السبت, 10 مايو 2025 | 12 ذو القَعْدةِ 1446


كفانا تذمرا من الصحراء التي نعيش من خيراتها!

كثيرا ما نسمع عبارات أو أمثلة تذمر أو تضجر أو ملل من الصحراء التي مَنَّ الله علينا بها في بلادنا, التي هي أساس ثروتنا وبقائنا, ننظر إلى بقية دول العالم التي حباها الله أيضا بالغابات والمناطق الخضراء ونتمناها, فتسمع بعضنا عندما يعود من السفر يقول رجعنا إلى التربات والأرض الغبراء وصحراء ناشفة وحر يشوي البشر. بينما غيرنا من الأجانب يتمنونها ويفضلون العيش فيها والتمتع بنقاء جوها. وأكثر التهكم يأتي من بعض العقاريين أو من يتاجرون بالأراضي فيظنون أن هذه الصحراء لا فائدة منها ووجودها مثل عدمه. وينادون بتوسيع مساحة المدن وقطع ما تبقى من أجزاء الصحراء لمخططات جديدة. ويتذمرون عندما تقف أمامهم قوانين وتنظيمات البناء. ومن دون أي اعتبار لقيمة الصحراء ودورها في طبيعة الحياة على الأرض وأهمية مواقع أو مستوطنات بعض الحيوانات والحشرات التي لها دورها في خلق الله. في الوقت الذي نرى معظم دول العالم تمنع التوسع في تلك المستوطنات, بل تمنع حتى قلع أو قطع الأشجار.
ومع أن الله أعطانا كليهما فنحن لدينا مناطقنا الخضراء التي لم نهتم بها أو نعرها الاهتمام ونطورها, ـــ سبحان الله ـــ فكلاهما خلق الله وكلاهما ينفردان بمميزات سواء إيجابية أو سلبية, وكلاهما لم نطورهما أو نهتم بهما. فنتذمر من الصحراء وحرارة الشمس والغبار، بينما يتذمر الأوروبيون والأمريكيون من حرائق الغابات التي تصل أحيانا إلى حرق منازلهم أو نشر الأجواء الملوثة بالدخان والتلوث, كما وصل الحال إليه في موسكو. وكثيرا ما نسمع عبارة ''سبحان الله، بِرُّ الله واسع، وبلدنا كلها صحراء، فلماذا ارتفاع أسعار الأراضي؟'', فالتضجر من الصحراء يصلنا في تخطيط مدننا, ولماذا لا نبتعد أكثر من وسط المدينة ونبني مخططات جديدة وواسعة؟ فعندما نتحدث عن مشكلات توسع المدن وامتدادها لتقتطع أجزاء كبيرة من الصحراء، فإننا لا نرى من يهتم بقيمة الصحراء وأهميتها في دورة حياة البيئة وحياتنا. وأهمية الكائنات التي تعيش فيها للدورة الطبيعية والبيئية, وهذه الكائنات عندما تنقرض ونفقدها فإنها لا ترجع. وبذلك تسبب نقصا في دورة الحياة البيئية, فبعض هذه الكائنات خلقها الله لأسباب أساسية، ولها دورها في القضاء على بعض الحشرات والميكروبات أو السموم الضارة, ويعيش بعضها على بعض وبذلك تسبب الاتزان البيئي. كثيرون يتحدثون عن الصحراء وكأنها لا قيمة لها, فنسمع من يقول بِرُّ الله واسع فلماذا لا تتوسع المدن لتحل مشكلات الطلب على الأراضي والإسكان, وننسى مشكلات البيئة والتصحر. وهي أساسيات الكون وعندما نخترقها أو نقضي عليها فإننا سيقضى علينا. ويكفينا شاهدا ما نراه من مشكلات التغيرات المناخية والبيئية التي تطالعنا الصحف يوميا بكوارثها, فالكوارث الطبيعية ما هي إلا بسبب عدم احترامنا خلق الخالق, فهي مشكلات يعود جزء كبير منها أصلا إلى ما غيرناه من الطبيعة حولنا. مدننا التي لم نحترم فيها مجاري السيول والأودية ولم نتركها على طبيعتها أصبحت اليوم فخا نخسر فيه الأرواح بسبب الفيضانات أو تغير مسارات السيول لمناطق أضعف لا تتحملها.
في رأيي أن الصحراء مثلها مثل الغابات والمناطق الخضراء التي نرى عالميا الجميع يهتم بها ويحافظ عليها كرقعة خضراء, ومعظم دول العالم لا تسمح بالتوسع خارج المدن, بل تضع حدودا للنطاق العمراني وتعاقب حتى من يقطع أو يخلع شجرة, بينما نحن نقتل الضب والجربوع للمتعة فقط, بل نلوث الصحراء بالنفايات التي لا يمكن تحللها مثل البلاستيك الذي يبقى في باطن الأرض من دون أن يتغير, بل يعزل حركة الترسب.
وفي الوقت الذي نسمع فيه بنظام حدود النطاق العمراني المطبق في مدننا نجد أن الجميع يستهين به ويعتقد أنه فقط محددات للنمو ولا داعي له. وكذلك الحال في عدم اهتمامنا بالمحميات التي نعتقد أنها منع الدخول لها فقط لتصبح مخصصة لأشخاص معينين, وهو غير صحيح, فالمنع جاء بأمر رسمي لمصلحة الأجيال القادمة ولنحافظ على الحياة البيئية التي ما زلنا لا نعترف بها. مجهودات كبيرة من الدولة لحماية البيئة وآخرها مشروع وادي حنيفة والثمامة والمحميات التي تقوم عليها الهيئة العامة للبيئة والحياة الفطرية.
ولا أدري متى سنصل إلى مستوى من التحضر للاعتراف بمفهوم المحافظة على البيئة وطبيعة الخالق. أو هل نحن جاهزون لذلك أم أن ما يهمنا هو فقط مسح الأراضي بالبلدوزرات وتغيير طبيعة الأراضي ومناسيبها ومجاري السيول فقط للربح السريع دون التفكير في الخسارة التي لا يمكن تعويضها مستقبلا؟
معظم دول العالم لديها قوانين وأنظمة وعقوبات لمن يغير أي شيء في الطبيعة سواء قطع شجرة أو قتل نوع من الحشرات أو ردم مجاري السيول والأودية, بل هناك مناطق داخل بعض المدن لم يستطع أحد أن يمسها بسبب وجود نوع منقرض من الحشرات أو الحيوانات تعيش في تلك المناطق. قد يرى البعض أن وجودها غير مهم في الوقت الذي تمثل تلك الأراضي سلعة غالية لتجار العقار, لكن القانون وكذلك سكان المنطقة سيعارضون أي اعتداء على تلك المحميات بسبب ضرورة وجودها لخدمة دورة حياة الطبيعة والبشر.
فمتى نسمع عن قوانين للبيئة وتوعية بأهميتها, خاصة الصحراء التي عشنا فوقها لسنوات ولم نعرف إلا أخيرا أنها تختزن تحتها ثروتنا الأساسية, وهي النفط؟ وما زالت الصحراء واعدة بثروات أخرى وكثيرة من معادن وغاز وسيلكون للطاقة الشمسية وغيرها, وإننا إذا لم نحافظ عليها ونحترمها فإننا سنغير طبيعتها ما يؤثر في إمكانية الاستفادة منها مستقبلا! وكفانا تذمرا من الصحراء التي نعيش من خيراتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي