«من عبادات رمضان .. زكاة العقارات ووقفها»
للفقراء حق في مال الأغنياء .. هذا هو الحكم بكل وضوح وصراحة يقرره الشرع, يقول الله تعالى: ''خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها''، ويقول سبحانه: ''وفي أموالهم حق للسائل والمحروم''، وفي حديث معاذ حين بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن: ''..وأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم'', إذاً هو حق أوجبه الله ولا منة للغني على الفقير فيه، يدفعها الغني تعبدا والتزاما لأمر الله, وفي حال منعها فهو آثم ومستحق للعقوبة الدنيوية والأخروية, فأما الدنيوية فهو مستحق للتعزير لوقوعه في معصية واضحة, بل قد ورد في الحديث تشريعُ معاقبة مانع الزكاة بالغرامة كما في الحديث: ''من أعطاها مؤتجرا فله أجره، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله..'', أما إذا شكل منع الزكاة ظاهرة مما يعني الاستهتار بهذه الشعيرة والسعي إلى الإخلال بهذه المنظومة الشرعية، فإن الأمر يصل إلى القتال كما قرره العلماء, وأما العقوبة الأخروية فمانع الزكاة متوعد بعذاب شديد، وقد صوره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله ''من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مُثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع، له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه ـــ يعني شدقيه ـــ ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك'' ثم تلا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الآية: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ), وهي عدالة سماوية في توزيع الأرزاق والحقوق, وهي بهذا الوصف والتأطير جزء من منظومة اجتماعية واقتصادية في تشريعنا الحنيف قبل أن نقرر أنها تطهير وتزكية للمال.
وقد فصلت في مقالات عدة ـــ تجدها في أرشيف الزاوية في الموقع الإلكتروني ـــ في أحكام زكاة العقارات ومنها المساهمات والأراضي الفضاء وغيرها, وهناك تفاصيل في الشروط والموانع محلها كتب الفقهاء، ومن أفضل الكتب المعاصرة الجامعة لأحكام زكاة العقار كتاب: ''فتوى جامعة في زكاة العقار'' للشيخ الدكتور بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـــ, وفي مقال سابق أشرت إلى أن هناك تفاوتا في الفتاوى في بعض المسائل الفقهية المتعلقة بالزكاة بعامة، وزكاة العقار بصفة خاصة، وسبب ذلك: التفاوت والاختلاف في تصور المسألة، ومن ثم تنزيل الحكم عليها، ومن المناسب أن تصدر الجهة المختصة بالفتوى قرارا جامعا يبين ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب. وإذا كانت الزكاة واجبة وحقا في مال الغني للفقير، فإن الوقف من الأعمال الفاضلة التي ندب الشرع إليه وحض عليه لما فيه من نفع عام مُتعدٍّ, ومشاركة في إعانة المحتاجين وبذل الخير لهم وهو يكشف عن نفس طيبة باذلة غير شحيحة، تعلم أن المال أمانة وضعه الله في يدها, وتستشعر مصائب الآخرين وكربهم, وقد أكدت نصوص الشرع على هذه الجوانب في أحاديث كثيرة, ومنها: حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ''يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ فقال أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم: تكشف عنه كربة، أو تقضي له دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، ـــ يعني مسجد المدينة ـــ شهرا، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام''. ''وإن من أفضل الأعمال التي تعود بالنفع على الغير ويبقى أثرها لمدة طويلة: الوقف على أعمال الخير, وبالذات في المناشط ذات النفع العام مثل: بناء المساكن للفقراء، وتزويج المحتاجين, ودعم الأبحاث والدراسات النافعة، وغيرها من المجالات التي يحتاج إليها المجتمع, وقد ورد في فضله الكثير من الأحاديث, ومنها: قوله تعالى: ''لن تنالوا الْبِر حَتى تنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ'' وقولُه: ''إذا مات ابن آدم انقطَعَ عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له'', وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ''أصاب عمر بخيبر أرضا، فأتى النبي فقال: أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه، فما تأمرني به؟ قال: إن شئتَ حبّستَ أصلَها وتصدّقت بها، فتصدق بها عمر أنه لا يُباع أصلها ولا يوهَب ولا يورَث، في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضعيف وابن السبيل''. وقد استجاب الصحابة إلى هذه التوجيهات، فعن جابر قال: ''ما بقي أحدٌ من أصحاب النبيِّ له مَقدرة إلا وقَف''.