الاقتصاد الإسلامي لا يتعصب للفرد على حساب الدولة ولا يتحمس للجماعة على حساب الفرد
أكد الدكتور مصطفى العبد الله الكفري أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق أن الاقتصاد الإسلامي يقوم على أساس معتدل فلا يتعصب للفرد على حساب الدولة ولا يتحمس للجماعة على حساب الفرد. فهو يحاول أن يوفق بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة. وهذا الرأي التوظيفي لا يبتعد كثيراً عن رأي بعض الاقتصاديين الجدد في المدرسة الكلاسيكية الجديدة في كل من إنجلترا والدول الإسكندنافية، فالفرد هو محور النشاط الاقتصادي كله إلا أن الدولة هي التي ترسم للفرد الإطار الذي يتحرك داخله والذي لا يجوز أن يتعدى حدوده حرصاً منها على مصلحة المجتمع في مجموعه وحتى لا يختل التوازن بين مصلحة الفرد في فرديته وحريته ومصلحة المجموع.
ويؤكد الكفري أن الاقتصاد الإسلامي يوفق بين العنصرين أو الشطرين اللذين يتكون منهما الإنسان وهما المادة والروح. والتعاليم الإسلامية تعطي المادة حقها من الرعاية والاهتمام وتدعو إلى العمل والإنتاج وتحقيق الكسب، كما تعطي الروح ما تستحقه من الرعاية والعناية، فيدعو إلى مكارم الأخلاق وبذلك نجد أنها توفق بين مطالب الحياة ومطالب الآخرة.
كما أن مسؤولية الدولة في الإسلام تحقيق الضمان الاجتماعي في المجتمع. (فالمجتمع لا يخلو من فقراء وأغنياء، وقد حاول التشريع الإسلامي أن يسد حاجة الفقراء بجميع أنواعهم، فشرع لذلك النظم الكفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة المرضية في المجتمع وهي الفقر).
وبحسب الكفري، إن الدولة الإسلامية مسؤولة مسؤولية كلية عن الفقراء والأرامل والعجزة وغيرهم ممن لا يقدرون على كفاية أنفسهم، ويحق لكل فقير أن يطالب الدولة بالإنفاق عليه إذا لم يكن هناك من ينفق عليه. وهذه المسؤولية تجعل الدولة مسؤولة عن جميع أفراد المجتمع، لأن الإسلام لا يعترف بمشكلة الفقر كأمر واقع، لذلك أوجد لها الحلول الكفيلة بالقضاء عليها. والتاريخ الإسلامي يؤكد أن الدولة الإسلامية كانت تنفق من بيت مال المسلمين على الفقراء والعجزة والأرامل وغيرهم.
ويستنتج الكفري أن ما تقدم يشير إلى أن العلاقة في المجتمع الإسلامي بين الفرد والدولة والحاكم تتم من خلال كون الفرد هو المالك لجميع الأموال، وهو صاحب الحق فيها، والدولة هي التي تسهر على سعادة هذا الفرد وأمنه واستقراره، والحاكم هو الشخص الذي يقوم بحماية الفرد وخدمته، دون أن تكون له أية ميزة مادية أو معنوية عن بقية الناس.
ويلخص الكفري أهم الخصائص المميزة للاقتصاد الإسلامي وفقاً لما يلي:
المال بمختلف أنواعه ملك لله، والإنسان مستخلف على هذه النعم بتسخيرها له ولخدمته.
الإنسان يجب أن يتصرف بالمال وفق إرادة المالك الحقيقي، “الله” ولا بد من تنفيذ ما أمر به لتحقيق النظام.
إن الله سبحانه وتعالى يطلب من عباده إنفاق المال في منفعة تعود على خلقه واقتصادهم.
يوفق الاقتصاد الإسلامي بين المادة والروح، من خلال ارتباط الاقتصاد بالأخلاق والثقة والاطمئنان والتعاون في التعامل والتبادل.
التوازن في رعاية المصلحة الاقتصادية للفرد والجماعة.
الاعتدال والتوسط في الإنفاق والنهي عن الإسراف والتبذير.
الإسلام يحرم اكتناز الأموال، ويطالب بتوجيه المال للاستثمار ويعد حبس المال واكتنازه جريمة نكراء نستوجب أشد العقاب.
للنقود وظيفة مهمة في الاقتصاد وهي تيسير المعاملات وتحريك الطاقات.
وللمذهب الاقتصادي في الإسلام صفتان أساسيتان هما: الواقعية والأخلاقية.
الواقعية: هي اقتصاد واقعي في غايته لأنه يستهدف في أنظمته وقوانينه الغايات التي تنسجم مع واقع الإنسانية، بطبيعتها وخصائصها العامة، ويقيم مخططه الاقتصادي دائماً على أسس النظرة الواقعية للإنسان، ويتوخى الغايات الواقعية التي تتفق مع تلك النظرة.
الأخلاقية: حيث نجد أن الإسلام لا يهتم بالجانب الموضوعي فقط، وهو تحقيق الغايات، وإنما يهتم أيضاً بالعامل النفسي والطوعية لاتباع الطريق التي تتحقق بوساطتها الأهداف.
وبذلك يمزج النظام الإسلامي بين العامل النفسي والذاتي بالطريق التي تحقق الغايات المرجوة. لذلك جعل الإسلام من الفرائض المالية “الزكاة مثلاً” عبادات شرعية، يجب أن تنبع عن دافع نفسي نيّر، يدفع الإنسان إلى المساهمة في تحقيق غايات الاقتصاد الإسلامي، بشكل واع مقصود، طلباً لرضا الله تعالى والقرب منه.
ويوضح الكفري أن الأخلاق الاقتصادية لم تكن في العالم الإسلامي إلا مجموعة مثالية، وإذا ما رجع المفكر أو الفقيه لإثباتها كأصول لمنظومة التفكير الاقتصادي، فإن هذا لا يعني مطلقاً أنها أخلاق اقتصادية معمول بها. (ولا ننسى أن الفقه في هذا الميدان الاقتصادي على الخصوص، سلك في تشريعاته الموقف الوسط بين المثالية المتجلية في الأصول، والواقع الحي الذي يتجلى في المعاملات كثيرة التطور في مختلف الأزمنة والمجتمعات. فليس الفقه امتداداً حتمياً أو صورة أمينة للحياة التي يعيشها الناس. فالنظريات الاقتصادية تعد من هنا. وخصوصاً في مظهرها الأخلاقي والأصولي مفارقة بعض المفارقة للواقع الحي).