أجندة الدوحة تتأرجح بين تداعيات الأزمة العالمية وطموحات «أهداف الألفية»
سعى باسكال لامي الأمين العام لمنظمة التجارة العالمية لتغيير مسار ضغوطه على الدول ذات النفوذ في مفاوضات أجندة الدوحة، حيث أكد في تقريره الجديد الذي قدمه للمجلس العام للمنظمة أمس الأول، أن نجاح المنظمة في إنجاز أجندة الدوحة هو أكبر مساهمة تقدمها المنظمة لنجاح قمة الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة، التي ستعقد في نهاية أيلول (سبتمبر) المقبل.
وأكد في تقريره، أن الفترة الماضية، ومنذ أن قدم تقريره خلال أيار (مايو) الماضي للمجلس العام للمنظمة عددا من الجولات والمباحثات المفيدة، إلا أن القضايا الرئيسة لا تزال عالقة، والمطلوب من الدول ذات النفوذ الاستعداد لإجراء حوارات مكثفة خلال الشهرين المقبلين، وعلى هامش قمة الأهداف الإنمائية التي ستعقد نهاية سبتمبر المقبل بحضور ممثلي 192 دولة لمناقشة التقدم الحاصل في تحقيق تلك الأهداف، وفي مقدمتها القضاء على الفقر بحلول العام 2015.
ومع تبقي خمس سنوات فقط على حلول الموعد النهائي لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، دعا بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة قادة العالم إلى حضور قمة تعقد في نيويورك في الفترة من 20 إلى 22 أيلول (سبتمبر) المقبل للإسراع بإحراز تقدم نحو الأهداف الإنمائية للألفية. وستكون القمة، التي تأتي في خضم خليط من التقدم والأزمات الجديدة التي تهدد الجهد المبذول عالميا للحد من الفقر المدقع فرصة ذات أهمية حاسمة لمضاعفة الجهود المبذولة لتحقيق الأهداف، بحسب ما ذكر الأمين العام في إشارة إلى الأهداف التي اعتمدتها قمة الأمم المتحدة للألفية عام 2000؛ بهدف خفض الفقر والجوع والمرض ووفيات الأطفال وغيرها، في مهلة أقصاها عام 2015.
ومن وجهة نظر منظمة التجارة العالمية، فإن تخفيض كلف التجارة العالمية وإزالة المعوقات أمام تدفق السلع والخدمات للدول النامية هي المساهمة الرئيسة التي سيمكن أن تقدمها لنجاح أهداف الألفية الجديدة.
ويرى محللون، أن الجانب الأكيد في تصريحات لامي بأن العالم بات اليوم يمر بأزمة كساد اقتصادي حادة بدأت بالدول الصناعية الرئيسة، إلا أنها آخذة في الانتشار إلى بقية أصقاع العام، ''أبرز بشكل واضح الترابط القائم بكل قوة بين اقتصاديات دول العالم الغني والمتوسط والفقير، وهذا ما ترجمته عمليا الأزمة الراهنة. كما أوضحته تصريحات المسؤولين الصينيين حول تراجع معدلات النمو الاقتصادي في الصين من 11 في المائة إلى 9 في المائة خلال العام الجاري 2009؛ بسبب تراجع قيمة الصادرات إلى الدول الصناعية''.
لذلك، وللخروج من الأزمة الراهنة، لا بد أن تتعافى الدول الصناعية والنامية الرئيسة، على حد سواء. فالتنمية والرفاهية في العالم لن تتحققا دون دفع عجلة التنمية في الدول النامية، وعلى الدول الصناعية أن تفي بتعهداتها بتخصيص 0.7 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي لمساعدة الدول النامية، كما يتوجب عليها إزالة الشروط التي ترتبط بالمساعدات لجعلها أكثر فاعلية، كذلك إزالة القيود أمام صادرات الدول النامية، كما يتوجب أن تكون برامج تخفيف الديون ونقل التكنولوجيا إلى الدول النامية سياسات طويلة الأمد.
بالتزامن مع ذلك، يقول تقرير صادر عن البنك الدولي: ''إن نظام تعدد الأطراف الجديد يجب أن يعطي قيمة مساوية للتنمية، شأنها شأن التمويل الدولي، وإلا فإن العالم سيظل مزعزع الاستقرار، لكن نظام تقديم المعونات لم يكن يؤدي وظائفه بصورة جيدة، وهو في حاجة إلى التحرك بطريقة أكثر سرعة وفعالية لمساعدة البلدان الأشدّ عرضة للمعاناة عندما تقع أزمة ما، كما أن مجموعة البنك الدولي في حاجة هي الأخرى إلى إصلاح.
ويقول التقرير: إن جولة الدوحة ''قد تعثرت''؛ ولذلك يتعين على البلدان النظر في تيسير التجارة بوصفها إحدى طرق تقليص تكاليف التجارة. ''ثمة فرص متاحة لتقليص تكاليف التجارة تفوق بكثير التكاليف الناجمة عن خفض التعريفات الجمركية وغيرها من الحواجز التجارية الأخرى''. ويصف التقرير أسواق الطاقة العالمية بأنها تمر بحالة من ''الفوضى''، حيث دعا إلى التوصل إلى ''اتفاق عالمي'' بين منتجي الطاقة ومستهلكيها. ويمكن للجانبين المشاركة في خطط زيادة الإمدادات، وتحسين كفاءة الاستخدام وتقليل مستوى الطلب؛ ومساعدة الفقراء في الحصول على منتجات الطاقة؛ ودراسة مدى ارتباط هذه السياسات بالسياسات المتعلقة بإنتاج الكربون وتغير المناخ.
وفي العام الماضي، حققت معظم اقتصادات البلدان النامية معدلات نمو قوية، رغم هذه الاضطرابات. وواقع الحال أن البلدان النامية الرئيسة كانت بمثابة قاطرة بديلة للنمو. ففي 2007، بلغ متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي في هذه البلدان مستوىً قياسيا نسبته 7.9 في المائة، وبلغ في 2009 مستوىً ربما ما زال مثيرا للإعجاب نسبته 6.6 في المائة. لكن ثمار هذا النمو لم يتقاسمها الجميع؛ فالارتفاع الشديد في أسعار السلع الغذائية والوقود يدفع الفئات الأشدّ عرضة للمعاناة دفعا إلى منطقة خطرة. وتتزايد معاناة الناس جراء ذلك، وباتت الأسر تشعر بقلق شديد إزاء ما تخبئه الأيام المقبلة.
إلا أن أحداث أيلول (سبتمبر) الماضي، وما نجم عنها من تداعيات، قد تكون نقطة حاسمة بالنسبة إلى عديد من البلدان النامية. فأي انخفاض في الصادرات، وكذلك في التدفقات الرأسمالية الداخلة، من شأنه أن يؤدي إلى تراجع ملحوظ في الاستثمارات. وسيؤدي تباطؤ النمو وأوضاع التمويل الآخذة في التدهور، مقرونا بتشديد السياسات النقدية، إلى توقف الشركات عن العمل، وربما إلى أزمات طارئة في الجهاز المصرفي. وستنزلق بعض البلدان نحو أزمات في موازين المدفوعات، وكما هو الحال دوما، فإن الشرائح الأكثر فقرا هي الأقل استعدادا لتحمل النتائج.
وحول المجموعة الدولية التي اقترحها رئيس البنك الدولي يقول التقرير: ''إننا في حاجة إلى شبكة جديدة متعددة الأطراف من أجل اقتصاد عالمي جديد. لقد أخفقت مجموعة السبع (G-7) في القيام بعملها؛ ولذلك، فنحن في حاجة إلى مجموعة أفضل لحقبة زمنية مختلفة، كما أن مجموعة العشرين (G-20)، رغم قيمتها، تفتقر إلى الطابع العملي في الانتقال من النقاش إلى العمل''.
إننا نحتاج إلى فريق أساسي من وزراء المالية الذين يضطلعون بمسؤولية توقع القضايا، وتبادل المعلومات والرؤى المتعمقة، واستكشاف آفاق المصالح المشتركة، وحشد الجهود لحل المشكلات، وعلى أقل تقدير إدارة الاختلافات. وعلى صعيد التعاون المالي والاقتصادي، لا بد أن ننظر في إنشاء فريق توجيهي جديد يضم في عضويته كلاً من البرازيل، والصين، والهند، والمكسيك، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وجنوب إفريقيا، وبلدان مجموعة السبع الحالية. ومن شأن فريق توجيهي من هذا القبيل أن يجمع معا أكثر من 70 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، و56 في المائة من سكان العالم، و62 في المائة من إنتاج الطاقة، والبلدان الرئيسة المسؤولة عن انبعاثات الكربون، والمانحين الإنمائيين الرئيسِين، والأطراف الفاعلة الإقليمية الكبيرة، والجهات الفاعلة الرئيسة في أسواق رؤوس الأموال والسلع الأولية العالمية، وأسواق النقد العالمية.
ويجب أن يحترم نظام تعدد الأطراف الجديد سيادة الدول، مع التسليم في الوقت نفسه بأن الكثير من القضايا لا تراعي الحدود الوطنية للدول. كما يجب أن يبني نظام تعدد الأطراف الجديد إحساسا بالمسؤولية المشتركة نحو سلامة الاقتصاد السياسي العالمي، ويعني ذلك ـ بشكل رئيس وحاسم الأهمية ـ ضرورة أن يضم الأطراف كافة صاحبة المصلحة الرئيسة في هذا الاقتصاد، والأطراف الراغبة في المشاركة في تحمل المسؤوليات ـ إلى جانب الحصول على المكاسب المترتبة على الحفاظ عليه.
ولا بد - وفقا للتقرير - أن نعيد تعريف نظام تعدد الأطراف الاقتصادي على نحو يتجاوز التركيز التقليدي على التمويل والتجارة؛ فالاقتصاد العالمي الآخذ في التغيّر يقتضي منا التفكير بطريقة أكثر شمولا. واليوم، تشكل الطاقة، وتغيّر المناخ، وتحقيق الاستقرار في الدول الضعيفة والخارجة من رحى الصراعات، قضايا اقتصادية من الطراز الأول؛ فهي بالفعل جزء من الأمن الدولي والحوار بشأن حماية البيئة. ويجب كذلك أن تكون الشغل الشاغل بالنسبة إلى نظام تعدد الأطراف الاقتصادي.