موريتانيا تستنجد بالنظام المالي الإسلامي لجذب الاستثمارات الأجنبية
تتقدم الصناعة المالية الإسلامية في موريتانيا بخطى كبيرة، ومع ازدياد وتيرتها حول العالم، تزداد قناعة الاقتصاديين الموريتانيين بأهميتها لا سيما في الوقت الحالي، حيث تهتم البلاد بفتح الباب واسعاً أمام الاستثمارات الأجنبية، ويدعو الاقتصاديون هناك إلى ضرورة العمل على إنشاء مزيد من المصارف الإسلامية والترخيص لها لاستقطاب المستثمرين الذين يثقون بهذه المصارف التي نجحت في الآونة الأخيرة في إثبات جدواها في كثير من دول العالم.
ويعتقد أكثر المحللين والاقتصاديين الموريتانيين أن البلاد في حاجة ماسة إلى مزيد من المصارف الإسلامية لإنعاش حركة الاستثمار والسيولة النقدية، ويرى هؤلاء أن المصارف الإسلامية من شأنها أن تعمل على توفير قاعدة آمنة لتحريك الدورة الاقتصادية وتشجيع المستثمرين على العمل في موريتانيا، خاصة أن موريتانيا عانت سابقاً ندرة في السيولة والثقة بالتعامل مع البنوك التقليدية، ويدعو المختصون البنك الوطني الموريتاني إلى فتح الباب واسعاً للمصرفية الإسلامية والترخيص لإنشاء بنوك إسلامية على غرار البنوك الموجودة في العالم الإسلامي، وهو ما سيفتح الباب واسعا أمام الاستثمارات الإسلامية الخارجية، بحسب رأيهم، كما يدعون إلى الرقابة اليومية على العمليات البنكية لتفادي أية خروقات محتملة من طرف هذه البنوك وإلى توفير سيولة كافية من العملات الصعبة لضمان سير العمليات اليومية، وتسهيل إجراءات التحويل بالنسبة للمعاملات التجارية الخارجية، وإنشاء وحدة دراسات اقتصادية مستقلة تتابع ما يجري في الساحة الدولية والوطنية وتزود المسؤولين الماليين بالمعلومات الاقتصادية الضرورية لمواكبة التطورات الحديثة في هذا الميدان.
القضاء على الأساليب التقليدية
يرى هؤلاء أن على البنوك الوطنية ضرورة التهيؤ للمرحلة القادمة التي تستدعي نظاما بنكيا متينا يتمتع بمصداقية كافية تؤهله لاستقطاب الأموال الكبيرة المتدفقة على البلاد، ويرون أنه في هذه الحالة لا بد من القضاء على الأساليب التقليدية في التعامل المالي خاصة مع الأقارب والأصحاب وذوي النفوذ، ولا بد من أن جعل الأسس القانونية أساسا لكل التعاملات، ويلخص المختصون أكبر المشكلات التي تعانيها البنوك الموريتانية في أنها بنوك تكاد تكون قبلية وهو ما يمكن أن يؤثر في أدائها، وأنها ذات رأسمال ضعيف لا يصمد أمام الأزمات الصغيرة، وعدم تمتعها بصلاحيات كافية تمكنها من التعامل مع البنوك الخارجية بحرية لا تضر بالمصالح الوطنية.
نشر ثقافة التمويل الإسلامي
في هذا الإطار يعمل القطاع المالي والاقتصادي الموريتاني على نشر ثقافة التمويل الإسلامي والسماح للبنوك الأجنبية التي تقدم معاملات إسلامية بالتواجد على الساحة المصرفية هناك؛ فمن ناحية وعلى سبيل المثال افتتح مصرف QNB القطري أول فرع له في نواكشوط، حيث من المتوقع أن يقدم الفرع الجديد مجموعة شاملة من المنتجات والخدمات المصرفية لعملائه من الشركات والهيئات الحكومية في موريتانيا تشمل الاستثمار والخزانة وإدارة الثروات والمنتجات والخدمات المصرفية الإسلامية، ومن ناحية أخرى نظم البنك الوطني لموريتانيا أخيرا ندوة دولية تحت عنوان «المؤسسات المالية الإسلامية، واقع وآفاق» بحضور الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ محمد الحسن ولد الددو، حيث أشار رئيس البنك إلى أن البنك الوطني الموريتاني يسعى وبقوة إلى التحول نحو المعاملات الإسلامية والفضل في ذلك يعود إلى التوفيق والقناعة التامة، وأوضح ولد انويكظ أن هذه الجهود أثمرت في افتتاح أول مصرف للمعاملات الإسلامية عام 2008 ثم تبع ذلك افتتاح فرعين آخرين في نواكشوط وانواذيبو، وأضاف رئيس البنك الوطني لموريتانيا خلال الندوة بأنهم اتخذوا القرار بتعميم هذا النهج الإسلامي على جميع فروع البنك بشكل تدريجي وذلك استجابة لتعاليم الدين الحنيف حسب تعبيره، وفي وقت سابق كذلك نظم البنك الوطني الموريتاني ملتقى آخر هدف إلى إدخال «الأدوات المالية الإسلامية» في النظام المالي الموريتاني، وتكييفها لتتوافق مع التأصيل الشرعي السليم، مع التعريف بها وبفوائدها الاقتصادية والاجتماعية، وقدم المشاركون في الملتقى، من خبراء ومختصين في مجال المصارف الإسلامية، عروضاً ومداخلات تمحورت حول تجارب البنوك الإسلامية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وصمودها أمام تداعيات الأزمة المالية العالمية، ومساهمتها الفعلية في تنمية اقتصاديات البلدان التي اعتمدتها في أنظمتها المالية، كما ناقش المشاركون عدداً من القضايا والموضوعات التي تتعلق بمجمل الأدوات والخدمات المالية الإسلامية وإطارها القانوني والشرعي، إلى جانب الطريقة المعتمدة في ظل هذه المصارف في مجال تمويل المشاريع الإنتاجية وغيرها.
نمو غير مسبوق
في هذه الأثناء توقع تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن يشهد الاقتصاد الموريتاني هذه السنة نسبة نمو غير مسبوقة في القارة الإفريقية وهي 9.26 في المائة، وأرجع التقرير أسباب ارتفاع نسب النمو في أكثر من 30 دولة إفريقية أجريت عليها الدراسة، إلى ارتفاع الطلب على المعادن، ووضع الحقول النفطية في نيجيريا والوضع السياسي في آسيا والمرشح أن تظل معه أسعار النفط في ارتفاع مستمر، ويؤكد في هذا السياق خبراء اقتصاد موريتانيون أن نسبة النمو المرتفعة التي سيسجلها الاقتصادي الموريتاني هذه السنة تعود لعائدات النفط، والإصلاحات المالية والإدارية، وكذلك إقبال المستثمرين على مجال التنقيب عن النفط واستخراج المعادن الثمينة كالذهب والنفط.