الحميدي: من المصالح الكبرى للأمة أن يتعرف غير المسلمين على المسلمين

الحميدي: من المصالح الكبرى للأمة أن يتعرف غير المسلمين على المسلمين
الحميدي: من المصالح الكبرى للأمة أن يتعرف غير المسلمين على المسلمين

أكد الدكتور عبد العزيز الحميدي رئيس قسم العقيدة في جامعة أم القرى، أن مصالح الأمة الكبرى مثل قضايا السلم والحرب والعلاقات التي تتعلق عليها مصائر المجتمعات، لا يستقل بها أفراد فهي من أخص مسؤوليات ولي الأمر وهو مطاع وله أن يستشير. مستشهداً بحال النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي كان يستشير في العقود التي فيها المصالح الكبرى للأمة باعتبار مقام إمامته وولايته.
وقال الحميدي في برنامج ''همومنا'' الذي بثته القناة الأولى السعودية أمس :'' العقلاء وأهل العلم كلٌ في تخصصه سواء في مجالس الشورى، أو في لجان تدرس جوانب معينة وتعطيه رأياً ناضجاً فيها، وبالتالي يتبناه أو لا يتبناه، بحسب ما يراه هو أيضاً باستقلاله واجتهاده ونظره في مصالح من يتبعه وما تحت ولايته وعقده ورعايته والذين أعطوه البيعة وثقتهم ليكون إماماً عليهم، فالاستشارة هي من المصالح الكبرى العظيمة فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أنه هو المؤيد بالوحي لكنه كان يستشير''.
وأوضح:'' البخاري ترجم ترجمة مهمة جداً إذ قال في ''كتاب الأحكام '' في أواخر صحيح البخاري عقده لبيان حقوق ولي الأمر الذي انعقدت له البيعة على رعيته وحقوق الرعية عليه، ويستدل بهذه الأحاديث على الإمام دائماً باب أخذ الإمام البيعة من كذا باب السمع والطاعة للأئمة إلى آخر باب، عقد ترجمة قال بابُ استشارة الأئمة أهل العلمِ والأمناء ِ في الأمور الخاصةِ والعامةِ واستشارة أهل الفقه والأخذ برأيهم إذا رأوا ذلك، ثم ذكر بعض مواقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الاستشارة ، كما ذكر مواقف استشارة الصديق رضي الله عنه للصحابة في بعض القضايا، وأيضاً استشارة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذكر النص هكذا حديث عمر المشهور، وكان القراءُ أهلَ مشورةِ عمر ومجالستهِ القراء العقلاء ليس لسن معينة ولكن لما يرى فيهم، لذلك كان يدخل ابن عباس وهو شاب لما أعطاه الله من الفهم في القرآن والعلم مع أشياخ بدر كابن عوف وأمثالهم فبنى على هذا أن الأئمة يستشيرون والحمد لله رب العالمين هذا من التوفيق وفق الله الأئمة في هذا البلد''.
وأضاف:'' يستشير وينظر لأن القضايا الكبرى هذه إذا فاتت فيها مصالح الأمة وتعرضت الأمة فيها لبلاء عظيم إذا كان الإمام لا يرى أنه يستقل بها دون بقية من يستشيرون فيها فهذا من باب أولى لغيره''.

#2#

''الاقتصادية'' من الرياض

بدأ الحميدي الحلقة بقوله أن الشريعة الإسلامية جاءت لتكون صالحة للتطبيق والعمل في كل زمان وفي كل مكان ـــ على حد وصفه. موضحا: ''ختمت النبوة بالنبي محمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ لتبقى هذه الشريعة صالحة للتطبيق، مقدمةً الحلول لكل المستجدات والأمور''.
وأوضح، أن مفهوم البعض لبعض القضايا قد يكون مجتزءا أو مختلا أو ناقصا، التي تتسبب في فهم القضايا الكبرى في جانب من دون جوانب أخرى: ''قضايا الشريعة لا تتناقض ولا تتقابل.. بل تتكامل''.
واستطرد: ''لذلك أذكر أن الشافعي بيَّن أن القضايا الكلية التي تتعلق بمصائر الأمة ومصالحها الكبار لا يستقل نصٌ واحدٌ أو دليلٌ واحدٌ بتأسيسها وفروعها ونتائجها من كل جهة، فمن الخطأ أن تبنى القضية الكلية على دليل جزئي أو فرعي أو واقعة عين أو صغرة حال، دون النظر إلى بقية الاستثناءات وبقية المخصصات وبقية النصوص الأخرى التي تؤصل لأحكام هي لا تقدح في الأصل ولا تلغيه، لكنها تكمله وتبينه وتحقق المصلحة الكبرى للأمة في مجموعها''.

الشرع عمَّم عقد الذمة
وصف قضية الولاء والبراء بـ ''الكبيرة'' والعظيمة: ''وأصل ـــ كما قلنا ـــ من الأصول التي بنيت عليها قضايا الإسلام وعلاقات المسلمين، وأمور الذمة ليست اجتهادية، بمعنى أن الفقهاء ذكروها من عندهم لتحقيق مصلحة وقتية نظروها، إنما هي أمور منصوص عليها ومارسها النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ تطبيقا عمليا ومارسها الخلفاء الراشدون وأئمة المسلمين منذ زمن، وهو ما يسمى بعقد الذمة''.
وأضاف: ''وليس هذا فقط، بل إن الشرع عمَّم عقد الذمة وجعله حقا لكل مسلم يملك أن يعطي ذمته وعهده وتأمينه، الذمة تعني تأمين المسلم لغير المسلم على دمه بالدرجة الأولى، وعلى ماله وعلى عرضه حال دخوله في بلاد المسلمين التي يحكمها المسلمون ويقيمون فيها، وهذا روعي فيه في الجانب الشرعي قضية المصالح الكبرى؛ لأن المسلمين يحتاجون في حكوماتهم وفي أفرادهم وتجاراتهم ومعاشهم الاتصال بالعالم والاتصال بالأمم الأخرى مسلمها وكافرها، بارها وفاجرها ليأخذوا ما يرونه صالحا لهم وما يقيمُ أمورهم وما يؤمّنُ حدودهم وما يراعي مصالحهم التجارية والمالية''.
وأوضح: ''شرع الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ وطبق النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ عمَّم هذا الحكم ''عقد الذمة'' لكل مسلمٍ يستطيع أن يمنحه لكل كافر لتحقيق هذه المصالح الشخصية التي يراها كل مسلم على حدة في شخص نفسه في مصالحه الخاصة''.
وأضاف: ''أما إذا انتقلنا إلى مصالح الأمة الكبار كقضايا السلم مثلا والحرب والعلاقات الكبرى، وهي ما تتعلق عليها مصائر الشعوب ومصائر المجتمعات، فهذه لا يستقل بها أفراد من المسلمين بقدر ما يستقلُ بذمتهم الخاصة في تحقيق مصالحهم الخاصة، وإنما تحتاجُ وتتوقف على قرار الحاكم الشرعي ولي الأمر القائم على هذا المجتمع أو ذلك البلد أو تلك الدولة بما يراهُ محققا لمصالح بلده مؤمّنا لحدوده، مؤمّنا لأفراده ورعاياه التابعين لهُ ليأمنوا على أنفسهم حال تجولهم في الأرض وانطلاقهم لهم، ولا بد من عقود مشتركة، لا بد من عهود متبادلة، لا بد من ذمام مرعية من الطرفين وهذا ما يسمى بعقد الذمة، إذ لولاه لما تمكن المسلمون أن يرحلوا هنا وهناك ويضربوا في مناكب الأرض ويخالطوا غيرهم''.

هذا هو السر
وأشار إلى أن: ''من المصالح الكبرى في الإسلام أن يتعرف غير المسلمين على المسلمين من خلال معاملاتهم وأخلاقهم، والمقصود الأصلي بذلك حفظ دماء المسلمين وأعراضهم وممتلكاتهم بعقد معاملة تقابلية مقابل ما يحفظونه من مصالح الأمم الأخرى الكافرة حال دخولهم وتجولهم والقيام بمصالحهم التجارية في بلدان المسلمين؛ ولذلك هذا هو السر كما نص عليه بعض الأئمة في تعميم هذا العقد، الإمام البخاري نرجع وراء؛ لأنه أصل عظيم، وهذا مهم في أواخر كتاب الجهاد ـــ وأنا أرى هذه حكمة بليغة من الإمام البخاري ـــ لأن الجهاد بمفهومه يعني المتبادر للذهن هو القتال والحرب، وفيه نوع من التصادم ونوع من التقابل مع الأمم الأخرى، في أواخر كتابه ذكر أبواب الجزية والموادعة والمسالمة والمصالحة وعقود الذمة، ليبين أنها تحقق مصالح عظيمة مثل ما يحققه الجهاد وربما في حالاتٍ كثيرةٍ متنوعة أعظم وأكبر''.

الغدر في عقد الذمم
وأكد أن: ''صلح الحديبية، وهو منصوص على أن تقف الحرب وقوفا تاما مع المشركين من قريش وغيرهم أكثر من عشر سنوات، وتكون بين الجميع كما قال النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ عيبة مكفوفة ومعنى ''عيبةٌ مكفوفة'' صدورٌ سليمة وعهودٌ مراعاة وذمامٌ مصانة، فلا يمكن للمقابل الكافر أن يرعى عهدك وذمتك إذا كان بعض أفرادك وبعض المنتسبين لك وبعض الداخلين تحت ولايتك يغدرون بها، وبالتالي تقع مفاسد عظيمة فنتج من هذا الصلح ـــ كما نص عليه محمد بن شهاب الزهري ـــ يقول: دخل في الإسلام في تلكما السنتين اللتين أعقبتا صلح الحديبية قبيل فتح مكة، أكثر مما دخل الإسلام خلال المرحلة السابقة كلها من هجرة النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ التي فيها الصراع وفيها القتال وفيها بدر وأحد والأحزاب، وغيرها على جلالة قدر هذه المشاهد وعظيم مقامها، وابن هشام صاحب السيرة علق على كلمة الزهري بتعليق جميل قال: ''لقد أحصيت ونظرت فيما قاله الزهري فوجدت أن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ عندما عقد صلح الحديبية لم يكن معه إلا 1400 رجل، ولما قدم إلى فتح مكة كان معه عشرة آلاف رجل، وتضاعف هذا الرقم خلال سنة وبضعة أشهر أضعافا كثيرة؛ لأن ـــ كما قال ابن القيم في الزاد أيضا ـــ اختلط المسلمون بالمشركين والمشركون بالمسلمين وساح الجميع في ديار بعضهم وأرض بعضهم وعرف كثير من المشركين حقائق الإسلام وأخلاق المسلمين التي من أعظمها وفاؤهم بذمتهم وذمة إمامهم ونبيهم ـــ عليه الصلاة والسلام''.
وأضاف: ''مع أن ظاهر الشروط صلح الحديبية كان فيها ضيم وحنق وأغضبت كثيرا من الصحابة؛ لأنهم وجدوا فيها ضيما عليهم؛ ومع ذلك لما خضعوا لأمر النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وما رعاه من المصلحة واتباع لأمر الله نتج من ذلك خيرٌ كثير للجميع، وأي خير أعظم من أن يدخل هذا الكم العظيم في الإسلام، وكثير من الشخصيات والأسماء العظيمة اللامعة التي لها أثر بعد ذلك عظيم في الإسلام كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ابن عم النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وغيرهم كثير أسلموا في تلك الفترة؛ مما نتج عنه أن استفاد منه المسلمون بعد ذلك، كما نعرف في الفتوحات وفي غيرها من الأمور''.
وأوضح: ''فتحققت مصلحة عظيمة مع أنها كانت في البداية عند رأي الأتباع عمر ومن ورائه أن فيها ضيما؛ ولذلك عمر يقول لما رأى المسلمين ''أعجبت من جرأة أهل النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ واعتراضي عليه لما قلت له أليس هؤلاء مشركين، أليس إنّا مسلمون، أليس قتلانا في الجنة؟''.. فهو يريد أن تستمر عملية المقابلة والمقاتلة كما هي عليه ليقع الحسم عسكريا، فبين له النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أن المصلحة في هذا الصلح أنت تراه الآن فيه ضيم وفيه إعطاء دنية كما نص عمر عليه فعلى ما نعطي الدنية في ديننا سينتج عنه خيرٌ كثير''.
وذكر أنه : ''عند نزول سورة (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) يظن كثير من الناس أنها في فتح مكة، بل هي في صلح الحديبية نزلت والنبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ راجع من الحديبية إلى المدينة، وقد صد عن البيت ولم يستطع الدخول لا هو ولا أصحابه، وكانوا محرمين فأحلوا أحرامهم بالحديبية وأرجع لهم أبا جندل لما جاء وهو مأسور معذب فأرجعه لهم وهذا الذي أحفظت كثير من الصحابة في الطريق نزلت عليه (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) فسماه الله فتحا؛ لأنه قال في نفس السورة فعلم يعني الله ـــ جل وعلا ـــ ما لم تعلموا من المصالح الكبار فجعل من دون ذلك فتحاً قريبا''.
وأضاف: ''وصحابي آخر اسمه سهيل سهل بن حُنيف ـــ رضي الله عنه ـــ يقول يخاطب الأتباع ويخاطب المسلمين ويخاطبنا إلى هذا الوقت، يقول اتهموا آراءكم على الدين والمصالح اتهموا الرأي على الدين، وهذه قالها سهل بن حنيف؛ لأنه لما وقعت حروب الفتنة بعد ذلك أيام علي بن أبي طالب كصفين وغيرها شارك في بعضها ورأى النتائج طبعا قتال فتنة بين المسلمين ستكون نتائجه على كل حال مهما اجتهدت في تصويبها، وهذا ستكون نتائجها غير ما تتمنى وغير ما تتوقع، فلما رجع إلى العراق استقبله كبار التابعين ـ والنص في البخاري حديث في البخاري ـ ويروي القصة التابعي المشهور أبو وائل شقيق أبو سلمة، يقول: ''استقبلنا سهل بن حنيف وهو عائد من صفين فأتيناه فقلنا له كيف تركت الناس؟.. قال: اتهموا رأيكم على الدين'' اتهموا الرأي قد تفرضه ظروف معينة وتؤثر فيه ربما الأهوال، ربما المصالح الوقتية الظنية الضيقة فتلتغي في مقابلها المصالح الكبار، ثم تتبين الكارثة بعد وقوع المشكلة يقول: ''اتهموا رأيكم فلو رأيتني يوم أبي جندل لما أرجع النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أسيرا مسلما معذبا إلى المشركين ليواصلوا تعذيبهم لو رأيتني يوم أبي جندل ولو استطعتم أن أرد على النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أمره لفعلت لما رأيت أن هذا فيه دنية وفيه ضعف كيف نسلم أسرانا المسلمين لهم، وقد جاؤوا معذبين ليواصلوا فتنتهم وتعذيبهم''، ثم قال: ''وما وضعنا سيوفنا على عواتقنا ـــ أي في الحروب التي سبقت الصلح ـــ لأمر يفظعنا إلا أسهلنا بنا إلى أمر نعرفه إلا هذا الأمر''، لما جاءت المصالح الضيقة وقتال الفتنة ما نسد منه خُصماً أي جهةً إلا انفتح لنا منه خُصم، لا ندري كيف نأتي له وسبب ذلك كثرة الآراء ما اجتمعوا على إمامهم كعلي بن أبي طالب افترقوا فمنهم من تبع هذا ومنهم من تبع هذا، ففتح باب شر كثير فاتسع ـــ كما يقال ـــ الخرق على الراقع، فنتج منه أن السيوف كفت عن الكفار ورجعت إلى المسلمين''.

الأكثر قراءة