صيرفة التجزئة الخاصة بالأفراد تفشل في استمالة المسلمين في بريطانيا
أكدت مصادر مصرفية من داخل الحي المالي في لندن أن قطاع صيرفة التجزئة الخاصة بالأفراد فشل في استمالة المسلمين في بريطانيا، مما يعني أن العاصمة اللندنية ستعول على خبرتها أكثر في قطاعي الصيرفة الاستثمارية الإسلامية وتمويل الشركات. وخرجت صحيفة ''التايمز'' الشهيرة بعنوان أثار ضجة كبيرة لدى أهل الصناعة عندما ذكرت أن ''المالية الإسلامية في بريطانيا منيت بفشل ذريع''. وعلق على ذلك رشدي صديقي، المدير الدولي للمالية الإسلامية لدى وكالة رويترز، بقوله: ''أصحاب المصالح الذين يدفعون الأمور باتجاه المصرفية الإسلامية ربما يكونون في حاجة إلى أن يتفهموا الوضع على حقيقته بخصوص البلدان غير المسلمة التي توجد فيها أقلية مسلمة معروفة. الحماسة التي يشعر بها المصرفيون الإسلاميون للمالية الإسلامية ربما لا تشاركهم فيها نسبة معينة من المسلمين على مستوى مصرفية التجزئة''. وزاد: ''نحن في حاجة إلى الخروج من منطقة الارتياح والتهليل والدخول في عالم الواقع، الذي يقول إن هناك نقصاً في الاهتمام بالمصرفية الإسلامية من جانب المسلم العادي''.
وتأتي تلك التطورات بعد أن قام بنك قطر الدولي الإسلامي بإنقاذ البنك الإسلامي البريطاني، وذلك عبر ضخه 20 مليون جنيه استرليني كرأسمال جديد، رافعا بذلك مساهمته في البنك البريطاني إلى حصة مؤثرة. وفي حين يفضل الجانب القطري استخدام عبارة ''زيادة مساهمته'' في حصة البنك، فضلت وسائل الإعلام البريطانية استخدام كلمة ''عملية إنقاذ'' للبنك الإسلامي الذي يعاني خسائر متواصلة.
وقال البنك القطري إن زيادة حصته ستتم عن طريق زيادة رأسمال البنك الإسلامي البريطاني من خلال طرح أسهم جديدة. وعانت البنوك الإسلامية الانحدار الاقتصادي، ولا سيما في سوق المنازل. ونتج عن ذلك قيام بنك لويدز بحجب تقديم القروض المتوافقة مع الشريعة، في حين ارتفعت خسائر البنك الإسلامي البريطاني، الذي يملك 50 ألف عميل، إلى 9.5 مليون باوند بعد أن كانت 5.9 مليون باوند.
ووفقاً لأشخاص مطلعين على الصناعة، فإن الحسابات المصرفية الإسلامية والمنتجات العقارية الإسلامية الأخرى أخفقت في الانطلاق في بريطانيا. وحدث هذا على الرغم من الآمال بأن بريطانيا يمكن أن تصبح من البلدان الرائدة في سوق للنمو الجديد.
البنوك الجديدة التي تم إنشاؤها لاجتذاب المسلمين في بريطانيا، البالغ عددهم مليوني نسمة، والمنتجات الإسلامية التي أنشأتها البنوك المعروفة، أخفقت في تحقيق قدر يذكر من التقدم، على حد قول المنتقدين.
يقول جنيد باتي، وهو عضو في الفريق الذي عمل على إنشاء البنك الإسلامي البريطاني إن القطاع يعد خيبة أمل كبيرة.
وقال: ''في الوقت الذي نقترب فيه الآن من الذكرى السادسة لإطلاق البنك الإسلامي البريطاني، يؤسفني أن أعترف أخيراً بأن المالية الإسلامية في بريطانيا منيت بفشل ذريع. أعتقد أن البنك سيظل يعرج لفترة باعتباره القلعة الأخيرة للقضية، لكن من الصعب أن أتخيل أنه سيصمد فترة طويلة''.
وقال باتي إن البنوك الإسلامية المنافسة كانت أسوأ حظاً حتى من ذلك، وكثير منها أغلق أبوابه أو قلص من أعماله في المصرفية الإسلامية بصورة لا يستهان بها.
وأضاف باتي أن من المعتقد كذلك أن البنوك المعتمدة التي أطلقت منتجات في المصرفية الإسلامية لم يكن لها حظ قوي في النجاح. وكان يُنظَر إلى بنك إتش إس بي سي وبنك لويدز على أنهما من البنوك التي قامت بأكبر الجهود لتحقيق التقدم في الصناعة، لكنها لم تحقق نجاحاً يذكر.
وتابع باتي: ''بنك لويدز، الذي قام على استحياء بإطلاق منتجات مالية إسلامية في عام 2004 لا يبدو أنه يعمل على تطوير منتجاته منذ سنوات''.
يذكر أن البنكين المذكورين لم يعطيا أرقاماً تبين عدد الزبائن، لكن بنك إتش إس بي سي قال إن حساباته تنمو بمعدل 10 إلى 15 في المائة في السنة. وكان بنك لويدز في السابق يعمل على تسويق منتجاته الإسلامية، لكنه لم يعد يقوم بذلك.
وقال صديقي لصحيفة ''جلف نيوز'': ''ربما يكون موقف البنك الإسلامي البريطاني في قدر كبير منه نتيجة للتهليل للمصرفية الإسلامية من خلال التركيز على الكمية (أي الفرصة المتوافرة بفعل وجود مليوني مسلم في بريطانيا) أكثر من التركيز على النوعية. من الواضح أن هذه الاستراتيجية ربما لم تكن قابلة لتحقيق أرباح كبيرة''. وواصل: ''سمعنا جميعاً عن الحاجة إلى المصرفية الإسلامية، سواء من خلال الندوات واللقاءات وورش العمل والمؤتمرات والنشرات الصحفية والمنظمات في الصناعة، والمقررات الدراسية على الإنترنت. مع ذلك فإن الانتشار الضعيف للمنتجات الإسلامية يمكن أن يكون السبب فيه هو الافتقار إلى الفهم أو عدم الحصول على التعليم الكافي، وهي أمور من شأنها إطالة دورة الفهم لهذه المنتجات أكثر مما يجب.
يذكر أن بنك إتش إس بي سي أطلق عدداً من المنتجات الإسلامية منذ أن دخل إلى هذه السوق في بريطانيا في عام 2003، ولديه قوة عمل متفرغة لهذا الغرض في الفروع الموجودة في مناطق تسكنها أغلبية مسلمة.
يقول محمد قيوم، المدير العام لمعهد المصرفية الإسلامية والتأمين الإسلامي في بريطانيا، إنه لم تكن هناك ''جهود جادة عازمة من قبل البنوك لتثقيف الناس'' بالمنتجات المتاحة. وقال إن هناك عقبة أخرى، وهي أن البنوك غالباً ما تضع للمنتجات الإسلامية أسعاراً أعلى من المنتجات البديلة.
لكن يمكن أن يكون هناك نوع من التحسن مع التغيرات التشريعية التي ترمي إلى التيسير على البنوك أكثر من ذي قبل لطرح المنتجات الإسلامية، وهو أمر من شأنه تخفيض أسعار هذه المنتجات.
وعن الجالية المسلمة البريطانية، قال صديقي: ''معظم المسلمين الذين يعيشون في بريطانيا هم من شبه القارة الهندية (الهند وباكستان وبنجلاديش). وقد جاءوا بحثاً عن سبل لتحسين معيشتهم، وتعليم أطفالهم، وتحسين وضعهم في السلم الاجتماعي. هؤلاء المهاجرون جاءوا من بلدان كان الإسلام فيها، في أحسن الأحوال، نظرية أكثر منه ممارسة عملية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. أخيراً، فإن الخبرة المصرفية الإسلامية في بريطانيا، من مجموعة البركة، إلى البنك الإسلامي البريطاني (في الوقت الحالي)، نتج عنها ساحة متكافئة للعب على المستوى التنظيمي والضريبي في بريطانيا، لكن حتى هذا الإنجاز لم يؤد إلى اندفاع كبير للمصرفية الإسلامية. فما السبب في ذلك''؟ ويتابع صديقي: تتحدث الحكومة البريطانية منذ سنوات حول إصدار صكوك سيادية، مع ذلك لم يتحقق شيء عملي حتى الآن. بعد ذهاب رئيس الوزراء توني بلير، أعربت كل حكومة جاءت بعده عن حماستها والتزامها ودعمها المتين للمصرفية الإسلامية، مع ذلك لا تزال الصناعة تنتظر هذه الصكوك ''السحرية''.
وكون المصرفية الإسلامية لم تنطلق على مستوى التجزئة في بريطانيا، أو في بلد آخر من بلدان مجموعة العشرين، ربما يعزى إلى عدد من العوامل: 1) عدم وجود اهتمام بالمصرفية الإسلامية والارتياح نحو المصرفية التقليدية، من أولئك الذين يرون أن نوعاً معيناً من ''الفوائد'' يمكن أن يكون مقبولاً بالنسبة إليهم. 2) المصرفية الإسلامية، على النحو الذي تُطرح فيه للناس، ليست إسلامية بما فيه الكفاية. 3) الفقهاء الذين يصدرون فتاوى تجيز منتجات المصرفية الإسلامية ربما لا يكونون من الفقهاء المعروفين على المستوى المحلي. 4) في بيئة ما بعد 11 من أيلول (سبتمبر)، يشعر بعض المسلمين بالقلق من أنهم إذا أخذوا بالدخول في تعاملات إسلامية، فإن أسماءهم ربما تكون في لوائح مراقبة الأشخاص المشبوهين.