السعودية .. استمرار الركود مع توقعات بصــحوة في 2011
يضع حجم إصدارات الصكوك في السعودية علامات استفهام في محلها بشأن التأخر في دخول تلك السوق، وتواضع حجم الإصدارات بما لا يتناسب مع مكانة سوق التمويل الإسلامي في المملكة. وقد تم طرح أول إصدار من الصكوك في السعودية في 2006 على الرغم من قدم تجربة المصرفية الإسلامية في المملكة، حيث أسس مصرف الراجحي في 1978. كما أنها تحتل المرتبة الثانية من حيث حجم أصول صناعة المصرفية الإسلامية، وينظر إليها كإحدى أبرز أسواق المصرفية الإسلامية. ومع كل هذا لم ينظم طرح وتداول الصكوك كمنتج إسلامي إلا بعد قيام هيئة السوق المالية وإصدارها لائحتي الطرح والإدراج في نهاية عام 2004، كما تأخر طرح أول صكوك إلى عام 2006.
ويشير تقرير لشركة جدوى للاستثمار إلى أن أهم التحديات التي تواجه سوق الصكوك السعودية هي ضآلة حجم سيولة الصكوك الفعلية، حيث لم يتجاوز عدد الصفقات خلال الشهرين الأولين من إطلاق التداول في سوق الصكوك 50 صفقة. وثاني التحديات هو افتقار السوق للاتساع والعمق ولا تتوافر أي مؤشرات على أن الحكومة بصدد إصدار صكوك بطريقة نشطة، فالدعم الحكومي يعد بصفة عامة عاملاً أساسياً في تطوير أسواق الدين. ومن التحديات الجادة المشكلات التي تتعلق بقلة الكوادر البشرية المؤهلة العاملة في مجال الصكوك. وكذلك عدم وجود نظام معايير موحد متوافقة مع الضوابط الشرعية، فضلاً عن ضعف المقدرة على ابتكار منتجات جاذبة.
ويوضح التقرير أن غياب العمق في السوق (قلة الإصدارات وانخفاض قيمتها) وانعدام الشفافية ونقص المعلومات التاريخية عن التداول، أدت إلى ضعف تداول الصكوك، حيث لم يتعدَ عدد صفقات بيع الصكوك المنفذة طيلة عام 2008 نحو 85 صفقة لم تتجاوز قيمتها 1.3 مليار ريال، بينما تداولت سوق الأسهم نحو 52 مليون صفقة زادت قيمتها على تريليوني ريال خلال الفترة نفسها، ما يبين حجم المشكلة.
وقال التقرير إن الشركات والحكومات توظف الصكوك للحصول على التمويل والسيولة. بل إنها تعدها أدوات دين متوافقة مع الضوابط الشرعية فضلاً عن كونها تفي باحتياجات المستثمرين لتنويع المحفظة الاستثمارية. ويرى معدو التقرير أن الظروف مواتية حالياً لتحقيق دفعة قوية في إصدارات الصكوك وتداولها، خاصةً أن نمو سوق أدوات الدخل الثابت في المملكة يعد ضعيفاً مقارنة بنمو سوق الأسهم.
وقد تمثلت أهم الخطوات في هذا الصدد في قيام شركة السوق المالية السعودية "تداول" في منتصف العام الماضي بإنشاء سوق ثانوية للصكوك تعمل آلياً بنظام أوامر البيع والشراء. وتعد تلك الآلية عكس النظام السابق القائم على تداول الصكوك في سوق موازية (بورصة خارج السوق الرسمية) ما يعني تنفيذ عمليات البيع عبر إدارات الخزانة في البنوك ثم تسويتها لدى شركة تداول عقب ذلك ـــ بحسب تقرير شركة جدوى. ويرمي النظام الجديد إلى تشجيع المستثمرين على التوسع في تداول الصكوك، حيث يتيح لهم بيع وشراء الصكوك من خلال شركات الوساطة. وفي ظل النظام الجديد لتداول الصكوك يلاحظ ارتفاع أحجام المعروض منها من الجهات المصدرة، وكذلك من أحجام الطلب عليها من قبل المستثمرين في المملكة. ويرجع هذا إلى عدة عوامل تتمثل في إمكانية التنبؤ بالعائدات وتنويع المحافظ الاستثمارية. كما تعد المشكلات المتعلقة بتأمين التمويل من المصادر التقليدية أحد أهم العوامل لارتفاع أحجام المعروض من الصكوك، حيث تلجأ الشركات إلى سد حاجتها من التمويل عبر وسيلتين هما الاقتراض من البنوك والاكتتابات الأولية. ولكن البنوك أصبحت شديدة التردد في تقديم القروض، كما أن الاكتتابات لم تعد جذابة بسبب تدني تقييمها، ما جعل إصدار الصكوك مصدراً مهماً للتمويل.
80 % من الصكوك لتلبية فرص قطاع العقارات
من جانبه يؤكد المحلل الاقتصادي لاحم الناصر أهمية الصكوك كأداة مالية للمملكة من خلال أكثر من بعد؛ فمن ناحية تسهم في تحول السعودية إلى مركز لصناعة المصرفية الإسلامية، وفي نفس الوقت تساعد المؤسسات المالية والرقابية على إدارة السيولة. وتعمل الصكوك على توفير السيولة اللازمة لمشاريع البنية التحتية التي تحتاج إلى تمويل ضخم. كما أنها توفر التمويل طويل الأجل للنشاط العقاري الإسكاني حيث ستحتاج المملكة لبناء 1.5 مليون وحدة بحلول عام 2015. إلى جانب دور الصكوك في الإسهام في تنويع أدوات الاستثمار من خلال إيجاد أدوات استثمار ذات مخاطر متدنية عالية السيولة. وأخيراً فهي تعمل على إيجاد فرص تمويل بديلة بعيداً عن الاقتراض المباشر أو رفع رأس المال. ولكن الناصر يربط نجاح السعودية في أن تكون مركزاً مالياً للصكوك بتحقق أربعة بنود: أولها تطوير لائحة خاصة بطرح إدارج الصكوك، وتكوين سوق ثانوية منظمة لتداولها، وتعديل التشريعات ذات الصلة مثل قانون الشركات وأملاك الدولة، وطرح الصكوك السيادية.
وفيما يتعلق بالصكوك السيادية يقلل الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين من أهمية إصدارها في الوقت الحالي. ويرى أن ضخامة إصدارات الشركات السعوية مثل سابك والكهرباء إلى جانب البنوك السعودية يمكنها أن تعوض جانباً مهما من الصكوك السيادية التي يستبعد إصدارها في الوقت الحالي بسبب الوفرة المالية المتاحة. بينما يلفت ظافر القحطاني، نائب الرئيس التنفيذي في شركة الخليجية إنفست، إلى أن بعض الشركات تتجه إلى خارج المملكة لإصدار صكوك، مما يعني ضرورة إعادة النظر في التشريعات الخاصة بالسوق لتنمية تلك الأدوات. ويعود لاحم الناصر للتأكيد على أن المملكة فيها المقومات التي تساعدها لتبوء مركز مهم بين اللاعبين في سوق الصكوك العالمي. ويرجع ذلك لعدة أسباب، منها وجود فوائض نقدية عالية نتيجة لارتفاع أسعار النفط، ووجود مؤسسات مالية إسلامية سعودية ضخمة وشركات ذات تصنيف ائتماني عالٍ. ومن الأسباب المهمة تنظيم وجود شركات التأمين والنص على كونها متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ ذلك أن شركات التأمين من أهم المستثمرين في سوق السندات والصكوك.
ويقف المحلل أحمد بن عبد الرحمن الجبير مع التوقعات التي تشير إلى أن 80 في المئة من إصدارات الصكوك ستكون سعودية خلال السنوات القليلة المقبلة. ويرجع ذلك إلى التوجه نحو نمو الاستثمار في الصكوك بالمملكة في ظل النمو الاقتصادي الذي تشهده البلاد، إلى جانب أنها تنسجم مع رغبة كثير من المستثمرين والمساهمين الذين يرغبون في منتجات تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
ويلفت إلى أن قطاع العقارات هو الأبرز بالنسبة للصكوك في ظل عدد السكان الذي بلغ 25 مليوناً بحسب تقديرات حكومية. ومن ثم فإنه من المتوقع أن يتجاوز الطلب على المساكن حاجز 200 ألف وحدة سكنية جديدة كل عام. وهنا يبرز دور الصكوك التي يرجح أن تلجأ البنوك الإسلامية والتقليدية على حد سواء لتداولها والتعامل فيها. ويوصي بتعزيز وتقوية الصناعة المالية الإسلامية ودعمها من قبل البنك المركزي أسوة بالبنوك التقليدية. إلى جانب العمل على إيجاد البيئة المناسبة وتشجيع عمليات الاندماج بين البنوك الإسلامية لإنشاء كيانات ذات رؤوس أموال ضخمة تستطيع منافسة البنوك التقليدية في إصدار الصكوك الإسلامية للتمويل العقاري.
وفي هذا الإطار يدعو الجبير البنوك وشركات التمويل العاملة في السعودية إلى طرح برامج القروض السكنية والتوسع في الإقراض التمويلي العقاري من خلال إصدار الصكوك الإسلامية للأفراد والمؤسسات والشركات للاستفادة من سوق ضخمة تتجاوز الاستثمارات فيها 250 مليار دولار حتى عام 2010 ـــ كما تشير بعض التقارير الاقتصادية.
وبشكل عام يوصي السلطات النقدية والجهات المعنية المشرفة على البنوك في المملكة بالإسراع في إعادة النظر في تشريعاتها المصرفية والأنظمة الخاصة بالمؤسسات المالية والمصارف الإسلامية. وكذلك إنشاء إدارة خاصة بالمصرفية الإسلامية في البنك المركزي. وتكون مهمة تلك الإدارة هي الإشراف على أعمال المصرفية الإسلامية في البنوك السعودية ومتابعتها، بحيث تكون المملكة مركزاً رئيساً لهذه الصناعة. ومن التوصيات المهمة الاهتمام ببرامج التدريب والتأهيل وتجهيز الكوادر البشرية وإعداد الخبراء الشرعيين. إلى جانب طرح خدمات جديدة أكثر تطوراً وأكثر مرونة. يضاف إلى هذا تأسيس صناديق استثمار عملاقة للاستثمار في الطاقة والتقنية الحديثة وغيرها من المنتجات وصيغ التمويل الإسلامية الجديدة في الأسواق المحلية والدولية. وفي هذا الإطار يدعو إلى تنويع الاستثمارات بحيث لا تقتصر على قطاعات بعينها دون غيرها.
10 إصدارات جديدة في 2011
وفي بادرة تفاؤل أعلن البنك السعودي الهولندي منذ أيام أن الشركات السعودية تعتزم إطلاق عشرة إصدارات للصكوك في العام المقبل 2011. ويزيد هذا العدد على ضعفي نظيره في العام الحالي. من جانبه قال هارون نيسار، مدير أول الأنشطة المصرفية الإسلامية في البنك، إن الثقة بدأت تعود إلى السوق. وأعرب عن توقعه أن يتم طرح إصدارين أو ثلاثة كل ربع سنة خلال العام المقبل.
واعتبر أن كلمة السر لتحفيز الطلب على الصكوك السعودية هي انخفاض أسعار الفائدة في السعودية، إلى جانب اتفاق مجموعة دبي العالمية على إعادة هيكلة ديون مع 99 في المئة من بنوكها الدائنة، ونجاح إصدار دبي سندات تقليدية بقيمة 1.25 مليار دولار في أواخر سبتمبر. وبالنسبة للإصدارات المرتقبة، أشار إلى أن البنك الاسلامي للتنمية في جدة ومشروعا مشتركا بين "أرامكو السعودية" و"توتال" من بين المقترضين المحتملين، إلا أنه رفض التعليق على حجم تلك الإصدارات. وأضاف أن أغلبية الإصدارات الثمانية الأخرى ستكون بآجال استحقاق قصيرة، مع تفضيل للاكتتاب الخاص. كما أشار إلى أن عمليات الطرح الخاصة سهلة نسبيا، حيث إن هناك قواعد إفصاح أقل على الشركات. وفي معرض تعليقه على مناخ الفائدة في المملكة ـــ حيث سعر إعادة الشراء الرئيسي يبلغ 2 في المئة وهو الأمر الكفيل بإصابة المشترين بالإحباط ـــ أشار إلى أن المستثمر ليس لديه خيار. وأوضح أن أفضل الخيارات سيكون في الأدوات قصيرة الأجل، حيث لا يضطر المستثمر للاحتفاظ بها ثلاثة أو خمسة أعوام. ومن الأمثلة البارزة في هذا المجال قيام مجموعة بن لادن للمقاولات في يوليو ببيع صكوك لأجل تسعة أشهر فقط.