مواجهة تحديات الأعمال بالمشاريع الاجتماعية

مواجهة تحديات الأعمال بالمشاريع الاجتماعية

قبل نحو أربع سنوات، طلب مني عميد إنسياد الجديد إنشاء مركز بحوث لجمع جميع المبادرات القائمة المتعلقة بدور قطاع الأعمال في المجتمع. وكان لدى الرجل رؤية واضحة: المشاريع المستدامة ستصبح اتجاها مهما في السنوات المقبلة.
واستجابة لطلب العميد، شرعت في جمع عدد من المبادرات الناجحة إلى حد ما: مبادرة إدارة الصحة، فريق الاستدامة (الطاقة، البيئة، التنقل المستدام، إلخ)، مبادرة الريادة الاجتماعية، مجموعة الأخلاق والمسؤولية الاجتماعية للشركات، فضلا عن مبادرتي الخاصة وهي مجموعة البحوث الإنسانية. وأضفت إلى هذا مبادرة إفريقيا الجديدة.
وفي حين أن هذا كان مزيجا من المواضيع والأهداف المتباينة، إلا أنه كان أيضا فرصة ذهبية لتجاوز الإهمال النمطي لمثل هذه المبادرات وللنظر بشمولية أكبر إلى مشكلات معقدة متعددة التخصصات مع مجموعة من الزملاء المتحمسين.

مركز الابتكار الاجتماعي لـ«انسياد»
لم يكن هدفنا بالتأكيد هو إنشاء مجموعة من حماة البيئة أو فاعلي الخير ذوي النية الحسنة. فلا بد أن يدرس عالم الأعمال بعناية وعلى نحو متزايد تأثير النشاط الاقتصادي على المجتمع والبيئة. ولا ينطوي هذا فقط على درجة معينة من الخطر، ولكنه يقدم أيضا فرصة هائلة للابتكار في منتجات وخدمات جديدة.
ونحن نعرّف الابتكار الاجتماعي بأنه إدخال نماذج عمل جديدة وآليات جديدة قائمة على السوق، التي قد تؤدي إلى الازدهار الاقتصادي المستدام وتحقيق فوائد بيئية واجتماعية دائمة.
ولاحظ أن الاقتصاد والربحية لا يزالان يحتلان المركز الأول في النطاق العام للأولويات. ولكنهما لم يعودا وحدهما. علاوة على ذلك، يوفر دمج السياق البيئي والاجتماعي إمكانات هائلة للابتكار في منتجات وخدمات جديدة. وقد يمهد أيضا نجاح نماذج العمل المبتكرة هذه الطريق لعملية التجديد وزيادة الكفاءة في القطاعين العام والاجتماعي.

جسر بين عالمين مختلفين
سرعان ما تطور مركز الابتكار الاجتماعي ليصيح حاضنة للمشاريع متعددة التخصصات التي تركز على الابتكار والتجديد في مجالي التعليم والبحوث. ويخصص المركز وقتا طويلا وجهدا كبيرا لتنسيق وتعزيز محتوى الابتكار الاجتماعي في المناهج الدراسية (في المواد الأساسية والاختيارية). ويختار العديد من الطلاب الآن برنامجنا لماجستير إدارة الأعمال، على الأقل جزئيا، بسبب نطاق وعمق هذا المنهج الدراسي المنقّح. وبالمثل، أصبحت المائدة المستديرة للاستدامة التنفيذية منتدى نقاش منتظماً يشمل الشركات، والخريجين المتميزين، وأعضاء هيئة التدريس، والطلاب. فهو يساعد الجميع على متابعة الأوضاع الحالية والمشاركة مع الجامعة.
وبالنسبة لأعضاء هيئة التدريس، فإن الشيء الرئيسي الذي يميز المركز هو الإثارة الناتجة عن معالجة مشاكل جديدة صعبة. فالعديد من المشاريع تنطوي على تحالفات ''غير مريحة'': دراسة المشاكل المعقدة مع شركاء غير مألوفين، مثل الشركات، المنظمات غير الحكومية، السلطات المحلية، المدارس المحلية، الجهات المانحة الدولية، الخ.
خذ مثلا مشروع Pepal. فالتحالف الدولي لفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز يقدم الدعم للمنظمات المحلية غير الحكومية التي تعمل لمكافحة الإيدز في أكثر من 40 دولة مختلفة في جميع أنحاء العالم. ويسعى مشروع Pepal إلى جمع الشركاء من الشركات الخاصة والمنظمات غير الحكومية للعمل في مشاريع مشتركة. والهدف هو مساعدة هذين العالمين المختلفين تماما على التعلم من بعضهما بعضاً. وقد صمم مركز الابتكار الاجتماعي برنامجاً يتألف من أسبوع من التدريب (لأربعين شخصاً، يمثلون خليطا جيدا من الشركات والمنظمات غير الربحية)، ثم العمل لمدة عام على مشروع في الموقع (في دول مثل زامبيا ونيجيريا وميانمار وأوكرانيا)، ثم أسبوع آخر من التدريب. ومن الممكن لطلاب الماجستير في إدارة الأعمال العمل على بعض المشاريع. وقد رصد برنامج بحوث المشاريع عن كثب لتحديد الخصائص والعوامل البيئية التي ستسهم على الأرجح في تحقيق النجاح. والرضا عن هذا المشروع التجريبي كبير جدا بحيث أنه من المقرر إجراء ستة مشاريع أخرى في العام المقبل.

كسر القالب
ما الذي يميز هذا المشروع؟ حسنا، من غير العادي أن يتبادل الأشخاص الذين يعملون في القطاعات الربحية وغير الربحية المعلومات ويتعاونوا عن كثب بهذه الصورة. وقد كانت تلك تجربة تعليمية للغاية لجميع الأطراف المعنية. ومن غير العادي أيضا أن يرتبط برنامج تدريب بشكل مباشر بمشروع ما في بيئة صعبة (مثل أحد الأحياء الفقيرة في إفريقيا). ولكن في مثل هذه البيئات على وجه التحديد يمكن على أفضل صورة تطوير ورعاية التفكير الإبداعي ونهج حل المشاكل والقدرة على التكيف بنجاح مع الظروف المتغيرة. والأغرب من هذا هو أن برنامج التدريب التنفيذي يرتبط بمشاريع ماجستير إدارة الأعمال ومشروع البحث الأكاديمي.
وتمكن مشروع Pepal من كسر قالب التفكير النمطي. ومثل معظم المنظمات الأخرى، فإن جامعتنا تنقسم بدقة إلى أقسام عليها مسؤوليات معينة محددة بوضوح. وقد تمكن مشروع Pepal من اختراق هذه الصوامع.

من الملاريا إلى الهواتف الجوالة
مثال آخر هو مشروع ’المشاريع المشتركة لأدوية الملاريا‘، وهو شراكة بين القطاع العام والخاص تهدف إلى تطوير أدوية جديدة للملاريا. إن مكافحة الملاريا لا تتطلب فقط أدوية جديدة وإنما كذلك نماذج عملية ابتكارية لضمان أن تصل هذه الأدوية إلى الأماكن الصحيحة (والتي تكون أماكن نائية في العادة)، وأن يتم استخدامها بالشكل الصحيح. وهذا بدوره يتطلب نماذج جديدة في سلسلة التوريد تشتمل (مرة أخرى) على عدد من التحالفات غير المريحة بين السلطات الوطنية والمحلية، والمنظمات غير الحكومية، والشركات التجارية، والجهات الراعية والجهات المانحة وما إلى ذلك. كما أنه يتطلب فضلاً عن ذلك النوع المناسب من الدعم الحكومي في المكان الصحيح والزمان المناسب لإبقاء الأدوية في متناول الناس وإعطاء التحفيز السليم للحلقات المختلفة في السلسلة. من الممكن في المدن العمل مع المستوصفات المحلية. وفي المناطق الريفية المعزولة، حيث أنه في غالب الأحيان ليس بمقدور أية جهة اختراق هذه الأماكن إلا من قبل شركات المواد الغذائية العالمية، فإنه ربما يكون من الضروري الحصول على مساعدة مجتمع الأعمال. كذلك فإن فهم العادات المحلية والثقافة المحلية أمر لا بد منه لضمان أن يتم استخدام الأدوية بالشكل الصحيح وألا يؤدي إلى آثار جانبية ضارة. ومن أفضل الأفكار الابتكارية في هذا المجال استخدام الهواتف الجوالة. كثير من المناطق الريفية حاصلة على تغطية من خدمة شبكة الهواتف الجوالة، بالتالي من الممكن ربط العدد الصحيح المستخدم من الدواء بإعطاء حسابات إضافية للاتصال. في المستقبل ستجعل الأدوية الذكية من الممكن استخدام الهواتف الجوالة لرصد ومتابعة حالات الأدوية المزورة وفي بعض الأحيان الأدوية الخطرة.

نماذج عملية مبتكرة
ينبغي أن يكون من الواضح منذ الآن السبب في أن كلمة ''الابتكار'' هي من الأساسيات في اسم مركز الابتكار الاجتماعي. يكمن الابتكار في قلب ما نقوم به. والمركز عبارة عن نقطة تجمع للتجريب، حيث يمكن استكشاف الأفكار التي لا تقع مباشرة في موقعها المناسب في أقسامنا العملية الطبيعية. والأفكار الناجحة يمكن نقلها إلى نشاطاتنا المنتظمة مثل برنامج الماجستير في إدارة الأعمال. ونحن نضطلع بقضايا معقدة وديناميكية من خلال نماذج ابتكارية عملية تشتمل على عدد كبير من الشركاء غير المعتادين. وهذا من شأنه أن يجعلنا أفضل استعداداً لمجابهة تحديات المستقبل، سواء في عالم الأعمال أو ما وراءه، ويتيح لنا (باعتبارنا من أبرز كليات إدارة الأعمال) أن نعطي لطلابنا أفضل البرامج التعليمية.

أستاذ إدارة العمليات وأستاذ كرسي هنري فورد للتصنيع في «إنسياد». وهو كذلك المدير الأكاديمي لمركز الابتكار الاجتماعي في «إنسياد».

الأكثر قراءة