الجمع بين النشاطات التجارية والأعمال الخيرية يحتاج إلى نظرية جدية
هل يمكن أن تشكل الأعمال التجارية والأعمال الخيرية مزيجا؟
وفقا لهو وون بنج مؤسس مجموعة فنادق بانيان تري (Banyan Tree) الفخمة، فإن هذا السؤال الذي يتم طرحه كثيرا يحتاج إلى إعادة نظر جدية.
''ليس بالضرورة أن يكون هناك انقسام بين كون المرء رجل أعمال رأسمالياً جيداً، وأن يكون في الوقت نفسه شخصاً يريد تحسين العالم. فلا ينبغي أن يكون الاثنان منفصلين عن بعضهما بعضا.
وللأسف، يشعر رجال الأعمال بأنهم محتارون بين الأمرين أو أنهم يخجلون من القول إن لديهم أهدافاً أكبر في مجال الأعمال من مجرد زيادة أرباح المساهمين، حيث إنه من السيئ القول إنك تهتم فعلا بالمسؤولية الاجتماعية للشركات''، كما قال هو لمجلة إنسياد نوليج بعد التحدث مع طلاب الماجستير في إنسياد في حرم جامعة آسيا في سنغافورة، في جلسة حوار بعنوان ''الرأسمالي في جيبه والاجتماعي في قلبه''.
''إن الروح السائدة، التي أعتقد أنها تتغير، لحسن الحظ، في الولايات المتحدة بسبب الفشل التام للمديرين التنفيذيين المنغمسين في تحقيق مصالحهم في فعل أي شيء مفيد للمجتمع، وإدراك المجتمع أن هؤلاء الأشخاص لم يفعلوا أي شيء للعالم، أدت على الأقل إلى نشوء بيئة لا يخجل فيها المرء من القول أنا مدير تنفيذي ناجح، وأتبنى المسؤولية الاجتماعية للشركات. وقد كانت في السابق دلالة على الرجولة، فكلما زادت قوة عضلاتك، زادت احتمالات أن تقول لا أهتم البتة بشأن المسؤولية الاجتماعية للشركات، لأن المخنثين فقط يهتمون بها، فأنا فقط أجمع الأرباح. وكانت تلك العقلية السائدة لفترة طويلة، وهذه هي العقلية التي أعتقد أنها كانت أحد أسباب شبه انهيار رأسمالية وول ستريت''.
ومع ذلك، يعتقد أن الجدل بين تعظيم قيمة المساهمين مقابل قيمة أصحاب المصلحة لم ينته بعد. ''إذا كنت ترى أن هيكل الرأسمالية، وتعظيم مصالح المساهمين، وقياس الربح الاقتصادي، وإجمالي عائدات المساهمين، وكل هذه الأمور، وأن عائدات المساهمين هي الشيء الوحيد الذي ينبغي أن يشغل بال المدير التنفيذي، سيقودك هذا الجدل نحو اتجاه واضح، لأنه في هذه الحالة لا تكون المسؤولية الاجتماعية للشركات ضرورة فعلية، فهناك كثير من الأمور التي ليست ضرورية حقا. وطالما أني أقدم أعلى العوائد للمساهمين، يجب أن أحصل على أعلى مكافأة ممكنة على المدى القصير، وهذا منطقي تماما''.
''وإذا غيرت قليلا تعريف المساهمين إلى أصحاب مصلحة، سيتغير مؤشر الأداء الرئيسي ومقياس المديرين التنفيذيين تماما، وإذا كنت تعتقد أن رفاه المجتمع والعملاء.. إلخ مهم- أو على الأقل له درجة من الأهمية- كنت مستعدا للعمل نحو وضع نموذج وربما تقييمه، ووضع بعض المقاييس التي يمكن قياسها، لأن عائد المساهمين بسيط جدا، إن قياس عائد المساهمين أمر غامض وخيالي وعاطفي''،
ولكنه يقول إنه من المفضل أن تكون هناك طريقة لقياس قيمة أصحاب المصلحة الشاملة، ''إذا استطاع الاقتصاديون ابتكار طريقة يمكن من خلالها قياس ذلك، مثل التي يتحدث عنها البعض بدلا من الناتج المحلي الإجمالي، عليك أن تتحدث عن ''السعادة المحلية الإجمالية''، وبالتالي يجب أن يكون معدل وفيات الرضع أحد المؤشرات، وإذا أمكن أن يكون هناك بعض مؤشرات الأداء الرئيسية القابلة للقياس لماهية تعظيم مصالح أصحاب المصلحة، أعتقد أننا سنكون حينها قطعنا شوطا طويلا في تغيير القيم داخل المجتمع''.
ويمارس هو ما يعظ به، ففنادق Banyan Tree، التي أسسها استنادا إلى القيم الأساسية لدفع التنمية المستدامة، تعتمد على خط الأساس الثلاثي للاقتصاد والمجتمع والبيئة.
وعلى الرغم من أنه يعد نفسه الآن أكثر مثالية من ''الاجتماعي'' في قلبه- ابتكرت زوجته، المؤسسة الشريكة للفنادق، هذه العبارة- إلا أن ماضيه البعيد يشير، كما يبدو، إلى عكس ذلك. فقد تم اعتقال هو في السابق بموجب قانون الأمن القومي في سنغافورة بسبب نشاطه السياسي في الستينيات والسبعينيات، كما طرد من جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة بسبب ''النشاطات السياسية'' في وقت الحرب الفيتنامية.
''إن مسؤولية الأشخاص الذين يعيشون في عالم أكثر ثراء، أو الذين ينحدرون من خلفيات شخصية أكثر ثراء، مثلي، هي استخدام الوسائل التي لدينا، وليس بالضرورة أن يكونوا من العاملين في مجال الأعمال الخيرية أو مثل الأم تريزا، وينغمسون تماما في الشعور بالذنب''.
وأعتقد أننا بحاجة إلى شيء من هذا، فبوسعنا أن نكون سعداء ومزدهرين، ورجال أعمال مساهمين في إيجاد شركة ناجحة، مثلما آمل أن هذا ما نفعله في بانيان، وفي الوقت نفسه نكون قادرين على المساهمة في التنمية الاقتصادية، وتحسين سبل العيش للناس في الأماكن التي تحتاج إلى التحسين''.
وفي الواقع، تمكنت الفنادق من تحقيق النجاح على هاتين الجبهتين. وفي آخر مبادرة له للمسؤولية الاجتماعية للشركات، أطلق فندق بانيان في الإمارات أول مجموعة من الحيوانات، التي تتكون من 18 غزالاً عربياً وثمانية من غزلان الريم، وأربعة من غزلان المها العربية، في المحمية الطبيعية بمساحة 60 هكتاراً الموجودة في المنتجع. وتشمل مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات الأخرى مبادرة Seedlings، ''النبة الصغيرة''، وهي مبادرة جماعية لدعم المجتمعات عن طريق بناء قدرات الشباب؛ ومبادرة المجتمعات الخضراء، لمعالجة مشكلة التغير المناخي؛ ومبادرة المحافظة على الموارد، لتقليل استهلاك الطاقة والمياه من قبل كل منتجع، ومختبر بحري- جزر المالديف لدراسة الحفاظ على البيئة، إضافة إلى ذلك، تدعم مجموعة بانيان يوم الأرض منذ خمس سنوات متتالية.
''بالنسبة لي، أكثر شيء فعلته يدعو للفخر أن بانيان لا يتعلق بالفنادق؛ بل في الحقيقة تمكنا من بناء علامة تجارية مستدامة عالميا آتية من آسيا، ولكنها قادرة على التنافس عالميا''.
ومن المقرر أن تفتتح مجموعة الفنادق أول منتجع صحي لها في سنغافورة في منتجع مارينا في أيلول (سبتمبر) الماضي. ويعزو هو الفضل في نجاح الشركة إلى البناء الاستراتيجي للعلامة التجارية، الذي تم تنفيذه ببراعة. فعلى سبيل المثال، كانت علامة بايرن تري رائدا في مفهوم منتجع الحديقة الاستوائية الصحي والفيلا المحاطة ببركة السباحة، التي تم تصميمها للتعويض عن عدم وجود شاطئ في المنتجع. وفي الواقع، فإن أحد معايير العلامة التجارية للفنادق هو أنه يجب بناء جميع برك السباحة بطريقة يمكن فيها للنزلاء النزول فيها دون أن تتم رؤيتهم من وراء جدارن الفيلا.
''لا بد أن يكون للعلامة التجارية صدى عاطفي مع زبونها، ثم يمكنك بناء علاقة دائمة، وبالنسبة للفنادق، فإن ما يجعل لهذه العلامة التجارية صدى ليس حقيقة أن لدينا ثريات فضية أو أواني فضية، أو أن بركة السباحة فيها أكبر من أي بركة سباحة أخرى، بل الأمور الصغيرة التي فعلناها والتي أوجدت بيئة يمكن للناس فيها تكوين ذكريات سعيدة، وهكذا حين يتذكرون بانيان يتذكرون الأوقات السعيدة التي قضوها''.