دروس من الأزمة المصرفية الألمانية: نظرة أقرب إلى مجالس الإدارات
يدعو عدد متزايد من حكومات دول العالم بعد الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم خلال الفترة الأخيرة إلى المزيد من التنظيمات المتشددة الخاصة بالقطاع المصرفي بهدف استبعاد تكرار مثل ذلك الفشل الذريع. غير أن هيرالد هاو، أستاذ العلوم المالية المشارك في ''إنسياد''، يقول إن الإدارة الأفضل للبنوك قد تكون حلاً أكثر فعالية لهذه المشكلة. وتنبع هذه النظرة العميقة من إلقاء نظرة على التجربة الألمانية بخصوص هذا الأمر.
ويقول هاو ''بينما تتصف الأزمة المالية في أغلب الحالات بكونها أزمة تتعلق بالنظام المالي على اتساعه، فإن حالات الإخفاق الفعلية كانت في القطاع المصرفي''. وقد قرر، بالتعاون مع مارسيل ثم، من جامعة درسدن، دراسة الأزمة من خلال تحليل آثارها على البنوك في بلد واحد هو في هذه الحالة الدراسية ألمانيا.
ويقول هاو ''إن من المفيد النظر إلى ألمانيا لأن لديها نظاماً مصرفياً فيه هيكلان مختلفان نسبياً، ومنفصلان فيما يتعلق بأسلوب إدارة الشركات''.
تنقسم البنوك الألمانية، على نحو أساسي، إلى بنوك لاندسبانكن المملوكة من قبل الدولية، وإلى مجموعة من البنوك التجارية، مثل ''دوتشه بانك''، و''كوميرزبانك''. ولم يكن أداء البنوك التابعة للدولة أسوأ مستوى فقط، نتيجة لهذه الأزمة، بل إنها كلفت دافعي الضرائب في ألمانيا مليارات اليورو في صورة عمليات للإنقاذ المالي. وقد قدمت ولاية شمال الراين – وستفاليا، على سبيل المثال، مليار دولار في صورة ضمانات قروض للبنوك التي تملكها الدولة فيها. وأما حكومة ولاية ساكسوني، فكان وضعها أسوأ، حين اضطرت إلى تقديم 2.73 مليار دولار إلى بنك ساشسن المملوك من جانب الدولة. ويمكن القول باختصار إن خسائر البنوك المملوكة من قبل الحكومة، نتيجة للأزمة المالية، كانت في حدود ثلاثة أضعاف خسائر بنوك القطاع الخاص. فلماذا حدث ذلك الأمر؟
إن الإجابة في رأي هاو هي في إدارات تلك البنوك، حيث درس هاو، مع تم، سير العمل الذاتية لأكثر من 593 من أعضاء مجالس الرقابة لأكبر 29 بنكاً في ألمانيا، إذ كانت موزعة مناصفة بين القطاعين العام والخاص. وقد وجدا أن مجالس رقابة بنوك الدولة كانت تعين من منطلقات سياسية، وكذلك فوجئا بأنها تضم ''أشخاصاً يفتقرون، على وجه العموم، إلى الخبرات المالية، وأن بعضهم ليست لديه أي خبرة في عالم المصارف''.
وبينما تمتع جميع أعضاء تلك المجالس بدرجة متساوية من التعليم تقريباً، ''فإن الكفاءة المالية كانت أعلى بثلاث مرات (حسب مقياس المؤشر) لدى البنوك التي يملكها القطاع الخاص، بالمقارنة مع البنوك التي تملكها الدولة''. وتظهر الدراسة كذلك أنه كلما زاد عدد المعينين من منطلقات سياسية في مجالس الرقابة، زاد معدل الفشل الناجم عن الأزمة المالية، بينما فشلت ''المجالس ذات الصبغة السياسية'' في تطبيق مبادئ سليمة في مجال إدارة المخاطر.
يسلط هاو كذلك الأضواء على التحديات الهائلة التي تواجهها أي سيطرة خارجية ''إذا كنت تابعاً لجهة خارجية، سواء كانت تنظيمية، أو رقابية، فإن من الصعب عليك بالفعل أن تفهم ما الذي يجري حقاً داخل مؤسسة كبرى. ويضاف إلى ذلك أن غياب المعرفة المالية يجعل السيطرة أمراً يقرب تماماً من الخيال، والوهم''.
بعد هذا البحث، أقرت ألمانيا قانوناً جديداً، حيث يستطيع منظمو البنوك، وفقاً لمواده، التخلص من أعضاء مجالس الرقابة الذين لا يتمتعون بمستوى معين من الكفاءة. وفي خطوة أولى بهذا الاتجاه، تفحص جهة الرقابة على البنوك الألمانية، وهي سلطة الرقابة المالية الاتحادية، مؤهلات أكثر من ثلاثة آلاف من أعضاء مجالس الرقابة في البنوك. وسيطلب من أولئك الأعضاء من ذوي الكفاءات المالية غير الكافية أن يتلقوا دروساً متخصصة في الإدارة التنفيذية. وإذا حصلت أي حالة رفض، فإن ذلك سيتسبب في فرض العقوبات. ولا تنطبق قواعد هذا القانون بأثر رجعي على تعيينات مجالس رقابة البنوك السابقة لتاريخ الأول من أيلول (سبتمبر) من عام 2009.
مع ذلك، فإن التنظيمات وحدها ليست هي الحل الوحيد. ويصر هاو على أنه يتوجب على حملة الأسهم الضغط من أجل مجالس أفضل. ويضيف ''في ظل التاريخ الطويل للرقابة المصرفية في العالم المتقدم، فإن هذه الأزمة هي بمثابة تذكير جديد بمحدوديات سلوك سبيل التنظيمات''.
ستظل البنوك في نظر هاو مؤسسات بالغة الهشاشة بسبب افتقارها إلى رأسمال الأسهم. ويقول في ذلك ''يجب أن تعمل السياسة الاقتصادية الجيدة على الحد من أثر البنوك على الاقتصاد ككل – يمكن أن يتم ذلك، على سبيل المثال عن طريق سحب المزايا الضريبية من تمويل الديون، أو حتى فرض ضرائب على المديونات الأعلى''.
إن الجانب السلبي في تقليص دور البنوك هو زيادة الاعتماد على الأسواق المالية التي هي في حاجة إلى تطوير بدائل للتمويل المصرفي. ويختم هاو حديثه بالقول ''سيكون النظام المالي للقرن الـ 21 أكثر استقراراً إذا قلل اعتماده على البنوك، وزاد من اعتماده على الأسواق المالية، ولكن احتمالات ذلك أقل إذا اختلطت مصالح البنوك مع المصالح السياسية. وهذا سبب آخر لإبعاد السياسيين، والبيروقراطيين، عن مجالس رقابة وإدارة البنوك''.