مختص: المواطن البريطاني ما زال يجهل حقيقة المنتجات المالية الإسلامية
بخمسة مصارف إسلامية و17 فرعا وأكثر من 55 معهداً ومركزاً متخصصاً في تدريس المصرفية الإسلامية تحاول لندن أن تكون عاصمة التمويل الإسلامي ومركزا للمصرفية الإسلامية، وبحسب مركز الخدمات المالية الدولية الذي يقع مقره في لندن، فإن بريطانيا مقبلة بقوة نحو المصرفية الإسلامية، وذلك بسبب الدعم الذي يلقاه النظام من طرف الحكومة البريطانية، التي وسعت النظام الضريبي لكي يشمل القروض المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وأيضا سهلت من عملية التجارة بالصكوك الإسلامية ما جعلها أكبر دولة أوروبية تتعامل بالمصرفية الإسلامية، وذلك بأصول تجاوزت 19 مليار دولار، يبلغ حجم سوق التمويل العقاري الإسلامي منها 500 مليون جنيه استرليني.
ووفقا لبيان التجارة والاستثمار البريطانية فإن المصرفية الإسلامية رأت النور في بريطانيا قبل نحو 30 عاما، إلا أن المنتجات الإسلامية ظهرت في السوق في بداية التسعينيات.
على الرغم من مرور كل هذا الزمن كيف ينظر الشارع البريطاني إلى المصرفية الإسلامية؟ وما درجة تقبله لها؟ وهل تلقى المنتجات المالية الإسلامية هناك إقبالا من المواطن البريطاني؟ حول هذا الموضوع تحدث لنا الأستاذ زبير كريم المتخصص في المصرفية الإسلامية والمقيم في مدينة لندن، حيث رأى أنه وعلى الرغم من مرور كل هذه الفترة على المصرفية الإسلامية في المملكة المتحدة، إلا أن هذه المنتجات المالية الإسلامية ظلت ضعيفة منذ التسعينيات وحتى بداية الألفية الجديدة، كونها تفقد عديدا من ميزات التنافسية في مجال التسعير ما جعل نموها متواضعا في تلك الفترة.
وحول نظرة سريعة إلى المصرفية الإسلامية في بريطانيا، قال الأستاذ زبير إنه في صيف عام 2003، قدمت إتش إس بي سي ''أمانة هوم فاينانس'' - منتجاً تمويلياً جديداً لتسهيل شراء العقارات متوافقاً مع الشريعة الإسلامية، وبحسب زبير فإن هذه المنتجات بدأت تلقى رواجا منذ تلك الفترة، نظرا لتغير الضريبة التي أعلنها المستشار جوردون براون، في نيسان (أبريل) من ذاك العام، وكان ذلك نتيجة الضغط الكبير من العديد من البنوك والمؤسسات المالية التي تمارس العمل المصرفي الإسلامي هناك في المملكة المتحدة، الأمر الذي جعل مصارف أخرى تنافس البنك السابق وتطرح منتجات مالية مماثلة مثلما فعل البنك الأهلي المتحد، حيث طرح منتجات مالية لتمويل العقارات باستخدام أدوات المرابحة والإجارة، وقد حقق البنك نجاحا على مر السنين.
#2#
وتابع زبير: يوجد هناك مصرف إسلامي تجاري مستقل آخر اسمه المصرف البريطاني الإسلامي، والذي فتح بابه للعملاء المسلمين وغير المسلمين في آب (أغسطس) عام 2004 م. ولدى البنك اليوم ثمانية فروع في لندن وليستر وبرمنجهام ومانشستر، ويرى زبير أنه وعلى الرغم من أن البنك كان يتوقع أن يستهدف شريحة المسلمين فقط خاصة في بدايته، إلا أنه لاقى قبولا من كلا الطرفين، مسلمين وغير مسلمين، ولذا ركز المصرف على تطوير نظام المصرفية الإسلامية وكون سمعة جيدة عن العمل المصرفي الإسلامي في بريطانيا، حيث بلغ مجموع عملاء المصرف قبل أربع سنوات أكثر من 30 ألف عميل، مرتفعا بنسبة 120في المائة عن العام الذي قبله حسب تقرير إي بي بي السنوي.
وأشار زبير إلى المسح الذي أجرته ''داتا مونيتر'' عن التمويل الإسلامي في بريطانيا أنه يبعث على الاطمئنان، إذ رأى المسح أن التمويل الإسلامي ما زال في نمو طوال السنوات الخمس السابقة.
هذه التقارير الإيجابية جعلت عديدا من المصارف التقليدية في بريطانيا تفكر في العمل المصرفي الإسلامي، ومن ثم أنشئ أول صندوق استئماني إسلامي للطفل في بريطانيا في 2007م، وذلك بعد موافقة هيئة الرقابة المالية البريطانية كما أطلق بنك لندن والشرق الأوسط الذي يحاول أن يكون أكبر مصرف إسلامي في أوروبا منتجات مالية إسلامية عدة في مجالات عديدة من أهمها قطاع الخزينة، حيث طرح البنك مجموعة كاملة من المنتجات والخدمات على حد سواء للمساعدة في إدارة السيولة، كما أولى اهتماما بمنتجات الخدمات المصرفية الخاصة بالشركات، إضافة إلى خدمات إدارة الاستثمار والاستشارات المالية بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية.
وأضاف زبير ''أن الجدير بالذكر أن هذا المصرف كان من ضمن خمسة بنوك إسلامية في المملكة المتحدة التي أعلنت العودة إلى الربحية للنصف الأول من عام 2010.
وفي مجال التأمين، أطلقت شركة تكافل سلام Salaam Insurance. وكان جمهورها المستهدف أوسع من الجمهور المستهدف للبنك الإسلامي البريطاني. ومع ذلك عملت لمدة عام واحد فقط لتقف فجأة بعد ذلك، وتابع زبير على الرغم من هذا خلصت دراسة أجريت في 2009 أن بريطانيا لديها أكبر عدد من البنوك الإسلامية من أي دولة غربية كما صرح مارتن بيكفورد من صحيفة الديلي تلغراف. و أضاف أن هناك الآن خمسة بنوك متوافقة مع الشريعة الإسلامية بشكل كامل في المملكة المتحدة، بينما في الوقت نفسه تقدم الخدمات الإسلامية 17 مؤسسة رائدة بما في ذلك بنك باركليز، ورويال بنك أوف سكوتلاند ومجموعة لويدز المصرفية التي أنشأت فروعا خاصة أو شركات تابعة للعملاء المسلمين. وأشار زبير إلى أن السير أندرو كاهن، الرئيس التنفيذي للتجارة والاستثمار البريطانية قال في وقت سابق على الرغم من أن أصول المصرفية الإسلامي جاءت من خارج بريطانيا، إلا أن التمويل الإسلامي وجد منزلا طبيعيا في المملكة المتحدة، وأشار إلى أن التمويل الإسلامي أبدى مرونة كبيرة في التعامل مع وحول أهم المقترحات التي تجعل الشارع البريطاني يتقبل المصرفية الإسلامية.
أبرز الحلول والمقترحات
يقول زبير بالنظر إلى أن حكومة المملكة المتحدة الماضية والحالية قد تقبلت مفهوم المالية الإسلامية واعترفت تماما بأنها وسيلة بديلة للتمويل التقليدي حتى رسخ هذا النوع الجديد من التمويل قدميه في المجتمع البريطاني، إذن لا يوجد أي سبب للعودة إلى الوراء، وتشير تجربتي كمواطن في المملكة المتحدة إلى أنه لم يتم تسويق التمويل الإسلامي بحكمة، والسكان لم يفهموا مفهومه وفوائده، ناهيك عن المسلمين البريطانيين. وأضاف ما زالت منتجات التمويل الإسلامي لدينا أكثر تكلفة على المستهلك من التقليدية، ما يجعل التوجه نحوها غير مشجع خاصة للمواطن غير المسلم، إذ إنه يمكن للمصارف الإسلامية اكتساب ميزة تنافسية إذا كان السعر مناسبا، وقال زبير هناك حاجة لتوسيع نطاق المنتجات الإسلامية كبديل لتلك التقليدية، وأشار إلى أن الفضل في التسويق كان سببا لإحجام العديد من المسلمين عن التعامل بالمصرفية الإسلامية، ورأى زبير أنه يجب على هذه المصارف إذا أرادت التوسع نحو الأمام أن تقوم بتثقيف الجماهير المسلمة حول التمويل الإسلامي ومنتجاته وكيف يمكنهم الاستفادة منه .. وفي الوقت نفسه، يجب على البنوك الإسلامية تصميم منتجاتها وتكييفها وفقا لاحتياجات العملاء المسلمين، وهذا كله يعتمد على التفكير الاستراتيجي والتخطيط للمستقبل في مجال التمويل الإسلامي في بريطانيا.
يشار إلى أنه بدأ في بريطانيا هذا الشهر عدد من الجامعات بمنح درجات علمية، كدرجة الماجستير في الصيرفة والتمويل الإسلامي، وما أغرى الجامعات البريطانية للقيام بهذه الخطوة هو الطلب المتزايد من الطلاب على هذه الدراسة، وعلى الرغم من أن هذه الشهادات العلمية أصبحت متوفرة منذ العام الماضي في بعض الدول الأوروبية فإن بريطانيا تعد صاحبة النصيب الأكبر من هذه الدراسات، الأمر الذي يعكس وضع لندن نفسها كأكبر مركز مالي للصرافة الإسلامية في الغرب.
كما أن من الجدير بالذكر هنا أن الحكومة البريطانية تستعد لإصدار صكوك إسلامية حسبما نقلت صحيفة ''ارابيان بيزنس'' الثلاثاء الماضي، وقالت إن الحكومة البريطانية تعتزم إصدار أول صكوك سيادية إسلامية ـ بحلول نهاية العام الجاري، ذلك وفقا لما نسبته إلى رئيس مجلس الإدارة في بنك غيتهاوس. ونسبت الصحيفة إلى فهد بودي ''أن الحكومة البريطانية تفكر جديا في الأمر''، معربا عن أمله في أن يتم هذا الإصدار قبل نهاية العام الجاري 2010. ويعتبر بنك غيتهاوس عضوا في سكرتارية التمويل الإسلامي في بريطانيا، والتي تضم مجموعة من البنوك الإسلامية والهيئات الحكومية البريطانية، وكانت قد تأسست لتعزيز نشاطات العمليات المصرفية الإسلامية في المملكة المتحدة، وحشد التأييد لإصدار أول صكوك بريطانية سيادية. وأعرب بودي عن تفاؤله بأن إصدارا من هذا القبيل سيجري في عام 2010. ومن ناحيته، قال مدير العمليات التشغيلية في بنك غيتهاوس جيمس باغشوي ''إن من الجوانب المهمة على أجندة تطوير نشاطاتنا ما يتعلق بتشجيع الحكومة البريطانية على إصدار الصكوك''.