أسباب ثقافية واقتصادية وراء انتشار المصرفية الإسلامية في سوريا

أسباب ثقافية واقتصادية وراء انتشار المصرفية الإسلامية في سوريا

الاستثمار المصرفي الإسلامي في سوريا،استثمار واعد جدا وقد أفصح عن ذلك جملة من التشريعات المتميزة والمتسارعة التي أسهمت في تعزيز وجود هذه الصناعة، ولهذا فقد أخذت صناعة المصرفية الإسلامية في سوريا مكانتها الريادية، وهذا ما ذهب إليه المصرفي السوري مأمون دركزللي مدير عام بنك البركة الإسلامي في سوريا. فإلى تفاصيل الحوار الذي أجرته ديما ناصيف من دمشق:

كيف تصفون التعاون بينكم والحكومة السورية؟
- تربطنا بالحكومة أجواء تفاهم واسعة لأنها منحتنا صلاحيات وميزات لم تعطها للبنوك الخاصة الأخرى". لا يسع مأمون دركزللي  في حديثه عن التسهيلات  والتعاون الذي تقدمه التشريعات السورية لتسهيل العمل المصرفي، سوى التعبير عن التفاؤل الذي يسود الصيرفة الإسلامية السورية منذ أن أصدار المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2009، الذي رفع بموجبه رأسمال المصارف الإسلامية إلى 15 مليار ليرة سورية . المرسوم منح المصارف الإسلامية حق العمل بالصيغ الاستثمارية الكبرى، وعدم الاكتفاء، بما درجت عليه تجارب الصيرفة الإسلامية بالتركيز على نظام المرابحة.

قدمت من قطاع تقليدي إلى إسلامي .. ما السبب الذي دعاك إلى هذا؟
- بعد خمسة وثلاثين عاما من خوض تجارب مصرفية دولية، بدأتها بحصولي على  شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة نيويورك بدرجة متفوق، إختارني بنك تشيس مانهاتن للخضوع لبرنامج تدريبي في التسويق والائتمان ولأكون بعد عام مساعد رئيس خزانة في البنك.
فعالم المصرفية اليوم هو عالم إسلامي عالمي، وهي تحظى باهتمام عالمي ولها مكانتها بعد الأزمة المالية العالمية، ونتيجة لذلك استهوتني هذه الصناعة كونها صناعة تقف على قاعدة أخلاقية صلبة وأعادتني إلى دمشق، لتأسيس مصرفها الإسلامي الثاني، بعد صدور المرسوم 28 عام 2001 المتعلق بالمصارف الخاصة، وتأسيس بنك البركة الإسلامي بتكليف من إدارته الرئيسة في البحرين، بناء على خبرتي الطويلة التي تراكمت في بنوك عربية وعالمية للإسهام في تطوير العمل المصرفي في سوريا.

ماذا عن آثار الأزمة المالية العالمية على المصرفية الإسلامية؟
- المصارف الإسلامية لم تعان في الأزمة المالية العالمية ما عانته المصارف التقليدية، بسبب تركيزها على الاستثمارات العقارية "فالمصارف الإسلامية أثبتت جدواها بعد الأزمة المالية العالمية لأنها كانت الأقل تأثرا .. فهي لا تتعامل مع المشتقات المالية والفوائد التي كانت سببا جوهريا للأزمة". ويستدرك دركزللي بالقول "إن أغلبية الاستثمارات في سوريا في القطاع العقاري؛ وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل غير منطقي على حساب إهمال قطاعات أخرى أكثر إفادة للاقتصاد السوري كالسياحة والزراعة والصناعة" .

ماذا عن الاستثمارات المصرفية، وموقع المصرفية الإسلامية في سوريا؟
- أسباب عديدة تحول دون زيادة الاستثمارات في القطاع المصرفي، وأغلبية الكوابح التي تواجهها ثقافية على الأرجح، "فالذهنية الاقتصادية لا تزال حذرة في سوريا، وهو ما تفسره المبالغ الكبيرة للودائع في البنوك الخاصة دون وجود نوافذ استثمارية لاستغلالها". ولكن المصارف الإسلامية، على حداثة تجربتها وقلة عددها، تملك هامشا اوسع، وجاذبية أقوى من مثيلتها التقليدية لأسباب ثقافية أيضا. وهناك إقبال من قبل المودعين في سوريا على المصارف الإسلامية لسببين: ديني واجتماعي:"بعض  الناس هنا تثق بالبنك الاسلامي أكثر ... لا ربوية ولا فوائد وأغلبية البنوك العالمية افتتحت في فروعها ما يسمى "إسلاميك وندو"، نافدة الخدمة المصرفية الإسلامية".
 
على ماذا يعتمد بنك البركة في التمويل؟
- يعتمد بنك البركة ـــ بعد أربعة أشهر من مباشرة أعماله ـــ على تمويل المشاريع الاستهلاكية أو الصغيرة ضمن أسس عمله الأربعة في المضاربة والاستصناع والشراكة والمرابحة، فالمصارف الإسلامية بعيدة عن الربا في المقام الأول، وكل معاملاتها تعتمد على مبدأ المشاركة، فأي عملية للعميل يطلبها يدخل البنك معه في المشاركة، فمثلا من يرغب في شراء سيارة يتم شراء السيارة وتأجيرها له ومن ثم يبيعها البنك، وكذلك المنزل وغيرهما من السلع والمنتجات التي يطلب عليها تمويلا. لقد تأخرنا لثلاث سنوات بين الترخيص ومباشرة العمل ـــ موافقة رئاسة مجلس الوزراء السوري على دخول شركاء ثلاثة: بنك الإمارات الإسلامي وبعض أفراد عائلة الراجحي ومجموعة الخرافي ـــ منح بنك البركة هامشا كبيرا للدخول بقوة إلى سوق الصيرفة الإسلامية، و"اكتتاب الأسهم في بداية عمل البنك كان 438 في المئة رغم دعوة بعض الاقتصاديين لضرورة التأجيل حتى اتضاح مدى تأثير الأزمة المالية على العمل المصرفي الخاص في سوريا".
ويحق للبنوك الإسلامية تملك وإدارة ومشاركة أي مشروع تموله في سوريا؛ وهي إحدى التسهيلات الممنوحة لها دون غيرها، إعفاؤها من دفع الضرائب مرتين ـــ كما كان سابقا ـــ في التأجير المنتهي بالتمليك، وإجبار هذه البنوك على رفع رأسمالها من 100 مليون دولار إلى 300 مليون دولار، أمر لا يجد صعوبة في التنفيذ مع مليار ونصف مليون دولار رأسمال مجموعة البركة المالك الرئيس للبنك حول العالم.
 
أمضيت عشرين عاما في الخارج وأخيرا تعود للمصرفية الإسلامية وتعود إلى سوريا؟
- لقد تقلبت بين عواصم المال، و قيد النفوس واحد لا يتغير في أعرق أحيائها التاريخية "حي ساروجة" محطتي الجديدة لعملي المصرفي، فهناك بيئة واعدة مع عودة العمل المصرفي الخاص في سوريا اليوم إلى ما كان عليه قبل نصف قرن، وبعد خمسين عاما على التأميم، رغم بعض العراقيل والبيروقراطية في القوانين السورية، وخضوع البنوك في أمورها الضرائبية لوزارة المالية السورية، أما الإدارة فهي للبنك المركزي، وهي شروط لا بد منها كي يتقدم العمل المصرفي.

كيف تتطلع إلى تطور العمل المصرفي سوريا؟
- هناك تطور ملموس وكبير ونأمل في مزيد من المراسيم التشريعية لتسريع استقرار التجربة الجديدة. ولا بد من "تلازم عمليات الرهن مع نقل الملكية الخاصة، سيما في حال شراء العقارات من البنك الإسلامي وبيعها للزبائن، الأمر الذي يتطلب الرهن في وقت نقل الملكية"، وهي واحدة من التعديلات التشريعية الضرورية لرفع فاعلية العمل المصرفي الإسلامي، مع استجابة الحكومة السورية لمطالب أخرى ـــ التمويل التأجيري مثلا.

الأكثر قراءة