الأتراك على موعد مع الاستفتاء في الذكرى الثلاثين لانقلاب العسكر!

يتوجه غدا ما يقارب 50 مليون تركي إلى صناديق الاقتراع للتصويت بنعم أو لا على الإصلاحات الدستورية التي تقدم بها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والتي أقرها البرلمان التركي ولكنها بقيت في حاجة إلى استفتاء شعبي عام يحسم مستقبل تلك التعديلات.
ويتزامن موعد الاستفتاء المقرر في 12 أيلول (سبتمبر) مع الذكر الثلاثين للانقلاب الذي نفذه الجيش على الحكومة التركية عام 1980، الذي أهدى للجيش صلاحيات أوسع فيما يخص الحياة المدنية، وحماية فائقة لأفراده حتى في حالات ثبوت ضلوع بعضهم في محاولات انقلاب على الحكم.
فانقلاب 1980 أحدث تأثيرا عميقا وممتدا في السياسية التركية لأنه عزز من قبضة العسكر على العملية السياسية في تركيا بعد محاولته شرعنة تلك القبضة عبر دستور عام 1982، الذي تم وضعه تحت إشراف جنرالات الجيش. حيث تولى قائد الانقلاب كنعان أيفرين منصب رئيس الجمهورية لمدة سبع سنوات بعد أن صاغ دستورا ما زال يلقي بظلال من الغيوم على الحياة السياسية التركية حتى يومنا هذا. ومع أن الدساتير وكذلك النظام الداخلي للجيش يمنعان العسكر من التدخل في السياسة بل ويضعان عقوبات رادعة ضد المخالفين، إلا أن شيئًا من هذا لا يطبق عمليًا؛ لأن قادة الجيش يزعمون أن الدستور قد أوكل إليهم مهمة الدفاع عن الأمن الخارجي والداخلي للبلاد، ويشيرون إلى فقرة في الدستور تحمل هذا المعنى.
ونتيجة لتلك الفقرات التي يستند إليها العسكر في تبرير بسط سيطرتهم ونفوذهم على الحياة السياسية في تركيا. التعديل الذي دعا إليه الحزب الحاكم «حزب العدالة والتنمية « جزئى ويطول 26 مادة من مواد الدستور، الأبرز بينها والأكثر إثارة للجدل تلك المتعلقة بتغيير بنية المحكمة الدستورية وزيادة أعضائها وطريقة انتخابهم وإعادة هيكلة بنية المجلس الأعلى للقضاة، وفتح الطريق أمام محاكمة العسكريين أمام المحاكم المدنية وأخرى تتعلق بقانون الأحزاب والقوانين التي تنظم عمل النقابات والجمعيات وحقوق العاملين وموظفي القطاع العام.
فإذا ما نجح الاستفتاء في نيل أصوات الأكثرية المطلقة من الأتراك، أي فوق الـ 50 في المائة، فإن تركيا ستكون أمام مرحلة جديدة، ويمكن عندها للبرلمان أن يشرّع ويعدّل القوانين والدستور عندما يرى ضرورة لذلك، من دون أن تبطل المحكمة الدستورية من دون وجه حق هذه التعديلات وبإمكان العدالة أن تأخذ مجراها بعيدا عن مزاجية مجلس القضاء الأعلى أو القضاء العسكري.
لكن الإصلاحات إن نجحت فلن تكون نهاية المطاف بل ستكون الخطوة الأهم وربما الأخيرة قبل إعداد دستور جديد يغطي كل الثغرات التي لا تزال موجودة على كل المستويات.
وإذا كانت إصلاحات 12 أيلول (سبتمبر) على درجة كبيرة من الأهمية، فإنها غير كافية بعد لتكون تركيا بلدا نموذجا للديمقراطية والحريات واحترام حقوق الإنسان. إن مشكلات كثيرة تضغط على النظام وعلى استقرار المجتمع ولحمته وفي مقدمها المشكلة الكردية ومطالب الأكراد الدستورية والثقافية وحتى السياسية، ومشكلة الأقليات الدينية والمذهبية التي يحق لها في بلد يقول بالعلمانية أن تكون على قدم المساواة في كل شيء مع الأكثرية.
ولا شك أن حزب العدالة والتنمية سيكون مرتاحاً إذا نال الاستفتاء أكثرية معقولة، أي بما يتجاوز 55 في المائة. وفي حال تدني التأييد عن هذه النسبة فإن رجب طيب أردوغان لن يكون مرتاحاً كثيراً وقد يلجأ إلى مبادرات لاستعادة ثقة الناخب بشكل أكبر بحكومته.
أما إذا أخفقت الإصلاحات في نيل ثقة الناخبين فإن أردوغان سيكون أمام ضغط شديد لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، لأن التصويت في النهاية وفقا لما هو جار هو على بقاء أردوغان في السلطة أم لا، وليس على الإصلاحات.
ويدافع الحزب «العدالة والتنمية الحاكم « ومعه أحزاب أخرى ذات ميول إسلامية عن هذه التعديلات التي يعتقد حزب العدالة أنها تفتح الأبواب لمرحلة جديدة، وتصحح مسار البلاد نحو مزيد من الديمقراطية والشفافية والمساءلة وإخراج تركيا من سلطة القضاء والعسكر وتقربها من المعايير الأوروبية، أما في الطرف الآخر، فتقف الأحزاب العلمانية والقومية واليسارية في جبهة رفض لهذه التعديلات، وترى فيها تكريسا لهيمنة حزب العدالة والتنمية ومحاولة لمعاقبة المؤسسة القضائية التي وقفت في كثير من الأحيان في مواجهة الحزب الحاكم، وبين هذا الموقف وذلك يبرز موقف الأكراد الذي سيقاطع الاستفتاء فهم يرون أن التعديلات الدستورية لا تلامس حتى الحد الأدنى من مطالبهم.
وعلى الرغم من أن الاستفتاء هو فقط للتصويت على التعديلات، إلا أن الحملات الانتخابية للأحزاب تجاوزت قضية التعديلات، فالجدل يطول كل مشكلات تركيا بدءا بالوضع الاقتصادي مرورا بمشكلة الحجاب ووصولا إلى القضية الكردية والهدنة التي أعلن عنها حزب العمال الكردستاني من جانب واحد، وعما إذا كانت الحكومة قد أجرت اتصالات مع الزعيم الكردي المسجون في تركيا عبد الله أوجلان أم لا. هذا الوضع حول المشهد في تركيا وكأن ما يجرى هو انتخابات عامة وليس استفتاء وزاد من حدة اللهجة التي يتحدث بها زعماء الأحزاب في المهرجانات الشعبية العامة وعمق حالة الانقسام الحاصلة بين الإسلاميين والعلمانيين في تركيا.
هذا الانقسام تظهره استطلاعات الرأي العام التي تبين نتائجها فارقا ملحوظا لمصلحة المؤيدين في مواجهة المعارضين، إذ تشير نتائج استطلاعات الرأي العام، أن نسبة المؤيدين للتعديلات تراوح بين 55 و58 في المائة. وأحدث الاستطلاعات أجرته مؤسسة A&G التركية يقول إن الفارق بين «لا» و»نعم» سيكون ضئيلاً للغاية، بما لا يتجاوز 1 في المائة لمصلحة «نعم». وأياً كانت نتيجة الاستفتاء، فإنها لن تكون نهاية التاريخ بالنسبة لتركيا؛ بل ستكون في أي من الاحتمالين بداية لمرحلة جديدة للخروج من أسر القيود الموجودة في الدستور الحالي. فلا أحد في تركيا اليوم بات يحب هذا الدستور، ولكنْ كلٌّ يريد تغييره حسب رؤيته الخاصة.
الذين سيقولون «لا»؛ تشير حملاتهم الدعائية إلى أنهم يعترضون على التعديلات فقط لأن حزب العدالة والتنمية هو صاحبها. ولا يتحدث هؤلاء المعترضون عن أسباب وجيهة لتبرير وجهة نظرهم. الإعلانات الدعائية لحملتهم قليلة الانتشار في شوارع إسطنبول وأنقرة وأزمير وغيرها من المدن الأخرى. وغالباً ما تقتصر على حمل صورة زعيم أحد أحزاب المعارضة، واسم الحزب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي