الحميدي: الفتوى الشرعية لا تكفي لتبرير الجهاد.. لا بد من تدخل الإمام

الحميدي: الفتوى الشرعية لا تكفي لتبرير الجهاد.. لا بد من تدخل الإمام

أكد الدكتور عبد العزيز الحميدي رئيس قسم العقيدة في جامعة أم القرى سابقاً، أن الفتوى الشرعية وحدها لا تبرر الجهاد، ولا بد من أخذ رأي الإمام المتمكن الذي عقد المسلمون البيعة له، واصفا البيعة التي تعقدها بعض الجماعات بـ''راية عمية''، في إشارة منه إلى أنها راية مبهمة تدعو إلى العصبية.
ووجّه الدكتور عبر برنامج ''همومنا''، الذي عرضه التلفزيون السعودي أمس (الجمعة) رسائل كثيرة إلى من خرج على أمته وهجر بلاده من أجل نصرة الإسلام.
ومن بين هذه الرسائل عدم استخدام عبارة ''إننا لا نخاف إلا من الله''، إذ عدها عبارة تسويقية، وعدم استثارة الدول العاتية والعظيمة بحكم أن ذلك ليس من مصلحة المسلمين، وأن الجماعات التي ينتمي إليها ليست لها أي مقاصد شرعية، إنما مقاصد شخصية. وأوضح أن ما يحدث في كثير من بلاد المسلمين هو دفاع الكفار عن مصالحهم، وأن الإرهاب أصبح تهمة للإسلام والمسلمين بسبب أفعال تلك المنظمات أو الجماعات، وتسببت أفعالها في اجتماع رايات الكفار على الإسلام.

في مايلي مزيد من التفاصيل:

وجّه الدكتور عبد العزيز الحميدي رئيس قسم العقيدة في جامعة أم القرى سابقاً عبر برنامج ''همومنا'', الذي عرضه التلفزيون السعودي أمس (الجمعة) رسائل كثيرة إلى من خرج على أمته وهاجر من بلاده من أجل نصرة الإسلام.
ومن بين هذه الرسائل عدم استخدام عبارة ''إننا لا نخاف إلا من الله''، إذ عدها عبارة تسويقية، ودعا إلى عدم استثارة الدول العاتية والعظمى بحكم أن ذلك ليس من مصلحة المسلمين، وأن الجماعات والتنظيمات التي ينتمون إليها ليس لها أي مقاصد شرعية، إنما مقاصد شخصية.
وأوضح أن ما يحدث من خراب في كثير من بلاد المسلمين هو بسبب دفاع الكفار عن مصالحهم، وأن الإرهاب أصبح تهمة للإسلام والمسلمين بسبب أفعال تلك المنظمات أو الجماعات، وتسببت أفعالها في اجتماع رايات الكفار على الإسلام.
وأكد الحميدي أن الفتوى الشرعية وحدها لا تبرر الجهاد، إذ لا بد من أخذ رأي الإمام المتمكن الذي عقد المسلمون له البيعة، وشتان بينها وبين البيعة التي تعقد في تلك الجماعات والتي وصفها بـ ''راية عمية''، في إشارة منه إلى أنها راية مبهمة تدعو إلى العصبية.
وتعجب في معرض حديثه: ''قبل أشهر قليلة كنت أقرأ في الصحف أن عملية انتحارية حدثت داخل مسجد تابع للجيش الباكستاني أثناء صلاة الجمعة, أي أن من فيه هم من المسلمين الذين حضروا لأداء شعيرة الجمعة، ليدخل شخص ويفجّر نفسه حاصدا قرابة 60 أو نحو ذلك من المصلين، فيخرج علينا زعيم طالبان الباكستانية أو غيرها، معلنا مسؤولية الحركة عن العملية وأنها ''انتقام''، فأي فعل هذا ! فهذه الفعلة ليست لله، بل هي انتقام وقتل لأفراد أبرياء من الجيش الباكستاني فلان وعلان، فلا المقاصد شرعية، ولا الأهداف شرعية، ولا الوسائل شرعية، بل إزهاق لأرواح مؤمنة, وهذا هو الواقع, فعندما تنحرف الحقيقة إلى هذه الأمور، ترتد سيوف المسلمين بعضهم على بعض، ويحصد بعضهم بعضا، ويحملون ذلك باسم الجهاد أو غيره من الأسماء''.. إلى التفاصيل:

الفتوى الشرعية

أوضح الدكتور عبد العزيز الحميدي رئيس قسم العقيدة في جامعة أم القرى سابقاً عبر برنامج ''همومنا'' أن الجهاد من القضايا الكبرى التي لا يحكم فيها أفراد أو مجموعة من الأشخاص، نظراً لما ترتب عليها من أمور عظيمة وكبيرة بوجود قتال وحرب. ويأتي هذا التوضيح منه استنادا إلى الآية القرآنية : ''ألم ترَ إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم أبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم أن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ...''.
وعد أن هذه الآية وجهت دلالات، فكلمة النبي في هذه الآية تدل على (المرشد) إلى الحق والموحي إليه: ''ولم تكن له في ذلك الوقت (أيام بني إسرائيل) أمور الولاية الكبرى، فهو نبي ليس مجرد عالم ولا حتى مجتهد، فضلاً عن أنهم أفراد لا حظ لهم من العلم إلا قليلا، ومع ذلك لا يملك أن يقودهم ويقوم بهم في هذا الأمر العظيم''.
وتوصل الحميدي بعد تفسيره هذه الآية وذكره حديثا للنبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يقول: ''كان بنو إسرائيل يسوسهم الأنبياء كلما مات نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي''، إلى أن إعلان الحرب تترتب عليه مفاسد عظيمة، منها صولة الكفار على هؤلاء المسلمين وإزهاق نفوس كثيرة وإبطال أمور عظيمة. وحذر في الوقت نفسه من الانعزال عن مجتمع المسلمين الذي يؤدي إلى نتائج مخيبة مثل ما حدث للخوارج في عهد علي بن أبي طالب.
وأوضح أن الفتوى الشرعية غير كافية في أمر الجهاد، إذ إن الأنبياء لا يستقلون بذلك. مرجعاً ذلك إلى المعاهدات بين الإمام وقوم الكفار لمصلحة يراها، مشيرا إلى أن الفتوى لا تبرر الخروج على هذا الإمام في حال غزو قوم كفار على بلد مسلم.

الهجرة

وتعجب الدكتور عبد العزيز الحميدي من الدعوة إلى الهجرة التي يتداولها أفراد هذه الفئة الضالة، والتي تسوقها تنظيمات معينة تدعو الشباب إلى أن يتركوا بلادهم ويغادروها باسم الهجرة، ليترتب عليها لاحقا ما يسمى بالجهاد، دون أخذ الأذن حتى من الوالدين والذي هو شرط من شروط الجهاد، مستدلاً على ذلك بحديث للنبي محمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ عندما قدم إليه رجل من اليمن مهاجرا وطلب مبايعته ومصاحبته، فأمره النبي بالعودة لبلاده من أجل والديه، والإحسان في صحبتهما، بعدما أبلغه هذا الرجل، بأنه لم يستأذنهما، ولم يبلغهما، مشيرا إلى أن الحافظ بن حجر أكد أن لزوم الوالدين وبرهما ''يعدل الجهاد في سبيل الله بل ربما يفوق''. موضحا استحالة ترك الوالدين وهجرهما من دون أخذ إذنيهما.
وأشار إلى عدم إجازة خلع بيعة الإمام باسم الجهاد أو الهجرة، مستشهدا بتحذير النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته بالقول: ''قاتل تحت راية عُمّية يدعو لعصبية فقتل فقتلته جاهلية، ومَن خرج على أمتي، يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى عن مؤمنها ولا يفي بذي عهد بعهده ـ الذمة التي تكلمنا عليها والعهود والمواثيق ـ فليس مني ولست منه''. فالعمية هي: ''لأمر مبهم لا يتبين ما وراءه، تعال واخرج وكذا ثم يخرج إلى تجمعات كثيرة جدا ورايات شتى وأسماء لا يعرف أولها من آخرها ومقاصدها غير واضحة''.

«راية عمية»

وأعد الدكتور الحميدي الراية التي بويعت لإمام من قبل جماعات معينة راية عمية، لأنها انعزال عن مجتمعات المسلمين الكبرى، موضحاً أن هذه ''ليست بيعة, فهذا من جنس الخوارج، يخرج قوم حدثاء وسفهاء الأحلام جمعوا بين صغر السن والطيش والرعونة والجهل، فرأسّوا أحداثهم ووقعت الكوارث بسبب منهم وبهم، وهنا لا بد من الإمام الجامع المتمكن الذي بيده المكنة فعندما يعلن الحرب يعلنها وهو يرى أن المصلحة راجحة متحققة في ذلك''.

أفغانستان .. والأتراك

ومثل الحميدي ما يحدث في أفغانستان حاليا بقصة في عهد معاوية بن أبي سفيان عند حارب جيشه الأتراك واستثارهم دون علمه، الأمر الذي أغضبه بسبب تحذير سمعه من النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو (اتركوا الترك ما تركوكم). وفسر هذا القصة بالقول: ''الشعوب التي إذا استثيرت أثارت على المسلمين بلاء عظيما من المصلحة تركها في حالها وعدم استثارتها، لا بحرب ولا بغيره ولو أُوقعت بها مقتلة أو حرب فغدا سيثأرون ويقاتلون المسلمين، وهذا ما حصل عندما توسع المسلمون في قتال الترك بعد ذلك، فوقع أخذ الثأر من المغول وغيرهم، وشنت الحرب على المسلمين ليترتب عليها مفاسد عظيمة، فلو أن المسملين تركوا هذه الشعوب في حالها لربما أمنوا شرهم، ويمكن إيصال الحق والخير إليها بطرق كثيرة من دعوة وبيان، هنا تكمن أهمية وجود الإمام الجامع المتمكن الذي انعقدت له الراية والبيعة في هذه المصالح الكبار''.
وبرر استشهاده في استكمال تفسيره لهذه القصة: ''لو تركت لمن آنس من نفسه شيئاً أو آنس من نفسه رشداً أو آنس من نفسه شجاعة وجمع من حوله أغرارا من هنا وهناك وانحازوا عن مجتمع المسلمين وجماعتهم، ثم أعلنوا حربا على دول عاتية عظيمة دون استشارة المسلمين في البلدان التي هم فيها في إعلان الحرب على تلك الدولة أو غيرها، فالنتيجة ستكون تدمير بلدان المسلمين الواحد تلو الآخر، كما يحصل في أفغانستان أو كما يحصل في غيرها، وما النتيجة؟! شهرة معينة للزعيم الفلاني ويدفع الثمن قوم بؤساء فقراء''. ما يؤدي إلى نوع من رد الفعل الشديد من الكفار في اتهام كل شيء إسلامي، ووصم كل شيء مسلم وكل بلد بتهمة الإرهاب، والتربص بنا واجتماع رايات الكفار المختلفة علينا, وهذه مفاسد جليلة وعظيمة.
وأكمل ربط ما يحدث حاليا في بعض بلاد المسلمين بقصص في عهد النبي محمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وهي منعه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من دخول مكة رغم القوة التي هم فيها وما يتسمون به من عدة وجيش، والسبب ـــ برأيه ـــ هو أن ما بداخل مكة هم الضعفاء من الكفار، والأمر من الله ـ سبحانه وتعالى.

مصالح الكفار

وانهى الحميدي هذا الاستشهاد بتساؤل: ''ما الذي يقع بسبب بعض العمليات غير المحسوبة على بعض بلدان المسلمين أو كثير منها؟! طحن وقتل وتسلط الكفار عليهم لأنهم (الكفار) واقعيا يدافعون عن أنفسهم ومصالحهم''.
ووجّه الحميدي رسالة إلى كل من يتسبب فيما يحدث في بعض بلاد المسلمين من هدم وحرب شعواء باستثارة أمم وقبائل وطوائف ودول متمكنة لديها القوة ولديها البأس نصها :''لا تقولوا إننا لا نخاف إلا الله, فهذا كلام للتسويق لا كلاما يرصده واقع أو حقيقة, ثم تعلم أنه سيحصد من أرواح المؤمنين آلافا مؤلفة بفعل هؤلاء الكفار وقوتهم، والتي كنت أنت السبب في إحداث هذا البأس، وجررت عليهم حروبا طاحنة لا قِبل لهم بها، وافتئت عليهم في ذلك، ولم تشاورهم ولم يأمروك ولم يعقدوا لك راية أن ترمي بهم في مثل هذه الأزمات''.

تفجير باكستان

وزاد: ''تعجبت قبل أشهر قليلة عندما كنت أقرأ في الصحف بأن عملية انتحارية تمت داخل مسجد تابع للجيش الباكستاني أثناء صلاة الجمعة، أي مسلمون يصلون ويؤدون شعيرتهم ليدخل شخص يفجّر نفسه ويحصد قرابة 60 أو نحو ذلك من المصلين داخل المسجد، ليخرج علينا زعيم طالبان باكستان أو غيره، ويعلن أن هذا انتقام، وهذا عمل واضح أنه ليس لله، بل قتل وانتقام لفلان وعلان، فلا المقاصد شرعية، ولا الأهداف شرعية، ولا الوسائل شرعية، بل إزهاق أرواح مؤمنة، وهذا هو الواقع، فعندما تنحرف الحقيقة إلى مثل هذه الأمور ترتد سيوف المسلمين على رقاب بعضهم على بعض ويحصد بعضهم بعضا، ويحمّلون ذلك على اسم الجهاد أو غيره من الأسماء''.

العمليات الانتحارية

وأضاف الحميدي: ''يقتل أحدهم انتقاما لهذا الزعيم ويلقي بنفسه بعملية انتحارية، ويفجر في هذا انتقاماً لمقتل ذلك الزعيم، فصارت القضية إذن قتلا داخل قتل تجمعاً واستقطاباً على أفراد وأشخاص نصّبوا أنفسهم زعماء لهذه التجمعات، وهذه التنظيمات ليس هناك أدنى مصلحة ولا حتى مصلحة محتملة ولا مضمونة تتحقق لا لمجتمع المسلمين الذي هم فيه ولا للأمة في مجموعها وليس للمقاصد شيء، ولا تظن أن كثيرا من الذين درسوا القضايا وحللوا المسائل واستعرضوا الأدلة، لمجرد شبهات وحماسة وكلمات لإثارة العواطف ثم لا شيء وراء ذلك إلا المفاسد العظيمة، فإذا نصحوا أو حققوا أو أوقفوا أو كذا تأتي الدعاية الواسعة، إننا نحن من نصرنا الإسلام وأن هؤلاء متخاذلون, وهذه هي وسيلة تبرير أفعالهم وإبقاء أنصارهم وربما حتى استجداء واستقطاب أنصار جدد لمثل هذه الأفكار وهذه التنظيمات''.

انتزاع يد الطاعة

وعن انتزاع يد الطاعة من ولي الأمر بدعوى نصرة الإسلام والمسلمين، أوضح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ''إنما نهيت عن قتل المصلين''، وهذا حديث له سبب عظيم فيه عبرة لما بعث علي بن أبي طالب بأبي سعيد الخدري في الحديث الصحيح البخاري بمال أو بذهيبة فقسمها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين بعض الرجال اجتهادا منه لأنه رأى فيه تأليفا لهم، فقال له رجل يدعى ذا الخويصلة التميمي: يا محمد أعدل فإنك لم تعدل، متهما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالخيانة، وأنه يحابي ويجامل فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ''ويحك من يعدل إذا لم أعدل''، حتى كاد خالد أن يقتله قائلا: دعني اضرب عنقه، قال: دعه لعله أن يصلي، قال: كم من مصلٍ وليس في قلبه إنما بعثت إنما نهيت عن قتل المصلين، أو قال: أولئك نهيت عنهم. أي مجرد كونه لعله يصلي، فكيف يتعمد قتل المصلين الحقيقيين في المسجد وليس لذلك أي هدف بل مجرد الانتقام، لتتحول القضية بعد ذلك إلى مجرد الانتقام بفساد المقاصد لأشخاص وأفراد من زعماء تنظيمات معينة يوالونهم ويعادون عليهم''.
وأشار الحميدي إلى أن الجهاد ليست غاية في حد ذاته، مستدلا بكلام الإمام الشاطبي وهو أن يكون هنالك سعادة للمجتمع الإسلامي وتحقيق المصلحة للمجتمع الإسلامي وبُعد عن المفسدة للمجتمع الإسلامي فإذا لم تتوافر هذه الأمور أصبح الجهاد ليس جهادا بالمقتضى أو بالتعريف الشرعي الإسلامي، ودعني أتحدث معك الآن بأن دعوة من يدعي أنه يريد الشهادة من أجل أن يصل إلى الله، هي دعوة أنانية لأنه ابتعد بهذه العبادة عن هدفها اللي هو إسعاد المجتمع الإسلامي''.
وأشار إلى ما قاله الإمام العز بن عبد السلام حول الموازنة بين المصالح والمفاسد موضحا: إذا لم تحصل نكاية وجب الانهزام بما في الثبوت من فوات النفس ومن شفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وقد صار الثبوت ـــ يعني البقاء في ساحة المعركة ـــ هنا مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة''. ليتبعه بواقعة في عهد النبي محمد صلي الله وعليه وسلم : ''لما بعث النبي جيش مؤتة وكان ثلاثة آلاف من الصحابة لقتال الروم في مؤتة بقيادة القادة الثلاثة زيد فقتل وجعفر فقتل وابن رواحة فقتل فأخذ الراية خالد بن الوليد، فلما رأى أن أعداد الروم كثيرة حتى قيل في سيرة ابن إسحاق كان عددهم نحو 200 ألف، فكيف سيقاتل ثلاثة آلاف 200 ألف فرأى خالد بن الوليد بأن هذه معركة خاسرة على كل حال، وأنها حرب إبادة سيباد المسلمون فيها، فانسحب ـــ أو ممكن إذا استخدمنا انهزم وليس الانهزام ـــ وإنما انسحب للحفاظ على ما بقي من ذلك الجيش فلما رجعوا إلى المدينة قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن يصلوا وهو على المنبر، قال أخذ الراية زيد فقتل وعيناه تذرفان عليه الصلاة والسلام وأخذ الراية جعفر فقتل وأخذ ابن رواحة فقتل وأخذها خالد، أخذها سيف ففتح الله عليه، قال الحافظ بن حجر تأملت ما معنى فتح وهو لم يقع فتح وإنما وقع انهزام وانسحاب حفظ بيضة المسلمين الباقين هو الفتح، فلما رجعوا للمدينة ظن بعض المسلمين أنهم انهزموا فجعلوا يرجمونهم بالحجارة ويقول أنتم الفرارون، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يدفع عنهم فقال: بل هم العكارون(أي الكرارون)''.
وذكر الحميدي قصة خالد بن الوليد لما فتح النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ مكة واستقر، حيث بعث خالد ومعه 300 من المهاجرين والأنصار إلى قبيلة من قبائل العرب كانوا يسكنون يلملم، يلملم على ظاهر مكة (مسار مكة)، هكذا في حديث ابن عمر داعياً ولم يبعثه مقاتلاً وإنما، تعلّم الناس أن القتال حدد له الإمام الجامع، فلما ذهب خالد ومن معه إلى بنو جذيمة أرادوا أن يقولوا أسلمنا فما أحسنوا، فقالوا صبأنا وكانت تلك الكلمة يستخدمها العرب لكل من أسلم في الجاهلية هذا صابئ صبئ يعني تبع محمد عليه الصلاة والسلام، فرجع خالد يقتل فيهم ويأسر فقام له عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر فمنعوه وقالوا ما أمرك به النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما بعثك داعياً، فما استمع لهم فوقعت مشادة بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد في هذه القضية وهي سبب حديث لا تسبوا أصحابي، هنا يخاطب خالدا على جلالة قدر خالد لما تكلم على عبدالرحمن بن عوف لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل ... الحديث المشهور المعروف فلما أخبر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ رفع يديه إلى السماء وقال اللهم أني أبرأ إليك مما صنع خالد ثلاث مرات، ثم بعث عليهم بأموال كثيرة لأولئك القتلى ويجبر هذا الأمر، وقال لعلي أجعل أمر الجاهلية كله تحت قدميك التصرف الجزئي داخل القيادة بما لم يفوض به الإمام ممنوع في الشرع فكيف إعلان حرب كاملة". مشيراً إلى أن وجود الجماعة وعلى رأسهم الإمام المتمكن لا بد أن تنعقد له الراية، ولا بد من اجتماع الكلمة عندها يستطيع الإمام بمكنته بما له من السمع والطاعة أن يحدد.

الأكثر قراءة