اقتصاد العالم تناول «دواء مرا» لكنه يتعافى.. والاقتصاد السعودي يدار بحكمة
اعتبر خبير اقتصادي غربي أن دول العالم تجاوزت المرحلة الأسوأ من الأزمة المالية العالمية، على الرغم من وجود أزمات أخرى ترتبط بالديون السيادية الأوروبية، مطالباً بضرورة تعامل الدول بـ "حذر" أكبر في المرحلة المقبلة، خصوصاً فيما يتعلق بإدارة المخاطر في القطاع المصرفي، مع مساعدة قطاع الأعمال على النمو من خلال توفير الائتمان لهم.
وأبدى الخبير الاقتصادي تذمره من عدد من الدول التي لم تلتزم بقواعد ومعايير معاهدة "ماسترخت" الاقتصادية التي تضمن العمل السلس لاقتصاد منطقة أوروبا، لافتاً إلى أن ذلك تسبب في تدخل القيادات السياسية الأوروبية بقوة لإعادة الثقة.
وأفاد جون فارلي الرئيس التنفيذي لمجموعة باركليز العالمية في الحوار الذي أجرته "الاقتصادية" معه أن الأزمة العالمية كان لها تأثير عميق جداً، إلى جانب أن هبوط اليورو كانت له آثار إيجابية من حيث تنافسية المؤسسات المصدرة من أوروبا، مشيراً إلى أن الفائدة الناتجة عن العملة الضعيفة ستكون أثقل وزناً من التأثير السلبي الناتج عن انخفاض الإنفاق في القطاع العام.
لكن فارلي أكد أن النمو الاقتصادي في منطقة أوروبا سيكون متواضعا خلال السنوات القليلة المقبلة، في الوقت الذي أوضح فيه أن تعاون محافظي البنوك المركزية والدول وكل من له علاقة بالمصارف خلال الفترة الماضية كان عاملاً أساسيا لصمود النظام المالي العالمي في وجه هذا الكساد الاقتصادي وأعاد الثقة في الأسواق العالمية.
وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة باركليز العالمية إن الاختبار الذي أجرته لجنة الرقابة المالية الأوروبية في تموز (يوليو) من العام الجاري على البنوك الأوروبية والذي فشلت فيه سبعة بنوك، أظهر أن هذه المصارف كانت على أتم الاستعداد ولديها شفافية عالية، بالنظر إلى أن أحد اختبارات التحمل كانت تغطي تعرضهم للديون الأوروبية السيادية، مبيناً أن البنوك التي تجاوزت الاختبار أظهر مجالس إداراتها جديتها في التجاوب والاستفادة من الأزمة.
وقال: "النظام المصرفي العالمي تناول علاجاً مراً، لكنه أدى إلى تعافيه في الوقت الحاضر". وتحدث فارلي الذي دشن إطلاق أعمال بنك "باركليز" في المملكة أخيراً عن تركيز البنك في الفترة المقبلة على الخدمات المصرفية الخاصة، وإدارة الاستثمار بالإضافة إلى خدمات الوصاية المالية والوساطة لكبار العملاء من أصحاب الثروات العالية والشركات العائلية والمؤسسات، إلى جانب عدد من الأمور الاقتصادية نوردها في الحوار.. إلى التفاصيل.
بودنا في البداية التعرف على طبيعة زيارتكم إلى المملكة؟
حضرنا إلى المملكة لاستضافة لقاء مهم دعونا إليه مجموعة كبيرة من مسؤولي الدولة ورجال الأعمال وأصحاب الوكالات، ونود أن نشكرهم على ترخيص العمل الذي حصلنا عليه من قبل هيئة السوق المالية السعودية، كما نرغب في الاستفادة من الفرص المتوافرة في القطاع المصرفي في ظل دعم وتشجيع الحكومة السعودية.
وكما تعلمون حصلنا على تراخيص العمل المطلوبة للعمل في المملكة، ونود أن نشير هنا إلى أن اقتصاد المملكة يتمتع بثقل كبير على مستوى الخليج والعالم، وبذلك، نأتي هنا وفرصنا كبيرة لكي نقدم الكثير ونقوم بالكثير لعملائنا في المملكة، ولدينا الالتزام الكامل للعمل بشكل متميز وتقديم خدمات مُفصلة لتلبي متطلبات عملائنا.
نود أن نتقدم بالشكر لجميع الجهات المعنية التي سهلت من دخولنا إلى السوق السعودية، كما نود التأكيد على أن "باركليز" تعي تماما وتدرك مسؤولياتها ووجباتها تجاه المملكة، كما أننا متفائلون نتيجة الدعم والتشجيع الذي شهدناه من الحكومة السعودية، وبذلك سنعمل على تطبيق أفضل المعايير العالمية وتطويرها بالشكل الذي يخدم السوق والعملاء على حد سواء، مع تقديم خدمات مميزة لهم وتكوين علاقات متميزة على كافة المستويات.
#2#
ما أهم أدوات الاستثماريين التي سيركز عليها بنك باركليز في المملكة؟
سنركز على الاستثمار المصرفي وإدارة الثروات، وهذان القطاعان الرئيسان بالنسبة لنا في المملكة، حيث إن الاستثمار المصرفي سيشمل التركيز على الشركات الكبرى، والأعمال الصناعية، والتي سنقدم لها خدمات متنوعة ومشورة تدور كلها أو تنصب في المشورة الاستراتيجية، أو ما يسمى بإدارة المخاطر، ولدينا خبرة وخبراء حول العالم في هذا المجال.
ونحن نعد لاعباً أساسيا على المستوى العالمي في مجال الأصول وديون الحكومات على وجه التحديد، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا. هذا بالإضافة إلى خبرتنا الكبيرة في البورصات العالمية، حيث إننا نغطي مختلف مجالات العمل من الأصول والسندات المحلية والعالمية والسلع والعملات والتداول العالمي.
وبالنسبة لما يتعلق بالخبرات في الدخل الثابت، فنحن نعد الأول عالميا فيما يتعلق بالديون الحكومية، أما فيما يتعلق بالتداول الدولي والعالمي فنحن من الثلاثة الأوائل في العالم.
وأشير هنا إلى أن لدينا في مجال الاستثمار المصرفي نحو 25 ألف موظف حول العالم، أما في قطاع إدارة الثروات لدينا سبعة آلاف موظف، من إجمالي عدد موظفين يبلغ 147 ألف موظف حول العالم.
وفي موضوع إدارة الثروات، سنركز في المملكة على الخدمات المصرفية الخاصة وإدارة الاستثمار بالإضافة إلى خدمات الوصاية المالية والوساطة لكبار العملاء من أصحاب الثروات العالية والشركات العائلية والمؤسسات.
وخبراتنا تقوم على إدارة ما لا يقل عن 153,5 مليار جنيه استرليني في مجال إدارة الثروات. وتعتبر السعودية من أهم وأكبر الأسواق في هذا المجال، حيث نود تأسيس أعمالنا وتعزيز وجودنا، لذا نحن شاكرون للفرصة التي أتيحت لنا لدخول هذه السوق الكبيرة للتعامل مع هذه القطاعات المختلفة التي يشكل فيها كبار العملاء والشركات العائلية، والوقف حيزاً كبيراً.
هل سينافس «باركليز السعودية» في مجال الإقراض؟
الترخيص الذي مُنح لنا يسمح بتقديم تمويل للمشاريع على مستوى الشركات المسجلة في المملكة ولا يسمح بتقديم تمويل للأفراد.
وبالنسبة للحاجة العالمية للتمويل، فيتضح أن معظم التمويل يأتي من خلال سوق السندات على خلاف الإقراض التقليدي، لذلك سنخدم السوق السعودية من خلال فتح قنوات التواصل مع أسواق رأس المال العالمية. وأود الإشارة هنا إلى أن لدينا تخصصا وتأهيلا عاليا في تقديم التمويل والمصرفية الإسلامية، إضافة إلى المصرفية التقليدية.
«باركليز» تعمل في أكثر من 50 دولة حول العالم ما تطلعاتها المستقبلية؟
تقوم استراتيجيتنا على النمو بشكل سريع ومتنوع على الصعيدين الجغرافي والاقتصادي. وبذلك، تأتي العلاقات القوية التي نؤسسها في كل سوق ندخله في قلب هذه النمو، الأمر الذي يمثل هدفا واضحا وعمليا عند اعتماد التنويع. وبذلك، نعتبر دخولنا إلى السوق السعودية خطوة موفقة كوننا بدأنا الدخول للعمل في اقتصاد مستقر وكبير، وسيأتي في هذا السياق إنشاء علاقات قوية ودائمة مع مجموعة كبيرة من العملاء على كافة القطاعات والمستويات.
وأذكر هنا أنه قبل سبعة أعوام كانت 20 في المائة من أرباح باركليز العالمية تأتي من خارج بريطانيا، واليوم ارتفعت هذه النسبة إلى 65 في المائة، وبالتالي فإن دخولنا إلى المملكة ما هو إلا أحد الخطوات التي ستزيد من هذه النسبة والتي نود ارتفاعها.
ما الذي يدعوكم للتوسع في منطقة الشرق الأوسط؟
نحن دائماً ما نصب اهتمامنا على الفرص طويلة الأمد، لذلك نبحث عن هذه الفرص في كل مكان، ونقدم إمكاناتنا وخبراتنا لها بهدف تحقيق عوائد وأرباح لمساهمينا، وسنسعى خلال الفترة المقبلة إلى تفعيل ذلك في المملكة من خلال خبراتنا.
ومن خلال متابعتنا في "باركليز" لاقتصاد المملكة على مدى السنوات الأخيرة نجد أن ذلك الاقتصاد ينعم بالاستقرار والازدهار، ونحن دائماً ما نركز على الاقتصاديات المستقرة والتي تدار بشكل يمتاز بالحكمة، والخبرة والدراية، بالتالي اقتصاد السعودية يدخل ضمن هذا التصنيف.
ومن خلال تواجدنا في المملكة أخيراً تأكد لنا عن قرب أن السعودية تملك اقتصاداً يدار بكثير من الإبداع والامتياز، ونتوقع أن يساهم تواجدنا في زيادة تطور أعمالنا، ونموها في ظل هذا الاقتصاد.
وأؤكد أنه لن نستطيع أن نكون من مزودي الخدمات المالية العالمية في المجال المصرفي إن لم يكن لنا تواجد قوي في الشرق الأوسط، وبالأخص في أكبر منظومة اقتصادية في المنطقة كاقتصاد المملكة.
لنتحول إلى الشأن العالمي .. هل غيرت الأزمة المالية العالمية من طبيعة عمل البنوك وما أهم الدروس المستفادة في هذا الشأن؟
بالتأكيد كان للأزمة المالية العالمية تأثير عميق جداً، ويكمن قياس هذا التأثير من خلال ارتفاع قوة نسب رأس المال أو انخفاض قيمة الرافعة المالية في النظام المالي أو ارتفاع حجم السيولة المالية. فعلى سبيل المثال، إذا نظرنا إلى نسبة الشق الأول من رأس المال في باركليز فقد ارتفعت هذه النسبة من 5 في المائة في نهاية 2007، إلى 10 في المائة في 2010. أما بالنسبة للاقتراض المالي، فقد تحسنت بشكل كبير حيث انخفضت من 35 ضعفاً بنهاية 2007 إلى 20 ضعفاً خلال العام الجاري. وفيما بلغت السيولة في الميزانية العمومية للبنك في نهاية عام 2007 إلى 20 مليار جنيه استرليني، فقد وصلت خلال العام الجاري إلى 160 مليار جنيه، أي ما يعادل ثمانية أضعاف.
وأود الإشارة هنا إلى أن المصارف قد رفعت من قدراتها المالية في الثلاثة أعوام الماضية ونؤمن بأن التنويع الجغرافي والاقتصادي هو الطريقة الأمثل لخفض مستوى المخاطر.
برأيكم هل نجحت القمم الاقتصادية في التصدي للأزمات التي مر بها العالم؟
بالتأكيد، فقد شكل تعاون محافظي البنوك المركزية والدول وكل من له علاقة بالمصارف خلال الفترة الماضية عاملا أساسيا لبقاء النظام المالي. وأعتقد أن القرارات التي تم اتخاذها في خريف 2008 بعد انهيار بنك ليمان في الولايات المتحدة كانت جريئة وسريعة وحكيمة وقد عملت بدورها على إنقاذ هذا النظام المالي.
العالم كان بحاجة ماسة لمثل هذا التكاتف كونه بدأ في مواجهة أمر غير مسبوق على الإطلاق وهو الجانب المظلم للعولمة. وقد شهد النظام المالي العالمي انهيار الثقة في الأنظمة المالية العالمية والمصارف، لكن تعاون رؤساء الدول خاصة في مجموعة العشرين أسهم بشكل رئيسي في الوقوف في وجه هذا الكساد الاقتصادي وأعاد الثقة في الأسواق العالمية.
أين وصلت الدول من الأزمة المالية العالمية، وهل نستطيع أن نجزم بأن جميع الأخطار قد تم تجاوزها؟
اعتقد أن دول العالم تجاوزت المرحلة الأسوأ، لكن تقلبات الأسواق لا تزال قائمة كما شهدنا من أزمة الديون السيادية الأوروبية منتصف العام الجاري.
ويجب أن نتعامل مع الأمور بحذر أكبر من ذي قبل، وأن نفتح أعيننا في جميع الاتجاهات، ونكون حريصين ومنتبهين. وعلينا أيضا إدارة المخاطر بشكل فعال وهنا تقع مسؤولية كبيرة على البنوك تتمثل في مساعدة الشركات والأعمال التجارية على النمو، وذلك من خلال توفير الائتمان سواء من خلال أسواق رأس المال أو من خلال الإقراض العادي.
لجنة الرقابة المالية الأوروبية أجرت في تموز (يوليو) من العام الجاري اختبارات تحمل للبنوك الأوروبية واتضح فشل سبعة بنوك منها، هل هذا مؤشر خطر؟
هذا الإجراء جيد وقد تم من خلاله اختبار 91 بنكاً منها باركليز وبنوك أوروبية أخرى، وقد أوضحت اختبارات التحمل هذه أن البنوك الأوروبية كانت على أتم الاستعداد ولديها شفافية عالية خاصة أن أحد اختبارات التحمل كانت تغطي تعرضهم للديون الأوروبية السيادية.
أما عن البنوك التي تجاوزت هذا الاختبار وهي الغالبية العظمى فقد أثبتت مجالس إداراتها جديتها في التجاوب مع الأزمة وعن مدى استفادتها منها، ومن خلال هذا أعتبر أن النظام المصرفي العالمي تناول علاجاً مراً، لكنه أدى إلى تعافيه في الوقت الحاضر.
كيف تنظرون إلى الاقتصاد الأوروبي خصوصاً بعد ظهور أزمات اقتصادية عميقة في بعض دول الاتحاد الأمر الذي انعكس على عملة اليورو؟
عندما قامت معاهدة ماسترخت، اتفقت الدول الأوروبية على مجموعة من المعايير الاقتصادية مثل حجم العجز الحكومي وعلاقة هذا العجز بالناتج المحلي الإجمالي. ولكن ما حدث وعلى مدى أعوام عدة هو أن العديد من الدول لم تلتزم بقواعد ومعايير تلك المعاهدة مع أن هذه القوانين قد وضعت لضمان عمل سلس لاقتصاد منطقة أوروبا، بغض النظر عن اختلاف الثروات في دول المنطقة، الأمر الذي أدى إلى تدخل القيادات السياسية في أوروبا بقوة لتعيد بذلك الثقة وبنسبة كبيرة لمستقبل منطقة أوروبا مثل تأسيس صندوق الاستقرار الذي وضعه البنك المركزي الأوروبي.
وفيما يتعلق بأداء الاقتصاد الأوروبي، هناك قوى تتجاذب في اتجاهات مختلفة؛ فالاقتصاديات في دول أوروبا، خاصة تلك لديها عجز كبير، تعاني من انخفاض الإنفاق العام الذي يؤدي في الوقت نفسه إلى ارتفاع الثقة في القطاع الخاص. هذا بالإضافة إلى أن هبوط اليورو أخيراً كان له تأثير إيجابي في تنافسية المؤسسات المُصدرة من أوروبا، وقد كانت ألمانيا من أكثر المستفيدين حيث إن أداء اقتصادها في الوقت الحالي قوي جدا. ونرى أن الفائدة الناتجة عن العملة الضعيفة ستكون أثقل وزناً من التأثير السلبي الناتج عن انخفاض الإنفاق في القطاع العام، ومع ذلك نرى أن النمو الاقتصادي في منطقة أوروبا سيكون متواضعا خلال السنوات القليلة المقبلة.
بحكم خبرتكم الطويلة في العمل المصرفي وفي أحد أهم البنوك العالمية وأقدمها، نرغب منكم تقديم نصيحة اقتصادية، أو حكمة اقتصادية تعلمتموها من خلال عملكم؟
يعتمد نمو الاقتصاد والثروات في أي مجتمع نعمل فيه على عدد كبير من القرارات المتعلقة بالمخاطر الكبيرة منها أو الصغيرة، سواء كانت على صعيد المنزل أو الشركات، وقد تضم هذه القرارات الحصول على تمويل للتعليم أو لشراء منزل أو الادخار للتقاعد أو حتى دخول أسواق السندات للحصول على المال لشراء شركة منافسة. ومع اختلاف أنواع هذه القرارات إلا أن نمو الاقتصاد يعتمد عليها، وبذلك يتمثل دور البنك في المجتمع في تسهيل عملية اتخاذ هذه القرارات التي تتعلق بالمخاطر، وهذا هو الدور الرئيسي الذي يقوم به "باركليز".
والجدير بالذكر أنه من الواضح أن على البنوك إدارة المخاطر بحذر وتأن وعلى الجهات المنظمة الإشراف على الأساليب التي تعتمدها البنوك لتحقيق هذه الغاية ولكن العمل على تحقيق الاستقرار المالي ما هو إلا وسيلة لتحقيق غاية تتمثل في خلق فرص العمل وتحقيق النمو الاقتصادي.