هل هي قضية إدارة سيئة للشركات؟
في السادس من آب (أغسطس)، أجبر مجلس إدارة شركة هيوليت باكارد رئيسها التنفيذي مارك هيرد على الاستقالة بعد الانتهاء من التحقيق في قضية تحرش جنسي. من الواضح أن هيرد اتهم من قبل جودي فيشر، وهي متعهد التسويق، بأنه يعطيها عملاً أقل مع الشركة لأنها لم تستجب لعروضه الجنسية. وقد عملت فيشر لدى شركة هيوليت باكارد من عام 2007 إلى عام 2009, حيث كانت تساعد في تنظيم المناسبات الاجتماعية. وينكر هيرد جميع التهم الموجهة إليه، كما أن مجلس إدارة الشركة وافق على أنه لم يخالف سياسات الشركة فيما يتعلق بالتحرش الجنسي.
قام هيرد بتسوية المسألة مع فيشر مقابل مبلغ لم يتم الكشف عنه قبل أن يستقيل. تجدر الإشارة إلى أن مثل هذه التسوية لا تعتبر بالضرورة اعترافاً بالذنب, لأن الذهاب إلى المحكمة يكلف أكثر من التسوية بكثير. ورغم أن مجلس الإدارة خلص إلى أن هيرد اتهم ظلماً بالتحرش الجنسي، إلا أنه طلب إليه أن يقدم استقالته بسبب مزاعم تفيد بأنه تقاضى على نحو غير لائق نفقات تتعلق بالاجتماعات التي كان يعقدها مع فيشر بلغت في مجملها نحو 20 ألف دولار. ونتيجة لذلك، ذكر مجلس الإدارة أنه فقد ''ثقته'' بالرئيس التنفيذي. وهناك بعض المفارقة في حقيقة أن مجلس الإدارة وجه اللوم إلى هيرد بسبب إضاعة أموال حملة الأسهم على فيشر، في حين كانت فيشر تلومه على توفير أموال حملة الأسهم على حسابها.
في اليوم الذي أعلنت فيه الاستقالة، انخفضت القيمة السوقية لشركة هيوليت باكارد بمبلغ عشرة مليارات دولار، وهو انخفاض بنسبة 10 في المائة تقريباً، الأمر الذي ينسجم مع الرأي القائل إن قيادة هيرد للشركة كانت تساوي عشرة مليارات دولار لحملة أسهم هيوليت باكارد. هذا أمر غير مفاجئ, لأن ''وول ستريت'' يعزو لهيرد الفضل في قلب أوضاع شركة هيوليت باكارد إلى الأفضل، جاعلاً إياها الشركة رقم واحد في مجال التكنولوجيا من حيث الإيرادات. فأثناء توليه منصبه، تضاعف سعر سهم الشركة لدرجة أنه كان يتفوق في أدائه تفوقاً كبيراً على مؤشرات السوق. وعادة ما يكون عزل الرئيس التنفيذي مسبوقاً بأداء سيئ، وليس بأداء ممتاز. لذلك، في هذه الحالات العادية، قد ترتفع أسعار الأسهم بالفعل عندما يتم عزل الرئيس التنفيذي, لأنه ربما أدى إلى قدوم قيادة أفضل. فعلى سبيل المثال، عندما تم طرد كارلي فيورينا التي كانت على رأس الشركة قبل هيرد، وذلك في شباط (فبراير) 2005، قفز سعر سهم شركة هيوليت باكارد بنسبة 7 في المائة. ومن المحتمل أن يكون هذا تقديرا نزوليا متميزا لخلق القيمة, لأن سوق الأسهم ينبغي أن تستجيب فقط للأحداث غير المتوقعة – كما أن حالات رحيل الرؤساء التنفيذيين بعد الأداء السيئ متوقعة أكثر من رحيلهم بعد الأداء الممتاز.
ويتمثل سبب بديل لتفسير انخفاض سعر السهم بوجود سبب خفي آخر لطرد هيرد. غير أن كاثي ليسجاك، المديرة المالية والرئيسة التنفيذية المؤقتة لشركة هيوليت باكارد، ذكرت في مؤتمر صحافي أن الاستقالة لا علاقة لها بالأداء التشغيلي للشركة.
قد يقول البعض إن انخفاض سعر السهم كان ردة فعل مبالغاً فيها. لكن سعر السهم لم يتعاف حتى الآن. صحيح أن شركة هيوليت باكارد أعلنت في تاريخ 30 آب (أغسطس) برنامجا لإعادة شراء الأسهم بقيمة عشرة مليارات دولار، وهو أمر ينسجم مع فرضية ردة الفعل المبالغ فيها. لكن عملية إعادة الشراء جاءت فقط بعد أن تعرض سعر سهم شركة هيوليت باكارد لمزيد من الضغط نتيجة حرب العروض بينها وبين شركة ديل للاستحواذ على شركة 3Par، خاصة بعد أن تقدمت هيوليت باكارد بعرض للشركة بزيادة نسبتها 200 في المائة فوق أسعار السوق السابقة للإعلان. ويبدو أن القصد من عملية إعادة الشراء هو طمأنة الأسواق بأن شركة هيوليت باكارد لن تضيع كل ما لديها من الفائض النقدي في عمليات استحواذ مدمرة للقيمة.
بعد الاستقالة، تم تعيين هيرد رئيساً بالشراكة لشركة أوراكل، وأنا أميل للاتفاق مع لاري إليسون، الرئيس التنفيذي لشركة أوراكل، الذي ذكر أن مجلس إدارة هيوليت باكارد ارتكب غلطة كبيرة هنا، لا تنسجم مع واجباته الائتمانية تجاه حملة الأسهم. فبينما ذكر مجلس الإدارة أنه تم طرد هيرد لأنه لم يعد بإمكانه الوثوق بتقديره للأمور وبقيمه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو إذا ما كان هذان الأمران قد أثرا على قدرته على إيجاد قيمة لحملة أسهم هيوليت باكارد؟ إن حملة الأسهم يعينون أعضاء مجلس الإدارة, لأنهم واثقون من أن المجلس سيحترم الواجبات التي أوكلوها له. ويبدو أن هذه الثقة مفقودة هنا كذلك. وتمثلت غلطة أخرى في الإصغاء إلى شركة أبكو للعلاقات العامة التي ذكر أنها أشارت على مجلس الإدارة بالإعلان عن تهمة التحرش الجنسي، رغم أن تحقيقاً وجد أنه لم يخالف سياسة الشركة المتعلقة بالتحرش الجنسي.
لو أن هيرد تصرف على نحو غير لائق بتقاضي نفقات لم تكن في حقيقة الأمر نفقات تتعلق بالعمل، كان ينبغي أن يُطلب منه أن يدفعها من جيبه الخاص وينتهي الأمر. ذلك أن العقوبة ينبغي أن تتناسب مع الجرم ولا ينبغي أن تأتي على حساب حملة الأسهم الذين تعتمد ثروتهم على مهارات هيرد القيادية، وليس على مستوى هيرموناته الجنسية. ومما أضاف الإهانة إلى الجرح، أنه تم منح هيرد بدل نهاية الخدمة بما لا يقل عن 12 مليون دولار تم دفعها من جيوب حملة الأسهم أنفسهم.
إن الدفاع الوحيد الذي يمكن أن يقدمه مجلس الإدارة هو أنه عندما طلب من هيرد أن يستقيل قلل من شأن القيمة السوقية للرئيس التنفيذي. أولاً يمكنه أن يستشهد بسابقة: ففي آذار (مارس) 2005، قامت شركة بوينج بعزل رئيسها التنفيذي هاري ستونسايفر بسبب علاقة أقامها مع إحدى التنفيذيات في الشركة. وفي ذلك اليوم، انخفض سعر سهم شركة بوينج بنسبة 1 في المائة فقط، رغم أن بوينج مثلها مثل شركة هيوليت باكارد، كانت قد تفوقت تفوقاً كبيراً على السوق عندما كان ستونسايفر على رأسها. لكن ستونسايفر كان في 68 وهيرد في سن 53. ولذلك ربما كان رد السوق المعتدل تجاه عزل الرئيس التنفيذي لشركة بوينج ذا صلة بحقيقة أن ستونسايفر في سن 68 قريب من التقاعد على أية حال. وحجة مشابهة ثانية يمكن أن يسوقها مجلس الإدارة هي أن من الواضح أن بعض المستثمرين دعموا قرار فصل هيرد. ويفترض أنه لم يتم سؤال هؤلاء المستثمرين بعد أن خسروا 10 في المائة من ثروتهم لكن قبل ذلك. وإذا كانوا قد وافقوا على الخطة القاضية بفصله، فإنهم أيضاً لم يعرفوا مدى دفع الرئيس التنفيذي للقيمة السوقية للشركة.
وفي تاريخ 13 آب (أغسطس) رفع أحد كبار حملة الأسهم وهو شركة بروكتون ريتايرمنت سيستم، قضية على مجلس الإدارة. لكن هذه القضية تخطئ الهدف, لأنها تطالب مجلس الإدارة فقط باستعادة بدل نهاية الخدمة الذي تم صرفه لهيرد وإعادته (البدل) للشركة. إن بدل نهاية الخدمة البالغ 12 مليون دولار لن يفعل شيئاً لسعر شركة قيمتها 100 مليار دولار ولن يعود بالفائدة إلا على المحامين فقط. إن حملة الأسهم سيستعيدون مبلغ العشرة المليارات في حالة واحدة فقط وهي عودة هيرد إلى وظيفته، أو إذا عثر مجلس الإدارة على شخص لديه القدرة نفسها على إيجاد القيمة لحملة الأسهم.
لقد تبخر الخيار الأول في تاريخ السابع من أيلول (سبتمبر) عندما أصبح هيرد رئيساً بالمشاركة لشركة أوراكل. وفي يوم انخفض فيه مؤشر ناسداك بنسبة 1.1 في المائة، ارتفع سعر سهم ''أوراكل'' بنسبة 5.9 في المائة. تمثل قيمة هذا العائد غير الطبيعي بنسبة 7 في المائة زيادة قدرها ثمانية مليارات دولار في القيمة السوقية لشركة أوراكل . لقد أثبت ''وول ستريت'' أنه يحب مارك هيرد.
أستاذ العلوم المالية في ''إنسياد''