آن الأوان للاستفادة من الزراعة المنزلية .. تجاريا

آن الأوان للاستفادة من الزراعة المنزلية .. تجاريا

حثت دراسة اقتصادية حديثة الجهات ذات الاختصاص على تذليل العقبات أمام الأفراد لاستزراع أفنية المنازل وإقامة بيوت محمية، أو زراعة النخيل.
وأكدت الدراسة التي أجراها حسان الوطبان رئيس مكتب آدم للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أهمية الحوافز المالية التي تساعد على تشجيع الشباب السعودي وربات البيوت والمسنين من المتقاعدين من أجل الإقدام على الزراعة المنزلية.
وأوصت الدراسة الجهات المختصة بمساعدة المواطنين في تسويق منتجاتهم، سواء من التمر أو من الخضار والفاكهة التي تتم زراعتها، فيما إذا أراد المواطنون استغلال الموضوع تجاريا.
وطالبت الدراسة بأن تكون الحكومة ''قدوة للأفراد'' في تطبيق مشروع الزراعة بنظام البيوت المحمية في المؤسسات والهيئات الحكومية، كالمدارس والجامعات.
وفيما يلي مجمل ما ورد في الدراسة:

إن الزراعة المنزلية يمكن أن تسهم في الحد من انتشار ظاهرة البطالة، سواء على مستوى ربات البيوت أو الشباب وكل أفراد الأسرة، بفضل هذه المشروعات يتحول عنصر الإنتاج البشري غير المنتج في المجتمع إلى عناصر إنتاج فاعلة ومهمة في العملية الإنتاجية، حيث تتاح الفرصة لهم من خلال استغلال أوقاتهم في مشروعات مفيدة ونافعة، الأمر الذي يعود عليهم في النهاية بعديد من الفوائد الاقتصادية، فناتج المحصول الذي تتم زراعته في المنزل يوفر على الأسرة شراء بعض المحاصيل التي كانت تشتريها قبل الزراعة، وأما المبلغ الفائض الناتج من الزراعة المنزلية سيتم توجيهه لشراء احتياجات أخرى، الأمر الذي ينتج عنه ارتفاع في القدرة الشرائية للأسرة والمساهمة في تحسين دخل الفرد والأسرة.
ويلعب مشروع الزراعة المنزلية دورا مهما في التأثير في أسعار ونوعية المحاصيل الزراعية لدى التجار وأصحاب المزارع التي تقوم بإنتاجها، حيث إنه من المعلوم أن ارتفاع حجم العرض من سلعة معينة يؤدي إلى انخفاض أسعارها، وبالتالي عندما يرتفع حجم العرض من الخضراوات والفواكه المزروعة في المنازل بدورها ستعمل على تخفيض أسعار المحاصيل الموجودة في الأسواق، كما أن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع في حدة المنافسة بين المزارع المنزلي والمزارع التقليدي، عندما يرى الأخير تفوق جودة المحاصيل التي تزرع بالمنزل، عندها سيضطر المزارعون إلى تحسين محاصيلهم، أو على أقل تقدير يخفضون الأسعار، الأمر الذي يصب في النهاية في مصلحة المستهلك.
وأيضا من الفوائد الاقتصادية للمشروع، الإسهام في الحد من الفقر بين أفراد المجتمع الخليجي، وتنويع القاعدة الاقتصادية وزيادة في الناتج المحلي، وأيضا العمل على تعميق مفهوم العمل الحر لدى المواطن، والأهم من ذلك مشاركة الفرد الخليجي في بناء المجتمع والاقتصاد الوطني لبلاده.

الجانب الاجتماعي
المشروعات الزراعية المقترحة لها فوائد عديدة، منها على سبيل المثال تشجيع الروابط الاجتماعية بين الأفراد في المجتمع، فتعاون سكان الحي الواحد في الزراعة وتبادل المحاصيل المنتجة يؤدي إلى ترابط السكان، والتآزر في حل مشكلاتهم، كما تؤدي إمكانية قيام أي شخص بعملية إنتاج المحاصيل التي يحتاج إليها إلى مزيد من الثقة بالنفس وخصوصاً بالنسبة لكبار السن من أرباب المعاشات.
ومن أهم فوائد مشروع الزراعة المنزلية ترسيخ أهمية العمل كقيمة في حد ذاته ـــ مع الأسف الشديد يشيع في المجتمعات الخليجية اعتقاد مفاده أنها شعوب لا تعمل ـــ ولا يقبل الشباب بالمهن التي ربما تدر دخلا جيدا إذا كانت في مجال المهن اليدوية أو المهن ذات الطابع التجاري والخدمي، ولكن مشروع دراسة الزراعة المنزلية ستظهر أهميته في تغيير ثقافة العمل لدى الشباب في دول الخليج العربي، وإن العمل مهما صغر وقل حجمه، فإنه يعد قيمة في حد ذاته.
إن من متطلبات زرع ثقافة العمل لدى الشباب؛ التأكيد على أن العمل عبادة وأن أي مهنة محترمة ومصانة ولصاحبها كل التوقير والإجلال ما دامت تمنعه من الذلة والسؤال ومد اليد، لذلك فإن مشروع الزراعة المنزلية يساعد على ترسيخ تلك القيم وتغذيتها، الأمر الذي يساعد على تنشئة جيل جديد يحب العمل لذاته مهما كان نوعه.
الجانب البيئي
لا يقتصر الأمر على الفوائد الاقتصادية والاجتماعية حيث يوجد عديد من المزايا البيئية التي لا يمكن إغفالها، حتى أن عديدا من الخبراء والمختصين يعتقدون أن مثل هذه المشروعات لو اقتصرت على الفوائد البيئية لكان ذلك سبباً كافيا لأهميتها.
تعتبر الزراعة المنزلية من الأنشطة الاقتصادية الموثقة للمنتج الزراعي الذي لم يستعين بمياه المجاري أو استعمال مياه المجاري غير المعالجه أو استعمال المبيدات الحشرية، حيث كان لاستخدام المبيدات الحشرية أثر سيئ في صحة الإنسان نتيجة تناول المنتجات الزراعية الملوثة بالمبيدات السامة، ففي عام 1982 حدث تسمم من مبيد فسفوري في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، قبل اتحاد اليمن، إثر تناول أوراق القات الملوثة بالمبيد، كذلك حدث تسمم في المملكة العربية السعودية عام 1975 م نتيجة تصنيع الخبز من دقيق مستورد وملوث بمبيد الأندرين.
ومن أهم المنافع التي تحققها مثل هذه المشروعات، الحفاظ على البيئة من حيث تنقية هواء المدن من الملوثات، حيث إن النبات الأخضر يعد المرشح الأكبر؛ لها فقد ثبت علميا أن كل 1 متر مربع من المسطح الأخضر له القدرة على إزالة 100 جرام من ملوثات الهواء في كل عام، كما أنه يقلل من نسبة ثاني أكسيد الكربون الموجود في هواء المدن، وذلك من خلال استهلاكه في عملية البناء الضوئي التي تقوم بها النباتات والتي ينتج عنها الثمار المختلفة.

زراعة النخيل وبناء البيوت المحمية في أفنية المنازل .. السعودية نموذجاً
سيتم هنا عرض دراستين: الأولى ''زراعة نخلة في كل منزل''، والثانية ''تركيب بيوت محمية في أفنية المنازل''، حيث نراها من أهم المشروعات دلالة على تحقيق الأمن الغذائي، والأكثر ملاءمة لبيئة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي وبعض الدول العربية، إلا أن هذا لا يعني أننا سنحصر دراستنا على بيئة الخليج العربي، بحيث لا يمكن الانتقال بها إلى خارج حدود بيئة دول الخليج العربي، لأن بعض الدول العربية وبالتحديد دول البحر الأبيض المتوسط تستطيع زراعة الأشجار المثمرة والملائمة لبيئتها وتعطي أمناً غذائياً مساوياً لقيمة نباتات النخيل الملائمة لبيئة دول الخليج العربي، مثلاً ثمار الزيتون والحمضيات، وإن ما على القارئ أو المواطن العربي أو المختصين لدى دول بحر الأبيض المتوسط أن يختاروا النباتات الملائمة لبيئتهم ومن ثم الأخذ بنصائح الدراسة المطروحة في هذا الباب التي ـــ إن شاء الله ـــ ستكون لهم عوناً في تحقيق جزء كبير من الأمن الغذائي.

البرنامج الأول:
نخلة في كل منزل
يمكن أن نلاحظ أن كثيرا من المنازل تتضمن عددا من نباتات النخيل، ولكن هل كل حديقة منزل من منازل المملكة أو دول الخليج العربي تحتوي على نخلة؟ وكم من منزل تخلو أفنيته من نبات النخل؟
من هذه الخطوة جاءت فكرة ضرورة زراعة النخل في أفنية المنازل، أقلها نخلة واحدة وأكثر من ذلك اعتمادا على مساحة فناء المنزل.

جدوى زراعة نخلة
في كل منزل
لا شك مشروع زراعة النخل في أفنية المنازل يعد من المشروعات الناجحة، فقد وصل عدد المساكن في المملكة العربية السعودية (كنموذج) عام 1425هـ نحو 4.2 مليون مسكن، وذلك حسب مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، ومن المتوقع أن يبلغ عدد هذه المساكن ما يقرب من خمسة ملايين مسكن بنهاية عام 2012م، ولو تمت زراعة نخلة واحدة مقابل نصف أعداد المساكن فقط خلال فترة خمس سنوات، لأصبح لدينا نحو 2.5 مليون نخلة، أي ما يقرب من ربع عدد أشجار النخيل المثمرة في المملكة كلها، وذلك حسب إحصائيات عام 2006م حيث بلغ عدد الأشجار المثمرة من النخيل في المملكة نحو 11.43 مليون نخلة أنتجت نحو 977 ألف طن، ثم ارتفع حجم الإنتاج إلى 983 ألف طن و986 ألف طن خلال عامي 2007م و2008م على التوالي، أي يمكن لأعداد النخيل المزروعة في أفنية المنازل أن تعطي إنتاجاً بحجم 200 ألف طن من التمر أي 20 في المائة من إنتاج المملكة الكلي.

فوائد واستخدامات التمر المنتج منزلياً
• عوائد على أهل المنزل
تعد كمية التمر المستخرجة من المنازل كافية ومجدية عند استهلاكها على مدار السنة سواء كان التمر بهيئة مادة مكنوزة والاستفادة من منتجات التمر كمشتقات الرئيسية يتغذى عليها أفراد المجتمع، بل تعتبر من المواد الغذائية المهمة في حياته اليومية، مثل الدبس والخل بأنواعه.
• عوائد اقتصادية
يمكن أن يتم تثمين منتج ثمر التمر المنزلي من قبل التجار والمتعهدين أو المستثمرين لقاء مبلغ مادي يصب بدوره في خانة تعدد مصادر دخل الفرد ومن ثم ارتفاع في مستواه المعيشي، أما على مستوى الاقتصاد ككل، سيدخل منتج التمر في مراحل التصنيع المختلفة والأساسية التي ستساعد على دفع الميزان التجاري نحو الإيجابية، وذلك من خلال تقليل في حجم المواد المستوردة ورفع في حجم الصادرات التي بالتالي ستزيد من حجم التدفقات النقدية للدولة، لأن ثمار التمر تدخل في كثير من الصناعات الاستراتجية، وهي كالآتي:
• صناعات السكر الأبيض ذات قيمة عالية في الأسواق العالمية.
• صناعة المشروبات والكراميل وأغذية الأطفال.
• صناعة الورق.
• صناعة الأدوية والمضادات الحيوية.
• صناعة الأثاث التراثي ذي الطابع الحديث.
حيث إن الصناعات القائمة على منتجات النخيل ما زالت متواضعة ولا ترقى إلى أهميتها الاقتصادية، وإن البيانات الدالة على المبالغ المدفوعة لاستيراد المنتجات الموضحة أعلاه حتماً ستكون مشجعة للمستثمرين المحليين والأجانب على الاستثمار في صناعات المنتجات المختلفة التي أساسها من ثمار التمر.
وأصبحت واردات المملكة من الأغذية تتأثر بتأثر السوق العالمية، حيث تتأثر أسعار السكر وفقاً للتغيرات الحاصلة في ارتفاع الطلب وانخفاض العرض نتيجة لزيادة الاستهلاك العالمي من السكر، وهو الأمر الذي أدى إلى خلق عجز في الكميات المعروضة منه في الأسواق العالمية.
• عوائد بيئية
من المعروف أن النخلة صديقة البيئة حيث لا تحتاج إلى كميات كبيرة من مياه السقي، وإن جميع مخلفاتها يستفيد منها الإنسان، وكذلك تعتبر مورد علف أساسيا للثروة الحيوانية، حيث أثبتت الدراسات الحالية (المتبناة من قبل وزارة الزراعة والثروة الحيوانية) على ضرورة إيقاف زراعة الأعلاف والاعتماد على استيراد الأعلاف من الخارج لأن زراعة الأعلاف تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.
كما أن النخيل تعد من النباتات الأكثر تكيفاً مع البيئة نظراً لتحملها درجات الحرارة المرتفعة، وهذا مما يساعد على تنقية الهواء الناتج من التلوث الصناعي الحضاري والتزايد المضطرب في أعداد السكان، كما وجودها يساعد على تخفيض في درجات الحرارة ورفع نسبة الرطوبة في الهواء بالشكل المطلوب.
كما أثبتت الدراسات أن أشجار النخيل تمثل أهم مصدر للمخلفات الزراعية بالمملكة، وهذه المخلفات يمكن أن تستثمر أو تستغل في تحقيق الصناعات المهمة التي تشغل حيزاً كبيراً من واردات المملكة السنوية منها:
* صناعة الفحم النشط.
* صناعة الفورفورال.
* صناعة الخشب الحبيبي.
• عوائد استراتيجية
• لا يخفى علينا بأن أغلبية كميات وأسعار واردات دول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة وواردات المملكة العربية السعودية بصفة خاصة تتأثر بالتقلبات السياسية بين دول العالم، بل تستخدم كورقة ضغط سياسي من جانب الدول المصدرة للغذاء أو لمختلف المنتجات الصناعية الأخرى على الدول المستوردة، وهذا ما نعنيه بالتبعية الاقتصادية الناتجة من فشل مفاوضات اللقاء السياسي بين الدول المستوردة والدول الموردة لها بالمنتجات الصناعية والغذائية. فإذا كانت الدول العربية تقنيتها لم تمكنها من تصنيع الآلات التي بدورها تقوم بتصنيع المنتج النهائي لدول عالم الثالث، فإن المادة الأولية لتصنيع ذلك المنتج تمتلكها الدول العربية، بل متوافر بالغزارة التي تضاهي كمية البترول الموجود في باطن الأرض، إذن يمكن من خلال توفر هذا المورد الغني تحقيق الاستقلال الاقتصادي وجذب المستثمر الأجنبي لتحقيق التصنيع الداخلي بدلاً من الاستعانة بالدول المصدرة للإنتاج.

البرنامج الثاني
تركيب بيوت زجاجية
لم تعتد أغلبية الدول العربية على زراعة أفنية المنازل بواسطة البيوت المحمية، نظراً لتوافر الأراضي الصالحة للزراعة، إلا أن بعض دول أوروبا لجأت لمثل هذا النوع من الزراعة للتغلب على صعوبة الزراعة في الأراضي التي تكسوها الثلوج في معظم أيام السنة أو قد تكون أراضي صخرية لا تصلح للزراعة.
أما الزراعة عن طريق البيوت المحمية فهي عبارة عن عملية إنتاج الخضراوات ونباتات الفاكهة ونباتات الزينة في غرف زجاجية خاصةٍ، لحمايتها من حرارة الشمس صيفًا وبرودة الجو شتاءً، ومن التيارات والعواصف والأمطار وكذلك الآفات الحشرية، وبالتالي الحصول على منتجات الخضراوات في غير مواسمها واستمرارية توافرها في الأسواق طوال العام. وأهم ما يميز الزراعة المحمية هو ارتفاع الإنتاج مقارنة بالزراعة التقليدية، كذلك توفير مياه الري مقارنة بالزراعة التقليدية نظرًا لقلة الفاقد من عملية التبخر، كما يحدث في الزراعة المكشوفة.
ومع ندرة مصادر المياه في الدول العربية بصفة عامة ودول الخليج العربي بصفة خاصة، أصبح ضروريا التفكير في وسائل بديلة للزراعة للتغلب على مشكلة شح المياه من ناحية، وأيضا لإنتاج غذاء صحي دون اللجوء إلى المبيدات الكيماوية التي تضر في نهاية المطاف بصحة المستهلك وهذا من ناحية أخرى.
وتقوم فكرة المشروع على استغلال المساحات المهملة في المنازل (أفنية وأسطح المنازل) لإنتاج الاحتياجات المنزلية من الغذاء، حيث تقوم كل أسرة بشراء بيت محمي بمساحة 3 أمتار عرض في 3 أمتار طول، وذلك لإنتاج بعض أو كل احتياجاتها من الخضر والفاكهة، حيث تعتمد الزراعة في المشروع المقترح على فكرة الزراعة بدون تربة، التي باتت جزءا مهما من الزراعة العالمية، كما تمثل توجهاً عالمياً اليوم، ففي هولندا على سبيل المثال نجد أن نصف البيوت المحمية تستخدم الزراعة بدون تربة، وأن ثلثي مساحة البيوت المحمية التي تنتح خضراوات تستخدم تقنية الزراعة بدون تربة، وأن جميع محاصيل الطماطم والخيار والفلفل فيها تتم زراعتها بالتقنية نفسها.
ويهدف المشروع إلى المساعدة في زيادة إنتاج بعض أنواع الأغذية، الأمر الذي يسهم في الحد من مشكلة الأمن الغذائي، إضافة إلى أن تكون زراعة أفنية المنازل والأسطح جزءا من الثقافة العمرانية والبيئية في المملكة. كما يهدف المشروع إلى توفير فرص عمل لربات البيوت، واستغلال أوقات فراغ كبار السن والأطفال بما هو منتج ومفيد.
وهناك عديد من المحاصيل التي أثبتت التجارب مناسبتها للزراعة المحمية في بيئات مناخية مشابهة للمناخ في دول الخليج العربي مثل: الطماطم، الخيار، الباذنجان، الفلفل الحار، البامية، القرنبيط، الملفوف، الخس، اللفت، الفجل، والجزر.

أهمية المشروع
في حال تم تطبيق المشروع، فإنه سيحقق عديدا من الأهداف والمزايا، يأتي على رأسها إنتاج المتطلبات الأساسية من الخضر والفاكهة والنباتات الطبية الطازجة والخالية من المبيدات، وتقليل التلوث البيئي الناتج عن زيادة مساحات المباني والمنشآت مع قلة الغطاء النباتي، فمن المعلوم أن زراعة 1.5 متر مربع من المسطح الأخضر تمد الفرد باحتياجاته من الأكسجين لمدة عام كامل.
كما أن المشروع يساعد على حل مشكلة البطالة بين ربات المنازل وكبار السن، حيث إن زراعة أفنية المنازل والأسطح بأي نوع من المحاصيل أو النباتات يستدعي رعاية خاصة من الأسرة واعتناء دائما بهذه المحاصيل، وبالتالي يستطيع كبار السن وربات البيوت شغل أوقات فراغهم بنشاط يدر عليهم أرباحا حتى وإن كانت قليلة، كما أن ما يتم إنتاجه من محاصيل يمكن استخدامه كغذاء في المنزل، كما يساعد كذلك على توجيه الدخل الذي كان من المفترض إنفاقه على هذه المحاصيل في شراء سلع أخرى، وبالتالي يرفع من مستوى دخل الأسري.

الجدوى الاقتصادية من بناء البيوت المحمية
من الفوائد الاقتصادية المهمة للمشروع، إمكانية زراعة مئات الهكتارات من المحاصيل الزراعية سواء خضراوات أو فاكهة دون أن تتحمل الموازنة العامة للدولة أي تكلفة، فقد أشرنا إلى أن عدد المساكن في السعودية من المتوقع أن يصل إلى خمسة ملايين مسكن بنهاية عام 2012م، ولو تمت زراعة محمية واحدة بالمنزل بمساحة 3م × 3م، لأصبح متوافرا لدينا مساحة تقدر بنحو 45 مليون متر مربع, أو ما يساوي 4500 هكتار، وهي مساحة كبيرة جدا، حيث إنها تزيد على إجمالي المساحة المزروعة لبعض المحاصيل بنظام البيوت المحمية في كافة أنحاء المملكة (المملكة نموذجاً)، حيث بلغت المساحة المزروعة بالطماطم 3915 هكتارا, والمساحة المزروعة بالخيار وصلت إلى 3688 هكتارا, أما المساحة المزروعة بثمار الكوسا فلم تتعد 211 هكتارا.
أما إذا تمت زراعة هذه المساحة (جميع البيوت المحمية في المنازل) بمحصول الطماطم على سبيل المثال، فمن المتوقع أن يكون ناتج هذه المساحة المزروعة من البيوت المحمية نحو 157.500 طن سنويا، وذلك على أساس أن إنتاج الهكتار الواحد يصل إلى أكثر من 35 طنا من الطماطم سنويا، وبالطبع هذا رقم كبير وضخم, خاصة إذا علمنا أن إنتاج المملكة من الطماطم بنظام البيوت المحمية في عام 2008م وصل إلى 336926 طنا.
أما إذا تمت زراعة هذه المساحة (جميع البيوت المحمية في المنازل) بمحصول الخيار مثلا، فمن المتوقع أن يكون الناتج نحو 306 ألف طن سنويا، وذلك استنادا إلى أن إنتاجية الهكتار الواحد من الخيار تصل إلى أكثر من 68 طنا في العام، وهذا أيضا إنتاج ضخم، خاصة إذا قورن بحجم إنتاج الخيار بالبيوت المحمية في المملكة الذي وصل إلى 297512 طنا عام 2008م.
وعلى كل الأحول، سواء تمت زراعة هذه المساحة بالخيار أو الطماطم أو أي محصول آخر، نجد أن هناك جدوى اقتصادية كبيرة من المشروع على مستوى الدولة ككل، حتى لو تم استخدام ما يتم إنتاجه من الخضر والفاكهة منزليا، وفي هذه الحال سوف يوفر على أهل المنزل قيمة هذه المشتريات، إضافة إلى الفوائد الأخرى من المشروع.
ويؤدي المشروع دورا مهما في تنشيط الاقتصاد الوطني، حيث إنه لو تم تطبيقه كما هو مقترح، فإننا سنكون بحاجة إلى نحو خمسة ملايين بيت محمي مساحتها تصل إلى 45 مليون متر مربع، وهذا العدد الكبير من البيوت المحمية يرفع الطلب على تصنيع مثل هذه البيوت، حيث تشير إحصائيات وزارة التجارة والصناعة إلى وجود سبعة مصانع في المملكة العربية السعودية (المملكة نموذجاً) متخصصة في تصنيع البيوت المحمية (البيوت الزجاجية)، تنتج أكثر من 400 ألف متر مربع و1800 وحدة من البيوت المحمية. وبالتالي فإن زيادة الطلب ستؤدي إلى تنشيط هذه الصناعة، حيث سنكون في حاجة إلى إنشاء عشرات من المصانع لتلبية احتياجات المواطنين لبناء مثل هذه البيوت المحمية، وينتج عن ذلك تشغيل مئات من القوى العاملة سواء في المصانع، أو في تركيب وصيانة البيوت المحمية في المنازل، الأمر الذي يؤدي إلى المساهمة في حل مشكلة البطالة لعديد من الشباب.
هذا إضافة إلى استغلال المساحات المهملة في المنزل واستخدامها في أشياء مفيدة، وكذلك التخلص من المهملات والمخلفات التي تخزن في أفنية المنازل والتي تعمل كحضانة ومأوى لتكاثر الحشرات والقوارض والزواحف الضارة بصحة الإنسان، علاوة على التلوث البيئي نتيجة وجود تلك المخلفات.

البعد الاستراتيجي
تعرض العالم لكثير من الكوارث البيئية وما زلنا نشهد كثيرا من الكوارث. وإلى جانب ما تحدثه الكوارث من خسائر مفاجئة في الأرواح، ومآس إنسانية، وتدمير للممتلكات فإنها كانت سببا في انعدام الأمن الغذائي، بل تكرار حدوث الكوارث الطبيعية في كثير من البلدان التي نعتمد عليها في تزويدنا بالمنتجات الزراعية يشكل خطرا على حجم المخزون المخصص للفترات القادمة من المواد الغذائية.
إن من أهم أهداف هذه الدراسة، هو تغير ثقافة المجتمع نحو الاعتماد على الإمكانات الذاتية وتسخيرها بطريقة مؤداها تحقيق إنتاج يسد حاجة المجتمع دون أن نتأثر بالكوارث البيئية التي تعانيها الدول المصدرة للمحاصيل الزراعية، أو في الحدود الدنيا. فالأمثلة كثيرة ومن أخطرها عندما تعرض مفاعل شيرنوبل إلى التسرب النووي فإن ذلك أثر في المنتجات الزراعية القريبة من الاتحاد السوفياتي (سابقاً) مما تسبب في تلوث المحاصيل لمدة أعوام، أما النتيجة فكانت توقف صادرات تلك المناطق من المنتجات الزراعية للدول. كما أن ظواهر التصحر والجفاف التي نشهدها في الآونة الأخيرة شجعت الدول المصدرة للمواد الغذائية على إعادة حساباتها في كميات وأسعار المنتجات الزراعية المصدرة للدول التي تفتقر إلى تلك المنتجات. فقد اتخذ عديد من البلدان خطوات لإدخال عملية الحد من خطر الكوارث في تخطيطها القطري للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، في المقابل يجب علينا التخطيط أيضا من أجل ألا تكون تلك الكوارث البيئية سبباً في انعدام الأمن الغذائي، ومن ثم الانتهاء بالعجز الغذائي.

التوصيات

تناولنا في هذه الدراسة فكرة دور الأفراد والمجتمعات بصفة عامة في قدرتها على تحقيق الأمن الغذائي. كما تم شرح بعض سبل الزراعة المنزلية التي تستطيع تحقيق نسبة كبيرة من الأمن الغذائي، واتضح لنا من خلال هذه الدراسة مدى جدوى هذه الأفكار على كافة المستويات سواء الاقتصادية أو البيئية أو الاجتماعية.
وعلى الرغم من أن نجاح هذه المشروعات ضمن مقدرة وإمكانية أفراد المجتمع إلا إن دور الدولة مهم جداً ويسهم بشكل كبير في إنجاح مثل هذه المشروعات، لذا نوصي بالآتي:

ـــ على الدولة تذليل أي عقبات أو عراقيل أمام الأفراد لاستزراع أفنية المنازل وإقامة بيوت محمية، أو زراعة النخيل، وليس هذا فقط بل تقوم بمساعدتهم وحثهم وتشجيعهم على ذلك، من خلال تقديم مساعدات عينية لهم تتمثل في تزويدهم بالبذور الجيدة التي يمكن استخدامها في الزراعة، وكذلك يمكن تشجيعهم عن طريق تكثيف عمليات الإرشاد الزراعي التي تدفع نحو نجاح هذه المشروعات.
ـــ تقديم الحوافز المالية التي تساعد على تشجيع الشباب السعودي وربات البيوت والمسنين من المتقاعدين من أجل الإقدام على الزراعة المنزلية.
ـــ بذل الجهد من خلال البرامج الدعائية والتعاون مع وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات لتثقيفهم بأهمية الزراعة المنزلية وجعلها جزءاً من التربية الغذائية في المدارس.
ـــ الاهتمام بتدريب الكوادر الوطنية الشابة من خلال الجهات الرسمية وبالتعاون مع معاهد متخصصة لتثقيفهم بأهمية الزراعة المنزلية ونقل تقنية صناعة مشتقات محاصيل الزراعة إلى إنتاج منزلي.
ـــ نوصي بأن تقوم الجهات المختصة بالتراخيص العمرانية بإلزام أصحاب المساكن الجديدة أو عند إجراءات استصدار موافقات فسح البناء بزراعة نخلة واحدة أو أكثر، وذلك حسب مساحة الفناء الخارجي للمنزل، وأن يكون ذلك على سبيل الإلزام لا الاختيار.
ـــ يعتبر الإعلام عصب الحياة الإنسانية وعلى الأخص الإعلام الإذاعي والتلفزيوني، لما يتمتعان به من سعة الانتشار وقوة التأثير في نشر أهمية دور المجتمع في تحقيق الأمن الغذائي.
ـــ مساعدة المواطنين في تسويق منتجاتهم، سواء من التمر أو من الخضار والفاكهة التي تمت زراعتها، فيما إذا أراد المواطنون استغلال الموضوع تجاريا، وذلك عن طريق إرشادهم للأسواق التي يمكنها استيعاب منتجاتهم أو تخصيص مستثمرين لتضمين محاصيلهم.
ـــ تشجيع المواطنين على مثل هذه المشروعات وذلك من خلال عقد الدورات الإرشادية والتعليمية لمن يرغب في ذلك، وتتحمل وزارة الزراعة الجزء الأكبر من هذه المهمة لما لها من خبرات وصلاحيات في هذا المجال.
ـــ أن تكون الحكومة قدوة للأفراد، فعلى سبيل المثال يمكن تطبيق مشروع زراعة بنظام البيوت المحمية في المؤسسات والهيئات الحكومية، كالمدارس والجامعات، أسوةً بالزراعة التي قامت بها زوجة الرئيس الأمريكي في زراعة جزء من حديقة البيت الأبيض، وهذا مما سيشجع المواطنين على الشروع لمثل هذه المشروعات.
ـــ نشر التوعية الاجتماعية (على نطاق واسع من شرائح المجتمع) بأهمية تلك الزراعات سواء على المستوى الصحي، البيئي، الاجتماعي والاقتصادي، وذلك من خلال تخصيص برامج نشر الوعي الغذائي الصحي، لأن مثل هذه البرامج تؤدي إلى خلق الوعي الغذائي بوجه عام، وتكوين عادات واتجاهات غذائية صحية منبثقة من الأسس العلمية للتغذية، ومساعدة ربات البيوت على اكتساب المهارات اللازمة في تحقيق الزراعة المنزلية وإعداد الوجبات الغذائية المتوازنة طبقاً للأسس العلمية.

الأكثر قراءة