هل تتجسس الدول الغربية لأغراض تجارية؟

هل تتجسس الدول الغربية لأغراض تجارية؟

ربما تواجه الشركات الدولية تهديدا متناميا من التجسس في الدول الناشئة لكن هل الغرب نفسه يستخدم الجواسيس للحصول على ميزة تجارية غير عادلة ؟
عادت قضية استخدام الحكومات للتنصت إلى بؤرة الاهتمام مع مطالبة عدة دول ناشئة في الخليج وآسيا بالوصول إلى بيانات هواتف بلاكبيري الذكية المشفرة.
وتمتلك أغلب الدول الغربية بالفعل القدرة على اعتراض جميع الرسائل تقريبا داخل حدودها وفي كثير من الأحيان خارجها وتقول إن المخابرات الاقتصادية التي يريدونها هي ذلك النوع الذي سيمكنها من محاربة الجريمة والإرهاب.
ومسألة احتمال تجسس هذه الدول من أجل مكاسب تجارية هي قضية لا يريد المسؤولون الحاليون والسابقون الانجرار إليها لكن بعض الخبراء يقولون إن من السذاجة افتراض أن ذلك لا يحدث.
ومنذ اختراع التلغراف والهاتف بات إغراء اعتراض الرسائل التي ينقلانها قائما.
وقال اليستير نيوتون الذي كان في وقت من الأوقات مسؤول الحرب الإلكترونية في وزارة الخارجية البريطانية وهو الآن محلل سياسي كبير في بنك نومورا الياباني "مادامت التكنولوجيا متاحة فأعتقد أن من الإنصاف القول إن الحكومات استخدمتها على الأقل أحيانا لأغراض تجارية.. في الماضي الفرنسيون اتهموا البريطانيين بالتجسس على صناعتهم الدفاعية والعكس صحيح. وكانت اتهاماتهما مبررة."
يقول محللون إنه إذا كانت الدول الكبرى تستخدم التجسس بالفعل لأغراض تجارية فإن التهديد الرئيس هو لقطاعات استراتيجية مثل الدفاع. وقال خبير أمني تحدث شريطة عدم نشر اسمه "مع أي حكومة ترجع المسألة حقا إلى ما إذا كان هناك إيمان بأن القضية ذات أهمية وطنية حقيقية."
وقال رئيس الوزراء البريطاني الجديد ديفيد كاميرون مرارا إن الدبلوماسيين يجب أن يفعلوا المزيد للترويج لأنشطة الأعمال البريطانية في الخارج لكن ليس واضحا تماما ما إذا كان ذلك يعني أن على جواسيسها أن يقوموا بالمهمة نفسها.
وثمة مجموعة من القضايا حول الصلات بين الدولة والأعمال ناهيك عن القيود القانونية على استخدام التنصت على الهواتف. وتحتاج السلطات في المملكة المتحدة إلى الإذن من وزارة الداخلية قبل أن تتنصت على محتويات رسائل البريد الإلكتروني أو الاتصالات الهاتفية لمواطنيها. وتوجد قيود مماثلة في أماكن أخرى رغم استحالة معرفة إلى أي مدى يتم تطبيق مثل هذه القيود.
وفي حين أن من النادر أن يلفت الانتباه إليها فقد قامت الولايات المتحدة وبريطانيا على الأخص ببناء شبكة مراقبة إلكترونية هائلة من خلال التعاون أيضا مع كندا وأستراليا ونيوزيلندا.
والمنظمتان الرئيسيتان المسؤولتان عن تلك الشبكة ـــ وكالة الأمن القومي الأمريكية والمقر الرئيس للاتصالات الحكومية البريطانية ـــ هما أكبر وكالتي مخابرات في البلدين.
ورغم قدرتهما على اعتراض فيض من المحادثات والرسائل فإن مهمتهما الأكثر إلحاحا اليوم هي فرز وتمحيص هذا الجبل من البيانات لاستخلاص الرسائل الخاصة بمؤامرات المتشددين. ويقول خبراء إن هذا نفسه يقلل من الزمن المتاح لأي تجسس تجاري أو اقتصادي.
وقال العميل الأمريكي السابق لمكافحة الإرهاب فريد بيرتون ،الذي يعمل الآن في مؤسسة ستراتفور للاستشارات الأمنية "لقد استنزفتا (الوكالتان الأمريكية والبريطانية) لدرجة أصبح يوجد معها حد لحجم ما يمكن أن تفعلاه غير ذلك (اعتراض التهديدات الأمنية)".
وفكرة تحالف أمريكي ـــ بريطاني متناغم قد تكون مضللة فالمراقبون يقولون إن الدولتين يمكنهما التجسس بمفردهما ،ولاسيما في مجال التكنولوجيا العسكرية التنافسية وفي الشرق الأوسط.
كما أن العالم الإلكتروني الجديد يجعل وكالات المخابرات في الدولتين تقع في أخطاء أحيانا. ووقع الخبراء في حالة من الذعر والارتباك العام الماضي عندما نشرت صور عائلية وتفاصيل عن الرئيس الجديد لجهاز المخابرات الخارجية البريطاني على شبكة فيسبوك للتواصل الاجتماعي من جانب أحد أفراد العائلة.
لكن الدول الأوروبية تشتبه دائما صراحة في أن الشبكة الأنجلوساكسونية قد تستخدم أحيانا ضدها.
فقد ذكر تقرير برلماني أوروبي عام 2000 أنه يعتقد أن شبكة عالمية قوية تابعة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة لرصد إشارات المخابرات قائمة من أجل التجسس الصناعي.
وأبلغ عن حالات جرى فيها التنصت على هواتف شركات أوروبية وفي الأغلب من جانب وكالات المخابرات.
لكنه أشار أيضا إلى الصعوبات في قياس حجم القضية لأسباب أقلها المصلحة المؤكدة لشركات الاستشارات الأمنية الخاصة في الإعلاء من شأن التهديد.
وسلطت الدول الأوروبية حديثا الضوء على حذرها من هواتف بلاكبيري الذكية ، التي تستخدم أجهزة خادم في الولايات المتحدة وأمريكا الشمالية يمكن لوكالات التجسس في هذه الدول الدخول عليها.
ومنع كبار المسؤولين في فرنسا وألمانيا والمفوضية الأوروبية من استخدام تلك الهواتف، كما يتجنب كثير من كبار العاملين في شركات الدفاع الأوروبية استخدامها.
ويقول نيجيل انكستر وهو مسؤول سابق في جهاز الاستخبارات السرية البريطاني ويرأس الآن إدارة التهديدات المتنقلة والمخاطر السياسية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إن بعض الدول الأوروبية نفسها لديها سجل مريب.
وقال "الفرنسيون على الأخص كانوا يشتهرون دائما بالتجسس الصناعي" ، مشيرا إلى مقولات جرى تداولها فترة طويلة بأن الجواسيس الفرنسيين وضعوا معدات تنصت في مقاعد درجة رجال الأعمال بطائرات شركة ايرفرانس للاستماع إلى المحادثات.
لكنه قال إن أنظمة الملكية الدولية المعقدة للشركات تزيد القضية تعقيدا فكثير من الشركات المدرجة في بورصة لندن مملوكة بشكل كبير لجهات خارجية بينها صناديق الثروة السيادية الناشئة لعدد من الدول.
يقول الخبراء إن الوكالات الغربية تواجه تحديات متزايدة من أحدث أنظمة لتشفير البيانات وإن قضية بلاكبيري تظهر اعتمادها على منحها حرية الوصول إلى تلك البيانات من جانب المصنعين والمشغلين.

الأكثر قراءة