الحميدي يواصل تحليلاته العميقة للفكر المتطرف

الحميدي يواصل تحليلاته العميقة للفكر المتطرف
الحميدي يواصل تحليلاته العميقة للفكر المتطرف
الحميدي يواصل تحليلاته العميقة للفكر المتطرف
الحميدي يواصل تحليلاته العميقة للفكر المتطرف

أكد الدكتور عبد العزيز الحميدي أستاذ العقيدة في جامعة أم القرى إجماع العلماء على جواز تلقين صاحب الحد ما يدرأ به الحد عن نفسه.

وعزا سبب ذلك إلى أن: «الحاكم وولي الأمر في موضوع الحدود يراعيان أموراً منصوصاً عليها في الشريعة قبل إقامة الحد».

وواصل الحميدي تحليلاته العلمية في برنامج «همومنا», الذي عرض على القناة الأولى أمس، إذ تطرق خلال البرنامج لبعض الأسس والمفاهيم التي خلط فيها أهل الشُبه الحق بالباطل, ما أدى إلى توريط الشباب في أحكام التكفير والفتنة، مستشهداً بما حصل في عهد الخلفاء الراشدين من إيقاف بعض الحدود بحسب ظروف معينة اقتضتها المصلحة بحسب تقديرهم الاجتهادي.

وفي هذه المسائل الاجتهادية أوضح أنه لا بد من توسيع رقعة ومساحة اجتهاد القاضي بما يراه من واقعات وأمور مع الاحتفاظ بالأصول العامة والكلية في مصالح الشريعة وإيصال الحقوق وردع الظالم وإنصاف المظلوم.

وشدد على أنه: «لا تبرير للعاصي ولا تهوين من حدود الله أن يقتحم كل من شاء, ولا تسويغ لأحد أن يعطل حدود الله, بل يجب على كل حاكم وقاض أن يقيم حدود الله ويجتهد في ذلك ما أمكن, لكن نقوله تقريراً للحق ولدرء منكر أعظم».

إلى التفاصيل:

## الشبهة أخطر من الشهوة

يقول الحميدي إن إرادة الله أن تكون الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس, وأن شرع الله المنزل راعى في تأسيسه مقومات القوة على جانبين: الأول تأسيس الحق, فيما الآخر هو الدفع لما يضاد له وهو ما يسمى «الشبهة», التي تعد من أعظم مداخل شياطين الإنس والجن على حد سواء لإضعاف دين العبد في ذات نفسه وانتمائه لأمته وإطالة أمد الضرر وأمد الباطل.

#2#

وأوضح: «من هذا المنطلق اتفق العلماء على أن مرض الشبهة أخطر بكثير من مرض الشهوة، لأن صاحب الشهوة يرتدع عما قريب وعما قيل وفي الغالب لا يكون ضرره إلا على نفسه، لكن الشبهة خاصة إذا تملكت واستحكمت ولم تجد الطبيب المعالج العارف بعمق المرض وحقيقته وما يدفعه وما يناسبه فإن ضرر الشبه عظيم أولا في إطالة أمدها, وثانياً في عظيم ضررها لأن صاحب الشبهة يضر نفسه ويضر غيره».

وأضاف: «ولو لاحظنا أن كل انحراف من انحرافات إبليس ـ عدو الله الأول ـ وما بعد ذلك إنما هو سبب شبهة وخطأ، لذلك فرق العلماء بين الخطأ الذي وقع فيه أبونا آدم ــ عليه الصلاة والسلام ــ هو بسبب الشهوة لأجل الأكل من الشجرة، وكانت توبته سريعة وندمه قريبا وعفو الله ـ سبحانه وتعالى ـ عنه أيضا عظيما وقريبا، وأما خطأ عدو الله إبليس فكان بسبب الشبهة التي جرته إلى مستوى أن يعترض على أمر الله بل يخطئ الله ويقول، «أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين», ولذلك كان ضررها عظيما وكان صاحبها هو إبليس أعظم مثال للضلال والفساد عبر التاريخ, وجعله الله أساس كل ضلال وفساد، ولذلك القرآن الكريم في كل منزلاته ـ لو تدبرنا القرآن ـ نجده إجابة لإشكالات وإجابة لتساؤلات وكشفا لشبهات، ولذلك يعجبني كثيرا قول شيخ الإسلام ابن تيمية الذي قال «ليس لصاحب شبهة ولا بدعة من دليل إلا وفي ذات دليله إذا كان يتعلق أو يستمد من النص الشرعي ما يبطل دليله لكنه يعمى عنه بسبب أنه ما أراده وقصد الحق لذاته وإنما قدم نتيجة بالباطل وأراد أن يحمل عليها النص الشرعي, وهذا هو الفرق بين طالب الحق والباحث عنه».

وأكمل الحميدي استشهاده بقول ابن تيمية: «وبين من يريد الفساد ويريد الضلال فإنه يقدم النتيجة ويعقد عزمه وقلبه عليها ثم يتلمس هنا وهناك من الأدلة وعمومياتها ومتشابهاتها ما يسوق به هذا الباطل, ولذلك ربما يكون في ذات ما يريده ينقض باطله ولكن يعمي عنه ويعمى عنه أيضا كل من أشرب باطنه»، قال هذا شيخ الإسلام وهو يفسر قوله تعالى في قصة عجل بني إسرائيل «واشربوا في قلوبهم العجل» أي لا مجال لا عقليا ولا نقليا لجعل تمثال صنعوه بأيديهم من الذهب والحلي إلها يتصرفوا فيه في الكون ويغفر ويرحم ما ممكن أن يقام على هذا لا شبهة ولا أقل شبهة ولا أي نوع من أنواع الأدلة لا عقلية ولا نقلية ولا عرفية ولا شيء من ذل، لكن أشربوا هذا الباطل في قلوبهم وبالتالي مهما أورد لهم موسى من دلائل عظمة الله وألوهيته وبطلان ما صنعوه ولو كان حرقه ونسفه لا يجدي شيئا».

## علاج الشبهة

وحول تجنب الشبهات وإيصال الحق بالصورة الحقيقة من دون تشويه، قال: «الحق لا يصل إلا بأمرين صحة الدليل وسلامة المتلقي، فقد يكون الدليل صحيحا وثابتا لكن المتلقي فاسد أو أصم عنه أو مقدم من الفساد ما يلغي عقله وذهنه من تقبل هذا الحق استرواحاً للباطل الذي هو أشربه من قبل، وبالتالي لن يستفيد ولو أوردت عليه, كما قال الله تعالى «لو جاءتهم كل آية» لذلك يعني وجب على كل مسلم وكذلك كل مسلمة للاستعاذة بالله ـ سبحانه وتعالى ـ واللجوء إليه من مرض الشبهة وعلاجها وسبيل فكها هو أن يقرر الإنسان في بداية أمره دائما أن كلامه محتمل للخطأ، ومحتمل للصواب، وأن رأيه وما ارتآه محتمل أن يرد عليه ما هو أصح منه وأقوى منه كما قال الله تعالى: «وفوق كل ذي علم عليم», فإذا راعى هذا الجانب مع شيء من الإخلاص واللجوء إلى الله تنكشف عنه الشبهة، ولو سلمنا أنه حصلت هناك شبهة دفعته إلى أن يفعل أو يقول شيئا من الباطل».

## أنظمة القضاء صريحة وواضحة

وعن الشبهات الشرعية التي تدور حول القضاء في السعودية، أوضح: «هي شبهة ضعيفة بل منحلة فاسدة من جهتين اثنتين، وهي واضحة تماماً، الجهة الأولى النظام أو القرار الذي استند إليه بناء القضاء الشرعي في بلادنا هذه، فالنظام الذي بني عليه القضاء نص نصوصا صريحة وواضحة».

#3#

وأضاف: «القضاء في هذه البلاد المملكة العربية السعودية قضاء مستقل ليس لأحد سلطة عليه، فالمادة الأولى من نظام القضاء تقول القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية وليس لأحد التدخل في القضاء».

واستطرد: «وحتى لا يكون لأحد مدخل على قضية الأنظمة المرعية فربما يبني عليها شبهة أخرى يأتي نظام المرافعات ليفصل الأنظمة بأنها تطبق على القضايا المعروضة أمام المحاكم الشرعية الإسلامية وفقا لما دل عليه الكتاب والسنة وتتقيد في الإجراءات المنظورة بما ورد في هذا النظام.

هذا من جهة المرجعية النظامية أو الأساسية أو القرارية التي استند إليها البناء الشرعي في هذه البلاد».

وذكر أنه منذ أن قامت السعودية من نحو 100 عام، القضاة هم خريجو دراسات شرعية متخصصون في أحكام الشريعة السلامية يخضعون إلى اختبارات وإلى دراسات واسعة جدا في أحكام القضاء الشرعي الإسلامي ويدرسون جميع أبواب الفقه التي يحتاج إليها في باب القضاء ويمارسون ذلك عيانا بيانا في محاكمهم، لا سلطان لأحد عليهم.

وزاد : «ديوان المظالم إنما وجد ليكون حاكما أيضا الجهات الحكومية والوزارات أيضا والأجهزة الحكومية التي يتظلم ربما منها أي مواطن عادي حسب لها أنظمة داخلية ربما تكون عندها أنظمة داخلية، إذا شعر أي مواطن بأنه ظلموه».

وأشار إلى: «هناك جهة قضائية تستند إلى الشريعة وتحكم على هذا وكلٌ يترافع إليها, ربما فرد واحد من أبناء المجتمع وربما جهاز كامل ومؤسسة كاملة من مؤسسات الدولة، فالواقع المعاش مع النظام المعمول به في القضاء إذا أردنا أن نكون منصفين وواقعيين في طرح هذه القضايا لا سلطان لأحد عليهم إلا لمرجعيات الشريعة الإسلامية وأحكامها، مع ملاحظة نقطة مهمة جدا أن القضاء الشرعي عموما منذ فجر الإسلام للقاضي وللحاكم مساحة معينة من الاجتهاد في جهتين اثنتين منصوص عليهما ومعمول بهما في كل أنظمة القضاء الشرعية في تاريخ الإسلام كله منذ تٌكون الدولة الإسلامية أيام النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ والخلفاء الراشدين».

## اجتهاد الحاكم

ولفت إلى أن: «الجهة الأولى جهة اجتهادية محضة, وهناك قضايا كثيرة لا يمكن أن تجد لها نصا صريحا في الكتاب ولا في السنة فيحتاج إلى الحاكم أن يجتهد، وهذا مذكور في القرآن, ولذلك الإمام البخاري عندما نرجع إليه عقد كتاب كامل في كتاب الجامع سماه الأحكام ووضع بابا فيه «باب متى يستوجب الرجل القضاء» وهو يتحدث فيه عن صلاحيات القاضي وأورد أثرا رائعا جدا عن الإمام التابعي المشهور الحسن بن يسار البصري، الذي يقول: لما نظرت في قوله تعالى «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» ونظرت في قوله تعالى «وداود وسليمان (وهما نبيان كريمان) إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود».

#4#

فقال الحسن: فعذر داود في اجتهاده الذي لم يكن موافقا لمراد الله وأثنى على سليمان بإصابته للحق وهذا مثل في أمور ليست من المنصوص في كتاب الله فلو كانت منصوصة عند داود لما حسن أن يجتهد فيها بخلاف ما هو منصوص عنده في الشريعة المنزلة عليه، قال وفي ذلك يقول الحسن وفي ذلك سعة للقضاة، ودخل الحسن البصري تتمة الأثر ليس في البخاري لكن مصدر آخر وهو «المصنف» عبد الرزاق وهو أحد القضاة المشهورين في الإسلام وهو إياس بن معاوية المزني وهو الذي يضرب به المثل في القضاء وفي الذكاء، فتذاكر القضاء وتذاكر فبكى إياس وخشي أن يكون يعني في أحكامه أخطأ أو لم يصب حكم الله ـ جل وعلا ـ بأن النصوص التي فيها التهديد بمخالفة حكم الله يعني عظيمة وكبيرة فقال له الحسن وأين ذهبت عن قوله تعالى «وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث» فعذر هذا باجتهاده وأثنى على هذا بإصابته، فرد إياس فكأنما سرى عليّ وكان قد همّ أن يعتزل القضاء فبعد هذه يعني الرخصة ما نسميها رخصة بقدر ما هي مساحة, يعني ما كل قضية مما يقع في حادثات الزمان وخلافات الناس ستجد لها نصا في كتاب الله، ولذلك قال الإمام مالك نصا مشهورا جدا يقول: يحدث للناس من الأحكام والقضايا بقدر ما يحدث من الحادثات والجرائم والأفعال، فلا بد من توسيع رقعة ومساحة اجتهاد القاضي بما يراه من واقعات وأمور بحسب مع الاحتفاظ بالأصول العامة والكلية في مصالح الشريعة وإيصال الحقوق وردع الظالم والمظلوم، بل هذا يقع حتى للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولذلك ثبت في صحيح البخاري أن هذا الباب الذي ذكرته أنا الآن وإدخال البخاري لهذا الحديث في هذا الباب فيه إشارة إلى هذه القضية، النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المؤيد بالوحي يقول للناس «إنكم تختصمون إلي» وفي رواية « إنكم تحتكمون إلي»، ولعل بعضكم ألحن بحجتهم من بعض، يقول أحد الخصمين قوي في إيراد حجته يكون فصيحا والآخر ربما عييا ضعيف الحجة، ويقول هو ربما صاحب الحق فأقضي له على نحو ما أسمع ولا يكون هذا وقع في نفسه مصيبا للحق في ذاته فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما قطعت من نار، فلولا هذه المساحة لما قضى أحد وقد لا يصيب الحق».

## المصالح المرسلة مساحتها أوسع

وحول أسباب وضع الأنظمة الإجرائية في ظل الحكم بالشريعة الإسلامية، أوضح أن: «المقصود تحقيق المصالح وتحقيق المصلحة بمختلف أنواعها على تقسيمات الفقهاء المشهورة المصلحة المعتبرة المتفق عليها واجتمعت على حسنها العقول، ومصلحة ملغية، والمصالح المرسلة وهي مساحتها أوسع وهي معتمدة في مذهب الإمام مالك ومتناغمة تماما مع قوله «يحدث الناس» في الأحكام بقدر ما يحدثون في القضايا والأمور، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن المصالح المرسلة إنها من محاسن مذهب الإمام ابن مالك، ومراعاة المصالح من أعظم ما يمكن اعتباره في الأمور الشرعية، بل ربما يحق لولي الأمر والقاضي أن يؤخر ربما ـ لا نقول نعطل ـ يؤخر تنفيذ بعض الأمور الشرعية لمصلحة ظهرت عنده فاقت عنده تطبيق قضية عينية ولو كانت شرعية لحكم أكبر وأعظم، فالمقصود من الأحكام والمقصود من الحدود هو إيصال الحقوق وردع المجرم وردع الآثم والمتعدي، فهذه مصلحة كبرى عامة فمتى حصلت وصل إليها».

## عدم العلم ليس علما بالعدم

وعلق الحميدي على من يثير مسألة عدم تطبيق الحدود الشرعية في السعودية من بينها أحكام الزنا، بالقول: «لا يلزم من عدم سماعك عدم الوقوع ـ كما يقال ـ كما لا يلزم الحاكم ولا القاضي ولا ولي الأمر إذا أقام حدا أن يعلنه لكل فرد، ولكل قاصٍ ودانٍ».

وأكمل شرحه حول تطبيق الحدود الشرعية وهو يستشهد بواقعة زنا في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعبد الله بن أنيس «واذهب يا أنيس إلى امرأة هذا رجل واحد فاسألها فإن اعترفت فارجمها فذهب واعترفت ورجمها» ولم يجمع عليها أهل المدينة كلهم ، لا يلزم من ذلك عدم سماعك أو عدم سماع أو عدم علم، كما قالوا عدم العلم ليس علما بالعدم، عدم علمك لا يعني عدم وقوع هذا الحد أو ذلك الحد أو أن ولي الأمر عطله بالكلية وألغاه وأزاله، هذا يعني ردا بدهيا يقال الآن.

والأمر الثاني: القاضي والحاكم وولي الأمر في باب الحدود بالذات إذا رفعت إليه وبلغته ووصلته مع تشوف الشريعة وتشوف في النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى درء الحدود حتى بأدنى الشبهات وكان عليه ـ الصلاة والسلام ـ يخاطب الناس خطاباً عاما ويقول «تعافوا» الحديث في أبي داود «تعافوا الحدود فيما بينكم ما أمكن» مهما أمكنت وتتساتر الأمور وتتعافى الحدود فيما بينكم ولو بشيء من الصلح الذي يجبر الخواطر قبل وصولها وبلوغها إلى الحاكم والسلطان والقاضي فتشوف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك، وفي لفظ للحديث «إن الله يحب العفو فتعافوا الحدود فيما بينكم ما أمكن» عن أبي داود والنسائي، فالحاكم وولي الأمر إذا بلغته الحدود مع ذلك هناك أمور منصوص عليها في الشريعة يجب أن يراعيها الحاكم والقاضي والوالي قبل إقامة الحد سواء حد الزنا أو حد السرقة أو حد القصاص، فلا كل من قيل له أو شهد أي شاهد أو كان مطعونا في شهادته ونحو ذلك, إنه فعل ما يستوجب الحدود أن يقام عليه».

وزاد من توضيحه في تطبيق الحدود: «أن تنتفي الموانع من الشروط استيفاء الشهادة بشهادة العدول أو وقوع الاعتراف التام بغير جنون ولا ضغط، ولا إكراه كما جاء ماعز الأسلمي إلى النبي فقال زنيت فأقم الحد فقال: لعلك قبلت لعلك غمزت لعلك كذا».

وأضاف: «فالرسول يلقنه ما يتراجع به, وقال الحافظ بن حجر في بعض كلامه يقول: وأجمع العلماء على جواز تلقين صاحب الحد ما يدرأ به الحد عن نفسه، يلقن من الحاكم, من القاضي لا من غيره، لعلك قبلت، بك جنون، بك كذا، بك كذا، لعلك كذا، لعلك فأخذت حتى في بعض ألفاظ الحديث كل ذلك يقول لا حتى قال له النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ كلمة صريحة جداً – لا بأس أن نقولها لأن المسألة ـ قال: غاب ذاك منك في ذاك منها كما يغيب الميل في المكحلة قال: نعم إذن خلص، إلى هذا الحد يريد أن يدرأ عنه».

## امتناع الشبهات

وأوضح: «امتنعت كل الشبهات وفي موانع بفاعل الحد نفسه مثال ذلك حد السرقة عام الرمادة هذا في المصنفات وغيرها أوقف عمر حد القطع ولا يستطيع أحد أن يقول عمر ـ رضي الله عنه ـ عطل الشريعة ولا ألغى الحدود، ولا أوقفها، لماذا لأن من شروط إقامة السرقة ألا يكون السارق مضطرا جائعا منهكا, بل الجوع به حد الاضطرار فسرق كي يدفع عن نفسه ضرورة الجوع، كما يضطر لأكل الميتة، ولأكل لحم الخنزير».

ولفت إلى أن: «إقامة الحدود في دار الحرب كما اتفق عليه الصحابة يعني المهاجرين لما كان عمر وعثمان يبعثان السرايا والجيوش، فلو أحد الجنود وهو يحارب في أحد الثغور مع الكفار ارتكب موجب الحد زنا أو سرقة أو شرب المسكر, اتفق الصحابة على أنه لا يحد حتى يرجع إلى دار الإسلام، ثم ينظر هل فعل ذلك اضطراراً، هل فعل ذلك ثم هل يقام عليه الحد، أو لا يقام وهناك اعتبارات قضائية.

وذكروا لذلك حكمتين، الحكمة الأولى هي ربما لو أقيم عليه الحد وهو في دار الحرب يجعل المسألة تكبر في ذهنه ويقول أنا أقاتل وكذا ثم يحدون علي فربما يرتد، أو يسيء الظن بالمسلمين وتقع مفسدة أعظم، بينما الحكمة الثانية حتى لا يطمع أهل الكفر فيهم ويقولوا انظروا إذا كان المجاهدون يجاهدون معهم وجنودهم يضربوهم ويقطعون أيديهم, هذا دين ربما يكون فيه صد حتى عن سبيل الله فمن الحكمة أنهم أخروا ذلك».

وأضاف: «نحن نقولها لتقريب هذه المسألة, وأريد أن أنبه لا نتجه ربما إلى الفهم السلبي في مثل هذه القضايا، يعني أنا شخصياً قرأت لبعض الكتاب اليساريين ـ ممن يسمون أنفسهم كتاب اليسار الجديد وهذا لا بأس أن يذكرون, ذكروا مثل هذه الشواهد على أنهم بنوا عليها على قضية مرحلية الحدود وأن الحدود ليست قضايا شرعية مستديمة وإنما هي مرحلية فلما رأى الصحابة أن لا حاجة إليها ألغوها.

ليس هكذا ينظر لهذه القضايا وإنما هم أوقفوها لعدم استيفاء شروطها.

كما حصل في عام الرمادة أو لمصالح أكبر كعدم إقامة الحد في دار الحرب حتى يعود الجنود إلى ديار الإسلام ثم ينظر القضاة والحكام في موجبات إقامة الحد فإذا أتمت أقاموه وإذا لم تتم درؤوه بأدنى شبهة».

واستشهد بحادثة وقعت لأمير الكوفة في عهد عثمان الذي أمّ المصلين سكراناً: «هناك مثال آخر عظيم جداً في صحيح البخاري وهو ثابت، عثمان بن عفان أحد الخلفاء الراشدين المهديين عين أميراً على الكوفة من أقاربه من بني عمومته وهو رجل اسمه الوليد بن عقيبة بن أبي معيط وعزل سعد بن أبي وقاص وهو أحد السابقين الأولين، وعين هذا مكانه فشرب الوليد بن عقبة المسكر وثبت ذلك عليه حتى إنه صلى بهم صلاة الفجر في مسجد الكوفة في الجامع وكان يصلي خلفه كبار الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وجندبة بن سفيان البجلي وغيرهما فصلى الفجر أربع ركعات لأنه كان سكراناً وجهر فيها كلها، فلما قضى الصلاة، الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ لفقهم ثبتوا بعد الركعة الثانية وسبحوا له، والرجل ما هو حولهم يعني فانتظروه حتى قضى الصلاة وسلم فسلموا فقال: أزيدكم يعني تريدون أزيد ركعات على الأربعة التي صليناها نظراً لما كان، فقال ابن مسعود ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة، فذهب ورفع أمره إلى عثمان في المدينة، أن الوليد شرب المسكر وأن لك خليفة المسلمين تقيم عليه الحد وشهد رجل عند عثمان بذلك فاستاء عثمان وما أقام عليه الحد ولا عزله، فجاء شاهد آخر فشهد عليه ثم جاء ثالث فشهد حتى تمت الشهادة أربعا فاستحضرهم عثمان حتى قال لأحدهم ما أدراك أنه شرب الخمر قد يكون شرب شيئاً آخر أثر فيه أو كذا ما أدراك فقال هي الخمر التي كنا نشربها في الجاهلية فلما تمت الشهادة وهذه كلها احتياطات من عثمان، فلما تثبت استدعى الوليد من الكوفة وعزله وأقام عليه الحد عنده في داره والذي أقام عليه الحد علي بن أبي طالب وعبد الله بن جعفر كما في منصف ابن عبد الرزاق وانتهت القضية والحد أقيم».

وعلق على هذه الحادثة بالقول:» هذه كلها احتياطات من عثمان، لأنه كما نعلم لو أخذ كل أحد بشهادة شاهد أو شاهدين ربما فعلوا ذلك ضغينة فيه أو كيداً فسدت أمورك، وقال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يعطى رجال بدعواهم بمجرد أن يدعوا لأدعى رجال دماء أقوام وأموالهم، فلا بد من التثبت فحصل أنه تأخر عثمان في إقامة الحد فاستغل ذلك بعض الخوارج الذين أقاموا الفتنة الكبرى على عثمان بهذا المدخل قالوا عطًل عثمان الحد، جامل ابن عمه، جامل أميره الذي عينه على الكوفة, هذا عطل حدود الله إلى أن بلغ أنهم كفروا عثمان بذلك, وعثمان في غفلة عن هذا وكان كل قصده أن يتثبت».

واستطرد إسهابه في هذه القصة: «بعد تأخر إقامة الحد أشاع الخوارج بعدم إقامة الحد على أمير الكوفة بسبب أنه من أقارب عثمان، حتى دخل بعض الصحابة مثل عبد الله بن عدي على عثمان وقالوا له يا أمير المؤمنين عطلت الحدود أقم على ابن عمك حد الله قال يا بني وما أدراك أنني ما أقمه أصحبتم رسول الله قالوا: لا، قال أتعلمني بسنة رسول الله, عثمان من السابقين الأولين أقمت الحد قال يقال عنك كذا والقالة منتشرة عنك قال وهل يلزم كل ما أقمت الحد أن أعلن لكل قاص ودانٍ ولكل ذاهب ورايح وغادٍ, لكن القالة استغلالاً لهذا لكونه تأخر ليتثبت, والحديث في صحيح البخاري ثابت, قصة عثمان مع الوليد بن عقبة حتى كفروه به وكادوا بسبب الفتنة التي على عثمان وانتهت بقتل أحد الخلفاء الراشدين وليس فقط انتهت بقتله وانفتح على الأمة الإسلامية فتنة عظيمة استمرت حتى نتج منها أن عصر الخلافة الراشدة انتهى بقتل علي بن أبي طالب بفعل الخوارج أيضا يعني قتلوا عثمان قبله فحرم الناس من الخلافة الراشدة بسبب هذه الافتئات على الأقل بما سمعنا أنه أقيم الحد».

## فرحة عمر بن الخطاب عندما أوقف الحد

ولخص حديثه عن هذه القصة بالقول: «الشاهد من هذا الكلام كله بل لو أردنا أن نسوق شواهد لوجدنا هذا في عهد عمر كتأخره في إقامة حد المسكر على قدامة بن مظعون حتى مضت أشهر يعني شهد عليه الجارود من بني عبد القيس فما قبِل شهادته عمر الفاروق وشهد أبو هريرة وما قبل حتى استدعاه وأقر واعترف عنده لكنه كان مستحلاً لها بسبب تأويل معين والقصة مشهورة وكذلك إيقافه حد ما هو يعني إيقافه ـ تثبته في إقامة حد الزنا على المغيرة بن شعبة, لما شهد عليه ثلاثة رجال بعضهم صحابة منهم أبو بكر بن الحارث وأنهم رأوه يزني زنا صريحاً، وتلكأ الرابع فلا بد من شهادة أربعة في الزنا حتى يقام الحد على حكم الله ولا واحد ولا اثنين ولا ثلاثة ويجب أن يشهدوا أنهم رأوه أنه في صريح الزنا لا يكفي أن يقولوا رأيناه مع فلانة ورأيناه كذا ورأيناه في بيت وحده, ما يكفي هذا كله, تلكأً الرابع وهو زياد بن أبي سفيان وقال رأيت شخصين وسمعت صوتا ولا أدري ما وراء ذلك فتهلل وجه عمر فرحا أنه درء الحد وأوقف الحد عن المغيرة وحد الثلاثة أولئك باعتبارهم قذفوا المغيرة والشواهد في هذا كثيرة جدا في عهود الخلفاء الراشدين ما أقاموا الحدود إلا بعد استيفاء كثير جداً ولا يلزم إعلانه لكل قاصٍ ودانٍ على أسوأ ما يمكن، على أسوأ ما يمكن لو حاكم أو قاضٍ عطل حدا محاباة على أسوأ ما يمكن ومجاملة فحكم في ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى لا ندع الحكم لا لي ولك ولا ليقول ما سمعنا ولا لغيره, النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حكم في سنن أبي داود والنسائي بسند صحيح صححه الحافظ بن حجر ونقله الحافظ بن حجر هذا الحديث رفع للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سارق سرق فلما تثبت من سرقته أمر بإقامة الحد عليه، قال رواة الحديث فرأينا في وجه النبي ـ صلى الله علية وسلم ـ حزنا عليه يعني يتمنى لو وجد أي مخرج له حتى يقيم حزناً، قالوا يا رسول الله هلا عفوت يعني كان عفوت عنه طيب قال أستوجب مقام الحد وما كان أن أعطل حداً من حدود الله والذي لا يقيم حدود الله عند استيفائها هكذا لا يقيم حدود الله الحاكم بعد استيفائها فذلك سلطان سوء أو يقال وذلك فعل سوء».

وشدد على أنه: «لا تبرير للعاصي ولا تهوين من حدود الله أن يقتحم كل من شاء ولا تسويغ لأحد أن يعطل حدود الله, بل يجب على كل حاكم وقاض أن يقيم حدود الله ويجتهد في ذلك ما أمكن ولكن نقوله تقريراً للحق ولدرء منكر أعظم».

وأوضح أنه كان يعاني مشكلة في تعطيل الحدود، حيث كانت تدفعه الغيرة على حد وصفه في حال إيقاف حد معين على سبيل المحاباة، وتثير لديه عدة أسئلة هذا لم طبق ولم فعل، وذلك تماشيا مع قوله تعالى: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» حيث كان يظن هذه الآية تتناول كل حاجة وكل حادثة بعينها من دون النظر لأي اعتبار.

وأضاف: «ولكن بعد رجوعي إلى المخطوطات في هذا الجانب تبين لدي أن الآية بعيدة عن النظر في تطبيق الحدود وحتى لو وصلنا إلى أسوأ الاحتمالات وهو عدم إقامة الحد على شخص ما كمحاباة أو مجاملة فلا يدخل ذلك في حكم الآيات (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) لا من قريب ولا من بعيد, وهذا اطمأننت له اطمئنانا كاملا بعد استيفاء هذه القضايا وهذا الباب بالبحث الطويل ومثل هذه الأمور وهذه عبرة لمن يعتبر».

الأكثر قراءة