السبت, 3 مايو 2025 | 5 ذو القَعْدةِ 1446


جولة الخيارات العربية الجديدة

تعيد زيارة خادم الحرمين لسورية ولبنان ومصر والأردن، مصطلح ''دول الطوق'' من جديد, وهذه الجولة الصيفية لخادم الحرمين الشريفين تعكس أهمية الدور السعودي في المنطقة، وهو دور لا يمكن له أن يقف على الحياد مما يجري، خاصة في ظل تعاظم أدوار إقليمية أخرى.
الجولة التي بدأت أمس الأربعاء وتسبقها ظروف إقليمية حرجة، تُمهد لتوتر المنطقة من جديد, وربما تقود لاشتعال مواجهة مستجدة في ظل تصاعد الجدل حول الملف النووي الإيراني ورفع مستوى العقوبات الأوروبية على إيران وتوتر العلاقات بين روسيا وإيران عقب انتقادات أحمدي نجاد للرئيس الروسي ديمتري مديفيف بأنه ناطق إعلامي باسم الدول المعادية لطهران، ولا أقل من الملف الإيراني توترا تلك التسريبات عن قرار المحكمة الدولية بشأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري, التي ستطول في قرارها الظني عناصر غير منضبطة من حزب الله.
الحراك السياسي الذي سبق جولة خادم الحرمين كان كثيفا من جهة المملكة، بخاصة في الملف اللبناني والعلاقات السورية- اللبنانية، ومن تابع زيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لدمشق يعرف دقة الموضوع اللبناني بالنسبة للسعودية التي ترغب في طي صفحة الخلاف وعدم السماح لتسريبات قرار المحكمة الدولية بأن تعيد لبنان إلى ما قبل قمة الدوحة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
السعودية لا تريد لأي طرف حرق لبنان بسبب قرار المحكمة الدولية، أو لأسباب أخرى تسعى إليها كل من إسرائيل ولبنان, لكنها ستكون على حسابه. وتعمل الرياض عمليا على تعزيز استقلالية القرار السياسي بعيدا عن طهران وتحللها من العناق الإيراني الذي ملته دمشق، في وقت بدت فيه الأخيرة ممسكة أو ذات صلة وثيقة بخيوط وأقطاب اللعبة السياسية في العراق ولبنان وغزة، بشكل محكم وما زيارة الصدر وعلاوي لدمشق ولقاؤهما الأسد إلا رسالة من دمشق لطهران بأن العلاقات بين الجيران قد تكون أهم في المستقبل منها بين الحلفاء.
لذلك أظهرت السعودية خلال زيارة الحريري الأخيرة لدمشق رغبة في الدخول على خط السجال لمنع انزلاق العلاقات السورية - اللبنانية مجددا نحو مزيد من فجوة الثقة، ولكف التهويل الذي بدأه حزب الله مهددا بتداعيات قرار المحكمة الدولية الظني، دفع دمشق لممارسة سلطاتها وكوابحها طالبة إليه التريث والتهدئة. بسبب تلك الرغبة السعودية حضرت الدبلوماسية السعودية ودخلت على خط معالجة السجال الساخن في جلسة المساء التي جمعت الزعيمين بشار الأسد وسعد الحريري. وكانت الدبلوماسية السعودية تعمل بجهد واضح للحفاظ على وحدة لبنان وتصحيح العلاقة بين دمشق وبيروت، وللحيلولة دون فتنة سنية شيعية تنفجر في لبنان خاصة بعد أن أبلغ الحريري نصر الله بمضمون القرار الظني.
الحضور السعودي عُدّ خطوة أولى للتمهيد لنسخة جديدة من العلاقات الإقليمية التي تتجاوز وجود معسكرين في المنطقة تنتمي إليهما كل من السعودية وسورية ولبنان ومصر والأردن، وبالنتيجة القفز عن مرحلة تاريخية سابقة والبدء بمرحلة جديدة قد تكون أكثر طمأنينة لجميع الأطراف في ظل تصعيد إسرائيلي. وبمثل ما السعودية حريصة على قوة لبنان، هي حريصة على استقرار الأردن ودعمه سياسيا واقتصاديا، ومجرد الزيارة للأردن تأكيد على أن الأردن حليف وشريك استراتيجي للمملكة في خياراتها الأمنية والسياسية الناظمة لحضورها السياسي الإقليمي, الذي لا يمكن لأي دور أن يتجاوزه.
ختاما، ما كان من الممكن لجولة خادم الحرمين الشريفين أن تكون لولا إدراك المملكة ضرورة التحرك وإنقاذ المنطقة من انهيار جديد ومواجهة بين إسرائيل ولبنان, خاصة بعد تهديدات إيهود باراك الجديدة ضد لبنان، ملوّحاً باستهداف المؤسسات الحكومية رداً على أيّ تصعيد من جانب حزب الله، وما كان لها أن تشمل عواصم الطوق الإسرائيلي، لولا تحسس خادم الحرمين بأن المنطقة مقبلة على خيارات جديدة ولحظة تاريخية قد تكون فارقة عما قبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي