الطريق إلى مصادر الطاقة المستقبلية
هنالك ارتباط واضح بين الطاقة والنمو الاقتصادي، إذ إن النفط الرخيص يعني تكاليف إنتاجية أدنى. ومعروف أن استهلاك الطاقة يسير وفقا لمنحنى تصاعدي على النطاق العالمي، في الوقت الذي تتفوق فيه معدلات النمو الاقتصادي في الشرق الأدنى، وفي قارة أمريكا اللاتينية على تلك المعدلات السائدة في الدول الصناعية على المدى القصير. وإن مفتاح تحقيق الرخاء الاقتصادي يتمثل في تطوير مصادر طاقة بديلة أرخص من حيث التكلفة، وأكثر استدامةً، بحيث تتوافر لبني البشر موارد وقود بإمكانها أن تحل محل موارد الوقود الأحفوري، ومقاومة بصمة الكربون التي تعمل على إلحاق الأذى بالبيئة التي نعيشها. ودخل المسؤولون التنفيذيون في صناعة الطاقة، وكذلك ممثلو الحكومات، ووزراء الطاقة فيها، في عديد من النقاشات حول كيفية التوصل إلى ذلك أثناء انعقاد جلسات قمة النشاطات العملية الأوروبية التي عقدت في بروكسل خلال الفترة الأخيرة. وتوصّل المشاركون في هذه القمة إلى أن الأمر الأكثر أهمية، والأشد إلحاحا، هو جعل القطاعين العام والخاص يتحركان نحو العمل معا في سبيل التوصل إلى حالة من التوازن بين جهود الحكومات لتوفير ظروف عمل بشروط متساوية لكل الأطراف ذات العلاقة، ومتطلبات النشاطات العملية. ولا بد بعد ذلك من التحرك من أجل إيجاد تلك المقادير من الطاقة التي تكفي لسد حاجات المستقبل دون خسارة الأموال والوقت.
كان من بين من حضروا اجتماع القمة هذا بيتر فوسر، الرئيس التنفيذي لشركة رويال دوتش شل، الذي قال ''سوف نقوم بالاستثمار إذا كانت لدينا هياكل مالية يمكن التنبؤ بها، ونعتقد أنها سوف تكون موجودة لفترة طويلة للغاية''. وقد اتفق معه في وجهة نظره هذه توم ووترز، رئيس شؤون تسويق الغاز والطاقة في شركة إكسون موبيل، الذي قال ''إننا هنا من أجل الاستثمار، وبالتالي فإننا بحاجة إلى اليقين'' حين يتعلق الأمر بالالتزامات طويلة الأجل.
أما ألكساندر ميدفيديف نائب رئيس شركة غازبروم، فيقول إنه سوف تكون هنالك حالات عجز في إمدادات موارد الطاقة، حتى لو استخدمنا جميع الموارد المتاحة لنا في هذا الوقت، ويضيف ''تفيد التقديرات المتحفظة للطلب على الغاز في أوروبا أنه سوف تكون هنالك حاجة إلى 500 مليار متر مكعب من الغاز سنويا بحلول عام 2030. وإذا أضفنا إلى ذلك إنتاج نورث ستريم، وساوت ستريم، ونابوكا، فسوف تظل هنالك فجوة بين العرض والطلب، وبالتالي فإن هنالك حاجة إلى الاستثمار في الوقت الراهن حتى لا يقع أحد في فجوة العجز في المستقبل''.
من المنتظر أن يتمكن الاستثمار، ولا سيما في البنية التحتية، من سد الفجوة بين الطلب والعرض، ولن يحدث ذلك في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية في الوقت الراهن دون حوافز مالية من جانب الحكومات – سواء كان ذلك في شكل مساعدات مباشرة، أم أنه جاء في صورة تخفيضات ضريبية. ويضيف ميدفيديف ''إن السؤال بسيط، وهو: أين هم أولئك السادة المهذبون الذين هم على استعداد لاستثمار مليارات من دولاراتهم، بحيث يحققون عوائد مجدية على استثماراتهم؟ هذا موضوع باعث على التحدي الشديد لأنه إذا لم تتوافر استثمارات كافية في البنى التحتية من خلال الحوافز المالية، فإن تلك البنية التحتية لن تظهر أبدا''.
إن الاستثمار في تطوير البنية التحتية مهم كذلك لتطوير مصادر الطاقة البديلة. ومن أمثلة ذلك زيادة الاستثمار في استخدام الغاز كوقود لوسائل النقل، حيث إنه أكثر صداقة للبيئة. ويقول مسؤولو إكسون موبايل ''إن من الممكن القيام بذلك الآن، حيث إن القضية الأبرز في هذا الشأن هي البنية التحتية، أي كيف يمكنك أن تغيّر كل البنى التحتية القائمة في مجال وقود السيارات في الوقت الراهن لكي تتحول بحيث يتم استخدام الغاز الطبيعي كمصدر لوقود وسائل النقل. وإن الحجم الهائل لذلك يمثل تحديا كبيرا''.
هنالك على صعيد مصادر الطاقة المتجددة كذلك مشكلة ذات علاقة بالحجم، إلى جانب المشكلات المرتبطة بالبنية التحتية، والتكاليف المرتفعة لهذه العملية. ويقول ووترز، من إكسون، ''إن مصدر قلقنا الفعلي بخصوص مصادر الطاقة المتجددة، هو الوقت اللازم لجعلها تغطي واحدا في المائة من استهلاك أسواق الطاقة. وإن التحدي في ذلك ضخم للغاية. ولذلك، يظل من الحيوي المحافظة على نظرة عميقة، وطويل الأجل إزاء المدى الذي يريد المرء أن يبلغه بخصوص ذلك، لأن أي تطور على هذا السبيل يتطلب تكلفة''.
ويقول ميدفيديف من شركة غازبروم ''لن تكون التنمية المستدامة متوافرة إلا إذا توافر لدينا مزيج ملائم من موارد الطاقة في ظل وجود ما يكفي من الاستثمار''. ويرى هذا المسؤول في أكبر شركة عالمية منتجة للغاز، ''أن الغاز هو الحل المجدي، وهو الجواب المثالي، لكل هذه التحديات في صناعة الطاقة، بما في ذلك القضية المتعلقة بانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون. ولا يعني ذلك أنه لا يتوجب علينا إنفاق المال في سبيل تطوير مصادر الطاقة البديلة، لكن علينا أن نعرف أنها تمثل عاملا إضافيا لا يمكنه أن يحل محل مصادر الوقود التقليدية''.
ويرى فوسر، من شركة شل، أن قصب السكر البرازيلي يمكنه أن يكون مصدرا مجديا للوقود، حيث إنه لا يشغل الآن سوى 2 في المائة من مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في البرازيل. وهو يرى أن هنالك فرصا واسعة للغاية للتطور بهذا الاتجاه، والاستفادة من محصول قصب السكر في البرازيل، من خلال العمل على توسيع الأراضي المزروعة به، دون إلحاق أي ضرر بالغابات المطرية، إذ إن أماكن الزراعة في البرازيل تبعد ألفي كيلو متر عن تلك الغابات. ويمكن للوقود المستخرج من هذه النباتات المساهمة في نسبة معقولة من متطلبات مصادر الوقود في أوروبا على نحو مستدام. وهو يرى أن البرازيل بلاد جيدة من حيث إجراء الاختبارات على تطوير مثل هذا المصدر البديل للطاقة. ويؤكد كذلك أن من الضروري التوسع في حجم الإنتاج، وبالذات في توفر كثير من التطورات التقنية، والتحسينات الجارية على أساليب الإنتاج. ومن شأن استخدام هذه التقنيات العمل على تقليص التكاليف في المستقبل.
وهو يؤكد بصفة خاصة أن الأفق الزمني الذي يراه كافيا لتحقيق إنجازات ملموسة في ذلك يزيد على الفترة الزمنية بين 5 – 10 سنوات التي يكثر ترديدها في وسائل الإعلام، غير أنه يقول كذلك ''إن هذا الأمر يجب ألا يدعو إلى تخويفنا وتراجعنا، حيث إن هذه الرحلة طويلة، لكن كلما أسرعنا في البداية، أصبحت الأمور أفضل''.