قرار إنشاء جمعية «الجودة» يسهم في القضاء على «البيروقراطية» .. واستقلاليتها شرط نجاحها
عد الدكتور عبد الرحمن العزام رئيس اللجنة الوطنية السعودية للجودة قرار مجلس الوزراء الأخير الخاص بإنشاء الجمعية السعودية للجودة قرارا تاريخيا وعلامة مهمة في تاريخ تطور الجودة في المملكة، متمنياً أن تساعد الجمعية وتسهم في القضاء على الهدر والبيروقراطية في مختلف القطاعات.
وأكد العزام في حوار أجرته معه ''الاقتصادية'' أن أهم شروط نجاح الجمعية أن تكون مستقلة تماما بأنشطتها وقراراتها ودراساتها, مع اختيار القياديين الأكفاء الذين يتولون دفة القيادة عبر مجلس إدارة قوي تتوافر فيهم القيادة، ووضوح الرؤية والخبرة والممارسة الفعلية في مجال الجودة والاقتناع في الأهداف، مطالباً في الوقت ذاته بعدم إعطاء الفرصة لمن يكون لديه تضارب مصالح أو أجندة شخصية، مع وجود موارد مالية كافية.
ولفت رئيس اللجنة الوطنية السعودية للجودة إلى أنه من المنتظر أن تلعب الجمعية السعودية للجودة دورا بارزاً في تأهيل المتخصصين في الجودة وفي الجانب المهني عموما، لتقنينه وتنظيمه، بحيث تساعد على إيجاد قاعدة كبيرة من الاستشاريين والمختصين بهذا المجال ليسهموا في مشروع الجودة الوطني الكبير.
وتمنى العزام أن يتبع تأسيس الجمعية السعودية للجودة إنشاء فروع خاصة بها في عدد من القطاعات ومن أهمها لقطاع الصحي، والتعليمي، لتلعب دورا في عمل الدراسات المقارنة، واستجلاب أفضل الممارسات، وتقديم المقترحات والحلول التي تساعدها على تحسين الخدمات المقدمة للمستفيد.
لكن العزام أكد عدم وجود تضارب في أعمال الجمعية مع الجهات الحكومية الأخرى، وأنها ستكمل الحلقة المفقودة في منظومة الجودة في المملكة.
وتحدث العزام عن كثير من الأمور المتعلقة بأهمية الجودة نوردها في تفاصيل الحوار:
حدثنا في البداية عن اللجنة الوطنية السعودية للجودة متى تأسست؟ وماذا حققت؟
تأسست اللجنة الوطنية للجودة في أيلول (سبتمبر) 2000 تحت مظلة مجلس الغرف التجارية الذي احتضن اللجنة وسهل أعمالها. وللجنة مجلس تنفيذي من 15 شخصا (كلهم من المتطوعين) يمثلون أهم القطاعات الأهلية وبعض الجهات الحكومية ويزيد عدد منتسبي اللجنة عن 1500 شخص من مختلف القطاعات. ولدى اللجنة فروع في بعض مناطق المملكة مثل جدة، مكة، الدمام، المدينة، الإحساء وهناك لجان فرعية تعمل في قطاعات معينة .. وتعتمد اللجنة على جهود أعضائها المتطوعين، ورسالتها هي الرقي بمستوى الجودة في المملكة من خلال الإسهام في تحسين جودة الخدمات والمنتجات والمعلومات ونشر مفاهيم ومبادئ الجودة. وقد حققت اللجنة بإمكانياتها المحدودة نجاحا ملموسا في كثير من أهدافها أبرزها طرح مشروع جائزة الملك عبد العزيز الوطنية للجودة التي أنيطت بالهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة لإدارتها والإشراف عليها وقد أسهمت اللجنة الوطنية بفاعلية في إعداد لوائحها ومعاييرها الفنية, كما أسست اللجنة المؤتمر الوطني للجودة الذي يعقد دورته الثالثة هذا الأسبوع في مدينة جدة. إضافة إلى النشاطات الأخرى التي تقوم بها اللجنة لنشر الوعي بالجودة عن طريق الندوات واللقاءات العلمية وورش العمل التي تعقد في أنحاء متفرقة في المملكة. كما تصدر اللجنة مجلة ربع سنوية باسم (الجودة)، وتوزع أكثر من خمسة آلاف عدد على مختلف الجهات الحكومية وغير الحكومية.
كما أن اللجنة تسهم في دعم كثير المبادرات الوطنية التي لها علاقة بالجودة مثل المشاركة في تقييم وتحكيم بعض جوائز الجودة والتميز وتقديم الاستشارات لبعض الجهات الحكومية فيما يتعلق بأفضل ممارسات الجودة. وأود أن أغتنم الفرصة وأقدم وافر الشكر والعرفان باسمي وباسم جميع أعضاء ومنتسبي اللجنة الوطنية للجودة إلى مجلس الغرف التجارية على دعمه للجنة وتسهيل أعمالها وعدم التدخل بشؤونها طوال عقد من الزمن وكذلك مباركته لفكرة تحويل اللجنة إلى جمعية تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة كما أخص بالشكر الدكتور فهد السلطان (أمين عام المجلس) على مشاركته ومتابعته اللجنة وكذلك دعمه لمشروع الجمعية من البداية إلى النهاية.
قرار إنشاء الجمعية السعودية للجودة فاجأ كثيرا من المهتمين في هذا المجال ولكن يظهر أن اللجنة الوطنية للجودة كانت تتوقع هذا القرار؟
هذا صحيح لأن اللجنة الوطنية للجودة هي من تقدم بمشروع تحويلها من لجنة إلى هيئة على غرار ما تم عندما تحولت لجنة المهندسين في مجلس الغرف إلى هيئة تابعة لوزارة التجارة، وقد بدأ مشروع جمعية الجودة السعودية حين تشرفت اللجنة الوطنية للجودة بلقاء الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد حفظه الله في ذي الحجة 1428 هـ, حيث تم عرض إنجازات اللجنة عليه، ولما علم بأن كامل أعضاء اللجنة هم متطوعون وأنهم يتبوؤن مراكز مرموقة في أنجح وأكبر الشركات والمؤسسات وبعض القطاعات الحكومية أكرمنا الأمير سلطان بكلمات الثناء والإطراء على اللجنة وعلى جهودها الوطنية والتي نعدها أوسمة على صدورنا وتتويجا لجهود جميع أعضاء اللجنة.
وذكرنا للأمير سلطان أن طموحات اللجنة هي تحويلها إلى هيئة وكما نعرف أن له أياد بيضاء على كثير من اللجان والهيئات والجمعيات الوطنية وبارك الأمير سلطان تحويل اللجنة إلى هيئة لتسهم في دعم عجلة التنمية الوطنية وخدمة المجتمع ووجه اللجنة بإعداد مسودة مشروع للهيئة الوطنية للجودة ورفعه لمقامه الكريم. وشكلت اللجنة فريق عمل من المختصين باللجنة لإعداد المشروع وتم رفع مسودة التنظيم بتاريخ 20/1/1429 هـ للأمير سلطان الذي تكرم بتوجيه الجهات المختصة لدراسته.
وبعد تولي عبد الله زينل وزارة التجارة والصناعة زارته اللجنة وتم اطلاعه على إنجازات اللجنة وفكرة المشروع المقترح الذي قدم لولي العهد وقد تحمس الوزير للمشروع وعبر عن مساندته الكاملة له وهذا ليس بغريبا عليه لمعرفته بأهمية الجودة وانعكاساتها الإيجابية على جميع القطاعات وأبدى الوزير ملاحظة على الاسم المقترح وطلب البحث عن اسم بديل وبالطبع المسمى لا يعني شيئا ولكن المحتوى هو الأهم وهو إنشاء جهة مستقلة لها صفة اعتبارية تجمع المهتمين في الجودة في المملكة. وقد أخذ المشروع المقترح الذي قدم لولي العهد حقه من الدراسة والتمحيص من قبل الجهات المختصة مثل هيئة الخبراء ولجنة الإصلاح الإداري إلى أن صدر الأسبوع الماضي وقد كان توقيته رائعا مع قرب انعقاد المؤتمر الوطني الثالث للجودة في جدة الذي يرعاه خادم الحرمين الشريفين حفظه الله.
كيف تنظرون لقرار إنشاء الجمعية؟ وما الذي ستقدمه هذه الجمعية للمملكة؟
أعده قرارا تاريخيا وعلامة مهمة في تاريخ تطور الجودة في المملكة، وأرجو أن تساعد هذه الجمعية وتسهم في القضاء على الهدر والبيروقراطية في مختلف القطاعات، فالطموحات كبيرة وما يمكن أن تحققه هذه الجمعية يعتمد في الأخير على مدى استقلاليتها وحجم الصلاحيات والمهام التي ستناط بها، وكذلك قوة مجلس إدارتها والدعم الذي يعطى لها لأن محاربة البيروقراطية والهدر ستواجه مقاومة شرسة من المستفيدين منها.
#2#
هل يعني ذلك أن هناك تضاربا بين مهام الجمعية الجديدة والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس للجودة؟
بالتأكيد لا .. وبإنشاء الجمعية نحن لا نأتي بجديد في إنشائها فقد سبقتنا بها الدول المتقدمة فمثلا في اليابان هناك منظمة المواصفات اليابانية الحكومية (JSA) وفي المقابل هناك هيئة مدنية للجودة تسمى (JUSE) تقوم بإدارة ودعم جائزة ديمنغ العالمية للجودة, وفي الولايات المتحدة الأمريكية هناك معهد التقييس الأمريكي (NIST) وهي جهة حكومية إضافة إلى جمعية الجودة الأمريكية (ASQ) وهي منظمة مدنية تعد أحد أهم المراجع العالمية لممارسات الجودة وامتحاناتها كما أنها تعد الذراع الفنية لجائزة مالكوم بالدريج للجودة التي يشرف عليها معهد التقييس الأمريكي وكذلك الحال في كثير من الدول الأوروبية. لذا أعتقد أن هذه الجمعية ستكمل الحلقة المفقودة في منظومة الجودة في المملكة ونأمل أن تعطي زخما كبيرا لتفعيل وتطبيق كثير من الخطط والاستراتيجيات والقرارات التي لم تأخذ طريقها إلى التطبيق بسبب عوائق البيروقراطية, وأتمنى أن تكون هذه الجمعية مستقلة تماما لتعطي التوازن المطلوب للنجاح وتكون جهة مهنية مستقلة لتؤدي الدور الذي أنشأت من أجله مع أهمية التعاون والتكامل الفعال مع جميع الجهات ذات العلاقة الحكومية وغير الحكومية, وهذه الاستقلالية ستعطي الجمعية المصداقية الضرورية إن هي أعطيت الفرصة لتقييم أوضاع بعض الجهات والتعرف على مواطن الخلل في نظام عمليات وإجراءات القطاعات التي تعاني ضعف الخدمات وبطء الإجراءات وصعوبة تطبيق القرارات، ويؤمل من هذه الجمعية المساعدة في تقديم الحلول لتسهيل الإجراءات وإعطاء المستفيد أو المراجع الاحترام الذي يستحقه والخدمة التي توافق تطلعاته.
بعض الجمعيات ينطفئ نشاطها مع الوقت ولا يصبح لها أثر ملموس في المجتمع ولكن يبدو أنك متفائل للجمعية السعودية للجودة لماذا؟
الجميع الآن ينتظر صدور تنظيم الجمعية وهي لن تبدأ من الصفر لأن هناك نشاطات ومبادرات في مجال الجودة ونتوقع أن تكون هذه الجمعية على غرار الهيئة السعودية المهندسين عند صدور تنظيمها والتي أنشأت بطريقة مشابهة حيث كانت لجنة وطنية في مجلس الغرف التجارية وتحولت إلى هيئة بشخصية اعتبارية تحت إشراف وزارة التجارة والصناعة وفي ذلك الوقت اختيرت نفس المجموعة التي تقدمت لتأسيس هيئة المهندسين إلى قيادة العملية الانتقالية للهيئة وتسريع عملية التأسيس والانطلاق ومن ثم انتخاب مجلس إدارتها وتوسيع نشاطاتها وعضويتها لتشمل جميع المهندسين في المملكة من جميع القطاعات الأهلية والحكومية، ومن الملاحظ أن الهيئة السعودية للمهندسين حققت نجاحات بارزة في عمرها القصير نسبيا، لذا دعنا نتفاءل بهذه الجمعية الوليدة لأنها ستكون للجميع توحد الجهود المبعثرة الآن وتقود المبادرات وتلم شمل جميع الخبراء المهتمين بشأن الجودة في المملكة. وهي لن تكون جمعية علمية فقط ولكنها مهنية ومركز للمعرفة والتدريب وبيت خبرة للإتقان والتميز وكل ما يختص بعلوم ومفاهيم وآليات وتقنيات الجودة.
وماذا تعني الجودة بشكل عام؟ ومن أين تبدأ؟
الجودة لا تخص المنتجات فقط ولكن تعني الإتقان وإتمام العمل بأمانة وكفاءة وإخلاص بحيث يؤدى العمل بشكل صحيح ومن أول مرة, الجودة تعني الاهتمام بالمراجع أو العميل ومعرفة رغباته وتوقعاته والعمل على تحقيقها بأسهل وأيسر الطرق، كما تعني احترام المراجع وتقديم خدمة توافق تطلعاته مع التحسين المستمر للإجراءات وتعني القضاء على الهدر والتسيب ورفع كفاءة الأداء وتسهيل الإجراءات وتبسيط عملية اتخاذ القرارات .. من المفترض أن ثقافة الجودة تكون جزءا من حياتنا اليومية في بيوتنا وأعمالنا وطريقة تعاملنا مع الناس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).
الجودة مفهوم بسيط ولا يحتاج إلى تنظير وكلما تم تبسيط المفهوم زادت فعاليته فالجودة تدور حول ثلاثة عناصر رئيسية هي العميل الذي ينبغي أن تحدد احتياجاته وتوقعاته، والموظفين الذين يقومون بالعمل، والنظم والإجراءات الداخلية التي تطبق لإنتاج الخدمة أو المنتج.
هل ترون أن المملكة متراجعة في مجال الجودة؟
تصعب الإجابة بنعم أو لا .. لأن السؤال عام فعندما، نتحدث عن الخدمات المقدمة للمواطن ولا أريد التعميم هنا ولكن عندما ننظر لكثير من الجهات التي تقدم خدمات للمواطن والمقيم فلا آتي بجديد إذا قلت إن الجودة لا تكون متراجعة فقط بل مفقودة، وكثير من العاملين المسؤولين عن تقديم الخدمات قد لا يعلمون بأن من واجبهم احترام عملائهم وتقديم خدمة جيدة لهم، ولكن الخلل ليس دائما في الأفراد الذين هم يعكسون الواقع البائس لمنظماتهم وإداراتهم, وعندما نتحدث عن المنتجات فهناك منتجات محلية على مستوى عال وقد تفوق مثيلاتها في العالم مثل الألبان والبلاستيك والبتروكيماويات وغيرها، ولكن كم تمثل هذه المنتجات التي تطابق المواصفات من حجم ما يطرح في السوق للمستهلك؟! أعتقد أنها لا تزيد على نسبة قليلة جدا وحيث نلاحظ أن الأسواق تمتلئ بالسلع المقلدة والرديئة التي تؤثر في الصحة والبيئة وتعد هدرا لمال المستهلك الذي يجد صعوبة في الحصول على سلعة أصلية أو حتى جيدة.
قرار مجلس الوزراء حث على أهمية تطبيق الجودة في الخدمات والمنتجات.. ماذا تعني الجودة في الخدمات وأيضا في المنتجات؟
الجودة في الخدمات تعني أنني عندما أذهب إلى أي دائرة حكومية أو أي جهة تقدم خدمة (مدفوعة أو عامة) أن أجد نظاما للانتظار (أرقام مثلا) وأن أنتظر وقتا معقولا قبل أن أواجه الموظف الذي يجب أن يحترمني ويحاول قدر استطاعته تقديم الخدمة لي بيسر وسهولة.. الجودة في الخدمات تعني ألا أضطر إلى إرسال شخص في الخامسة فجرا لحجز رقم يأتي دوره بعد صلاة الظهر، وأحيانا قد لا يكفي لإنهاء معاملتي بسبب عدم وضوح المتطلبات أو عدم مبالاة الموظف بإيجاد حلول لمساعدتي. الجودة هي ألا أضطر إلى البحث عن صديق أو قريب أو مسؤول لمساعدتي على إنهاء معاملتي بل بطاقتي الوطنية هي ورقة الشفاعة.. الجودة في الخدمات تعني استخدام التقنية لإيجاد أيسر السبل وأسهلها لتقديم الخدمة بيسر وسهولة .. الجودة تعني أن يقوم الموظف بخدمة المراجع بنفس الحماس واللطف الذي يبديه عندما يزوره قريب أو صديق لإنهاء معاملته.
أما الجودة في المنتجات فيجب أن يكون المنتج صالحا للوفاء بالغرض الذي اشتري من أجله وأن يستوفي أدنى المواصفات من ناحية ملائمة الاستخدام والصحة والبيئة، وأن يكون لدى المستهلك ثقة بالمنتج ويستطيع معرفة جودة المنتج من النظر إلى ما هو مكتوب عليه بدلا من الوضع الحالي الذي يعانيه المستهلك من كثرة السلع والمنتجات الرديئة وغير المطابقة.
ثقافة الجودة من أين تبدأ؟ وكيفية نشرها؟
ثقافة الجودة هي ثقافة الإتقان والتميز والأداء الفعّال والإنتاج والحماس والإبداع وعدم الكسل وعدم هدر الوقت بقراءة الصحف والأحاديث.. هي ثقافة التحسين المستمر والحماس منقطع النظير لتقديم خدمة متميزة.
ثقافة الجودة تبدأ أولا من الفرد نفسه وذلك بمراعاة تقوى الله في الأمانة الملقاة على عاتقه بإخلاص العمل وتأديته بالشكل المطلوب منه. إن وجود هذه النوعية من الموظفين هو البذرة السليمة التي تساعد على نجاح تطبيق الجودة وهم أبطالها ويجب أن نقوم بنشر ثقافة الجودة على كل المستويات.
من أين ستستمدالجمعية السعودية للجودة قوتها؟
من المتوقع أن ينشر قريبا تنظيم الجمعية الذي يحتوي على مهامها وشروط عضويتها وهو الذي يحدد نطاق أعمالها وصلاحياتها ويحدد السقف الأعلى للدور الذي يمكن أن تلعبه, وأهم شروط نجاح الجمعية أن تكون مستقلة تماما بأنشطتها وقراراتها ودراساتها, ويأتي بعد ذلك اختيار القياديين الأكفاء الذين يتولون دفة القيادة عبر مجلس إدارة قوي والذي يجب أن تتوافر فيهم معايير مثل القيادة ووضوح الرؤية والخبرة والممارسة الفعلية في مجال الجودة والاقتناع بالأهداف التي أنشئت من أجله الجمعية ولا يجب أن تعطي الفرصة لمن عنده تضارب مصالح أو أجندة شخصية. والعامل الآخر الذي يعطي قوة إلى أي جمعية هو وجود الموارد المالية الكافية للقيام بعمل احترافي وكذلك وجود الدعم لها من المسؤولين.
هل ربطها مع وزارة التجارة سيعزز موقفها؟
نعم بكل تأكيد ولا أقولها مجاملة ولكن من يعرف عبد الله زينل وزير التجارة والصناعة يعرف حرصه ودعمه وتحمسه إلى إنشاء هذه الجمعية، وبحكم خلفيته وخبرته في قطاع الأعمال يقدر أهمية الجودة ودورها المهم في الاقتصاد والتنمية، لذا فإن ربطها بوزارة التجارة والصناعة مصدر قوة للجمعية.
ما القطاعات التي من المهم أن تتقن الجودة في المقام الأول؟
جميع القطاعات ولا أرى سببا يمنع من تطبيق الجودة في وقت متزامن في كل المجالات سواء الخدمي أو الصناعي أو الإنتاجي أوالصحي أو التعليمي والمالي وحتى المؤسسات والجمعيات غير الربحية. وهذا ليس صعبا ففي ظل قيادة الملك عبد الله حفظه الله ورؤيته الشاملة للإصلاح والتغيير يجب أن تكون رؤيتنا السعي إلى مرحلة شاملة من التغيير في جميع القطاعات لمحاربة البيروقراطية والفساد، والهدر وإعادة هندسة العمليات والإجراءات ومراجعة الأنظمة التي وضعت قبل زمن طويل ونستبدلها بإجراءات تناسب العصر وتضع خدمة المستفيد وتلبية احتياجاته غايتها الأولى مع تسهيل الإجراءات بإلغاء الأنشطة والمتطلبات التي لا تضيف أي قيمة وكذلك استخدام التقنية والاستفادة من الممارسات الناجحة أينما كانت.
الجودة بالنسبة للقطاع الصحي لها دلالة وأثر كبير في جميع دول العالم ما تقييمكم لهذا القطاع في المملكة من حيث جودة الخدمات؟
لا أستطيع إعطاء تقييم من دون معلومات ولكن رأيي الشخصي كمواطن أرى أن الخدمات في القطاع الصحي الآن لا ترقي إلى تطلعات المواطن ولا تلبي احتياجاته ولاتليق بمكانة المملكة ولامواردها الاقتصادية وحسب علمي هناك بعض المبادرات الجيدة داخل وزارة الصحة تسعى إلى نشر ثقافة الجودة ورفع مستوى الأداء في جميع مراكز الخدمات الصحية وأتمنى أن يتم دعمها وتفعيلها وإنجاحها وتعميمها لتنعكس إيجابيا على الخدمات الصحية.
هل ترون أن دور الجمعية في هذا المجال سيكون كافيا؟
ينبغي ألا نرفع سقف التوقعات بالنسبة لهذه الجمعية الوليدة وننتظر منها الحل السحري لجميع مشكلاتنا البيروقراطية والتنظيمية ولكن قد تقوم الجمعية (إذا سمح نظامها) بإنشاء جمعيات فرعية خاصة بالقطاعات كالقطاع الصحي أوالتعليمي وتقوم هذه الجمعية الفرعية بالتركيز على هذا القطاع وعمل دراسات المقارنة واستجلاب أفضل الممارسات وتقديم المقترحات والحلول التي أن نفذت ستساعد الجهات على تحسين الخدمات المقدمة للمستفيد.
هل المراقبة المكثفة تعزز من الحرص على الجودة؟
إذا كنت تقصد مراقبة الجودة (Quality Control) كإستراتيجية لرفع مستوى جودة الخدمات فالجواب بالنفي لأن هذا المفهوم (المراقبة والتفتيش) أثبت فشله وحلت مكانه المراقبة الذاتية التي تتبلور بعد تدريب الموظف وزيادة ثقافته العملية وتشجيعه على العمل المتقن والمتميز وزرع روح الإبداع فيه.
ولكن عندما نتكلم عن القطاع الصناعي فتحتاج إلى نظام لمراقبة خطوط الإنتاج كجزء من نظام الجودة الشامل.
أما مراقبة الأسواق والمنافذ للحد من السلع الرديئة فهي ضرورية ولكن يجب أن تكون جزءا من إستراتيجية متكاملة تشارك فيها كل الجهات المعنية تحدد فيها الأهداف والمسؤوليات ويكون هناك نظام صارم للمخالفات.
هل الجودة مكلفة ماديا؟ وهل عوائدها مجزية؟
هي ليست تكلفة ولكنه استثمار يعطي عوائد مجزية, أذكر كتابا لعالم الجودة المعروف (فيليب كروزبي) اسمه Quality is free (الجودة مجانية) بين فيه أن إنجازاتنا في تطبيق الجودة تقاس بقدرتنا على تخفيض الهدر الناتج عن عدم تطبيقنا لها والذي قدره بـ 40 في المائة من ميزانيات المؤسسات الخدمية و25 في المائة من ميزانيات المصانع.
فالقضاء على هذا الهدر الكبير والمكلف يحتاج إلى تأهيل العاملين ووضع الآليات وتخصيص أوقات من ساعات العمل للجودة والتحفيز والتشجيع والنتيجة تكون مردودا أكبر بكثير مما استثمر، وهذا واقع ملموس تجده في جميع الشركات العالمية الكبرى التي زاد نموها ورفعت إيراداتها عبر تطبيقات الجودة.
ما أهم الدول في رأيك التي تتبع وتهتم بمفهوم الجودة؟
عند الحديث عن الجودة يتبادر إلى الذهن اليابان لأنها أول من انتبهت إلى أهميتها في النمو الاقتصادي وفي رفع مستوى الخدمات لمواطنيها وبدأت ذلك في الخمسينات الميلادية وبعد ذلك بثلاثة عقود تبعتها الولايات المتحدة الأمريكية ثم الدول الأوروبية وكندا وماليزيا وسنغافورة وغيرها, وأفضل مؤشر لاهتمام الدول بالجودة هو إنشاؤها الجوائز الوطنية للجودة التي تمثل مرجعية وطنية للأداء والتميز ونلاحظ الاهتمام الكبير على أعلى المستويات في احتفالات هذه الدول بجوائزها الوطنية للجودة مثل جائزة ديمنغ اليابانية وجائزة مالكولم بالدريج الأمريكية والجائزة الأوروبية للجودة.ومن الملاحظ في السنوات الأخيرة بروز الاهتمام بجوائز الجودة والتميز في المملكة وهي ظاهرة إيجابية أرجو أن تستمر خاصة أن بعضها تمتاز بالمصداقية ووضوح معايير التحكيم والاختيار.
هل تؤيد فكرة إنشاء إدارات للجودة في القطاعين العام والخاص؟
الوضع المثالي أن يكون كل موظف في المنشأة مدير جودة يسعى لتطبيقها ويجعل عملائه محور اهتمامه ويشارك بفعالية في عمليات التحسين المستمر لرفع مستوى الأداء والكفاءة التشغيلية وتحقيق رضا العملاء, هذا هو الهدف البعيد والصعب ولكن لكي نصل إلى ذلك المستوى يلزم واقعيا إنشاء إدارات جودة يقوم عليها مهندسون متخصصون للقيام بالعمل بشكل احترافي ولاختيار الآليات والطرق المناسبة للمنشأة وتطبيقها بمنهجية ومرحلية تساعد على تحقيق النجاح لأن هناك منهجيات وآليات كثيرة جدا.
ما عوائق تطبيق الجودة؟
أستطيع أن أسرد لك عددا كبيرا من العوائق ولكن أبرزها وأهمها هي عدم اهتمام بعض الإدارات العليا أو بعض كبار المسؤولين بهذا المفهوم أما لجهلهم أهميته وانعكاساته الإيجابية على منشأتهم وإما عدم الاكتراث باحتياجات المستفيد وتطلعاته بسبب قلة المنافسة (القطاع الخاص) أو انعدام المساءلة عن ضعف مستوى الخدمات في القطاع العام, كما أن مقاومة التغيير من الداخل تعد أكبر عوائق تطبيق الجودة, وكذلك قلة عدد المتخصصين في الجودة يعد عائقا لإنجاح التطبيق فحتى إن وجد الدعم والحماس من الإدارة العليا إذا لم يوجد متخصصون لدراسة وضع المنشأة ووضع إستراتيجية واضحة للجودة واختيار الآليات والأدوات التي تناسب المنشأة مثل قدرة العاملين على استيعاب هذه الأدوات وسهولة تطبيقها وسرعة ظهور نتائجها فإن ذلك قد يؤدي إلى الفشل السريع بينما وجود من لديه الخبرة والمعرفة والممارسة يساعد كثيرا في تقليل فرص الفشل وتسريع خطوات النجاح. ومن المنتظر أن تلعب الجمعية السعودية للجودة دورا بارزا في تأهيل المتخصصين في الجودة وفي الجانب المهني عموما لتقنينه وتنظيمه، بحيث تساعد على إيجاد قاعدة كبيرة من الاستشاريين والمختصين بهذا المجال ليسهموا في مشروع الجودة الوطني الكبير.