الصين.. الاقتصادالسري ينهـي مرحلة احتكارالدولة لرأس المال
كشفت الدراسات عن وجود تحولات اجتماعية سياسية واقتصادية في غالبية دول العالم خاصة بعد ازدياد حالات الفقر والبطالة وتفشي المخدرات والإيدز وانتشار الربا وانعدام الأمن الاقتصادي والاجتماعي، ما دفع البعض للاقتراب من النظرية الإسلامية بمختلف أبعادها، وما دفع الفاتيكان لأخذ الإيجابيات في النظرية الاقتصادية الإسلامية، والسماح لمجتمعات غربية باستحداث تشريعات تسمح بممارسة النشاط الاقتصادي الإسلامي على أراضيها رغم أن هذه المناشط ليست ذات علاقة رئيسة بالنظرية الإسلامية.
وتأكيدا لما تقدم تشير الدراسات إلى أن هناك بوادر تراجع لمكانة الشيوعية في الصين وإعادة نظر في فكرتها الاقتصادية القائمة على تملك الدولة، لأن التملك فطري في الإنسان، وعندما تقول النظرية الماركسية بملكية الدولة لوسائل الإنتاج وتجعل الإنسان كأنه آلة وتنفي غريزة التملك، فمعنى ذلك أن حافز العمل يضعف بالنسبة له ولا يعد لديه ما يشجعه ويحفزه للقيام بالأعمال الإنتاجية، وعندما سمح الاتحاد السوفييتي في عقد الستينيات من القرن الماضي بالتملك الجزئي واستغلال محيط المنزل، كان إنتاجها الزراعي أكثر من المشاريع الجماعية. والأصل في الطبيعة الإنسانية والاقتصادية الوسطية، فلا ملكية فردية مفرطة ولا ملكية جماعية تستثني ملكية الأفراد. والنظام الاقتصادي الإسلامي وسطي يجمع بين الملكية الفردية التي تأتي عن طريق مبادئ الدين الحنيف والملكية الجماعية في بعض المشاريع التي فيها مصلحة الجماعة.
ونلاحظ في الصين كم يشكل الدخل المستتر من الناتج المحلي في البلاد. لأن العائلات تخفي ما يصل إلى 9.3 تريليون رنمينبي يحصلون عليها في صورة دخل داخلي، ولا يتم تسجيلها في سجلات رسمية، ويصل نصيب المواطنين الأكثر ثراء من ذلك إلى نحو 80 في المائة من إجمالي الدخل المستتر، حسب ما كشفت عنه إحدى الدراسات.
وأشارت الدراسة التي أجراها مصرف كريديه سويس ونشرتها مؤسسة «الإصلاح الصينية» إلى أن هذا المبلغ الذي يساوي 1.4 تريليون دولار، ويحتمل أن يكون مقدار كبير منه بصورة «غير قانونية أو شبه مشروعة»، يساوي نحو 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وتشير الدراسة إلى أن متوسط دخل الأسرة الحضرية داخل الصين يبلغ 32.154 رنمينبي سنويا أو أكثر مما تورده الإحصاءات الرسمية بمقدار 90 في المائة.
ويذهب معظم هذا الدخل المستتر الإضافي إلى العائلات الأكثر ثراء. وتحصل أعلى 10 في المائة من الأسر الصينية على 139 ألف رنمينبي في العام، وهو أكثر بمقدار ثلاثة أضعاف ما يرد في الإحصاءات الرسمية، وفقا لما أظهرته دراسة “كريديه سويس”. وفي المقابل، تحصل أقل 10 في المائة من الأسر على 5350 رنمينبي، أو أعلى بنسبة 13 في المائة عما تظهره الإحصاءات الرسمية. وتمثل ما لدى أعلى 20 في المائة من الأسر 81.3 في المائة من إجمالي الدخل المستتر، بحسب دراسة صاغها وانغ شياو لو، وهو يعمل لدى المؤسسة التي تتخذ من بكين مقرا لها.
وتظهر النتائج أن فجوة الثروة بين الأغنياء والفقراء داخل الصين، هي من أوسع الفجوات عالميا، أكبر مما تظهره الأرقام الرسمية. ويعد تقليل الفوارق في الداخل هدفا كبيرا للرئيس هو جين تاو ورئيس الوزراء ون جيا باو، حيث يريدان تجنب اضطراب اجتماعي يمكن أن يهدد الحكم الشيوعي القائم منذ ستة عقود. ويأتي الدخل غير الواضح من مصادر كثيرة، من بينها هدايا إلى مسؤولين في حفلات الزفاف وأرباح من عمليات بيع أراض وعمولات من مشاريع تعمير ومدفوعات من سلع تحتكرها الدولة مثل قطاع التبغ، حسب ما أظهرته الدراسة.
وكتب وانغ في خلاصة الدراسة: “بمجرد أن يتوحد نفوذ الحكومة مع رأس المال، يبدأ استبدال التنافس الحر لاقتصاد السوق باحتكارات رأسمالية ويؤدي ذلك إلى تفاوت في توزيع الدخل والعقارات وكفاءة اقتصادية أقل ونزاع اجتماعي حاد”.