هل يستنزف ميزانية الدول المستوردة!

هل يستنزف ميزانية الدول المستوردة!
هل يستنزف ميزانية الدول المستوردة!

أدى الهبوط الحاد لمحصول القمح في عدة مناطق رئيسة للإنتاج في العالم، وخاصة في منطقة البحر الأسود، إضافة إلى قرار روسيا الاتحادية فرض حظر على صادرات القمح، إلى ما بعد محصول 2011، إلى قلق في المؤسسات الدولية، لأن روسيا أكبر مصدر للحبوب في المنطقة، وقد زاد الطلب على القمح الأمريكي، مما وفر فرصة لزيادة عائدات المردود المالي للولايات المتحدة.

وقد دفعت أزمة القمح منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة «الفاو» إلى عقد اجتماع طارئ لها، دعت فيه الدول المستوردة والمصدرة للقمح لمناقشة كيفية مواجهة المشكلة المتوقعة. وقد خشيت منظمة الفاو تكرار حدوث أزمة الغذاء التي اجتاحت العالم خلال عامي 2007 و 2008.

أعلنت وزيرة الزراعة الروسية يلينا سكرينيك في كلمة ألقتها في اجتماع مكتب مجلس وزراء روسيا في التاسع من سبتمبر الماضي، عن ارتفاع احتياطي روسيا من الحبوب إلى 26 مليون طن، وفقا لآخر تقدير أعدته هيئة الإحصاء في روسيا، بزيادة قدرها 4.3 مليون طن عما أعلنه مسؤول في الحكومة الروسية في أغسطس الماضي نقلا عن هيئة الإحصاء التي أعلنت وقتذاك عن وجود مخزون من الحبوب قدرته بـ 21.7 مليون طن.

ووفقاً لوكالة نوفوستي، فقد أوضح موظف من هيئة الإحصاء أن التقدير الجديد يأخذ في الاعتبار ما تبقى لدى المزارعين الفرديين من محصول السنة الزراعية الماضية. وقالت صحيفة «فيدوموستي» إن زيادة مخزون الحبوب تخفف التوتر في سوق روسيا للحبوب إلى حــد كبير، مشــيرة إلى أن حاجــة الاستهلاك المحــلي في روســـيا تقدر بـ 77 مليون طن من الحبوب في السنة. وتتوقع وزارة الزراعة الروسية أن تنتج روسيا 63 مليون طن من الحبوب في عام 2010. وستستطيع روسيا بالتالي أن توفر احتياجات الاستهلاك المحلي وتصدر الفائض إذا أنتجت 63 مليون طن، محتفظة بالاحتياطي المحدد.

ارتفاع صادرات القمح الأمريكي

أما بالنسبة للولايات المتحدة فقد أظهرت البيانات التي نشرتها وزارة الزراعة الأمريكية، في العاشر من سبتمبر الماضي، أن مبيعات صادر القمح الأمريكي قفزت إلى أعلى مستوى لها في ثلاثة أعوام، وسط «مبيعات قوية بمعدلات غير عادية» لشحنات القمح التي سيتم تسويقها فى السنة المالية 2012/2011 التي تبدأ يونيو المقبل.

ووفقاً لوكالة رويترز فقد أشارت بيانات الوزارة إلى أن المبيعات خلال 2011/2010 و2012/2011 مجتمعين هي الأكبر منذ سبتمبر 2007، وجاءت مصر ــ أكبر مستورد للقمح في العالم ــ في مقدمة مشترى القمح الأمريكي بمشتريات بلغت 115900 طن في السنة التسويقية الحالية ومشتريات حجمها 330 ألف طن في السنة التسويقية المقبلة.
وقد زاد الطلب على القمح الأمريكي بسبب الهبوط الحاد لإنتاج محصول القمح في منطقة البحر الأسود، إلى جانب قرار روسيا، رغم أن وزيرة الزراعة الروسية أشارت إلى زيادة نسبية في الإنتاج.

وقد اعتبرت وزارة الزراعة الأمريكية، في تقرير سابق لها، أن الحظر الروسي خلق فرصا جيدة لزيادة الصادرات الأمريكية إلى مصر سواء إلى هيئة السلع التموينية أو إلى شركات الاستيراد الخاصة، «مع تحرك كل منهما بقوة لتأمين الواردات من القمح»، تبعا للتقرير. وفي السياق ذاته نقلت صحيفة «الشروق» المصرية عن نعماني نعماني، نائب رئيس هيئة السلع التموينية، قوله «بعد الأزمة الروسية تتجه مصر حاليا إلى الاعتماد على القمح الأمريكي والفرنسي بصفة رئيسية، خصوصا أن محصول أستراليا، التى تعد أحد البدائل، يبدأ فى ديسمبر المقبل». وبحسب بيانات الوزارة، اشترت شركات مصرية خصوصا نحو 700 ألف طن من القمح الأمريكي منذ منتصف يوليو الماضي، وهي أكبر مبيعات لمصر منذ نوفمبر الماضي، تبعا للتقرير.

ارتفاع أسعار القمح

وإثر الظروف المناخية وتأثر المناطق المنتجة للقمح في البحر الأسود، واستغلال بعض الدول المصدرة، مثل الولايات المتحدة، فقد أدى ذلك إلى ارتفاع سعر القمح عالميا بنسبة 7 في المئة في سبتمبر الماضي، على خلفية إعلان روسيا تمديد الحظر على صادراتها منه حتى نهاية العام المقبل، وإلى صعود أسعار باقي الحبوب الرئيسية مثل الذرة والأرز بالنسبة نفسها تقريبا.

وحسب ما ذكرت صحيفة «الشروق» المصرية، توقع على شرف الدين، رئيس غرفة صناعة الحبوب في مصر، أن ترتفع أسعارها بصفة عامة فى السوق المحلية بالنسب العالمية، موضحا أنه عادة ما ترتفع أسعار كل الحبوب في حالة صعود سعر أحد أنواعها الاستراتيجية مثل القمح أو الذرة، «فتزيد باقي الحبوب بنفس نسبة زيادة نوع الحبوب الرئيسي».
وقد قفزت أسعار كل من القمح والذرة والأرز، بعد إعلان روسيا عن تمديد حظرها على صادراتها من القمح حتى نهاية 2011، بدلا من نهاية العام الحالي كما كان مقررا من قبل، وفقا لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، وزاد سعر القمح بنسبة 7.3 في المئة في أسواق السلع.

أما في بورصة شيكاغو الأمريكية للسلع، فقد قفز سعر الذرة بنفس نسبة زيادة القمح، ليصل لأعلى مستوى له خلال 23 شهرا، كما زاد سعر الأرز بسبب مخاوف التجار من أن يؤدي استمرار مشكلات المناخ الجاف في الإضرار بالمحاصيل الزراعية.

وذكر شرف الدين أن القرار الروسي ومشكلات المناخ سيؤديان إلى استمرار العجز في المعروض العالمي من الحبوب وارتفاع الأسعار، وتوقع أن يزيد سعر الطن من الحبوب بنحو 50 دولارا إضافية حتى نهاية العام الحالي.

وأن هذه التوقعات تجعل سعر توريد الذرة والقمح الذي أعلنته وزارة الزراعة أخيرا مع بداية المحصول الجديد غير مجد، فقد أكدت مصادر وزارة الزراعة المصرية أن سعر إردب الذرة سيراوح بين 230 و250 جنيها، والقمح سيصل إلى 300 جنيه، «هذه الأسعار أعلى من الأسعار العالمية حاليا، لكن عند الحصاد سيكون السعر العالمي أكبر بكثير» ـــ حسب تعبير شرف الدين.

وزارة الزراعة الألمانية
#2#
في ألمانيا خفضت مؤسسة أف أوه ليشت، التي تتبع إدارة الاستشارات بوزارة الزراعة الألمانية، في سبتمبر الماضي توقعاتها لإنتاج القمح العالمي في موسم 2010/2009 إلى 641.2 مليون طن، وهو أقل من محصول الموسم الماضي، الذي بلغ 675 مليون طن، كما يقل عن توقعات سابقة للمؤسسة لإنتاج العام الحالي بلغت 645.2 مليون طن. وأشارت المؤسسة إلى أن هذه الكمية «تكفي بالكاد صناعة تربية الحيوانات فقط» حسب تعبيرها.

وإثر ارتفاع أسعار الحبوب، فإن أسعار اللحوم سترتفع أيضا في مصر بسبب زيادة أسعار الحبوب»، تبعا لشرف الدين، وتمثل الذرة الصفراء نسبة 70 في المئة من غذاء الدواجن، كما تمثل ثلث مكونات علف الماشية المخصصة لتوفير اللحوم.

ويتوقع الخبراء في شؤون تجارة القمح، أن تتحرك أسعار الحبوب بصورة عرضية ــ بدون ارتفاع أو انخفاض ــ في أسواق السلع العالمية، وذلك بسبب حالة الترقب التي تسيطر على العالم انتظارا لإعلان إدارة الزراعة الأمريكية عن نتائج دراستها لإنتاج العالم من الحبوب في الموسم الحالي. وأشارت «فاينانشيال تايمز» إلى أن الصعود السريع في أسعار الحبوب العالمية سيؤدي إلى خلق مخاوف بشأن حدوث عجز في المخزون الاستراتيجي العالمي منها من حصاد موسم 2009/2008، وإلى وجود مشكلات في الدول النامية.

وحسب المصادر الغربية، ستبقى الدول المستوردة للقمح في منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط معرضة لارتفاع أسعار القمح وبحاجة للبحث عن أماكن أخرى تمدها بالقمح.

التأثير في أسعار الأغذية البشرية

وقد ظهر تأثير ارتفاعات الأسعار خلال الشهر الماضي بالفعل في مصادر الأغذية البشرية الرئيسية، مثل القمح والذرة وفول الصويا وكذلك الشعير الذي يستخدم كعلف حيواني وأيضا في إنتاج المشروبات. وقد أتاح هذا الحظر على التصدير لشركات التجارة في السلع، التي تعمل كسماسرة بين بائعي القمح ومشتريه، فرصة لنقض تعاقداتها لتوريد القمح بأسعار أقل كثيرا، مما يضع الآن ضغوطا على شركات الأغذية والمشروبات التي تجد أنفسها في الجانب الخاسر من هذه التعاقدات المنقوضة. وقد خسرت شركات الأغذية والمشروبات الأوروبية، كما يقيسها مؤشر ستوكس 600 للأغذية والمشروبات 7.25 في المائة من قيمتها منذ بروز هذه الأزمة الأخيرة كما تسارع بيع التصفية بعد الحظر الروسي. وارتفع خلال هذه الفترة ذاتها مؤشر يورو ستوكس للشركات الأوروبية القيادية بشكل عام بنسبة 7.25 في المائة.

التحول إلى زراعة القمح

ويظهر الخطر الآن في حالة استمرار أسعار القمح على ارتفاعها لفترة معينة فينعكس ذلك على أسعار الذرة وتعرضها هي الأخرى لضغوط الصعود إلى الأعلى. فأسعار القمح المرتفعة ستغري المزارعين الأمريكيين بالتحول عن زراعة فول الصويا والذرة إلى زراعة القمح الشتوي، مما يترك وضع المخزون غير مؤكد نوعاً ما إذا أخذنا في اعتبارنا الطلب المرتفع من قبل على الذرة لإنتاج الإيثانول، علاوة على الطلب الجديد على الذرة كغذاء بديل للقمح. وقد تحركت نسبة الذرة إلى القمح انخفاضا من 0.75 إلى 0.50، وهو ما يمثل تفوقا في أداء القمح بنسبة 33 في المائة. وما إن يستقر الوضع، فمن المفترض أن تحابي هذه التجارة الذرة فيما ستعاني أسعار القمح. وإلى أن نصل إلى مرحلة مستقرة في السوق، سيكون الخوف هو المحرك الرئيسي مع توقع حدوث تقلبات شديدة في الأسعار.

انخفاض عرض القمح الأوروبي

وحسب تصريحات «كوميرس بانك» فإن «انخفاض عرض القمح الأوروبي يعزز على ما يبدو الطلب على القمح الأمريكي»، لذلك ارتفعت الأسعار بشكل كبير في الأسواق الأمريكية. والنتيجة في الأسواق الدولية ـــ كما يرى محللون في مجموعة «باركليز كابيتال» ـــ أن الأسعار «ارتفعت معززة بمخاوف من احتمال مراقبة صادرات القمح أو الحد منها من قبل الدول المطلة على البحر الأسود، وما زالت تعاني من أسوأ موجة جفاف منذ أكثر من قرن».

إنتاج القمح في كندا

أما كندا التي شهدت أمطارا غزيرة في الربيع فيفترض أن تشهد تراجعا في إنتاجها؛ علما بأن كندا من الدول العالمية المصدرة للقمح، وقال المحللون في «كوميرس بنك» نقلا عن مسؤولين زراعيين إن إنتاج القمح هذه السنة سيكون أقل بنسبة 17 في المئة عما كان عليه العام الماضي في كندا، التي شاركت روسيا في المرتبة الثالثة للدول المصدرة للقمح في العالم في 2009. وما يزيد الأوضاع سوءا أن الهند وباكستان اللتين تؤمنان نحو 15 في المئة من إنتاج القمح العالمي، تواجهان أمطارا غزيرة أيضا وفيضانات.

إنتاج القمح في الدول العربية

أما عن الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح في الدول العربية، فإن الدول العربية تعاني عدم الاكتفاء الذاتي، مما يجعلها عرضة للضغوط السياسية والاقتصادية، وتعتبر السعودية وسوريا هما الدولتان اللتان لديهما اكتفاء ذاتي من القمح. وحسب تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية الصادر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بـ “الأهرام”؛ أن اليمن تتصدر قائمة الدول العربية الأقل في معدل الاكتفاء الذاتي من القمح بنسب لا تتجاوز 15 في المئة تليها الجزائر 32 في المئة، المغرب 40 في المئة، العراق 44 في المئة ثم مصر 55 في المئة، والسودان 62 في المئة ـــ وذلك وفقا للتقارير السنوية التي تصدرها المنظمة العربية للتنمية الزراعية خلال الفترة من 2000 إلى 2007 ـــ ولا يوجد سوى دولتين فقط من الأقطار العربية نجحتا في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وانتقلتا إلى آفاق التصدير وهما سوريا والمملكة العربية السعودية، لتتصدر الجزائر ومصر والعراق واليمن قائمة الدول الأكثر استيرادا للقمح من الأسواق العالمية.

الدول المصدرة للقمح في العالم

ويتركز إنتاج القمح في عدد قليل من الدول أهمها الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وأستراليا والأرجنتين وروسيا وتركيا؛ وتساهم هذه الدول بـ 95 في المئة من السوق الدولية وأهمها قاطبة الولايات المتحدة التي تساهم بما يربو على 32 في المئة من التجارة العالمية للقمح. أما الدول المستوردة، فبرغم وجود بعض الكميات المحدودة من القمح في دول العالم النامي إلا أن ذلك لا يغطي حاجاتها الغذائية وتلجأ هذه الدول إلى الاستيراد. ومن أهم الدول المستوردة مصر والبرازيل إلى جانب الدول المتطورة روسيا والصين، ولجوء هذه الدول للاستيراد هو ما يفسر عدم التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.

السلاح الأخضر .. القمح وسيلة ضغط على الدول المستوردة

لقد أصبحت الدول المنتجة والمصدرة للقمح، سيما الولايات المتحدة تستعمل القمح كسلاح استراتيجي وفاعل ـــ السلاح الأخضر ـــ تضغط به على الدول النامية التي كانت تعرف بدول العالم الثالث. أما الدول التي ترفض الانقياد وراء سياسة الدول المصدرة وخاصة الولايات المتحدة، فهذا يعني تعرضها لضغوط دولية عنيفة ولحصار غذائي حاد، وقد استخدمت ذلك الولايات المتحدة الأمريكية في كثير من الأحيان ضد دول العالم الثالث وبعض الدول الكبرى على حد سواء، كما أن أهم الشركات الكبرى التي تهيمن على التجارة العالمية للقمح أمريكية تتحكم في الإنتاج والأسعار (بذور ـــ حبوب) وتفرض الشروط على من يواجه مصالحها السياسية، لذلك أصبح العالم الثالث تحت رحمة الدول المصدرة للقمح لسد الفرق الواسع بين النمو السكاني السريع والنمو الاقتصادي (الغذاء) البطيء، ثم إن الضغوط تزداد كلما زادت حاجة دول العالم الثالث للغذاء.

يعتبر القمح من أهم الحبوب الغذائية وامتلاك هذا السلاح الأخضر حقق أرباحا طائلة للدول الغنية عبر شركاتها العالمية (عمالقة الحبوب) وعلى حساب دول العالم الثالث الفقيرة التي هي عرضة للضغوط بصورة دائمة إذا ما أصبح تحقيق الأمن الغذائي فيها أمرا عسيرا.

الفيضانات أثرت في إنتاج بعض الدول

إن حدوث الفيضانات الغزيرة، أدى إلى تدمير محصول القمح في عدد من الدول المكتفية ذاتيا مثل الصين وباكستان وبنجلاديش‏،‏ فضلا عن نقص المساحات المزروعة بقمح الخبز هذا العام في الولايات المتحدة بنسبة ‏30 في المئة‏ لصالح أصناف القمح الرخيصة الخاصة بتصنيع الوقود الحيوي، الذي وضعت له الدول الغربية مخططا مستقبليا لزيادة إنتاجه لكونه المصدر الأوحد للوقود السائل مستقبلا‏،‏ وبما أدى إلى حرق دول الاتحاد الأوروبي نحو‏4‏ ملايين طن من القمح هذا العام لإنتاج الإيثانول، إلى جانب مليون ونصف مليون طن من السكر‏.‏

إن فيضانات الصين سوف تؤدي إلى نقص المخزون العالمي منه‏، حيث تعد الصين من الدول الأكبر إنتاجا للقمح في العالم‏,‏ ويمثل المخزون الاستراتيجي لها نسبة ‏35 في المئة‏ من المخزون الاستراتيجي العالمي‏.‏

مجلس الحبوب العالمي

ويهتم مجلس الحبوب العالمي وهيئة الحبوب الأمريكية بإصدار نشرة يومية عن حالة زراعات القمح في جميع دول العالم بدءا من المساحات المزروعة هذا العام بالمقارنة بالعام الماضي‏,‏ ثم تطور الزراعات وحالة الإصابات المرضية والحشرية ومدى توافر الشروط الأساسية لنمو المحصول سواء القمح الخريفي أو الشتوي أو القمح الصلد الخاص بالمخبوزات الراقية والمكرونة من الأمطار وارتفاع درجة الحرارة خلال الموسم البارد الذي يعتمد عليه محصول القمح كمحصول شتوي محب للبرودة ويتأثر محصوله كثيرا بارتفاع درجات الحرارة خاصة خلال شهري يناير ومارس من كل عام‏.‏

وقد أشارت نتائج المتابعة اليومية والأسبوعية لمحصول القمح في العالم منذ عدة أشهر، إلى سيادة ظروف غير ملائمة هذا العام تتمثل في جفاف حاد في روسيا وأوكرانيا‏، حيث انخفض فيهما محصول القمح بنسبة ‏14 في المئة، وآخر نسبي في باقي دول شرق أوروبا وسوريا والمغرب والعراق، ثم فيضانات عارمة في الصين والهند وبنجلاديش وباكستان وتأخر الأمطار في كندا، إضافة إلي انخفاض المساحات المزروعة بالقمح في العالم وفي مصر واليمن والعراق والجزائر‏.‏ جميع هذه الدلائل كانت تشير بوضوح إلى أن العالم مقبل علي ارتفاعات كبيرة في أسعار القمح في البورصات العالمية كان يمكن التنبؤ بها منذ أكثر من شهرين وقت أن كان سعر القمح العالمي لا يتجاوز ‏160‏ دولارا للطن، الذي أصبح بأسعار البورصة يوم ‏4‏ أغسطس الماضي ‏300‏ دولار لطن القمح الأمريكي بخلاف 40 دولارا تكاليف النقل البحري إلى مصر‏،‏ بما يعني أن الميزانية المخصصة لاستيراد القمح الخاص بالرغيف المدعم فقط سوف تتضاعف مرة واحدة على الأقل انتظارا لما تسفر عنه الأيام المقبلة‏.‏ وخلافا لما صرح به بعض المسؤولين في وزارتي الزراعة والتضامن الاجتماعي باستقرار أسعار القمح العالمية وتوقع انخفاضها حتى نهاية العام الحالي دون خلفية علمية أو رؤية لمستقبل الزراعات وحالة المحصول في العالم الذي يتابعه المتخصصون فقط‏.‏

ولعل ارتفاع أسعار القمح العالمية إلى ما يقرب من مرة ونصف مرة على سعر توريد القمح المحلي الذي تقاعست الدولة في تسلمه من المزارعين هذا العام بسبب انخفاض الأسعار العالمية وقت التوريد، والذي جعلت وزارة المالية تظن أنها تكلفت ملياري جنيه كفرق أسعار بين القمح المحلي والعالمي .. لعل كل ذلك يقنع جميع هذه الجهات بأن الاستثمار في زراعة القمح المصري وباقي الحاصلات الاستراتيجية لهو استثمار في المستقبل وتأمين للأمن الغذائي المصري والاستقرار المجتمعي، وهو ما لا يشعر به إلا الزراعيون فقط بعيدا عن الاقتصاديين الذي يتعاملون مع أرقام جامدة ومبدأ الربح والخسارة‏.‏

الاستعمار وتقليص مساحة زراعة القمح

إن الدول العربية المستوردة للقمح، كانت مصدرة له في بعض مراحلها التاريخية، فمصر كانت دولة لديها اكتفاء ذاتي من القمح ومصدرة، ولكن مع دخول بريطانيا لمصر، حولت مساحات واسعة من زراعة القمح إلى زراعة القطن لخدمة الاقتصاد البريطاني ولحاجة المصانع البريطانية للقطن المصري طويل التيلة، وعند دخول الاستعمار الفرنسي للجزائر كانت مصدرة للقمح، و كانت أزمة العلاقة الفرنسية ـــ الجزائرية وضرب القنصل الفرنسي في الجزائر بسبب ديون الجزائر على فرنسا من تصدير القمح، وعندما استعمرت فرنسا الجزائر حولت مساحات واسعة من الأراضي الجزائرية من زراعة القمح إلى زراعة العنب لإنتاج الخمور لفرنسا، مما جعل الجزائر فيما بعد دولة مستوردة للقمح. ويمكن في ظل التكامل الاقتصادي العربي، أن تحقق الدول العربية الاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح، والسياسة الحكيمة والتخطيط السليم يمكن أن يؤدي للاكتفاء الذاتي كما هو في حالة الاكتفاء الذاتي في المملكة العربية السعودية.

الأكثر قراءة