تقرير: معوقات تشريعية وبنيوية تقف في وجه توحيد البورصات الخليجية
أكدت مصادر في الأمانة العامة لدول المجلس أن الأجهزة المعنية في هذه الدول تبذل في الوقت الحاضر جهودا حثيثة لاستكمال مشروع توحيد البورصات الخليجية لتقديمها للقمة الخليجية المقبلة.
وكانت اللجنة الوزارية المكلفة بوضع المشروع في اجتماعها قد تبنت معظم البنود التي تضمنتها المبادرة المقدمة من هيئة الأوراق المالية والسلع الإماراتية بشأن تكامل الأسواق المالية في دول المجلس وفق برنامج زمني محدد، التي سبق إحالتها للجنة من قبل اللجنة الوزارية، وتضمنت المقترحات عدداً من المحاور تتعلق بتوحيد السياسات والأنظمة المتعلقة بها، ودراسة إمكانية الترخيص والاكتتاب والإدراج الموحد للشركات المساهمة، واستحداث أنظمة موحدة للقضايا المتعلقة بالأسواق المالية في دول المجلس وتوسيع قاعدة المستثمرين في الأسواق المالية من خلال تشجيع تأسيس الشركات المساهمة العامة، وتطوير عناصر الأسواق المالية في دول المجلس، وتفعيل نظام حوكمة الشركات سعيا لتحقيق المواءمة الكاملة للنظام، وتشكيل فرق عمل لهذا الغرض ترفع توصياتها إلى هذه اللجنة.
كما وافقت اللجنة على تشكيل ستة فرق عمل تضم فريق قواعد التسجيل والإدراج والإفصاح، وفريق عمل الإصدارات الأولية والاكتتابات في الأسواق المالية، وفريق عمل الربط والتقاص، وفريق عمل الأدوات المالية، وفريق عمل الإشراف والرقابة على الأسواق المالية، وفريق عمل مؤسسات السوق المالية، وقد تم تحديد المهام التي يختص بها كل من هذه الفرق، بحيث يقوم كل منها بدراسة الموضوعات الواقعة في نطاق اختصاصها، ورفع التوصيات التي تتوصل إليها إلى لجنة رؤساء هيئات الأسواق المالية (أو من يعادلهم)، تمهيداً لإقرارها والتوصية بشأنها للجنة الوزارية لرؤساء مجالس إدارات الجهات المنظمة للأسواق المالية.
ويقول مراقبون إن الأزمة المالية العالمية ضربت بقوة البورصات الخليجية وجعلتها تخسر نسبا تراوح ما بين 30 و 55 في المائة من قيمتها السوقية، الأمر الذي أضاف حافزا جديدا لتوحيد البورصات الخليجية بغية خلق سوق أكثر عمقا وأكثر تنوعا للمستثمرين مما يسهم في جذب السيولة المحلية والمحافظ الاستثمارية العالمية.
إلا أنه حتى في حالة قيام السوق الخليجية المشتركة، وفقا لخبراء ومتعاملين، فإنها لا تعني، مثلما هو الاتحاد النقدي، تلقائيا توحيد البورصات كما هو واضح من تجربة الاتحاد الأوروبي، خصوصا أن البورصات هناك مؤسسات خاصة تهتم أساسا بتنظيم التداول في السوق بينما توكل قضايا التشريع والرقابة والإصدارات الأولية لهيئة البورصة التي لها كيان مستقل وقوي. لذلك، فإن تلك البورصات – أي الأوروبية – قد لا تتحدث عن توحيد وإنما عن اندماج أو شراء أو غيرها من الخطوات الموجهة بعوامل الربح والخسارة. وقد نتوقف هنا قليلا للدعوة إلى فصل الوظيفة الفنية للبورصات الخليجية عن الوظيفة الرقابية والتشريعية، مثلما فعلت عمان في تجربة متقدمة، وقامت بتخصيص البورصة ثم لحقتها دبي وسبقتها بإدراج أسهم البورصة في البورصة نفسها. مثل هذا الفصل يسهل قرارات التوحيد والتنسيق.
إن أسواق الأسهم الخليجية باتت تستوعب جزءا كبيرا من سيولة الأفراد والمؤسسات، كما باتت تمثل قناة مهمة للاستثمار، فعلى صعيد أحجام التداول بلغت التعاملات الأسبوعية للبورصات الخليجية الست ما قيمته 23 مليار دولار أمريكي.
ويؤكد هؤلاء الخبراء والمتعاملون أن أهمية توحيد البورصات الخليجية ترتبط بعملية تشجيع تدفق الاستثمارات البينية بين دول مجلس التعاون وإقامة المشاريع الخليجية المشتركة، إلا أنها تعاني في الوقت الحاضر عديدا من التحديات التي تعرقل عملية التوحيد والاندماج.
فوفقا للقواعد الموحدة لتملك مواطني دول المجلس أسهم شركات المساهمة في الدول الأعضاء وتداولها يسمح لمواطني دول مجلس التعاون بتأسيس الشركات الجديدة والمشاركة في تأسيسها والاكتتاب فيها وتملك وتداول أسهم الشركات المساهمة القائمة التي تعمل في المجالات الاقتصادية والمسموح لمواطني دول المجلس بممارستها استنادا إلى قرارات المجلس الأعلى وأحكام الاتفاقية الاقتصادية الموحدة لدول مجلس التعاون، كما يسمح لهم بتملك وتداول أسهم الشركات المشتركة. ويجوز للدولة التي تؤسس فيها الشركة اشتراط تملك مواطنيها نسبة لا تزيد على 51 في المائة من أسهم هذه الشركات، كما تستثني تلك القواعد شركات التأمين والصرافة والبنوك من حرية الدخول لمواطني دول المجلس.
وعلاوة على الاستثناءات لعدد من القطاعات المهمة ، فإن هذه القواعد تبقى على مطلب أن يكون مواطنو الدولة عضو المجلس لهم الأغلبية في الشركة الجديدة، وهكذا فإن هذه القواعد تبقى متخلفة حتى عما مضت إلى تطبيقه بعض دول المجلس من حيث السماح لمواطني دول المجلس بتملك الأغلبية في أسهم الشركات المؤسسة حديثا حتى وإن لم يكن بضمنها مواطنوها.
ويرى هؤلاء الخبراء والمتعاملون أن القواعد تشمل فقط الشركات المؤسسة حديثا وليس الشركات القائمة بالفعل، حيث لا تزال تشريعات بعض دول المجلس تحد من مدى مقدرة مواطني دول المجلس على شراء وتداول أسهم شركاتها القائمة، وهى عقبة رئيسة في وجه تطوير قواعد موحدة للتداول وبالتالي في وجه قيام بورصة خليجية موحدة.
ويضيف هؤلاء أن أسواق الأسهم الخليجية تعاني تركيز التداول على أسهم شركات محدودة دون غيرها، مما يؤدي إلى عدم القدرة على تنويع الاستثمارات، كما أن هناك محدودية في الأدوات الاستثمارية التي تتركز في أسهم الشركات العامة. كما تعاني أسواق الأسهم الخليجية أيضا محدودية الاستثمار المؤسسي، واعتمادها بصورة أساسية على الاستثمارات الفردية، حيث تظهر دراسات متخصصة أن المستثمرين الأفراد في البورصات الخليجية يشكلون 97 في المائة ما يعني أن 3 في المائة فقط من اللاعبين في السوق هم من الصناديق الاستثمارية.
ويوجد تدن في مستويات الإفصاح والشفافية، وهناك تعامل من الداخل، واحتكار للمعلومات، وعدم التزام الشركات المساهمة العامة بمعايير محاسبية موحدة عند إعداد بياناتها المالية الدورية، حيث تتفاوت جودة هذه التقارير من شركة لأخرى، كما يتأخر موعد صدور هذه التقارير.
كما أن النظام التجاري والاستثماري في هذه الأسواق غير متجانس، خاصة على مستوى حرية الاستثمارات الأجنبية، حيث تتفاوت في نسب وأشكال السماح للمستثمرين الأجانب بالاستثمار في أسواقها.
ووفقا لهؤلاء الخبراء والمتعاملين، تواجه أسواق المال الخليجية عديدا من التحديات العالمية، حيث إن البورصات في الدول الأوروبية وكثير من الدول النامية مملوكة للقطاع الخاص وتدخل في كثير من مشاريع الدمج والشراء والتوسع والمنافسة في استقطاب الشركات، في حين أن بورصاتنا مملوكة للحكومات وقراراتها حكومية وسياسية، في حين بات للشركات المساهمة الخليجية مطلق الحرية في إدراج أسهمها في أي سوق تشاء وهي سوف تبحث دون شك عن الأسواق الأكثر سيولة واستقرارا وشفافية وحماية للمستثمر.