استقلالية الرقابة الشرعية تعزز مصداقية الالتزام الشرعي للمؤسسات المالية الإسلامية
أكد الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر أن الاستثمار المالي الإسلامي لقي اهتماما عقب تداعيات الأزمة المالية، كونه الأقل تضررا من تداعياتها، وأضاف أن قطاع المصرفية الإسلامية سار على طريق تحقيق نمو قوي وربحية عالية، مؤكدا أن أداء البنوك الإسلامية فاق أداء البنوك التقليدية في معظم الأسواق الرئيسية. وأضاف خليفة آل ثاني أن البنوك الإسلامية أقل اعتمادا في سيولتها على الديون وأكثر اعتمادا على إيداعات العملاء مما حد من تعاملها مع أسواق الديون، وذلك إلى جانب بعدها عن المضاربات الكبيرة التي حدثت في البنوك الأوروبية والأمريكية، مشيرا إلى أن البنوك الإسلامية تتمتع بميزة إضافية في ظل الأزمة وهي قلة مخاطرها مقارنة بالبنوك التقليدية.
وأضاف خليفة آل ثاني خلال المؤتمر الأول للمال الإسلامي في الدوحة بقطر أن أدوات الاستثمار الإسلامية استطاعت تحقيق انتشار واسع رغم أنها لم تظهر جليا إلا في العقد الأخير، وفي ضوء هذا الانتشار فإن معدلات النمو التي حققتها البنوك الإسلامية تظل سريعة وتفوق البنوك التقليدية في الأحوال العادية، كما أن الأزمة المالية وفرت فرصا للبنوك الإسلامية لتعزيز مكانتها عالميا، وأشار إلى أن المصارف الإسلامية محاطة بالإطار الواسع والمرن للشريعة الإسلامية التي تستطيع أن تكون وسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي وزيادة الاستثمارات، متوقعا أن تلعب تأثيرات الأزمة دورا أساسيا في نمو وتطوير الصناعة المصرفية الإسلامية في السنوات المقبلة.
وكانت شركة بيت المشورة للاستشارات المالية قد نظمت فعاليات المؤتمر الأول للمال الإسلامي تحت عنوان «التمويل الإسلامي والواقع الاقتصادي الجديد» على مدى يومين، وذلك تحت رعاية رئيس مجلس وزارء قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، وبحضور مصرفيين ورجال أعمال وفقهاء ومستثمرين في القطاع المصرفي في الوطن العربي والعالم.
وتحدث الدكتور علي القره داغي أمين عام اتحاد علماء المسلمين ورئيس عديد من الهيئات الشرعية خلال الجلسة الثانية عن العلاقة بين المساهمين ومجالس الإدارات والإدارة التنفيذية، وكذلك الإفصاح والشفافية بين متطلبات الشرعية والمحاسبية، وتطرق إلى دور الهيئات الشرعية في الحد من مخالفات الحوكمة إضافة إلى الضوابط الشرعية والقانونية لمكافآت كبار المديرين، وقال إن شركات الأموال في الفقه الإسلامي وحتى في القوانين قبل الاعتراف بالشخصية الاعتبارية للشركات تقوم على الشراكة بين المشاركين من حيث المال والإدارة، وأضاف أن البنوك الإسلامية الممثلة في الإدارة تعتبر بمثابة المضارب فيما يخص الودائع الاستثمارية، والمودعون هم أرباب الأموال. كما أوضح القره داغي أن قرارات الهيئة الشرعية تكتسب فيما يخص الجانب الشرعي إلزاميتها أحكام الشرعية لكل المسلمين التي لا خلاف فيها، كما تكتسب هذه القرارات إلزاميتها من التزام المؤسسة المالية الإسلامية بقرارات الهيئة في عقدها التأسيسي ونظامها الأساسي، وأضاف أن الهيئات الرقابية الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية تتمتع بقدرات وقوة تمكنها من تحقيق أهدافها للتأكد من أن المؤسسة تسير وفق أحكام الشريعة، أو على الأقل عدم تعارض أعمال المؤسسة وعقودها مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وأشار الشيخ محمد تقي العثماني رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أن الهيئات الشرعية لها دور فقهي ورقابي وإليها يرجع الفضل في تسيير عجلة المصارف الإسلامية وهي متميزة على البنوك التي أساسها الربا، ودعا الهيئات الشرعية إلى إعادة النظر في سياستها مع المؤسسات المالية الإسلامية، وأن تقلل من الرخص التي لجأت إليها لتسيير عجلتها في بداية الأمر على أساس حاجيات حقيقية معتبرة في الشرع، مضيفا أن الصيرفة الإسلامية قد تسارع إليها كل من هب ودب حتى الذين وجدوا فيها سوقا رائجة ورواتب عالية.
وطالب المتحدثون في الجلسة الثانية من المؤتمر بكسر الحواجز والانفتاح على الغرب والتعريف بالمنتجات المالية الإسلامية وتقديم نموذج إسلامي ناجح، وقال ويليام كرشباوم العضو المنتدب لشركة برت ـــ الشغل في فيينا المتخصص في خدمات المصرفية الإسلامية إن الابتعاد عن المضامين الأخلاقية في المؤسسات المالية وغياب المسؤولية بالمصلحة العامة عامل رئيسي في الأزمة المالية، مضيفا أن مبادئ التمويل الإسلامي غير معروفة في الغرب خصوصا أنه لا يوجد لها مثيل في أنظمة هذه الدول، كما أن هناك شكوكا حول المنتجات المالية الإسلامية يغذيها الخوف من الإسلام، لافتا إلى ضرورة التباحث مع صناع القرار الاقتصادي لتطوير هذا نظام المصرفية الإسلامية في ظل الطلب والحاجة لهذه الصناعة في ظل الأزمة المالية.
وأكد كرشباوم أن الأوروبيين بدأوا يفقدون الثقة بالبنوك التقليدية ويبحثون عن منتجات بديلة، وأنه نتيجة للأزمة المالية التي أضرت بمعظم البنوك التقليدية في العالم فإن ثقة الناس بدأت تنتقل إلى البنوك الإسلامية التي كان تأثرها بتداعيات الأزمة محدودا. وقال إن منتجات المالية الإسلامية يمكن أن تطبق في الدول غير الإسلامية خاصة في الوقت الحالي، لافتا إلى أن ثمة قواعد بالنسبة للأسواق ينبغي تحديدها كفوائد التمويل بالنسبة لغير المسلمين، وكذلك ينبغي وجود نموذج يتم تطويره، وإظهار كيفية تطوير القطاعات لو استخدمت المنتجات المالية الإسلامية والتركيز على وسائل الإعلام لإظهار ميزات هذه الصناعة لغير المسلمين، إضافة إلى تنظيم المؤتمرات في الدول غير الإسلامية وبناء شراكات وإيجاد نوافذ إسلامية في البنوك التقليدية في الدول الأوروبية، مشددا على أهمية تقديم التمويل الإسلامي في صورة لا تظهر أنه مصدر تهديد لحياة الناس وتعاملاتهم في هذه الدول وإنما بديل يخدم مستقبلهم.
من جانبه تحدث الدكتور محمد عبد الحق الرئيس التنفيذي لشركة بروة كابيتال عن النمو الاقتصادي في الشرق وفرص التمويل الإسلامي، قائلا إن أكبر دولتين في الشرق هما الصين والهند شهد اقتصاداهما ازدهارا مطردا، حيث استطاعت الصين أن تزيح اليابان عن موقعها (ثاني أكبر اقتصاد في العالم)، أما الهند فقد استطاعت خلال جيل واحد أن تصل إلى المرتبة الثالثة، وقال إن التحدي الأكبر في كيفية استغلال الفرص الكبيرة في هذه الأسواق ودخول الصناعة المالية الإسلامية هذه الأسواق، مشيراً إلى إصدار 350 صكا من الصكوك الإسلامية في الشرق تصدرتها ماليزيا ثم إندونيسيا وبروناي، في حين لا يزال نشاط التمويل الإسلامي في كوريا الجنوبية وتايلاند محدودا.
وكان اليوم الثاني من المؤتمر قد شهد طرح عديد من القضايا، كالتمويل الإسلامي والمسؤوليات الأخلاقية والاجتماعية، وطرح نموذج الأخلاق الذي يستند إليه التمويل الإسلامي، ومقاصد الشريعة وإلزاميتها في فتاوى المؤسسات المالية، وضوابط تجاوب المؤسسات المالية الإسلامية مع المستجدات الاجتماعية، وطرح منتجات مالية إسلامية تمثل بديلا في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية.
وتحدث الخبير الأول لدى مجمع الفقه الإسلامي في جدة الدكتور أحمد الريسوني عن مقاصد الشريعة في فتاوى الهيئات المالية الإسلامية، وأبدى ملاحظاته العامة على بعض الاجتهادات الفقهية لبعض المنتجات والخدمات من الناحية المقاصدية، كبيع المرابحة للآمر بالشراء والمشاركة المتناقصة في التمويل الإسلامي، وقضية جواز تغريم المدين المماطل، كما تحدث عن التورق المنظم وعدم توافقه مع مقاصد الشريعة وعزز ذلك بقرار المجمع الفقهي في شأن التورق المنظم والتورق العكسي، وأبدى الدكتور الريسوني أسفه تجاه ضعف إعمال المقاصد الشرعية عند كثير من الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية، وكذلك في المؤلفات والبحوث المتعلقة بالفتاوى المالية والاقتصادية، وانهماك مؤلفيها في تسطير المعايير الجزئية التطبيقية وإغفال المعايير الكلية الجامعة، موضحا خطورة إغفال جانب فتح الذرائع في الفتاوى المالية والتوسع في جانب سد الذرائع، مما يضفي على فتاوى كثير من الهيئات والمجامع الفقهية طابع الجمود والتوسع في التحريم خوفاً من شبح الربا.
كما تحدث الدكتور عبد العظيم أبو زيد الخبير والمدرب الشرعي في مصرف الإمارات الإسلامي عن ضوابط تجاوب المؤسسات المالية الإسلامية مع المستجدات الاجتماعية، مؤكداً أهمية أن توجه المؤسسات المالية الإسلامية التمويلات والاستثمارات لما هو أجدى وأنفع اجتماعياً وتجنب التمويلات والاستثمارات ذات الأثر السلبي على الاقتصاد والمجتمع، مؤكدا ضرورة تنقية المؤسسات المالية الإسلامية من المنتجات المشبوهة وغير الشرعية حقيقة، وطالب بضرورة رفع القيود التي تفرضها الجهات الرقابية العليا على المؤسسات المالية الإسلامية، وأوصى بأهمية إعداد هيئة شرعية عليا من أهل العلم والخبرة للقيام بدورها في هذا الجانب، ودعا في ختام ورقته المطروحة إلى إعداد هيئة استشارية شرعية عليا من العلماء الثقات يساعدهم خبراء اقتصاديون ثقات للقيام بتصنيف المنتجات المالية الإسلامية باعتبار مضامينها وآثارها ومآلاتها، وذلك بغية إزاحة المنتجات التقليدية التي تسربت إلى هذه المؤسسات تحت أسماء إسلامية، وكذلك العمل على إيجاد جهة رقابية تتولى وضع قواعد حوكمة لعمل هيئات الفتوى في المؤسسات المالية تحقق قطع الارتباط المصلحي بين هيئة الفتوى والمؤسسات التي يفتون فيها، وإلزام المؤسسات المالية الإسلامية بعدم الخروج عن قرارات وفتاوى المجامع الفقهية، والمطالبة برفع القيود التي تفرضها الجهات الرقابية العليا على المؤسسات المالية الإسلامية والتي قد تقيد المساهمة الاجتماعية الفاعلة.
وكان العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لبيت المشورة ـــ الجهة المنظمة للمؤتمر ـــ الدكتور أسامة الدريعي قد أكد أن المؤتمر هدف إلى بحث الفرص المتاحة أمام التمويل الإسلامي والتحديات التي تواجهه، ومناقشة إمكانية إبرازه كبديل ناجع عن وسائل التمويل التقليدية، ودراسة مدى تطبيقه الاستخدامات والقواعد الحديثة، وتعزيز التعاون بين المؤسسات المالية الإسلامية لإيجاد نظام سوق تنافسية في ظل تحديات الحوكمة، وإبراز المسؤوليات الأخلاقية والاجتماعية لنظام التمويل الإسلامي. مضيفا أن فعاليات المؤتمر كانت على أربعة محاور، وهي: الاقتصاد الإسلامي واقتصادات الدول الإسلامية، والتمويل الإسلامي والمستجدات الاقتصادية العالمية، والمؤسسات المالية الإسلامية وتحديات الحوكمة، والتمويل الإسلامي والمسؤوليات الأخلاقية والاجتماعية.
وأوضح الدريعي أن المؤتمر تميز بالربط بين العمل الفني اليومي في المؤسسات المالية الإسلامية والآراء النظرية للفقهاء، وذلك من خلال وجود عدد كبير من العلماء والفنيين وأخذ آرائهم في مختلف المواضيع المرتبطة بعمل الصيرفة الإسلامية، كما تضمن عقد طاولة مستديرة لكبار المديرين في التمويل الإسلامي حول آليات الاستفادة من الحوكمة، وكذلك ندوة تعريفية بالتمويل الإسلامي للسفارات والبعثات الدبلوماسية الموجودة في قطر شارك فيها أكثر من 25 سفيرا لنشر ثقافة المصرفية الإسلامية لدى السفارات والقنصليات، كما أقر مجلس إدارة شركة بيت المشورة جائزة سنوية قدرها 225 ألف ريال قطري تقسّم على المركزين الأول والثاني، وذلك في سبيل التنافس على البحث والإبداع لإنتاج المنتجات المالية إسلامية التي تخدم المجتمع والأمة على حد سواء.
أبرز نتائج المؤتمر
أهمية العناية بالمقاصد الشرعية في القضايا المالية المعاصرة في إطار الضوابط الشرعية للاستنباط وطرق الاجتهاد.
التطوير الاستراتيجي لبناء متكامل للصناعة المالية الإسلامية لتحقيق التنوع اللازم لاستقرار ونمو هذه الصناعة.
التأكيد على تطوير مستوى أداء المؤسسات المالية الإسلامية في مجال المسؤولية الاجتماعية بشتى صورها.
ضرورة التمييز بين الفتاوى الاستثنائية الطارئة التي يجب أن تقدر بقدرها وبين الأحكام الثابتة المستقرة التي يجب مراعاتها والعمل بها.
العمل على بناء كوادر وكفاءات مؤهلة في مجال الفتوى والرقابة الشرعية لتحقيق الأداء الأمثل بما يتماشى مع النمو المتزايد للصناعة المالية في العالم.
التأكيد على استقلالية الرقابة الشرعية بما يحقق مصداقية الالتزام الشرعي للمؤسسات المالية الإسلامية.
ضرورة نشر الوعي بأهداف ومقاصد الاقتصاد الإسلامي على المستوى الدولي دعماً لنمو وتوسع العمل المالي الإسلامي.
التأكيد على تطبيق ضوابط الحوكمة في المؤسسات المالية الإسلامية لتنظيم العلاقات بين الأطراف المختلفة وضبط أداء المديرين والهيئات الرقابية الشرعية.
ضرورة إبراز وتفعيل أخلاقيات الصناعة المالية الإسلامية.
ناقش المؤتمر
الفرص المتاحة أمام التمويل الإسلامي والتحديات التي تواجهه.
دراسة مدى تطبيق التمويل الإسلامي الاستخدامات والقواعد الحديثة، وحقيقة الأسس النظرية والقواعد الشرعية التي يقوم عليها.
معالجة التحديات التي تواجه التمويل الإسلامي عند تطبيقه في الاقتصاديات التقليدية.
دعم التعاون العربي والإسلامي في المجالات التمويلية.
تعزيز التعاون بين المؤسسات المالية الإسلامية لخلق نظام لأسواق تنافسية في ظل تحديات الحوكمة.
إبراز المسؤوليات الأخلاقية والاجتماعية لنظام التمويل الإسلامي.
محاور المؤتمر
الاقتصاد الإسلامي واقتصاديات الدول الإسلامية.
التمويل الإسلامي والمستجدات الاقتصادية العالمية.
المؤسسات المالية الإسلامية وتحديات الحوكمة.
التمويل الإسلامي والمسؤوليات الأخلاقية والاجتماعية.
المشاركون في المؤتمر
- قطر / الدكتور علي القره داغي، الدكتورة عائشة المناعي، الدكتور خالد السليطي.
- السعودية / الدكتور سامي السويلم، الدكتور عبدالله العمراني.
- سوريا / الدكتور عبد الستار أبو غدة، الدكتور عبد العظيم أبو زيد.
- الأردن / الأستاذ ناصر الزيادات.
- المغرب / الدكتور أحمد الريسوني، الدكتور محمد بلارج.
- بريطانيا / الدكتور محمد عبد الحق.
- بلجيكا / الدكتور مارك دشمبس.
- ماليزيا / الدكتور أسيراف دسوقي.
- أمريكا / الدكتور إبراهيم عويس.
- باكستان / الدكتور محمد عثماني.
- النمسا / الدكتور ويليام كرشباوم.