ريادة تأسيس المشاريع.. طموحات ملهمة

ريادة تأسيس المشاريع.. طموحات ملهمة

إن رواد تأسيس المشاريع في حاجة إلى الكثير من الثقة بالنفس والحماس العاطفي إزاء المشاريع التي يقومون بتأسيسها. ولا ينطبق ذلك فقط على مرحلة البدء في المشاريع الجديدة الخاصة بهم، وإنما كذلك حين يكونون على صلة بالشركات الكبرى. ويقول فيلبي سانتوس، أستاذ ريادة تأسيس المشاريع في إنسياد، ومدير معهد رودلف وفاليراماغ الدولي لريادة المشاريع «إن أكبر فرق أراه بين المديرين، ورواد تأسيس المشاريع، هو أن المديرين يقومون بالكثير من التحليل، بينما ينجز الرواد الكثير من العمل». ومن أمثلة ذلك أنه بينما يمضي التنفيذيون كثيراً من الوقت في تحليل البيانات، وتفحص الأبحاث، قبل التوصل إلى أي قرار «فإن ريادة تأسيس المشاريع هي عكس ذلك تماماً، حيث إنك تكون في حاجة إلى امتلاك قدر كاف من الثقة، لكي تتعلم بعد ذلك من النتائج العملية». إذا سألت مؤسسي مشاريع على شاكلة توم آدامز، أو بيتر ساغ، فستكون الإجابة «إن الأمر لا يتعلق بالمال»، حسبما يؤكده آدمز، الرئيس التنفيذي لشركة روزيتا ستون، التي هي جهة متخصصة بتقديم الحلول اللغوية. ويشدد ساغ على أن معظم الناجحين في كونهم من رواد تأسيس المشاريع يعملون من أجل أسباب أخرى». وهو يقول ذلك انطلاقاً من خبرته على رأس مشاريع استثمارية مشتركة، بما فيها أنظمة تشغيل البريد، وتطوير الأراضي، وإنشاء نوادي الرعاية الصحية المتخصصة. ويضيف «إن أهم بيئة لمؤسسي المشاريع هي البيئة الداخلية، حيث يدور الأمر حول تفضيلاتك العاطفية، وقدراتك على معالجة المواقف ذات العلاقة بحالات عدم اليقين، وتوجهاتك الرئيسة في الحياة». ويهدف أحدث مشروع مبتكر له، أي طاقة الفضاء، إلى تقديم الطاقة الشمسية التي يجري تجميعها في الفضاء من خلال استخدام الأقمار الصناعية.
يحاول مركز إنسياد لريادة المشاريع زرع الثقة التي سيحتاج إليها رواد تأسيس المشاريع، إذا أرادوا أن يكونوا ناجحين في إيصال أفكارهم العملية إلى المستثمرين المحتملين. ويتكون برنامج المركز المكثف المخصص لهذا الغرض من 48 ساعة من التفاعل بين المعنيين، حيث يلتقي خريجو «إنسياد» مع طلبة شهادة ماجستير إدارة الأعمال، عبر جلسات تستهدف دعم، وتعزيز عمليات التصور، والتطوير، وتقديم مخططات لإنشاء مشاريع عملية جديدة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع. إنهم يلتقون في مواقع تدريب خاصة خارج مقري «إنسياد» في أوروبا، وآسيا، وذلك في فاونتنبلو، وسنغافورة، حيث يقود المدربون الطلبة ضمن سلسلة من ورشات العمل القصيرة التي جرى تصميمها لمساعدتهم على تحديد الأفكار، وزيادة القدرة على توظيف موظفين يتصفون بالنشاط، ثم التوصل إلى رسم استراتيجيات ملائمة. وهنالك تمرين إداري قصير للغاية في نهاية كل 48 ساعة مخصصة لمثل هذا التدريب المكثف.
يقول سانتوس «إن هذا المركز التدريبي يعمل بالفعل على تحدي الناس لكي يفكروا في أنفسهم أكثر من أي شيء آخر، ويتساءلون: هل أنا حقاً رائد في تأسيس المشاريع، وهل أحب سياقات مثل هذه الريادة، وهل هي مزروعة في كياني، وهل بمقدوري تأسيس القدرات لتنفيذ ذلك؟».

عملية البداية
تظهر الدراسات الحديثة أنه إلى جانب ضرورة امتلاك الثقة بالنفس من أجل الإقدام على المخاطر المحسوبة، فإن ذوي التطلعات الطموحة من رواد تأسيس المشاريع غالباً ما يجدون أن من الصعب الحصول على التمويل الضروري. ويرى سانتوس «إن عليك ألا تبدأ بجمع الأموال، بل إن الأمر يجب أن يتركز على مفهوم قائم على حل مشكلة ما، وتجميع مجموعة متعاطفة من الناس للتوصل إلى تصميم لمشروع يمكنك أن تنقله إلى الأسواق على نحو سريع».
ويشاركه في هذه الآراء بول كيوني هايت، الأستاذ المعيّن حديثاً في قسم ريادة المشاريع، ومدير مشروع مُسرّع ريادة المشاريع في إنسياد، حيث يقول «أؤكد على أن تشكيل فريق العمل المناسب هو الأمر الأكثر أهمية، وأما التنفيذ فيأتي، من حيث الأهمية، بعد ذلك مباشرة، حيث يتم استهلاك الأمر بالتفحص الدقيق للفكرة». ويؤكد على كل ذلك هايت الذي يقود ورش التدريب في المعسكر المركزي التدريبي التابع لـ «إنسياد».
إن لدى هذا الرجل عقدين من الخبرة مع المشاريع المبتدئة، وكذلك إنشاء وإدارة شركات التقنية. وهو لا يجعل مفهوم ريادة تأسيس المشاريع مقتصراً على إنشاء مشروع عملي جديد، حيث يقول عن ذلك «إننا بحاجة إلى مزيد من رواد إنشاء المشاريع في الشركات، وإلى المزيد منهم في الشركات الكبرى. ونتيجة لكل هذه الأفكار أطلقت إنسياد «مبادرة ريادة مشاريع الشركات» لبناء القدرات، وكذلك تطوير برامج جديدة يمكن من خلالها مساعدة الشركات راسخة الجذور على أن تصبح أكثر فعالية في عمليات إطلاق النشاطات العملية الجديدة.
سبق لهذا الرجل أن كان من رواد تطوير التقنية لدى شركة أبل، حيث يقول «بإمكانك أن تكون رائد تأسيس مشاريع داخل كيان عملي كبير إذا كنت تفكر بطريقة سليمة، أي إذا كان تفكيرك ملائماً لهدف أن تتحسن فعلياً، وأن تزيد من قدرتك على الابتكار والتطوير. وتصبح رائداً مؤسساً للمشاريع إذا كنت تتصف بالنشاط الحيوي، ودراسة الأسئلة على نحو دقيق، والحصول على إجابات أفضل لها».
إن بإمكان تصور حالة مؤسس المشاريع كنموذج للإدارة أن يساعدك كثيراً في هذا السبيل. ويمكن لأحد الأبوين، أو أحد أفراد العائلة، أو حتى لصديق مقرب، أن يكون عاملاً مساعداً، كما يقول سانتوس، في عملية تطوير قدرات مؤسسي المشاريع الجديدة لكي ينظروا إلى ما يتجاوز مسيرات الحياة العملية التقليدية، والوظائف المعتادة كذلك. وإن من شأن حالات التراجع الاقتصادي الكشف عن أن الموارد يمكن الحصول عليها بتكلفة أقل، سواء تعلق الأمر بالمساحات المكتبية، أم بتوظيف أصحاب المواهب من المميزين.
غير أن قدراتك المتمركزة في ذاتك هي العامل الرئيس المؤكد من أجل تحقيق النجاح، واستكشاف أمر لديك انفعالات إيجابية تجاهه. وهنا تبرز أهمية تقييم الاتجاهات، والعثور على فرص جديدة، والتمكن من حل مشكلات تجد أن من الممكن حلها بطرق مختلفة، على أن تظل مواظباً، رغم أي نكسة قد تصادف مسيرتك العملية.
قد لا يكون الأمر متعلقاً بالعثور على أكبر فرصة متاحة، بل بدلاً من ذلك واحدة تناسب تماماً أهدافك الشخصية، وكذلك معتقداتك في الوقت ذاته. ويقول سانتوس عن ذلك «من الخطأ القول إن مشاريع الاستثمار في الإنترنت هي مشاريع عظيمة، ولذلك فإن علينا جميعاً أن نسير في هذا الاتجاه، حيث إن مثل هذا الاعتقاد إنما هو وصفة جاهزة لحدوث الكارثة». وهو يؤكد أن الناجحين من رواد تأسيس المشاريع هم من يستطيعون التصور الشامل، أي وصل المسافات بين النقاط قبل أن يتمكن من ذلك الآخرون. وبانتظار لفترات زمنية طويلة، فإن الطيور تذهب بأرزاقها، وبذلك يصبح الوقت متأخراً لذلك الرائد الذي يلجأ إلى مثل ذلك الانتظار.

ريادة المشاريع في «إنسياد»
تلقت «إنسياد» في تموز (يوليو) من العام الحالي وقفاً خيرياً من جانب رودلف ماج الذي حصل على شهادة ماجستير من «إنسياد» في عام 1973، وذلك للاستمرار في تمويل «مركز ماج لريادة المشاريع» الذي جرى تأسيسه في عام 2008. ويدير هذا المركز مشروع مُسرّع ريادة المشاريع الذي يتكون من عدد من الفعاليات المصممة لطلاب شهادة الماجستير في إدارة الأعمال الذين يسعون إلى الحصول على مزيد من التعليم، والتدريب في مجال ريادة إنشاء المشاريع، واكتساب خبرات أكثر داخل «إنسياد».
إن أبرز نشاطات مشروع هذا المُسرّع هو إدارة معسكر التدريب الدوري الذي يستمر الفصل المختصر منه لمدة يومين مكثفين من التفاعل التعليمي والتدريبي. ويقول هايت حول قدرة هذا المعسكر التدريبي على إكمال ما تم تحصيله ضمن برنامج الحصول على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال «إذا كان هناك ما يبرر حاجة الطلبة – إلى فصل في الاستراتيجية، والتسويق، والسلوك العملي الأخلاقي، الذي يمكن تقديمه من خلال عمليات التدريب، فإن هذا النشاط هو الجهة المناسبة لكل ذلك». ويضيف «إن على الطلبة أن يطوروا كل هذه المهارات كأدوات عملية يمكن للمرء أن يستخدمها في حياته كرائد مؤسس للمشاريع». ويترأس كايت مجموعة مكونة من 30 من رواد تأسيس المشاريع العاملين كمرشدين وموجهين لطلبة الحصول على شهادات الماجستير في إدارة الأعمال الذين يبدون اهتماماً بريادة المشاريع.
وتقدم «إنسياد»، إضافة إلى معسكر التدريب المكثف هذا، مساقاً اختيارياً جديداً يحمل اسم «مشاريع جديدة» وذلك لطلبة الماجستير الذين يسعون إلى أن يصبحوا من رواد تأسيس المشاريع. ويفتح المعسكر التدريبي الأبواب أمامهم، بينما يسمح لهم هذا المساق الدراسي الجديد بسد الثغرات، وكذلك فهم العناصر المتعددة في عالم ريادة تأسيس المشاريع.
يوفر مركز ماج فرصة الاحتكاك مع المشاريع الخارجية، والتدريب على مبيعات أفكار ريادة المشاريع، إضافة إلى التعليم الموجه، كما أنه يوفر فرصة لالتقاء الخريجين السابقين مع طلبة شهادة الماجستير في إدارة الأعمال. ويعمل «المُسرّع» على تكملة ما تلقاه الطلبة من معلومات وعلوم ضمن المساقات الدراسية المقررة للحصول على شهادة الماجستير، حيث هناك 20 خياراً متعدداً، إضافة إلى يوم مخصص لبحث تفاصيل ريادة المشاريع، ومناسبة لشرح ما يدور في عالم المشاريع المشتركة. وقد أطلق ماج كذلك شبكة استثمارية عالمية كجهة للاتصال بين مستثمري إنسياد، ورواد تأسيس المشاريع فيها، وذلك بالاعتماد على قدرات 40 ألف خريج حول العالم.
أطلق مركز ماج في هذا الشهر برنامجاً جديداً هو «مُعجّل ريادة المشاريع الاجتماعية»، وذلك لتشجيع المشاريع ذات الصبغة الاجتماعية، والتأثير الإيجابي على الاستثمار في خدمة طلبة الماجستير في «إنسياد»، وكذلك أعضاء رابطة الخريجين السابقين. وإن من التطورات الإيجابية للغاية في عالم ريادة تأسيس المشاريع، تلك الجهود التي لا تركز على مجرد الاستحواذ على القيمة، كما يقول سانتوس، «بل إنها تهتم بقوة بإيجاد القيمة للمجتمع عن طريق حل مشكلات مهمة فشلت الأسواق والحكومات في إيجاد الحلول الناجعة لها».
ويضيف هذا الأستاذ «إن ريادة المشاريع في لبها نهج لإيجاد القيمة من خلال حل مشكلات مهملة عبر اللجوء إلى مبادرات عملية جديدة. ويمكن أن تتم مثل هذه المبادرات، وتتجسد في صورة مشاريع تجارية جديدة مشتركة، وأخرى اجتماعية، وثالثة على نطاق الشركات، بل وفي صورة مشاريع بقيادة حكومية. وإن لب ريادة المشاريع، مرة أخرى، هو حل المشكلات بوسائل مبتكرة، وعملية، ومستدامة. وبالتالي، فإن مجتمعنا في حاجة إلى مزيد من ريادة تأسيس المشاريع».

الأكثر قراءة