نظام سعر الصرف العالمي ودوره في خلق الأزمات الاقتصادية

تعكس حرب العملات بين الدول خللا هيكليا في تركيبة نظام النقد في الاقتصاد العالمي وبالذات في نظام سعر الصرف فبعد انهيار اتفاقية برتن وودز 1971م، التي تحكم العلاقة بين عملات دول العالم وتثبت قيمة العملات مقابل بعضها بعضا، كما تثبت العلاقة بين الدولار والذهب 35 دولارا مقابل أوقية ذهب، والتي تم التوقيع عليها سنة 1944م في مدينة برتن وودز في الولايات المتحدة، دخل نظام العملات في مرحلة تاريخية جديدة لا تعكس أي تعاون أو اتفاق بين دول العالم، بينما الفترة التي سادت بين 1944 و1971، كانت تمثل نظاما نقديا عالميا تم الاتفاق عليه وأنشئ صندوق النقد الدولي للمحافظة عليه، لذا فالنظام النقدي القائم هو نتاج انهيار الاتفاقية، حيث تحولت بعض الدول إلى نظام سعر الصرف المعوم، حيث الطلب والعرض على العملة هو الذي يحدد سعرها بينما استمرت دول أخرى في التشبث بسعر الصرف الثابت، حيث العملة مثبتة بقيمة ثابتة مع عملة أخرى مثل حالة الريال السعودي والدولار، إما لأنه يناسب اقتصادياتها أو وجدت نفسها في هذا النظام وصعب عليها التغيير، بينما تحولت دول أخرى من نظام الصرف الثابت مع عملة واحدة إلى سلة العملات، وهذا أكثر مرونة مع عملة واحدة وأقل من نظام التعويم فمنذ انهيار اتفاقية برتن وودز والبحث جار عن بديل عن هذا النظام الذي هو وليد الانهيار، سواء في المؤتمرات العلمية أو من قبل المنظمات الدولية، بل إن أحد الأسباب التي قادت للأزمة الاقتصادية العالمية هو نظام سعر الصرف والخلل الهيكلي فيه. وإذا لم يعالج واستمرت حرب العملات فقد يقود إلى أزمة اقتصادية أخرى.
فنظام سعر الصرف العالمي قائم على الدولار كعملة احتياطي عالمية يتم تحديد السياسة النقدية له للظروف الداخلية للاقتصاد الأمريكي ،الذي قد لا يناسب بقية دول العالم، بل سيتأثر من جراء ذلك مئات الملايين من الناس حول العالم؛ والآن اليورو ينافس الدولار في ذلك وقد يشاركه جزئيا على الرغم من تصريح المسؤولين الأوروبين بعدم رغبتهم في ذلك. تحول أكثر من 80 في المائة من دول العالم إلى الصرف المعوم الحر أو المدار أدى إلى عدم استقرار سوق العملات وتزايد الذبذبة فيما بينها، إما بسبب العوامل الاقتصادية التي تحدد سعرها أو بسبب التدخلات الحكومية وصراع السياسات النقدية بين الحكومات، فالنظام النقدي القائم يسهم في خلق عدم التوازن المالي بين دول العالم، كما هو الحال الآن بفوائض ضخمة للصين ودول آسيا والدول النفطية وعجز هائل في الميزان التجاري الأمريكي. إضافة إلى ما سبق، فإن هذا النظام يزيد التكاليف الاقتصادية، التي يتحملها قطاع الأعمال لعدم كفاءة النظام باستخدام التحوط ضد ذبذبة العملات والخسائر التي قد يتحملها من تغير سعر العملة مقابل عملات دول العالم الأخرى. تمثل هذه التكاليف خسائر على الاقتصاد العالمي مما يقلل من الرفاه الاقتصادي للعالم أجمع. وفي حالة كفاءة النظام العالمي واستقراره، فإننا نتوقع زيادة الأعمال وانخفاض التكاليف على قطاع الأعمال وتحقيق نمو اقتصادي أعلى للاقتصاد العالمي، فالعالم في حاجة ماسة للبحث عن بديل لهذا النظام القائم، وقد تكون مجموعة العشرين التي تمثل فيها المملكة ودول نامية أخرى مع الدول الصناعية مكانا مناسبا لمناقشة مثل هذا الأمر على الرغم من معارضة أمريكا ذلك لما يشكله تغيير هذا النظام من ضياع للمكاسب التي تحققها أمريكا من الدولار كعملة احتياطي عالمية. وبما أن المملكة عضو مهم في هذه المجموعة فقد يكون دعم أبحاث علمية بين باحثين محليين ونظرائهم من الدول الأخرى في هذا المجال مساهمة من المملكة للاستقرار العالمي. وقد يكون من المناسب أن يكون ذلك بالتعاون مع الدول النامية الأعضاء في مجموعة العشرين وألا تنفرد المملكة بذلك.
لكن إن لم يتم معالجتها ووضع الحلول المناسبة، كما تراها الحكومات بناء على دراسات علمية تأخذ في الاعتبار آثار النظام الجديد في جميع المتغيرات الاقتصادية، فإن الأسواق ستعمل على التغيير لتخفيف المخاطر عليها من جراء تذبذب قيمة العملات مقابل بعضها، والتي حتما ستقود إلى حل غير كفؤ للاقتصاد العالمي وبقاء هذا النموذج غير الكفؤ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي