سريلانكا.. نمر آسيوي واعد يلحق بقطار المصرفية الإسلامية

سريلانكا.. نمر آسيوي واعد يلحق بقطار المصرفية الإسلامية

نجحت سريلانكا في حجز مقعدها في قطار التمويل الإسلامي. وعلى الرغم من أن عدد المسلمين لا يتعدى 9 في المئة من السكان، إلا أن الظهور الواضح لأنشطة التمويل الإسلامي تشي بمستقبل واعد لتلك الصناعة هناك.

وشهدت البلاد مبادرة تشريعية مهمة ـــ على تواضعها ـــ حين أجريت تعديلات على قانون العمل المصرفي بما يتيح التعامل ببعض الصيغ المطابقة للشريعة. إلا أن الخبراء اعتبروها بداية موفقة، حيث إن المناخ يسمح لمزيد من الخطوات بالظهور.

وفي الوقت نفسه يدور الاهتمام بالجانب الأكاديمي بافتتاح كلية متخصصة لمنح شهادات معتمدة عالمياً في المصرفية الإسلامية لتوفير كوادر مؤهلة لقيادة تلك الصناعة الواعدة. وبلغ الأمر أن حصلت مجلة IFT المتخصصة التي تصدر من سريلانكا، على مركز موموق عالمياً كأهم إصدار في هذا المجال .

تعد سريلانكا من الدول غير الإسلامية القليلة التي تقوم بسن تشريعات تنظم قطاع المصرفية الإسلامية. وبعد التعديلات التي أدخلت في مارس 2005 على قانون العمل المصرفي رقم 30 لسنة 1988، أصبحت هناك فرصة سانحة للبنوك التقليدية لإنشاء نوافذ تعمل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية. كما أصبح بمقدورها أن تطلق منتجات مالية إسلامية. إلا أن الجهود التي تبذل للتبشير بتلك المنتجات والتوعية بها لا تزال دون المستوى المنشود.

وقد أتاح البنك المركزي للمصرفية الإسلامية دخول البنوك التجارية بحسبها نشاطا مشروعا. وقد قامت سريلانكا بدراسة مفاهيم المصرفية الإسلامية إلى أن تم وضع التشريعات الخاصة بها في قانون العمل المصرفي، بما يزيد من فرص مأمولة بافتتاح بنوك إسلامية كاملة وليس مجرد نوافذ إسلامية لبنوك تجارية. وقد انتظر مسلمو سريلانكا طويلاً وجود مؤسسات مالية إسلامية تمكنهم من استثمار أموالهم بصورة تتفق مع أحكام الشريعة.
كما أن مؤسسات التمويل متناهي الصغر الإسلامية في المناطق الريفية تفتقر إلى رأس المال الذي يساعدها على أداء عملها بصورة مرضية. ولا تتمكن تلك المؤسسات إلا من تقديم خدمات محدودة للغاية للمحتاجين في المجتمعات الصغيرة التي تقطن فيها أعداد ضخمة من المسلمين.

وتمتاز سريلانكا بأن إمكاناتها تؤهلها لأن تصبح مركزاً مهماً للمصرفية الإسلامية لمنطقة جنوب آسيا. ولن يتم هذا إلا إذا أعلن البنك المركزي اهتمامه بالمبادرات التنموية التي يمكن أن تتاح من خلال تلك الصناعة. وساعتها ستعمل على الاستفادة من فرص التنافس على كعكة التمويل الإسلامي من ثم تثبيت مكانتها في تلك السوق. وذلك من خلال قيام المؤسسات الحكومية والجهات المسؤولة والقطاع الخاص بالعمل مع مؤسسات التمويل الإسلامي للوصول إلى هذا الهدف. ويرى المراقبون أن الوقت يعد مثالياً بالنسبة لسريلانكا لوضع إطار عمل استراتيجي لتلك الصناعة المهمة لتلبية الحاجات الخاصة بكل طوائف المجتمع.

وهناك مؤسسات محلية ودولية متخصصة وخبراء متخصصون في هذا المجال: بعضهم متخصص في المصرفية الإسلامية والبعض لديه مهارات إدارية تؤهله لتسويق تلك الصناعة الجديدة ومفاهيمها بالنسبة للمجتمع في سريلانكا. ويرى المراقبون أنه من الأهمية بمكان أن يتم عقد مناقشات بين تلك الكوادر لوضع إطار عمل للمصرفية الإسلامية في سريلانكا.

وتقدر القيمة السوقية للتمويل الإسلامي في سريلانكا بنحو 70 ـــ 100 مليار روبية سريلانكية. ومن المؤسسات الرائدة في هذا المجال: “أمانة للاستثمارات” Amana Investments، شركة سيلنكو للاستثمار الإسلامي CIIC، وبنك المسلم التجاري MCB، ومجموعة فرست جلوبال للاستثمارات، وabc للاستثمار، و NAMAL لإدارة الأصول.
وقد تأسست “أمانة للاستثمارات” في عام 1997 لتكون باكورة صناعة التمويل الإسلامي في البلاد. وبعد عامين تم إطلاق شركة أمانة تكافل المحدودة ATL التابعة لها، التي بدأت أعمالها في عام 1999. وسرعان ما أصبحت الشركة الرائدة في تقديم خدمات التكافل الذي يعد البديل الإسلامي للتأمين التقليدي. وقد تم إدارج الشركة في بورصة أسهم كولومبو في نهاية عام 2006.

اما شركة سيلنكو CIIC فقد دخلت السوق في عام 2003 مدعومة بالكامل من شركة سيلنكو للتأمين التي تعد من الشركات الرائدة في صناعة التأمين التقليدية في سريلانكا. وتقد م شركة CIIC منتجات مالية متفقة مع الشركة وكذلك منتجات التكافل.

وتعد شركة NAMAL أول شركة لإدارة الصناديق في سريلانكا يتم الترخيص لها بإدارة صناديق الاستثمار ذوات الوحدات Unit Trusts. وقد أطلقت أخيراً صندوق تمويل NAMAL Amana بالتعاون مع شركة أمانة كابيتال إحدى الشركات التابعة لـ “أمانة للاستثمارات”. وقد جاء إطلاق هذا الصندوق بغرض تحقيق نمو ملحوظ على المديين المتوسط والبعيد، وذلك من خلال الاستثمار بشكل مبدئي في السندات المطابقة للشريعة.

وتعد شركة MCB الأحدث، حيث أطلقت عملياتها منذ أشهر. وهي مملوكة لمؤسسة MCB باكستان، وتقدم المنتجات المطابقة للشريعة جنباً إلى جنب مع المنتجات التقليدية.
أما مجموعة فرست جلوبال فهي شركة تمويل استثماري محلية محدودة تتعامل في الاستثمارات والمنتجات والأنشطة التمويلية المطابقة للشريعة. وعلى المستوى المحلي تعد المؤسسة الأولى التي توفر برامج تدريبية وتنمية فرص العمل في مجال المصرفية الإسلامية.

وأخيراً هناك شركة ABC للاستثمارات، وهي مجموعة استثمارية إسلامية حديثة نسبياً. وهي تتلقى الدعم من عدد من المؤسسات المالية في أكثر من دولة. كما أنها وقعت مذكرة تفاهم مع البنك المركزي السوداني، بحيث يقوم البنك بتوفير الخبراء ليقوموا بتدريب وتنمية العاملين في المجموعة، خاصة في مجال التكافل. ومن المتوقع أن تتعاون المجموعة مع عدد من الدول الرائدة في مجال التمويل الإسلامي لدعم أنشطة التكافل.

التكافل .. الجواد الرابح رغم العقبات

يعد مفهوم التكافل الأكثر قبولاً في سريلانكا، حيث إن هناك 13 شركة تأمين تم الترخيص لها بتقديم التأمين التعاوني. وقد دخل مفهوم التكافل البلاد في عام 2002 بتأسيس شركة ATL. وقد صنعت الشركة مجداً ذاتياً لها من خلال العمل في سريلانكا وعلى المستوى العالمي، وتوج هذا بتحقيقها المركز 203 ضمن قائمة The Bankerلأفضل 500 مؤسسة مالية إسلامية. وقد حققت الشركة 5.55 مليون دولار من الأصول المطابقة للشريعة.
كما دخلت شركة سيلنكو للتأمين عالم التكافل بعد أن أصبحت أكبر وأقوى شركة في سوق التأمين في سريلانكا، حيث حققت 50 مليار روبية سريلانكية أرباحاً عن الأصول التي تديرها.

كما أعربت شركات أخرى عن نيتها دخول سوق التكافل وتقديم منتجات التأمين التعاوني، ومنها شركة سيلنكو للتأمين على الحياة Ceylinco Life وشركة Sri Lanka Insurance .
وتعترض سوق التأمين التعاوني ـــ التكافل ـــ في سريلانكا عدة تحديات. يأتي على رأس تلك التحديات المناخ القانوني في الوقت الحالي؛ الذي لا يحبذ عمليات التكافل على وجه الخصوص. إضافة إلى هذا فإن هناك غياب العملية التنظيمية بما يتيح عمل التغييرات اللازمة في القوانين لتشجيع تنمية صناعة التكافل. كما أن هناك بعداً آخر يتمثل في عدم وجود فرص استثمار تتفق مع الشريعة، وفي الوقت نفسه لا تتعارض مع قوانين التأمين. ومن التحديات الرئيسة ضعف رأس المال الموجود بالفعل والحاجة لرأس مال أضخم. ويبقى عدم تقبل العملاء بسهولة صيغا جديدة من التأمين مبنية على أساس ديني، ولا سيما أن المسلمين لا يتجاوزون 9 في المئة من التركيبة السكانية.

ويرى المراقبون أن تخطي تلك العقبات سيجعل من سريلانكا سوقاً لا يستهان بها للتكافل. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف يجب على العاملين في هذا المجال أن يبذلوا مجهودات كبيرة لإقناع الجهات التشريعية بقبول التكافل باعتباره نموذجا جديدا للأعمال، دون التخوف من كونه نابعاً من أسس دينية. كما أنهم يمكن أن يكونوا تحالفا استراتيجيا لتعريف المواطنين بتلك المنتجات.

ومن التوصيات المهمة التي يقدمها الخبراء لتنمية صناعة التمويل الإسلامي في سريلانكا ضرورة توفير موارد بشرية قادرة على إدارة تلك الصناعة ـــ بحسب ما ذهب إليه الباحث ريازي فاروق Riyazi Farook. ويرى أنه من الضروري أن تتم تنمية رأس المال البشري في سريلانكا للنهوض بصناعة التمويل الإسلامي. وفي سبيل تحقيق هذا يجب أن يشارك الخبراء والمتخصصون والباحثون في القيام بتلك المهمة.

الأكثر قراءة