شركات التمويل العقاري تتحول نحو منتج الإجارة الموصوفة في الذمة

شركات التمويل العقاري تتحول نحو منتج الإجارة الموصوفة في الذمة
شركات التمويل العقاري تتحول نحو منتج الإجارة الموصوفة في الذمة

منذ نشأتها قبل أكثر من ثلاثة عقود حرص القائمون على المصرفية الإسلامية على ابتكار وتطوير المنتجات الجديدة استنادا إلى التراث الفقهي الموجود لدى المسلمين وبداية من عقد المرابحة ظهر اليوم على الساحة عديد من المنتجات المالية الإسلامية القائمة على التورق والسلم والاستصناع والإجارة سواء في مجال التمويل أم الاستثمار.
الإجارة الموصوفة في الذمة تلك الصيغة المعروفة في الفقه الإسلامي لم تدخل ضمن منتجات البنوك الإسلامية إلا قريبا، وبدأت تحظى في الوقت الأخير عناية من الباحثين والمتخصصين، حيث نوقش الموضوع في ندوة البركة العام الماضي، كما سجل رسالة دكتوراة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حول التوعية بأهمية هذا الموضوع أقامت شركة أملاك العالمية هذا الشهر ندوة في مدينة الخبر استضافت فيها عبد الستار أبو غدة الفقيه المصرفي محمد بن علي القري الخبير في المصرفية الإسلامية، وراشد الغنيم المستشار القانوني، وقدم الثلاثة أوراق عمل حول الموضوع وتعرضوا لعديد من مسائله المهمة.
في ورقته التي حملت عنوان تمويل المنافع بالإجارة الموصوفة في الذمة تحدث الدكتور أبو غدة عن أهم الفروق بين الإجارة المعينة والإجارة الموصوفة في الذمة ثم عرض أهم صور طرق تمويل المؤسسات بالإجارة في عدة نقاط منها: أنه إذا كانت الخدمات لا تقدم مباشرة من الجهات المالكة للمنافع، وإنما تتم بوساطة مؤسسة مالية، فإن الأداة المستخدمة مع المتعاملين مع المؤسسات يمكن أن تكون هي الإجارة، ثم الإجارة الثانية (الإجارة من الباطن) فتستأجر المؤسسة تلك الخدمات (المعينة) ثم تعيد تأجيرها، بمعنى أن تتملك المؤسسة المنفعة وهي الخدمة المطلوب تمويلها لمدة معينة، وفي خلال تلك المدة تقدم تلك المنفعة إلى المستخدمين الفعليين لها، بعد الاشتراط على المؤجر (الشخص أو الجهة المالكة للخدمة) بأن التعاقد معهما يخول المؤسسة، إضافة إلى حقها في الانتفاع المباشر القيام بتقديم تلك المنفعة للغير، وهي من تتعاقد المؤسسة المالية معهم في عقد الإجارة من الباطن ويلتزم مقدمو الخدمة بهذا، ونبهت الورقة إلى أن هذه الإجارة إجارة معينة، وفي هذه الصيغة بعض المخاطرة، لأن المؤسسة بعد تملك المنفعة قد لا تجد من تقدمها إليه، ويعالج هذا بالحصول على وعود من المستفيدين، وموضوع الوعد معروف، أو باشتراط المؤسسة الخيار لصالحها تجاه الجهة المؤجرة، ومن الصور التي ذكرها الباحث أن تكون الإجارة التي محلها تقديم الخدمات من المؤسسة المالية إلى المتعاملين معها هي إجارة موصوفة في الذمة بعدم تعيين الطبيب مثلاً، بل بوصف الخدمة (الأعمال والإجراءات) وصفاً يمنع التنازع، وفي الإجارة الموصوفة في الذمة يمكن للمؤجر (للمؤسسات) إبرام عقد الإجارة قبل تملك منفعة العين التي تريد أن تؤجرها فتبرم المؤسسة العقد مع العميل، ثم تتعاقد المؤسسة مع الطبيب أو الجهة الصحية مثلا، وتشترط تقديم الخدمة (المنفعة) لها أو لمن تحدده من عملائها، وأشار إلى أنه يجب عدم الربط بين الإجارة الموصوفة في الذمة إذا تم إبرامها مع مقدم الخدمة (أولاً) وبين عقد الإجارة مع المستفيد من الخدمة، لأن الموصوف في الذمة لا يجوز التصرف فيه قبل قبض محله أي تعيينه فتكون – حسب التطبيق الصحيح - من قبيل الإجارة المتوازية. أما إن حصل العكس فهي استئجار وإيجار من الباطن.

#2#

من ناحيته تحدث الدكتور محمد القري في ورقته عن أهم تطبيقات منتج الإجارة الموصوفة في الذمة في العقارات، وذكرت الورقة ثلاثة تطبيقات أولها في تمويل المساكن، في الحالات التي تكون الوحدة العقارية فيها تحت الإنشاء، إذ يقوم البنك أو شركة التمويل بالدخول مع العميل في عقد إجارة في الذمة والمحل المتعاقد عليه عندئذٍ هو منافع وحدة عقارية موصوفة وليست قائمة وقت إمضاء العقد، فيتأجل التسليم حتى يجري من المقاول المنفذ الانتهاء من الإنشاء بحسب المواصفات المتفق عليها، مع التزام كل طرف بمقتضيات عقد الإجارة خلال هذه المدة ومنها دفع الأجرة من قبل العميل، ومن التطبيقات الموجودة أن يتضمن هيكل التمويل المذكور عقد استصناع تكون شركة التمويل فيه مستصنعاً أي طالباً للصنعة والعميل صانعاً والغرض من جعل العميل المتمول هو الطرف الآخر في عقد الاستصناع أن يكون إشرافه مباشراً على التنفيذ، لأنه هو المستفيد في النهاية من الوحدة العقارية. ومن المعلوم أنه لا يلزم أن يكون العميل مقاولاً لغرض الدخول في عقد الاستصناع، إذ له أن يستعين بمن شاء لهذا الغرض، ومن التطبيقات أيضاً استخدام الإجارة في الذمة وعقد الاستصناع في تمويل المشروعات. لا يخفى أن تمويل المشروعات هو نوع من صيغ التمويل يجري فيه تسديد المديونية من إيرادات المشروع محل التمويل نفسه، وليس من الإيرادات الأخرى للجهة صاحبة المشروع. فعلى سبيل المثال، يمكن لمجموعة من البنوك أن تقوم بتمويل إنشاء مصنع للأسمنت مثلاً يمكن لها الدخول مجتمعة في عقد استصناع تدفع بموجبه للمقاول دفعات نقدية مقابل إتمام مراحل المشروع والدخول في عقد إجارة في الذمة مع صاحب المشروع في الوقت نفسه يسري مفعوله من اليوم الأول ويقوم بموجبه بدفع الأقساط الإيجارية بصفة مستمرة حتى قبل تسليم الأصل، وجلي أن هذه الإيجارات لا تستحق للمؤجر إلا بعد تسليم الأصل في التاريخ المتفق عليه، وتبقى قبل ذلك دفعات على الحساب.
كما أشار القري إلى أهم مشكلات هذا العقد، وقال من المشكلات التي يواجهها هذا النوع من التمويل تأخر المقاول في تسليم الأصل المصنوع، وسواء كان العقد إجارة في الذمة فحسب أو كان إجارة على الاستصناع، فإن تأخر المقاول المنفذ في تسليم الوحدة العقارية يولد مشكلات لا حصر لها، ولذلك تعمد شركات التمويل إلى النص في العقود على مدة إضافية وإلى شروط جزائية على المقاولين وغير ذلك. ولكن إذا عجز المقاول عن التسليم أو تأخر مدة طويلة، فإن المؤجر أي شركة التمويل ملتزم في ذمته بمنافع للمستأجر إذا أمكن أن تتوافر من وحدة مماثلة فيلزمه أن يوفرها للمستأجر، وإلا كان عليه رد جميع ما قبضه من المستأجر إليه وفسخ العقد، كذلك فإن من مشكلاته ما يتعلق بالصيانة، الإجارة في الذمة تشبه عقد الإجارة العينة من ناحية تقسيم الصيانة فيه إلى صيانة عادية وصيانة هيكلية وتحمّل المستأجر النوع الأول، أما المؤجر فإنه يتحمل النوع الثاني ويعرف بأنه ما يؤدي إلى توقف الأصل عن توليد المنافع المتعاقد عليها. وفي هذا إشكال بالنسبة للمؤجر أي شركة التمويل لأنه يخرجها من تخصصها وهو التمويل إلى أعمال الصيانة والترميم. وأشارت الدراسة إلى أنه قد اجتهدت بعض الهيئات الشرعية في المملكة في إجازة الاتفاق بين المؤجر والمستأجر على أن يتحمل المستأجر هذا النوع من الصيانة مقابل رسم شهري.
فيما تحدث راشد الغنيم في ورقته عن أهم مزايا صيغة الإجارة الموصوفة في الذمة للعقار، وأشار إلى أن هذه الصيغة تحقق كامل مزايا عقد إيجار المعيَّن ومنها احتفاظ المموِّل بملكية المسكن طوال مدة العقد، ما يوفر للممول ضمانة مالية كبيرة، ويسهل بالتالي إجراءات بيع المسكن في حال تعثر العميل، كذلك إمكانية نقل ملكية الأصول إلى طرف ثالث في إطار عملية التسنيد أو التوريق، وبالتالي الاستفادة من مزايا السوق الثانوية، إضافة إلى إمكانية زيادة الأجرة خلال فترة التمويل بما يتناسب مع زيادة أسعار الفائدة، وذلك بربط الأجرة بمؤشر مالي (سايبور مثلاً)، أو بتقسيم المدة الإيجارية إلى فترات متعددة كذلك وجود مدونة قانونية متكاملة وواضحة تنظم الأحكام الموضوعية لعقد الإجارة بشكل عام، (سواء أكان العقد واقعاً على عين معينة أو موصوفة في الذمة ممثلة في مشروع نظام الإيجار التمويلي، ما يجنب المموِّل تناقض الأحكام القضائية وخضوع المنازعات إلى الاجتهاد المحض.

الأكثر قراءة