سعوديون في المهجر

قد يتبادر إلى ذهن القارئ، عطفا على عنوان هذا العمود، المهجر الذي ضم كوكبة من المثقفين اللبنانيين في أمريكا في أواخر القرن قبل الماضي وبدايات القرن الماضي. وكانت مجموعة من الظروف, خاصة الاقتصادية, قد أرغمت النخب الطموحة إلى الهجرة من لبنان إلى قارة أمريكا ذات الموارد الغنية، فأدت تلك البيئة الخصبة بمقوماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى إنجاب أعظم أدباء وعلماء العرب في العصر الحديث. ومن نخب المهجر المفكر السياسي والاجتماعي الأديب الشاعر أمين الريحاني, الذي حمل هم التطور العربي من خلال رحلاته البعيدة للقاء القادة العرب, حيث التقى الملك المؤسس عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ وأثرى المكتبة العربية بكنوز ثمينة, أشهرها كتاب ''ملوك العرب'' و''التطور والإصلاح''. نزيف الأدمغة العربية يتزايد في السنوات الأخيرة, خاصة من تلك الدول التي تعاني ظروفا غير مواتية للطموحين من علماء وأدباء كمصر والعراق. عندما كنت طالبا في كلية الهندسة في جامعة الملك سعود، كان من أساتذتنا علماء مصريون وعراقيون أتوا إلى المملكة ضمن برامج الأستاذ الزائر حبا في هذه الأرض وقيمتها الإسلامية، ومنهم عالمون في صناعة الطيران ومن أعمدة وكالة الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا). أثناء فترة الدراسات العليا وأثناء الحياة الوظيفية، قدر لي زيارة أستاذي الاثنين في جامعة أمريكية شهيرة والآخر أصبح رئيسا لقطاع هندسي كبير في شركة بوينج. ولم أفاجأ بالحياة الكريمة والبيئة الإدارية التي ينعم أساتذتي بها في أمريكا, فأنت تراها في مساكنهم الفاخرة وفي طبيعة الحياة الإدارية, حيث تتاح لكل ناجح ما يتمناه من الموارد دون تميز أو عوامل سوى الإنتاجية والإبداع. هجرة العقول ليست مشكلة عربية فقط، حتى إن هذا المصطلح نشأ أصلا في بريطانيا, التي عانت هي الأخرى هجرة عقولها إلى الولايات المتحدة. المؤلم في هذه الظاهرة أن تمتد لتشمل سعوديين في تخصصات نحن في أمس الحاجة إليها، بدأنا نراهم في الجامعات وفي مراكز الأبحاث وفي المستشفيات الغربية. إنني أتألم عندما أسمع أو ألتقي سعوديين وقد استوطنوا في المهجر رغم حاجتنا الماسة إليهم في هذه المرحلة التي تشهد توسعا كبيرا في مشاريع التعليم العالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي