لماذا ستفشل المفاوضات دائما؟

ألقى الرئيس أوباما خطابا في القاهرة فتح نوافذ التفاؤل عن قرب حل أكثر مشاكل العالم تعقيدا. ولم يحدث شيء. فألقى خطابا ثانيا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 أيلول (سبتمبر) عام 2010، وتضمن الخطاب عديدا من الرسائل التي بدت وكأنها ستفتح الطريق بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
غير أن الجولات التي تمت بين الطرفين تحطمت على صخرة العناد والبطش الإسرائيلي. فهناك فكرة مسبقة عن الموقف الأمريكي من جانب طرفي النزاع.
الإسرائيليون يعتبرون الرئيس الأمريكي (أوباما وغيره) امتدادا لمشروعهم وعامل ضغط للخطوات المحورية في مسيرتهم. ترومان أعلن دولتهم واعترف بها وكيندي بعد أيزنهاور حافظا على الدولة وجاء جونسون ليمكنهم من هزيمة العرب عام 1967 وأنقذهم نيكسون عام 1973، وحقق لهم كارتر غاية المنى عندما جمعهم بالسادات للتوقيع على كامب ديفيد، أما الباقون: ريجان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن فقد واصلوا دور الراعي والحامي والحارس بأشكال مختلفة، ولم يخرج أحدهم على هذا النمط، ومن هنا فكان ترحيب العرب برئيس أو استنكارهم لآخر من قبيل السذاجة؛ لأن الجميع سواء، وهذا ما يعرفه كل إسرائيلي يحصل على المال والسلاح والتقنيات والدعم العالمي من الولايات المتحدة، التي تبدو للكثيرين فيلا ضخما يسيّره قرد.
أما الفلسطينيون فيحكم رؤيتهم اليأس والضياع، بعد أن نجحت ضغوط أمريكا في إبعاد أهم القوى التي تدعمهم؛ لذلك فهم يكرهون أمريكا التي تتفنن في إذلالهم، وتسرع باتهامهم، وتصف مقاومتهم بالإرهاب كما تريد لها إسرائيل. ومع ذلك يعتقد الفلسطينيون في أعماقهم ـــ كما اعتقد زعيم يكرهونه هو أنور السادات ـــ أن أوراق اللعبة في أمريكا، وهم يتطلعون إلى ضغط أمريكي سرعان ما يتحول إلى مناشدة أو مداعبة، ويعود الإسرائيليون بالكسب الفعلي.
وإجابة عن التساؤل المطروح في العنوان، فإن أبرز ما أسهم في فشل المفاوضات هو تعريضها الشديد للأضواء؛ وذلك لأن طرفي الصراع يريدان الخروج بصورة المنتصر الذي حقق مآربه من وراء المفاوضات. والإعلام هو العامل الأكثر تخريبا لذلك؛ لأن فضول الإعلاميين يدفعهم إلى الحديث عن كل شيء، والنتيجة هي تلك النزعة الاستعراضية التي تهيمن على المفاوض. والأسوأ هو الضغوط التي تفرضها عملية كشف الأوراق. فالمعاهدة المصرية ـــ الإسرائيلية صحبها حديث طويل عن ثقافة السلام ونصر أكتوبر وسلام الشجعان ... إلخ، ولم يتحدث أحد عن بروتوكولات خفية عن حركة الإسرائيليين في مصر أو الغاز أو النفط أو عدد القوات شرقي القنال. فالأضواء التي غمرت مائدة المفاوضات أخيرا حالت دون تمرير القضايا الرئيسة.غير أن أبشع ما حدث، ونال ما يستحقه من تغطية صحفية هو مسألة تجميد بناء المستوطنات. فالإسرائيليون ـــ على غرار مستعمري القرون الـ 17، 18، 19 ـــ يريدون فرض الواقع على الطرف الأضعف؛ ولذلك فهم يرسمون الحقائق من خلال بناء المستوطنات التي تسرق الأرض علنا وتفرض الواقع الإسرائيلي رغم أنوف أصحاب الأرض، واعتبر الإسرائيليون بناء المستوطنات ورقة حيوية لا ينبغي لهم أن يتخلوا عنها للحصول على أكبر قدر من التنازلات في جميع المجالات، سواء كان ذلك الحدود أو عودة اللاجئين أو القدس أو التعويضات، فالفكر الصهيوني القديم لم يغادر ذهنية وعقلية زعماء إسرائيل؛ لذلك جاء هذا التمسك الهستيري ببناء المستوطنات، إن قبلها الفلسطينيون فقد قبلوا وطنا كسيحا وإن رفضوها فهم الذين يدمرون فرص السلام، كما قال أبو مازن نفسه. ويقف أبو مازن في موقف لا يُحسد عليه. فهو يقع تحت ضغط شديد يهدد مكانته كرئيس للسلطة، وقدرته على تحمل الضغط وفرض سلطته تتعرض للتحدي العنيف، خاصة من جانب ''حماس'' التي لا تتوقف عن القول بأن أي تسوية على هوى الإسرائيليين تُعتبر اعتداء على المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني. ولا يغيب عن ذهن القارئ أن الهوة تتسع بفعل الإسرائيليين الذين يرون مصلحتهم العليا في دق الإسفين المزمن. أدى ذلك إلى اعتبار كل المتفاوضين جماعة من الخونة والمتعاونين مع المحتل، وأصبح الواجب الوطني إجهاضها بعمليات فدائية. وثمة عقبة تصرخ منها إسرائيل، وهي موقف جامعة الدول العربية. وإسرائيل لا تتوقف عن الحديث سلبا ضد الجامعة، وتصفها بأنها مؤسسة غير فعّالة، ما لم تضم إسرائيل!. والسبب هو أن الجامعة العربية رفضت تماما التنازلات، مع أنها وافقت مبدئيا على المفاوضات، وتحاول عناصر عربية صديقة لإسرائيل تقويض مصداقية الجامعة العربية ـــ نذكر أن الأمير سعود الفيصل قد طالب بدعمها بقوة معددا بنود قيمتها ـــ غير أن عمرو موسى أعلن رفضه تماما الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، كما أنه طالَب بإيقاف المفاوضات إذا لم يتوقف بناء المستوطنات، وإسرائيل تعتبر المستوطنات الورقة الأقوى في جعبتها.وكعادة الساسة الإسرائيليين، يهرع المسؤول ـــ رئيس الوزراء ـــ إلى الحديث عن القوى المعارضة التي ستزيحه من الحكم؛ ما يؤدي إلى بدء انتخابات جديدة، وإن تم ذلك فإن عامل الوقت سيقضي على الفرصة. ونذكر أن مفاوضات بيجن والسادات كانت تمضي على هذا النسق ـــ فإذا حصل بيجن على ورقة لصالحه سكت، وإن طُلب منه أدنى طلب، سارع إلى الحديث عن الكنيست والمعارضة ويضطر السادات إلى التنازل ببركات كارتر.
وأبرز دليل على أن الرئيس الأمريكي لا يتعدى دور ورقة تفاوض أو ضغط على العرب ـــ الذين يوقرون الرئيس الأمريكي بشدة ـــ أنه طلب تجميد المفاوضات ومع ذلك لم يستجب الإسرائيليون، ورد عليه حلفاؤه الإسرائيليون بأن ذلك ''ليس قرارا بنَّاءً لاستمرار المفاوضات''.
وكان ردهم على أوباما أكبر دليل يكشف للقلة التي لم تفهم الدور الأمريكي – الإسرائيلي المشترك والتحالف الاستراتيجي الكامل بينهما عندما صدر عن إسرائيل ما يلي:
(1) إن طلب أوباما غير واقعي Unrealistic؛ لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان قد أعلن أنه لن يفرض أي تجميد على بناء المستوطنات. وعندما قال ''إن بين الصفر والواحد هناك احتمالات كثيرة''، ألمح إلى أنه على استعداد لتقديم بعض التنازلات مقابل تنازلات فلسطينية. ويقول نتنياهو: ''إن التجميد يقضي على مصداقيته تماما''.
(2) إذا قبل نتنياهو التجميد فإن التآلف الوزاري في إسرائيل سيتصدع؛ ما يحتم إجراء انتخابات جديدة.
(3) إذا رفض نتنياهو طلب أوباما بإيقاف المستوطنات، فإن قيمة أوباما أمام الفلسطينيين والعرب ستتضاءل؛ لأنهم وضعوا آمالا كبارا على قدرته على حل المشكلة دون إرغامهم على تقديم تنازلات كبيرة. أما إذا تواصل البناء، فإن أوباما سيفقد الكثير من هيبته.
(4) يرى الإسرائيليون أن الاستجابة لأوباما ستمنع الفلسطينيين من إبداء أية مرونة ومن ثم تتوقف المفاوضات. ورغم ترحيب إسرائيل بما قاله أوباما أمام الجمعية العامة من دعم لإسرائيل وإعطاء أمنها جميع الأولويات والضمانات، واستمرار الشراكة الاستراتيجية على أكمل وجه بما يجعل البعض يصف العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية بأنها بلغت ذروة لم تبلغها من قبل، خاصة عندما ردد أوباما وصفه للفلسطينيين بالإرهابيين، وأكد ضرورة مواصلة العرب التطبيع مع إسرائيل.
وستواصل إسرائيل حصار أوباما بالإعلام وأعضاء الشيوخ؛ لاعتصار آخر ما لديه من أفكار تؤيد وجهة النظر الفلسطينية، وهي الممارسة التقليدية المعتادة التي عاشت بها إسرائيل حتى الآن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي