شهراً 3.5 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر) 2009. ومع ذلك، فبدلاً من الاستقرار، أخذت ضغوطات الأسعار مرة أخرى بفرض نفسها منذ 2009. وفي حزيران (يونيو)، واصل التضخم السعودي ارتفاع 13 شهرا عند 5.5 في المائة.
## منطقة متباينة
وحول اقتصادات دول الخليج قال التقرير إنه وبالرغم من التشابه الكبير في تحركاتها السعرية، إلا أنها شهدت اختلافا حادا في معدلاتها التضخمية. فالازدهار التضخمي في صيف 2008 كان أكثر وضوحاً في الأسواق التي ازدهر بها قطاع العقارات بشكل أكبر. وليس من المستغرب أن تخضع هذه الأسواق لأشد التصحيحات مع انخفاض أسعار العقارات، وفي حالة دبي بنسبة تصل إلى 50 في المائة.
وأضاف ''الانخفاض الحاد في الإيجارات والتكاليف الأخرى المتعلقة بالإسكان دفع عنصراً رئيسياً في مؤشر سعر المستهلك إلى المنطقة السلبية، وذلك في بعض أسواق الخليج الساحلية. وعلى النقيض من ذلك، فقد تجنبت السعودية التجاوزات العقارية لجيرانها، وواجهت نقصاً مستمراً في عديد من القطاعات الرئيسية في السوق. وبقيامها بتصحيحات أقل، أصبحت معدلات التضخم أعلى بكثير من جيرانها الإقليميين منذ نهاية 2009''.
#2#
## مشكلات الإسكان
يؤكد تقرير «الأهلي كابيتال» أن استئناف الضغوط التضخمية يبرز هيمنة الغذاء والإسكان على المؤشرات الإقليمية لسعر المستهلك. ففي السعودية على سبيل المثال، تشكل 26 في المائة، و18 في المائة على التوالي من السلة ككل. وبالرغم من التفاوت الكبير بين بلدان المنطقة، فمن المحتمل أن أسواق العقارات الخليجية الأكثر تضرراً قد شهدت أغلب الانكماش الذي قد يتحقق خلال هذه الأزمة حتى إن لم يكن بالاستطاعة استبعاد المخاطر الناجمة عن تزايد فرط العرض في أسواق مثل دبي، إلا أن توقعات المدى القريب أخذت بالتحول بشكل متزايد إلى انخفاضات عالية التقلب أكثر من كونها ثابتة. ويضيف التقرير''في ظل هذه الظروف، هناك احتمال ضئيل جداً لاحتواء أرقام التضخم العام.
وفي السعودية، مع المعدل السنوي للارتفاع 9.2 في المائة في حزيران (يونيو) يقومون بدفع هذه النسبة إلى الأعلى بشكل أسرع من الـ6.2 في المائة المسجلة في قطاع الأغذية. ومن المحتمل أن يبقى الوضع في سوق الإسكان متأزماً وأي احتمال للاطمئنان على المدى القريب أصبح صعباً بسبب المزيد من التأجيل في تطبيق قانون الرهن العقاري''. ومع أن الصورة الاقتصادية العامة لا تزال غير مؤكدة، فإن أي ارتياح حول الإقراض المصرفي سيؤدي إلى المزيد من الضغوط، ولأن التوقعات التضخمية المرتفعة أصبحت أكثر تضخماً، فمن غير المحتمل أن يوفر الإسكان المزيد من الارتياح على المدى القريب بالنسبة لتوقعات التضخم حتى إن لم يزدد الوضع سوءاً.
## سوق صعبة لسلع خفيفة
إن توقعات أسعار الأغذية موحدة بشكل كبير في المنطقة التي عادة ما تستورد 70 في المائة أو أكثر من موادها الغذائية الأساسية. فالسوق العالمية للمنتجات الزراعية بعد أن شهدت فترة راحة خلال الأزمة، تبدي الآن علامات من النمو القوي. فالبيانات الحديثة عن المساحات المزروعة، والطقس وتوقعات المحصول قد أسهمت كثيراً في تحطيم الشعور بالرضا والذي تكون بفعل أشهرٍ من تكدس المخزون. وحسب التقديرات الأخيرة للأمم المتحدة، فإن الضغوطات السعرية على اللحوم، ومنتجات الألبان والزيوت النباتية سترفع الاستيراد العالمي للأغذية بنسبة 11.5 في المائة في 2010، جزئياً بسبب الارتفاعات الدورية في تكاليف المدخلات، خصوصاً الطاقة والأسمدة.
وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة أن تصل تكلفة استيراد المواد الغذائية هذا العام 921 مليار دولار، أقل هامشياً من الذروة 1.015 مليار دولار في 2008. وقد أصبحت توقعات السوق أكثر حذراً في الآونة الأخيرة. فاضطرابات الطقس في أوروبا، الحرارة والجفاف غير المألوفين في بعض المناطق والأمطار الغزيرة في مناطق أخرى، ترفع أسعار القمح. فقد تضررت روسيا وأوكرانيا على وجه التحديد. وقد تم خفض تقديرات السوق لزراعة الذرة بنسبة 10 في المائة. وقد كان المصدر الأساسي للارتياح هو الهبوط الحاد في الأخير في مؤشر البلطيق للشحن الجاف، الذي يبشر بانخفاض تكلفة الشحن، جزئياً بسبب ارتفاع القدرة على النقل.
## ما الذي يجب عمله؟
من المفارقات أن لدى صناع السياسة في الخليج مجالا ضئيلا نسبياً في معالجة مشكلات التضخم، حتى إن كانت إحدى المشكلات قريبة المدى ناتجة عن الضعف المتجدد للدولار. فالدوافع الأساسية للضغوط التضخمية هيكلية وخارج نطاق سيطرة السلطات النقدية إلى حد كبير. ويبدو أن الوضع في السلع الزراعية جزء من تفاؤل السوق على المدى البعيد، والناجم عن النمو السكاني والتوسع العمراني، وارتفاع مستويات المعيشة، خصوصاً في الأسواق الناشئة. ويتعين على السلطات الخليجية اتخاذ تدابير لضمان أمان العرض، ويستطيعون بناء احتياطي استراتيجي للسيطرة على الارتفاع المؤقت في الأسعار. لكنه من غير المرجح أن يساعد المزيد من الاستقلال في السياسة النقدية على احتواء آثار التيار العلماني، ويمكن للإعانات أن تخلق تشوهات دائمة بسهولة.
وفي سوق الإسكان، فإن تجربة الغرب تظهر حماقة دعم الائتمان بشكل عشوائي في محاولة لتحسين القدرة على تحمل التكاليف. والعاقبة الوحيدة لذلك قد تكون فقاعة متجددة. وبدلاً من ذلك، فالجهود لاحتواء سلوك المضاربة، دعم التمويل طويل الأجل، وخلق سوق منظمة للرهن العقاري (لتحسين القدرة على تحمل التكاليف للأشخاص المستبعدين من السوق)، ومراجعة تشريعات البناء، هي أمور مهمة جداً للاستقرار على المدى البعيد. وينبغي أن يكون الهدف على المدى القريب هو الاستجابة الدائمة للعرض للتغلب على معظم النقص الحاد، خصوصاً في العقارات السكنية.