ندوات البركة .. هل تهرم أم تجدد شبابها؟
> بدأت ندوة البركة قبل تسع وعشرين سنة وتحديدا عام1981م وبذلك بلغت عمر الشباب، ويشهد لها ما قدمته عبر هذه العقود الثلاثة مواكبة لمستجدات صناعة المال الإسلامي من الناحية البحثية، إذ إنه قد تمخض عن توجهات مجموعة البركة اهتمام خاص بالأبحاث والدراسات المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي، ويتمثل ذلك في المراكز البحثية التابعة لهذه المجموعة، ومنها مركز صالح كامل للدراسات الاقتصادية الإسلامية بجامعة الأزهر، ومركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، ومركز صالح كامل للدراسات والبحوث المصرفية الاسلامية بجامعة الملك سعود بالرياض، إضافة إلى روابط قوية وواضحة مع كبار علماء الهيئات الشرعية والمراكز الأكاديمية المنتشرة حول العالم، إلا أن معطيات طرح هذه الندوة المهمة وما يتبعه من تفعيل للنتائج تجعلنا نتساءل حول ما تقدمه هذه الندوات التي ينظر إليها المهتمون والمراقبون لصناعة المال الإسلامي من الناحية البحثية بعين المترقب للإنتاجات الجديدة، ونتساءل حول ربط هذه الطروحات باحتياجات الصناعة الحقيقية وأولوية هذه الاحتياجات.
ندوة البركة التابعة لمجموعة البركة، التي تضم أكثر من 300 فرع ومؤسسة تابعة في اثنتي عشرة دولة وحّدت أخيرا شعارها في مؤسساتها المنتشرة لتعطي انطباعا بالوحدة والتابعية لمؤسسة تنتهج دورا عالميا في صناعة المصرفية الإسلامية، وبذلك فإن تفرد هذه الشركة (مجموعة البركة المصرفية) من حيث الانتشار الجغرافي يعطيها القدرة على التواصل مع هذه الصناعة عن قرب، وتحديد احتياجاتها عبر دراسات إحصائية. وميزة هذه الندوة الأساسية هي توافر المعلومات من خلال هذه المجموعة المصرفية التكافلية الضخمة التي لا تتوافر لدى مؤسسات مصرفية أو نوافذ، أو شركات تكافل بالحجم والشفافية التي من الممكن أن تتوافر لمجموعة البركة، ونفوذ القائمين عليها في توجيه صناعة المال الإسلامي خاصة الشيخ صالح كامل، ولكن ماذا قدمت هذه الندوة لصناعة المال الإسلامي وهل حققت فعلا أهدافها المعلنة، ومن أهمها المساعدة والعمل على تطوير منتجات مالية إسلامية تفي أو تستوفي المتطلبات الفنية والشرعية؟
إن الإجابة عن الاستفسار السابق دون دراسة إحصائية توضح مدى إسهامات الندوة في هندسة الأدوات المالية الإسلامية يعتبر جوابا غير دقيق ولكن من النظرة العامة للصناعة المصرفية حول العالم، التي تعتبر فيها مجموعة البركة المصرفية الأكثر قوة ونفوذا في تشكيل وجه هذه الصناعة بحكم الأقدمية والانتشار الجغرافي، يجعلنا نقول إننا ما زلنا نطالب هذه المجموعة بحضور أكثر قوة وبتجديد وجهها الروتيني المستمر على مدار الأعوام ممثلا بندوة البركة في شهر رمضان الفضيل من كل عام، وبوجوب طرح أكثر واقعية وملاءمة للمستجدات الحالية، بناء على خطة استراتيجية واضحة من الممكن مراجعتها بحسب المستجدات والأولويات.
إن صناعة المال الإسلامي تشهد مخاضا مهما في وقتنا الحالي، وعلى القائمين عليها أن ينتبهوا لأهمية الوقت وتسارعه، فالاحتياجات العالمية للبدائل لن تفهم لغة الفقه المجردة، بل علينا أن نبني فهما مرتكزا على الفقه، ومنطلقا ضمن قواعد أخلاقية ومهنية.
إن تغيير الشعار وتوحيد الهوية أو الحصول على تصنيفات عالمية مرتفعة أمر جيد ولكن لن يكون أولوية بل لن يكون كافيا، والكل يعلم ما واجهته مؤسسات التصنيف الدولية من لوم بعد الأزمة المالية الأخيرة.
إن المسؤولية الملقاة على مجموعة البركة بالاهتمام بالتحديات التي تواجه صناعة المال الإسلامي ككل، والنظرة ذات الأبعاد الثلاثة معطيات وتحديات الحاضر، والمستقبل، والتخطيط قصير وطويل المدى واستدعاء كل ما من شأنه المحافظة على سمعة صناعة المال الإسلامية، وعدم الإسهام بشكل مقصود أو غير مقصود في تهميش عناصر فاعلة ومهمة في تحريك ركود هذه الصناعة، من شأنه أن يرسخ السمة السائدة وهي أن المصرفية الإسلامية على سبيل المثال همها الأكبر هو مشابهة الأنظمة المصرفية التقليدية دون النظر بعمق وعملية إلى محفزات الابتكار في الفقه الإسلامي لمنتجات مالية جديدة. إن دور المرأة في العمل على الارتقاء بهذه الصناعة مسألة مهمة، وتهميش هذا الدور سواء بالحضور الخجول للندوة، أو بقلة الأبحاث المنشورة ليس سمة صحية.
لقد كان ظاهرا في الندوة الأخيرة المشاركة النسائية الضعيفة بالرغم من أن لديها ما تقوله، مما يدعونا لدعوة القائمين عليها للاهتمام بهذا الدور.
قد نسمع في أعوام قادمة عن خطة رئيسة لهذه الندوة تسعى لاستقطاب علماء جدد، وبذلك تنفي عن نفسها دواعي الهرم وتسترشد بعلمائنا شيوخ الصناعة ولكن مع حضور فاعل لتلاميذهم حتى نستطيع تلافي أهم التحديات التي تواجه صناعة المال الإسلامي ومنها محدودية أعضاء الهيئات الشرعية، وهذه البادرة من هذه الندوة تحديدا ستثبت أن نظرة القائمين على هذا التجمع العالمي يبحثون عن الموضوعية في الطرح، والالتزام بنهج مقاصد ومصالح الصناعة في المديين القريب والبعيد، إضافة إلى الحرص على التجديد والخروج من النمطية.