أضواء على نظام المحاماة السعودي
استكمالاً لإلقاء الضوء على نظام المحاماة السعودي ولائحته التنفيذية نجد أن النظام واللائحة كل منهما يشتمل على ثلاث وأربعين مادة منها ما يتعلق بتعريف المهنة وشروط مزاولتها وحقوق وواجبات المحامي والعقوبات التي توقع عليه من قبل لجان التأديب.
وباستعراض نصوص النظام واللائحة نجد أنهما لم يعطيا المحامي من الحقوق سوى منحه الترخيص إذا استكمل الشروط المطلوبة والسماح له بالترافع وتقديم الاستشارات من خلال كونه فرداً أو ضمن شركة مهنية للمحاماة، وكذلك نص على أن على المحاكم وديوان المظالم واللجان شبه القضائية والدوائر الرسمية وسلطات التحقيق أن تقدم له التسهيلات متى رأت ذلك أو رفض طلباته، وفق سلطة تقديرية ترجع لها، أما ما عدا ذلك فباقي النصوص الخاصة بالواجبات أو شروط منح الترخيص أو العقوبات نجدها تتجاوز العشرين مادة، بينما حقوقه لم ينص عليها إلا فيما لا يتجاوز أربع مواد.
وبما أن المحاماة جزء من المنظومة القضائية وتساعد على تطوير الأنظمة والتدقيق في تطبيقها وكشف الحقائق التي تؤدي إلى تحقيق العدل، وهي كغيرها من المهن بها الصالح والطالح، فالطريقة التي يمارس بها بعض المحامين عمله من خلالها، وجعلها سبيلاً إلى طمس الحقائق وإلى تعطيل الأنظمة أو الثراء غير المشروع باستغلال ضعف الخصوم ويحول دون تطبيق النظم مما يعكس صورة سلبية عن المحامين.. ولذا جاءت فكرة ألا تكون المحاماة حرة طليقة دون قيود وأنه ينبغي لها وضع نظام صارم، وهذا ما حدا بنظام المحاماة السعودي أن ينظر من زاوية واحدة في شأن تلك القيود والواجبات ويجعلها الغالب الأعم في النظام ولائحته التنفيذية.
ولقد نظر كثير من المحامين السعوديين إلى نظام المحاماة بأنه جاء دون مستوى الطموحات والتطلعات إذا ما قورن بقوانين المحاماة في الدول العربية، فضلاً عن الدول الغربية، حيث أثبت التطبيق العملي للنظام ولائحته التنفيذية منذ صدوره منذ تسع سنوات صحة وجهة نظرهم هذه فمن أبرز النواقص التي اعترته أنه لم يكفل لهم حق الاستقلال والحصانة على الإطلاق في أي من نصوص النظام أو لائحته التنفيذية.
وإذا ألقينا نظرة عابرة على الأنظمة التي جعلت هناك توازناً بين الحقوق والواجبات المتعلقة بعمل المحامي نجد أنها عنيت بوضع مجموعة من الضمانات الخاصة حفاظاً على استقلال المحامي أمام الجهات القضائية والجهات التنفيذية حتى إن بعضها نص على أنه لا يجوز القبض على المحامي أو توقيفه احتياطياً ولا رفع الدعوى الجنائية عليه إلا بأمر من النائب العام، التي يماثلها في النظام السعودي هيئة التحقيق والادعاء العام، كما أنه لا يجوز أن يشترك في نظر الدعوى التأديبية أو الجنائية أي عضو من أعضاء الجهة التي وقع الاعتداء عليها، وذلك أثناء وجود المحامي في الجلسة لأداء عمله، وترتب على ذلك إخلال منه بنظام الجلسة أو ما يستدعي محاسبته تأديبياً أو جنائياً، حيث يأمر رئيس الجلسة بإحالته إلى النيابة العامة.
أما مسألة استقلال المحامي، سواء في مواجهة الموكلين فقد عالجها كثير من أنظمة المحاماة، فيما يزيد على 40 مادة، ويتضح استقلال المحامي من خلال ثلاثة مسارات، أولها حريته في أن يقبل القيام بمهمة المحاماة أو ألا يقبلها، وثانيها اتباع الطريقة أو الأسلوب الذي يراه مناسباً لأدائه لعمله دون تأثير من أي أحد، ولكن وفق ما يمليه عليه ضميره والالتزام بنصوص الأنظمة المرعية، وثالث هذه الحريات هي إرادته في ترك المهمة التي سبق أن تعهد بالقيام بها.
ولا تتضح ضمانات الاستقلال إلا من خلال منح المحامي حقه في الحصانة، وذلك من خلال النصوص التي يوردها المشرع في عدم مسائلة المحامي عن أية أفعال تصدر عنه مهما كانت ضارة أو غير ذلك على أن يكون صدورها عنه من خلال قيامه بالدفاع عن موكله كونها تعطي المحامي مزيداً من الطمأنينة وتوفر له الارتياح اللازم عند قيامه بمهام العمل دون أية ضغوط، سواء كانت بالمساءلة الجنائية أو التأديبية، التي قد تعوق جهوده والقيام بعمله على أكمل وجه.
فلذلك نجد أن مساءلته الجنائية والتأديبية تسلك طرقاً وقواعد وإجراءات خاصة غير التي في غير القوانين الجنائية، فضلاً عن نظام الإجراءات الجزائية السعودي، حيث إن نظام المحاماة ونظام الإجراءات الجزائية لا يفرق بين محام أو غيره، بل إنه يكبل المحامي، ويزيد من عقوبته بدءاً من تحريك الدعوى، ومروراً بالحكم عليه جنائياً أو تأديبياً دون أن يكون له أدنى حماية أو استقلالية في نظام المحاماة، بينما بعض أنظمة المحاماة في الدول الأخرى تضع شروطاً للتحقيق مع المحامي- وهذا ما خلا منه نظام المحاماة السعودي- حيث إن هذه الدول تضع شروطاً لاعتبار المحامي مخلاً بواجباته ومنها تحديد عدد الشكاوى ضده، وذلك بأن تأتي مثلاً من ثلاث محاكم مختلفة توضح أنه قد تسبب عمداً أو بإهمال في تعطيل نظر الإجراءات أمام هذه المحاكم، وذلك تفادياً للدعاوى والشكاوى الكيدية ضد المحامين أثناء أدائهم لواجبهم.
كما أن أنظمة المحاماة في بعض الدول أكدت حماية وحصانة المحامي بأن نصت على أنه لا يجوز القبض عليه والتحقيق معه في غير حالات التلبس في القضايا الجنائية أو الجرائم التي تمس أمن الدولة قبل رفع الأمر للجنة أو النقابة أو الجمعية الخاصة بالمحامين، التي تقوم بالتحقيق والتأكد من وقوع الفعل المجرم للمحامي، ومن ثم رفع الحصانة عنه والإذن بمحاكمته ولحماية المحامي وحصانته اعتبرت أنظمة المحاماة الأخرى- باستثناء نظام المحاماة السعودي- أن الجريمة الواقعة على المحامي أثناء قيامه بواجبه باعتباره قضاء واقفاً كأنها قد وقعت على القاضي (القضاء النافذ)، وقد وضعت لها عقوبة تماثل عقوبة التعدي على القاضي، فضلاً عن أن هذه النظم حظرت تفتيش مكتب المحامي أو التحقيق معه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة على أن تقوم النيابة العامة بإبلاغ نقابة المحامين (جمعية المحامين) قبل أن تبدأ بالتحقيق مع المحامي بوقت كاف.
كما أعطت الحق لنقيب المحامين أو رئيس النقابة الفرعية أن يحضر التحقيق بنفسه أو أن يفوض عنه في ذلك من يراه من المحامين.
والهدف من ذلك مراقبة إجراءات التحقيق ومساعدة المحامي المتهم ودعمه في الرد على استجوابات النيابة، وذلك إذا كانت الواقعة محل التحقيق تشكل جنحة أو جناية خاصة بأداء المحامي لمهامه، كما حظرت بعض النظم التعدي على المحامي أو الإقلال من قدره بأي وسيلة أثناء ممارسته لعمله واعتبار أن أي أذى أو مضرة مادية كانت أو معنوية ترتكب ضده، فإن من مارسها توقع عليه العقوبة المقررة لمن يرتكب هذه الأفعال ضد أي من أعضاء المحكمة.
هذا فيما يخص الحصانة والضمانات المعطاة للمحامي، التي لا توجد للأسف في نظام المحاماة السعودي أي منها.
أما ما يتعلق بواجبات المحامي وعلاقته بموكله والعقوبات التأديبية فهذا ما سنعرض له في المقالات المقبلة.