المؤسسات المالية الإسلامية تقدم ملموس في تحقيق توجهات المسؤولية الاجتماعية

المؤسسات المالية الإسلامية تقدم ملموس في تحقيق توجهات المسؤولية الاجتماعية

وفي هذا الإطار صدر تقرير بعنوان "توجهات المسؤولية الاجتماعية في المؤسسات المالية الإسلامية" عارضاً نتيجة دراسة مسحية أجرتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الاسلامية AAOIFI بالاشتراك مع دار الاستثمار و"دينار ستاندارد" Dinar Standard.

وتهدف تلك الدراسة إلى معرفة مدى تطبيق المؤسسات المالية التي تعمل وفقاً للشريعة المعايير التي وضعتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، والتي تغطي 13 عنصراً للمسؤولية الاجتماعية. ومن أهم الخطوط العريضة التي خرجت بها الدراسة بالنسبة لمعايير الهيئة المشار إليها ما يلي:

الأعمال الخيرية: أكد 76 في المئة من المؤسسات المشاركة في الدراسة أن لديها سياسات للأنشطة الخيرية، مقابل 17 في المئة لا توجد لديها تلك السياسات.

ووجد أن هذه الأنشطة لا تزال تعد في مقدمة أولويات المؤسسات المالية الإسلامية إلا أن أغلبيتها لا تهتم باستخدام إمكاناتها لزيادة الاعتمادات المخصصة للأعمال الخيرية والظروف الطارئة، حيث لم يتوافر هذا إلا في 34 لدى المئة فقط.

الاستثمارات المسؤولة: أكدت 55 في المئة من المؤسسات المشاركة أنها تهتم بوضع سياسات تتيح تخصيص حصص من الاستثمار لمجالات التنمية والبيئة.

وذلك مقابل 38 في المئة لا توجد لديها مثل تلك السياسات. إدارة الوقف والزكاة: لم تتوافر سياسات خاصة بإدارة الأوقاف بالنيابة عن العملاء إلا في 10 في المئة فقط من المؤسسات المشاركة في الدراسة.

بينما 38 في المئة منها تدير أموال الزكاة بالنيابة عن العملاء. ويعرض التقرير عدداً من البرامج الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية التي تشارك فيها المؤسسات التي تضمنتها الدراسة. ومنها برامج المشروعات متناهية الصغر المطابقة لأحكام الشريعة، وبرنامج الإدخار التكافلي الخيري وهو برنامج استثماري ذو بُعد اجتماعي.

وبشكل عام فقد خلصت الدراسة إلى أن المؤسسات المالية التي تعمل وفقاً للشريعة بدأت بداية موفقة في أغلبية العناصر المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية، على النقيض من الانتقادات التي توجه غالباً لصناعة التمويل الإسلامي بشكل عام. إلا أن هناك تبايناً في هذا التوجه بين المؤسسات المختلفة. كما أن هذه المؤسسات انتقلت أخيراً من إطار العمل السلبي الذي يعتمد على التجنب (كما في الجيل الأول) إلى إطار عمل إيجابي فاعل يعتمد على الدخول في أنشطة تعبر عن المسؤولية الاجتماعية (الجيل الثاني). ويرى التقرير أن المؤسسات المالية الإسلامية بإمكانها إحداث تغيير جذري في هذا الصدد بما لها من بنية تحتية لا يستهان بها.

أوجه القصور

على الرغم من اعتبار البعض أن المؤسسات المالية الإسلامية لم تقم بالدور الاجتماعي المتوقع منها إلا أن نتائج المسح أفادت أن هناك خطوات لا يمكن إنكارها قامت بها المؤسسات الإسلامية في هذا الصدد. ولكن هناك عدة فجوات فيما يتعلق بالفرص والمجالات التي لم يتم التطرق إليها:

تحتل الأنشطة الخيرية الأولوية بالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية إلا أن هذا يتم من خلال توجه تقليدي لا يرقى للدور المنتظر من تلك المؤسسات ولا لإمكاناتها الضخمة. فقد أكدت 76 في المئة من المؤسسات المشاركة في الدراسة أنها تدعم تلك الأنشطة من خلال برامج وسياسات، مما يدل على كون هذا الأمر من الأولويات على أجندة هذه المؤسسات دون أي مؤثرات أو ضغوط خارجية.

ووجد أيضاً أن نحو نصف المؤسسات (52 %) تستهدف شرائح أو مجموعات أو مؤسسات معينة تحتاج المساعدة ومد يد العون لها. وغالباً ما تكون الفئات المستهدفة هي الشرائح التقليدية التي يتم توجيه المساعدات لها.

وهذا يعني أن المؤسسات المالية الإسلامية لا تبذل جهداً كبيراً في التعمق في العمل الاجتماعي بدراسة الأسباب التي جعلت تلك الفئات معوزة والعمل على تقديم حلول فاعلة وإنما اكتفت بالدور التقليدي.

ويعتبر هذا بمثابة دليل على أن تلك المؤسسات لا تستغل البنية التحتية المتوافرة لديها للعمل على تنمية الموارد التي تخصص لتحمل المسؤولية الاجتماعية.

وثمة نقطة مهمة تتمثل في أن الأولوية التي توليها المؤسسات الإسلامية للبيئة تنصب على مجالات الحفاظ على البيئة وليس الاستثمار. فبينما تهتم غالبية المؤسسات (52 %) بالعمل على تقليل تأثيرها في البيئة نجد أن 38 في المئة فقط تقوم فعلياً باستهداف الآثار على البيئة من خلال حصص خاصة ومحددة. وللأسف أن هذا يعزز المفهوم المغلوط بأن الإسلام لا يضع الاهتمام بالبيئة في اعتباره عند تناول احتياجات الفقراء، حيث يتصدرها المسكن والملبس والغذاء. ويبرر هذا التصور غياب المبادرات التي تطلقها المؤسسات الإسلامية وتعمل على دعم البيئة. ويوصي التقرير بأن تعمل هذه المؤسسات على تقديم برامج تتعرض للقضايا البيئية التي تؤرق العالم بأسره مثل قضية تغير المناخ وغيرها. ويمكن الاستفادة من تجربة بنك HSBC أمانة، حيث استعان بالخبرات الكبيرة للبنك التقليدي في هذ المجال.

ورصدت الدراسة المسحية أن المؤسسات المالية الإسلامية تضع على رأس أولوياتها متابعة العملاء (97 %)، والناحية الخدمية (79 %) والتعاملات الموثوق بها مع العملاء (76 %). وهذا يعد مؤشرا جيدا إلى حد ما، إلا أنه ليس كافياً للتسليم بأن صناعة المصرفية الإسلامية تقوم بمسؤوليتها الاجتماعية بمنأى عن اهتماماتها المعهودة. ويرجع هذا إلى أن تلك الأولويات ذات صلة بالمسؤولية الاجتماعية إلا أنها تدخل في صميم العملية المصرفية لتلك المؤسسات أي أنها ليست مقصودة بذاتها.

وثمة نقطة تتعلق بالقوى العاملة حيث إن الموظفين في تلك المؤسسات يتمتعون باهتمام كبير؛ نظراً لوجود سياسات تحافظ على حقوقهم وتضمن رفاهيتهم. وقد وجد أن 83 في المئة من المؤسسات المشاركة في الدراسة تتبنى سياسات تضمن تكافؤ الفرص، و93 في المئة منها توفر رواتب وحوافز مميزة، و86 في المئة تعتمد سياسات ضد التمييز.

وعلى الرغم من هذا فإن هناك قضيتين مهمتين؛ الأولى تتعلق بعدم وضوح الحماية التي توفرها تلك السياسات، حيث لا يمكن تقييمها دون الرجوع للنص الأصلي لها. ويلاحظ أيضاً عدم كفاءة آلية تقديم الشكاوى، والتعويضات.

والقضية الثانية تتعلق بأن نصف المشاركين في الدراسة تقريباً (52 %) لديها سياسات تتعلق بالمجموعات ذات الخلفيات غير المرغوب فيها.

وهذا يعني أن تلك المؤسسات لا تعطي الأشخاص ذوي الخلفيــــــــات السيئة إلى حد ما الفرص المتساوية التي يحتاجون إليها لينالوا فرصتهم في المجتمع.

ومن النقاط التي تحتاج إلى إعادة دراسة ما أطلق عليه "الفرص المهملة" ويقصد بها إدارة الوقف والزكاة.

ويرصد التقرير أن 10 في المئة فقط من المؤسسات المشاركة تضع سياسات لإدارة أملاك الوقف بالنيابة عن العملاء مقابل 33 في المئة لإدارة أموال الزكاة. ويعتبر أن تلك النسبة متواضعة جداً بالنظر إلى المبالغ الضخمة في هذين القطاعين، التي يمكن أن تمثل فرصاً غير مستغلة بالشكل الأمثل. وتوصي الدراسة بأن تهتم المؤسسات المالية الإسلامية بوضع سياسات من شأنها الاستفادة من تلك الفرص الضائعة.

أما بالنسبة للقرض الحسن فإن 59 في المئة من المؤسسات أكدت أن لديها سياسات ذات بعد اجتماعي في هذا الصدد. ويوصي التقرير بالتركيز على مدى تأثير وفاعلية هذه السياسات والتأكد من تحقيقها الهدف الاجتماعي المنشود.

وفي النهاية تطرح الدراسة توصية بإمكانية خوض المؤسسات المالية الإسلامية تجربة الاستثمار في بعض القطاعات ذات التأثير الفاعل من الناحية الاجتماعية و/أو البيئية.

ومنها قطاعات التعليم والرعاية الصحية للمحتاجين، وتحلية المياه، وتدوير النفايات وغيرها من المشروعات ذات البعد الاجتماعي أو البيئي.

الأكثر قراءة