يعقوبي لـ "الاقتصادية": لم أتحد مجمع الفقه بفتوى التورق.. وعلى الفقهاء التفريق بين «المنضبط» و«غير المنضبط»
جدد الشيخ نظام يعقوبي موقفه البارز الذي يشكك فيه في فتوى تحريم التورق المنظم، مؤكداً أن تصريحاته الحادة وانتقاداته وما شابهها من ملابسات، لم يقصد بها هو والفقهاء الذين يقفون إلى جانبه تحدي مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وإنما الآلية التي صدر بها القرار، وأنها نابعة من غيرته على مجمع الفقه.
وطالب يعقوبي القائمين على مجمع الفقه بالتفريق بين ما وصفه بالتورق "المنضبط" و"غير المنضبط"، مستشهدا في تصريحه الخاص لـ"الاقتصادية" بفتوى سابقة للشيخ ابن باز حول إجازة التورق المنظم بحسب تفسيرها من يعقوبي.
وفي السياق ذاته، قال محمد أكرم لادين الذي يعمل مستشاراً لقسم المصرفية الإسلامية في بنك إتش إس بي سي، إنه من الممكن مع ذلك استخدام التورق المنظم في الوقت الحاضر، لأن الاعتماد المكثف للصناعة على هذا الهيكل التمويلي يعني أن "كثيراً من البنوك ستقفل أبوابها" في حال عدم اعتماده كمنتج لدى البنوك.
وكان ثلاثة فقهاء من هيئة المحاسبة قد أبدوا اعتراضهم على فتوى مجمع الفقه، وهم يوسف طلال ديلرنزو، أحد أكبر فقهاء أمريكا الشمالية، وأكثرهم تأثيرا في الصعيد المصرفي، ونظام يعقوبي، ومحمد داود بكر من ماليزيا.
وعما إذا كان يعقوبي والفقهاء الآخرون الذي يؤيدون موقفه، يتحدون فتوى مجمع الفقه من خلال تشكيكهم في فتوى تحريم التورق المنظم، قال يعقوبي: "نحن لا نتحدى أحدا". وتابع: "إن ما يقال عن كوني أتحدى مجمع الفقه فهذا غير صحيح، فأنا خبير بمجمع الفقه لسنوات، وكل الموجودين فيه أساتذتي، وأنا لا أتحدى أحدا. إنما أنا انتقدت الآلية التي صدر بها هذا القرار. إن انتقادي للآلية فيه محافظة على مجمع الفقه، وغيرة على مجمع الفقه".
وعن الرسالة التي يوجهها للقائمين على مجمع الفقه،
#2#
قال يعقوبي: "إنني أرجو ينقل هذا الكلام إلى الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد، وهو الآن رئيس الدورة الحالية لمجمع الفقه لرابطة العالم الإسلامي، حيث أقول له إنني أرجو منه أن يتأمل في آلية عرض القضايا، وفي آلية بحث القضايا الفقهية. فالباحثون يقومون بكتابة تقارير مفصلة ثم تعرض في يوم أو يومين من دون مناقشة دقيقة، فهل هذه الآلية صحيحة؟ أرجو منهم كطالب أن يعيدوا النظر في هذه الآلية".
لقد أصدر مجمع الفقه لرابطة العالم الإسلامي (في فترة سابقة) قرارا يتعلق بجواز التورق الذي اجتمعوا على تسميته في ذلك الوقت بالتورق المنظم، لأن القرار الأول لم يكن (يقصد به) التورق البسيط المعتاد".
وتابع: "وخلال ذلك المؤتمر قام بعض الحضور بتوجيه سؤال للشيخ بن باز (رحمة الله عليه) حول إمكانية عودة السلعة (إلى طرف معين) وما شابه ذلك من دون عقد، وأجاب في ذلك الوقت بنعم بما أن هناك ثلاثة أطراف مستقلة". فهذا دليل، والحديث ليعقوبي، أن القرار الأول حول (جواز) التورق يقصد به ما اصطلحوا الآن على تسميته بالتورق المنظم.
وعما يمكن أن يستنتج من قرار مجمع الفقه الأول بإجازة التورق ثم فتواه الأخيرة بتحريم التورق المنظم، قال يعقوبي: "إذا جمعنا بين هذه القرارات فإننا سنستنتج أن الحكم ليس على "آلية التورق" (وهي أن أشتري منك سلعة بأجل وأبيعها نقدا في السوق إلى طرف آخر أو طرف ثالث)، بل إن الفتوى كان يقصد بها بعض الأمور التي تطرأ على (عقد) التورق من التوكيل أو الصورية، أو الخداع والكذب الذي يكون على بعض المعاملات الخاصة بسلع المرابحات الدولية.
وحاول ديلرنزو في وقت سابق التفريق بين أنواع التورق الجائزة والمحرمة التي تكون غير واضحة للمصرفيين، حيث استخدم الفقيه الأمريكي الحجة العقلية من أجل التشكيك في فتوى تحريم التورق المنظم.
وواصل العالم الشرعي الذي وقف خلف أسلمة مؤشرات داو جونز الأمريكية: "لقد أوضحت موقفي وقلت إن فتوى مجمع الفقه - يقصد الخاصة بالتورق المنظم- أصبحت مثل قولنا إن جميع الصكوك محرمة بسب الأدلة التي لدى الشيخ عثماني، التي تفيد بأن بعض المؤسسات المالية كانت تصدر صكوكا بطريقة غير صحيحة (يقصد من الناحية الشرعية ماذا يمكن أن يحدث لو أن المجمع الفقهي أصدر على هذا الأساس فتوى تقول إنه بما أن بعض الصكوك غير جائزة شرعاً فإن جميع أنواع الصكوك بالتالي غير جائزة شرعاً، في رأيي إن الأمر هو نفسه في الحالين).
وكان مصدر غربي قريب من المجالس الشرعية لبعض المؤسسات المالية قد أبلغ "الاقتصادية" أن البنوك وجدت مخرجا من "الحرج الفقهي" الذي وقعت فيه أمام عملائها عقب فتوى تحريم التورق المنظم الصادرة عن مجمع الفقه الإسلامي، وذلك عبر الالتفاف عليه من خلال الاستعانة بفتوى إجازة هذا النوع من التورق والصادرة منذ فترة ليست بالبعيدة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
وفي إشارة ضمنية لها في حال التزمت بعض البنوك الخليجية بفتوى التحريم الصادرة من مجمع الفقه، حذرت شركة المحاماة دنتون وايلد سابت في مذكرة بحثية سابقة لها بأنه "إذا تم سحب التورق فجأة، فإن من شأن هذا الإجراء أن تكون له نتائج عكسية.
وتجاهل مدثر صديقي، محام أمريكي وفقيه شرعي لدى دنتون وايلد، الإجابة عن سؤال "الاقتصادية" إذا ما كانت هذه النتائج العكسية تعني انهيار صناعة التورق العالمية التي تقدر قيمتها بأكثر من 100 مليار دولار.
وفي أيار (مايو) من العام الماضي، اهتز قطاع المصرفية الإسلامية حين أصدر مجمع الفقه الإسلامي فتوى تقضي بتحريم عمليات التورق المنظم، وهو ما أدى بدوره إلى موجة أولى قوية من الجدال والمناقشات.
وكان يعقوبي قد فجر العام الماضي مفاجأة من العيار الثقيل عندما أكد، بحسب وسائل الإعلام الماليزية، أن الـ 17 بحثاً التي ارتكزت عليها فتوى التحريم الصادرة من مجمع الفقه تكشف عن إجازة هذا المنتج بدلا من تحريمه.
وقال يعقوبي خلال توضيحه الطريقة السريعة التي توصل إليها المجمع نحو قرار التحريم: "إذا كان هناك بحث تم إعداده على عجل وقُدِّم إلى المؤتمر قبل ساعة واحدة من انعقاد الجلسة، فكيف يستطيع الحاضرون قراءته؟ لاحظ أنه كان هناك 17 بحثاً حول التورق مقدمة إلى المجمع" وواصل: "لقد انتهيت من مراجعة هذه الأبحاث الآن"، ومعظم من كتبوها يقولون إن التورق جائز شرعاً، وهم لا يقفون ضده.
ويرى ديلرنزو أنه كان على مجمع الفقه أن يتروى، كما اقترح الشيخ نظام، ويمعن النظر في الموضوع قبل أن يعلن قرارا جاء معاكسا للفتوى الصادرة في السابق عن هيئة المحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية.
وفي محاولة لتهدئة مخاوف المستثمرين قال ديلرنزو إن التورق يكون جائزا إذا طبق بشكل صحيح.
وأضاف العالم الأمريكي "من وجهة نظري أجرت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بحوثا دقيقة وشرحا وافيا للتورق".
وواصل الرئيس التنفيذي لشؤون التدقيق والرقابة الشرعية في شركة شريعة كابيتال: "طورت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية معيارا من خلال منهجيتها الخاصة الشاملة وهذا المعيار .. على حد علمي .. ما زال ساريا. فهناك سوء فهم كبير في السوق ناجم عن انعدام التواصل بين علماء الدين المنخرطين بنشاط في مجال التمويل والعلماء غير المنخرطين".
التورق أحد أسس صناعة التمويل الإسلامي البالغ حجمها تريليون دولار، ويستخدم على نطاق واسع كأداة للتمويل وإدارة السيولة.
غير أن تزايد الخلافات بشأن جواز بعض أشكال التورق بموجب أحكام الشريعة أثار حالة من التشويش في السوق، وحذر مؤيدون من عواقب كارثية إذا تم إلغاء هذا الهيكل.
كما أن التورق في شكله البسيط هو شراء سلعة بثمن آجل ثم بيعها وتحصيل ثمنها نقدا، والتورق المنظم مشابه لذلك غير أن المعاملات تتم من خلال البنوك.
ولا يختلف التورق العكسي عن التورق المنظم إلا في أن المشتري يكون مؤسسة مالية تسعى لتدبير سيولة.
وكان مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي قد اعتبر التورق المنظم والتورق العكسي "تحايلا" بهدف وضع قناع على استخدام الربا.
وتفاقم تعقيد وضع هذا الهيكل، نظرا لأن الامتثال لمعايير الهيئات المنظمة لصناعة التمويل الإسلامي مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية طوعي ولا توجد جهة تحكيم نهائية.